أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد عادل زكى - إحياء قانون القيمة















المزيد.....

إحياء قانون القيمة


محمد عادل زكى
(Muhammad Adel Zaky)


الحوار المتمدن-العدد: 8414 - 2025 / 7 / 25 - 09:18
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


لم تكن القيمة، في تاريخ الاقتصاد السياسي، الذي هو في جوهره علم قانون القيمة، موضوعًا للبحث قدر ما كانت وسيلةً للهيمنة. فمنذ أن شقّ هذا العلم طريقه بين "ثروة الأمم" و"مبادئ الاقتصاد السياسي"، و"رأس المال"، لم يُطرح سؤال القيمة بوصفه سؤالًا معرفيًا خالصًا، بل باعتباره مدخلًا لتنظيم علاقات الإنتاج وفق ميزان لا يعكس الواقع بل يُعيد تشكيله بما يخدم مَن يملكون أدوات إعادة تشكيله. وهكذا، تحوّلت النظرية إلى سلطة، والعلم إلى جهاز ناعم لإنتاج الامتثال. لقد اتُّخذ "زمن العمل" منذ البداية مقياسًا للقيمة، لا لأنه يعكس الحقيقة الموضوعية، بل لأنه يُلبي متطلبات السوق الرأسمالي، الذي لا يرى في العمل إلّا زمنًا قابلًا للعدّ والتجزئة والمقارنة، وليس فعلًا إنسانيًا متعيّنًا، كثيفًا، مشروطًا وجدليًا. ولم يكن "زمن العمل الضروري اجتماعيًا" عند ماركس إلا تعقيدًا لمفهوم ريكاردو، الذي بدوره لم يكن سوى تكثيفٍ للطريقة التي جرّدت العمل من جسده ومن شروطه الاجتماعية، ليغدو وحدة قابلة للقياس. مقياسٌ يبدو محايدًا في صيغته الرياضية، لكنه في جوهره تمثيلٌ أيديولوجي يُخفي السلطة داخل المفهوم. لكن، ما الذي يُقاس فعلًا حين نقول إن "قيمة السلعة تُساوي زمن العمل اللازم لإنتاجها"؟ هل نقيس الجهد أم نقيس الكفاءة؟ هنا ينكشف زيف المعيار: فالزمن، بوصفه وحدة للقياس، لا يعبّر عن المشقة أو البراعة أو موقع العمل في البناء الاجتماعي للإنتاج. ولذلك، حين تتساوى ساعة من العمل العقلي المعقّد مع ساعة من العمل اليدوي البسيط، فإننا لا نكون بصدد قياس القيمة، بل بصدد إخفاء الفارق السياسي والاجتماعي بين أنواع العمل، وتحويل الفارق إلى تشابه وهمي. لقد واجه الاقتصاد السياسي هذه المشكلة مبكرًا، واعترف بها سميث في "ثروة الأمم"، حين قال إن إيجاد مقياس دقيق للمشقة أو البراعة ليس أمرًا يسيرًا، وأن التبادل لا يقوم على مقياس علميّ بل على المساومة في السوق. وكذلك ريكاردو الذي لم يخرج عن عباءة سميث، فقد سلّم بأن تقدير نوع العمل يتم عبر السوق تبعًا للكثافة والمهارة. وحده ماركس، وبكل ما مثّله من نقلة في النقد، تجاهل هذه الأزمة، حين أكد أن إرجاع أنواع العمل المختلفة إلى العمل البسيط يتم عبر عملية اجتماعية تجري من وراء ظهور المنتجين! غير أن هذا التسليم الجماعي بالاحتكام إلى السوق كمُسوّيٍ بين الأعمال المختلفة، لم يقد إلى الكشف عن قانونٍ موضوعيّ للتبادل، بل عمّق الالتباس: فالسوق قد يُساوي بين ساعة عمل الحدّاد وساعة عمل النجار في بلد، ويجعلها تختلف عشرة أضعاف في بلد آخر، دون أن يُفصح لنا لماذا. لقد اكتفى الاقتصاد السياسي، على مدار قرنين، باستخدام مقياس غير ثابت لقياس القيمة، ثم حين عجز عن الدفاع عنه، لجأ إلى السوق. أي إلى التقلّب، إلى الظرفي، إلى الآني، لا إلى القانون الموضوعي. وهنا يكمن جوهر الخلل: فالمقياس، لكي يكون مقياسًا، يجب أن يتسم بالثبات. لا يمكن قياس القيمة بوحدة قياس هي ذاتها متغيّرة. و"كمية العمل" ليست