أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - حسّيبة؛ الشام بحسَب يوميات إمرأة















المزيد.....

حسّيبة؛ الشام بحسَب يوميات إمرأة


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 8408 - 2025 / 7 / 19 - 14:59
المحور: الادب والفن
    


1
مما له مغزاه، أن الأفلام السبعة الأولى، المنتجة من قبل المؤسسة العامة للسينما في سورية، كانت مأخوذة عن روايات أو قصص. في المقابل، نجد ندرة من الأعمال السينمائية، المستوحاة من روايات حنا مينه، وبالرغم من إنتاجه الغزير. الملاحظة الأخيرة، ربما تفسيرها يكمن أساساً في قلة أفلام المؤسسة العامة للسينما، فضلاً عن أن منتجي أفلام القطاع الخاص، عموماً، قد لا تتفق رؤيتهم التجارية مع مضامين تلك الروايات.
فيلم " حسّيبة "، أنتجته المؤسسة العامة للسينما عام 2008، وهوَ مأخوذ عن رواية بنفس الاسم للكاتب خيري الذهبي. الفيلم، إخراج وسيناريو ريمون بطرس. لقد سبقَ لنا دراسة أحد أفلام هذا المخرج، " الطحالب "، ولحظنا إهتمامه ببيئة مسقط رأسه في ريف مدينة حماة. كما ونوهنا بأسلوب خريجي مدرسة السينما السوفييتية، المتقاطع مع السيرة الذاتية لكل منهم، فضلاً عن تعهدهم غالباً تأليف السيناريو لأفلامهم. ولكن في " حسّيبة "، وهوَ آخر فيلم طويل أخرجه ريمون بطرس، شاءَ هذه المرة أن يتعامل مع رواية من البيئة الشامية.
خيري الذهبي ( 1946 ـ 2022 )، يُعد من أهم روائيي الجيل الثالث الأدبي في سورية. لقد درسَ الأدب العربي في جامعة القاهرة، ومن ثم أسهمَ بنشاط في الحركة الثقافية السورية سواءً بالصحافة الأدبية أو بإنتاجه الروائي والقصصي. إذا كان نجيب محفوظ، يُعتبر بمثابة الراوي لمدينته القاهرة، فإن الأمر نفسه ينطبق على خيري الذهبي بالنسبة لمسقط رأسه الدمشقي. بل إنه يرى ذاته كتلميذ لنجيب محفوظ، مثلما أننا نلحظ ذلك أيضاً من أسلوبه الكلاسيكي بشكل عام. في المقابل، وبخصوص رواية " حسّيبة "، فإن المرء ينتبه لتشابه حبكتها مع رواية إحسان عبد القدوس؛ " في بيتنا رجل ". ففي كليهما، تتمحور الحبكة على مناضل وصحفي شاب قد أتهم بقتل شخصية سياسية مرموقة، يلتجئ لمنزل أسرة صديقة ومن ثم يرتبط بعلاقة حب مع ابنتهم، وبعدئذٍ نراه يؤثر الواجبَ الوطني على مشاعره الخاصة. لكن رواية " حسّيبة "، تتطور حبكتها بحيث تنشأ عقدة أخرى، وهيَ منافسة الأم لابنتها في عشق الشاب.
المخرج ريمون بطرس، الذي قلنا أنه وضعَ السيناريو للفيلم، تعاملَ بحرفية عالية مع الرواية، فقدّم لنا فيلماً رومانسياً رائعاً. كذلك أسهمت كاميرا المصوّر المعلّم، جورج لطفي الخوري، بنقل لوحات جميلة عما يفترض أنها دمشق الأربعينيات، ببيوتها وأزقتها وحوانيتها وغوطتها. إلى ذلك، وبما عُرف عن المخرج من اهتمام بالموسيقى التصويرية ( درسها أيضاً في المعهد السوفييتي )، فإنها كانت في فيلمه معبّرة ومؤثرة؛ وهيَ من تأليف رعد خلف. إلا أن ثمة ملاحظة سلبية، من المفيد ذكرها، وتتمثل في أن المشاهد الأولى للفيلم توحي وكأننا أمام مسلسل دراما. وضافرَ من ذلك الإيحاء، ما ظهرَ من شارة الفيلم حين تم تقديم أسماء الممثلين تحت عنوان: رجال السوق.

2
الفتاة حسّيبة ( الفنانة سلاف فواخرجي )، لم يقدّر لها أن تعيش طفولتها، وذلك بسبب مرافقتها لوالدها، المتحصّن مع مجموعة من رفاقه الثوار في جبال القلمون. الأب، واسمه صيّاح ( الفنان طلحت حمدي )، يقرر العودة إلى دمشق عقبَ قرار حل المجموعة وتفرقها. يأخذ ابنته إلى حي القنوات العريق، ثمة أين يقيم قريبه، حمدان ( الفنان سليم صبري )، فيستقبله هذا بترحاب ويمنحه إحدى حجرات الدار الكبيرة. في البيت، تعيش والدة حمدان مع ابنتيها. الكبرى منهما، اسمها خالدية ( الفنانة جيانا عيد )، وكانت ذات شخصية قوية، تهتم بالضيفة الفتية وتروي لها كل مرة نتفاً من سيرة حياتها. على أن ثمة تناقضاً في الفيلم، بتقديمه لتلك المرأة كإنسانة متحررة بحيث تدخن السيجارة والنركيلة. فيما أن شقيقها الكبير حمدان، وهو ذكر العائلة الوحيد، يستنكرُ طلبَ حسّيبة أن يحضر لها جهاز راديو أو فونوغراف: " أعرافنا وأخلاقنا لا تعرف هذه الأشياء! ".
حسّيبة، لم يقدّر لها ألا تعيش طفولتها، حَسْب، بل وأيضاً مراهقتها. إذ سرعان ما طلبَ يدها، حمدان، الذي كان بعمر والدها، فلم تعترض. في إحدى المرات، يقص عليها زوجها حكاية مَن دعاه ب " شيخ البحرة ". منذئذٍ، صارت حسّيبة مؤمنة أن بحرة الدار مسكونة بأحد الجن. كل مرة، تفقد فيها طفلاً ذكراً، لسبب من الأسباب، كانت تعزو ذلك للعنة الجنيّ. هكذا بقيَ لديها ابنة، اسمها زينب ( الفنانة كندة حنا )، التي كانت غريبة الأطوار نوعاً ما. ثم تتوالى النكبات على حسّيبة، حين قررَ والدها العودة إلى الجبل بعدما أخبره أحد رفاقه القدامى بتجدد نشاط الثوار. بعد فترة، يأتي خبرُ مقتل الأب. ثم يلحقه السيّد حمدان، الذي وجد ميتاً في حانوته. عندئذٍ، تقرر أرملته إدارة الحانوت بنفسها غير مبالية باستنكار رجال الحارة. فأظهرت مهارة في فهم قانون الاحتكار، وخاصة في ظروف اندلاع الحرب العالمية الثانية وشحّة المواد التموينية في السوق؛ ما ضاعفَ من دخل الحانوت.
حبكة الفيلم، تُستهل عندما يُحضر أحدُ الأقارب صديقه الشاب، واسمَهُ فياض. هذا الشاب، وكانَ صحفياً، أراد التخفي عن أعين السلطات، التي اتهمته بالاشتراك في إغتيال المعارض الوطني البارز، عبد الرحمن الشهبندر، مبررة ذلك بأنه كتبَ مقالاً يرحب بعملية الإغتيال. يُمنح الشاب حجرة بالدور الثاني في المنزل. فما لبثت حسّيبة أن أحسّت بميل جارف نحوه؛ هيَ مَن لم تعش مراهقتها، واقترنت بعمر صغير من رجل في سن أبيها. ما لم تتوقعه، أن ثمة منافسة لها في مشاعر الحب، ولم تكن سوى ابنتها الوحيدة. ذات يوم، وبغياب الأم عن المنزل، تمرر زينب للضيف ورقة خطت فيها ما يفيد بمشاعرها نحوه. مشهدُ الفتاة، فيما كانت تغطس بمياه البحرة تعبيراً عن شدّة الفرحة بوصول رسالتها للحبيب، أعتبره من أكثر مشاهد الفيلم تأثيراً.