مقياسًا ثابتًا، لأن الأعمال تختلف من جهتي المشقة والبراعة، ومن ثم، تختلف قيمها حتى وإن تساوت في الزمن. أضف إلى كل ذلك أن الساعة كوحدة قياس إنما تقيس الزمن، والقيمة هي مجهود إنساني تجسد في المنتوج (خلال) زمن معين، وليست هي الزمن نفسه! إن المطلوب اليوم ليس فقط تجاوز هذا المقياس، بل تفكيك شروطه، والانفصال عن وهم المعيارية الرأسمالية التي تدّعي "الموضوعية" بينما تُخفي بداخلها عنفًا رمزيًا. المطلوب هو مقياسٌ صحيح، ينطلق من جوهر القيمة: الطاقة البشرية الاجتماعية المُنفقة. لا الزمن، الذي تنفق من خلاله، فالطاقة المنفقة، الحيّة والمخزونة والزائدة، هي ما يجب أن يُقاس، لا بوصفها مجازًا بل مادة قابلة للقياس الفيزيائي. ولذلك، فإن المقياس البديل يجب أن يكون هو السعر الحراري الضروري اجتماعيًا، أي الكمية الفعلية من الطاقة التي يحتاجها المجتمع لإنتاج سلعة معينة، مقسومة على الزمن لا باعتباره وحدة قياس، بل وسيطًا حسابيًا يسمح بقياس كثافة الطاقة في كل وحدة منه. وبهذا، نخرج من إسار القياس الزمني، ونتحرر من منطق التماثل الكاذب. لم تعد ساعة عمل الحلّاق تُساوي ساعة عمل الجرّاح، ولا ساعة عمل الحارس تُساوي ساعة عمل البنّاء، لأن ما يُقاس ليس الزمن، بل الطاقة المبذولة في سياق اجتماعي محدد. وهذا هو جوهر التحول: من الزمن إلى الطاقة، من التجريد إلى الكثافة، من السوق إلى الإنسان. إن نقد مقياس القيمة ليس تصحيحًا فنيًا داخل النظرية، بل تفكيكٌ جذريٌّ للمنظومة التي جعلت من الزمن، لا من العمل، جوهر العلاقة بين الإنسان والسلعة. وهو لا يستهدف تحسين النظرية، بل تجاوزها، لا بإلغاء سميث أو ريكاردو أو ماركس، بل بقراءتهم من حيث لم يكتبوا، ومن حيث أسكتهم المقياس. ليست المسألة، في جوهرها، مجرّد جدال تقني حول كيفية قياس القيمة، بل هي سؤالٌ وجوديٌّ يتعلّق بكيف نرى الإنسان نفسه: أهو مجرّد وحدة إنتاجية يُقاس عطاؤه بالزمن؟ أم أنه كائنٌ حيويٌّ، كثيف الطاقات، متعدّد الأبعاد، لا تُختزل قيمته في عدد الساعات التي يقضيها أمام الآلة أو في الورشة أو في المعمل؟ إننا، حين نقيس العمل بالزمن، لا نُخطئ فقط في حساب القيمة، بل نُشارك، بوعيٍ أو بدونه، في ترسيخ رؤيةٍ للعالم ترى في الإنسان مجرّد آلة، وتُخضع الجهد البشري لمنطق الحساب البارد. لكن الطاقة، بما هي أثرٌ ملموس لجسدٍ نابض، ومعاناة حقيقية لجسدٍ يعمل، تحمل داخلها وعدًا بإعادة الاعتبار للإنسان العامل، بوصفه مركز العملية الإنتاجية، لا تابعًا لها. إنها لا تقيس ما هو مرئي فقط، بل ما هو محسوس، مُعاش، ومتورّط في كل لحظةٍ من لحظات الصراع من أجل البقاء والكرامة. من هنا، فإن تجاوز مقياس الزمن لا يعني فقط تصحيحًا لنظريةٍ اقتصاديةٍ تجاوزها الزمن، بل يعني، في أعمق معانيه، تحرير القيمة من قبضة السوق، وتحرير الإنسان من كونه "عددًا" في دفتر حسابات الرأسمال. ذلك أن القيمة، كما نراها، ليست معادلة صمّاء، بل علاقة حيّة بين الإنسان والعالم؛ علاقة تُقاس لا بالزمن المنقضي، بل بالعرق النازف، والنبض المتسارع، والاحتراق الداخليّ الذي لا تُدركه الصيغ الرياضية، مهما بدت محايدة. ربما آن الأوان أن نصغي لصمت العامل، أن نقرأ القيمة في تعب الجسد، لا في دقّة الساعة. فهناك، في عمق الطاقة المبذولة، تسكن الحقيقة التي لطالما تجاهلتها النظرية.