فيما كانت حسّيبة ما زالت على الهوى الصامت إزاء الشاب، إذا به يصدمها حينَ طلبَ يد زينب. ترفضه الأم بغضب في بادئ الأمر، ثم ما عتمت أن باركت الزواج كيلا تتسبب بإيذاء نفسية ابنتها. وكأنما للانتقام لمشاعرها الجريحة هيَ، حملت صهرها على أن يفتح حانوت زوجها الراحل لإدارته، وذلك مع علمها بكونه صحفياً لا يفقه بأمور التجارة. إذاك، كانت السلطات قد برأته من التهمة المنسوبة إليه. من جهتها، تبالغ حسّيبة كل مرة بانتقاد طريقة عمل فياض في المتجر، حدّ أن يقرر ذات يوم الالتحاق برفاقه، المتطوعين في حرب فلسطين. على الأثر، تصاب زينب بانهيار عصبي وتتهم الأم بكونها سبب تعاستها. خالدية، وكانت دوماً سند حسّيبة، تفقد توازنها على الدرج ذات يوم وتلقى حتفها. حادثٌ مماثل، جرى لحسّيبة بعدما كانت قد أبلت من شلل نصفي: هذا أيضاً كانَ من المشاهد المؤثرة في الفيلم، بنهاية البطلة في ذات البحرة، الملعونة.
فيلم " حسّيبة "، كانَ قصيدة رومانسية عادت بنا إلى دمشق الأربعينيات، لنواكب سيرة حياة إمرأة قوية المراس، نجحت بتحدّي تقاليد مجتمعها إلا أنها حرمت من السعادة. لا بد أخيراً من الإشادة بأدوار الممثلين، وفي مقدمتهم الفنانة سلاف فواخرجي، بالرغم من أنها في المشاهد الأولى من الفيلم كانت مرتبكة ومنفعلة.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شيء ما يحترق؛ عن الدرزي النازح
- الطحالب؛ حكاية جرح سوري
- باب المقام، المفتوح على الشغف
- سُلّم إلى دمشق؛ التقمّص عشيّة الثورة
- الليل؛ الفنتاسيا والواقع
- أحلام المدينة أم كوابيسها
- وقائع العام المقبل واختلال الوعي
- ليالي ابن آوى؛ البطريركية والسلطة
- نجوم النهار؛ رسم ساخر للمجتمع العلوي
- المصيدة؛ ثنائية الجنس والفساد
- الإتجاه المعاكس: فيلم فاشل
- كفر قاسم: القضية الفلسطينية سينمائياً
- وجه آخر للحب: الرغبة والجريمة
- اليازرلي والواقعية الجديدة
- بقايا صُوَر: الأدب والسينما
- السيد التقدمي والسيناريو السيء
- رشو آغا؛ العنصرية في السينما
- سائق الشاحنة: تدشين السينما الواقعية السورية
- المخدوعون؛ تأريخ الخيانة
- الفهد؛ قصة أصيلة أم منتحلة


المزيد.....




- إسرائيل تحتفي بـ-إنجازات- الدفاع الجوي في وجه إيران.. وتقاري ...
- رحيل المفكر السوداني جعفر شيخ إدريس الذي بنى جسرًا بين الأصا ...
- المقاطعة، من ردّة الفعل إلى ثقافة التعوّد، سلاحنا الشعبي في ...
- لوحة فنية قابلة للأكل...زائر يتناول -الموزة المليونية- للفنا ...
- إيشيتا تشاكرابورتي: من قيود الطفولة في الهند إلى الريادة الف ...
- فرقة موسيقية بريطانية تؤسس شبكة تضامن للفنانين الداعمين لغزة ...
- رحيل المفكر السوداني جعفر شيخ إدريس الذي بنى جسرًا بين الأصا ...
- -ميتا- تعتذر عن ترجمة آلية خاطئة أعلنت وفاة مسؤول هندي
- في قرار مفاجئ.. وزارة الزراعة الأمريكية تفصل 70 باحثًا أجنبي ...
- -بعد 28 عاما-.. عودة سينمائية مختلفة إلى عالم الزومبي


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - حسّيبة؛ الشام بحسَب يوميات إمرأة