#محمد_عادل_زكي (هاشتاغ)       Muhammad_Adel_Zaky#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإمبرياليَّة والنفط، وخرائط الدّم
- هل يمكن إنقاذ الاقتصاد السياسي؟
- من بابل إلى لانكشير: تاريخ مقنّن للسيطرة
- أزمة الماركسية في العالم العربي
- صدمة الحداثة
- الرأسمالية كحضارة نفي: حين يحكم الربح مسار الإنتاج
- الأزمة البيداجوجية للاقتصاد السياسي
- الإصلاح الاقتصادي: لحظة من لحظات الهيمنة
- مَن يربح حين نموت؟ الإمبرياليَّة تُجيب
- القانون: شرعنة القهر الرأسمالي الحديث
- قفاز حريري يُخفي مخالب من حديد
- نهب القارة الأفريقية: جرحٌ نازفٌ في جسد التَّاريخ والإنسانيّ ...
- الاقْتِصَاد السِّياسيّ: تحطيم المركزيَّة وبناء الإنسانيَّة
- أطلال الحضارات المغدورة: أمريكا اللاتينيَّة في ظل الهيمنة ال ...
- في التَّاريخ الذي كُتب بالذهب والدم: نقد المركزيَّة الأوروبي ...
- الهيمنة بالفائدة: الرأسمالية حين تُدير العالم كخزينة خاصة
- هيمنة التداول وأزمة الاقتصاد المتخلف
- الآلهة الجديدة: الرَّأسمال، والسُّوق، والإمبرياليَّة
- رامساي (1789- 1864)
- خدعة البريكس: قراءة نقدية في وهم الاقتصاد السياسي الجديد


المزيد.....




- الجيش الإسرائيلي لـCNN: تم إسقاط مساعدات إنسانية جوا على غزة ...
- خلال جولته في إسكتلندا.. ترامب في ملعب الغولف والمتظاهرون في ...
- مقترح جديد بإنشاء -مناطق عبور إنسانية- في غزة
- شركة هندية تنفي شحن مواد متفجرة إلى روسيا
- عاجل | وزارة الداخلية السورية: إلقاء القبض على شخص يترأس غرف ...
- بيرلو في الإمارات وفيريتو إلى قطر والمغربي زكرياء من فرنسا إ ...
- إسرائيل تعلن فتح ممرات آمنة في غزة والسماح بإسقاط المساعدات ...
- ماذا يحدث لسكر الدم عند شرب القهوة؟
- إعلام إسرائيلي: الجيش سيطبق وقفا -إنسانيا- لإطلاق النار بغزة ...
- الشرع لماكرون: أحداث السويداء نتيجة فوضى لمتمردين على الدولة ...


المزيد.....

- السيرة النبوية لابن كثير (دراسة نقدية) / رحيم فرحان صدام
- كتاب تاريخ النوبة الاقتصادي - الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب الواجبات عند الرواقي شيشرون / زهير الخويلدي
- كتاب لمحات من تاريخ مملكة الفونج الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي / تاج السر عثمان
- برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية / رحيم فرحان صدام
- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد عادل زكى - إحياء قانون القيمة