أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - محمد عادل زكى - مَن يربح حين نموت؟ الإمبرياليَّة تُجيب














المزيد.....

مَن يربح حين نموت؟ الإمبرياليَّة تُجيب


محمد عادل زكى
(Muhammad Adel Zaky)


الحوار المتمدن-العدد: 8376 - 2025 / 6 / 17 - 02:50
المحور: الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
    


في زمنٍ لم تعد فيه الجيوش تحتاج إلى عبور الحدود لاحتلال الأراضي، صارت الحروب تُدار عن بُعد، بالتحريض والتسليح والتمويل. الحرب، في هذا النظام العالمي، ليست خللًا، بل ضرورة. إنها شكل من أشكال التنظيم، لا الفوضى. بل إنها أكثر أدوات النظام العالمي "نظامًا"، إذ تنبع من منطقٍ دقيق يحكم حركة المال والسلاح والمصالح الجيوسياسية. الإمبريالية، وقد تبدلت أوجهها، لم تعد ترفع رايات الفتح العسكري، بل تكتفي بإشعال النار وتوزيع الوقود. تكفي شرارة صغيرة في منطقة متوترة لتبدأ السلسلة: تحريض، تسليح، اصطفافات مذهبية أو قومية، ثم حربٌ تنفجر وتستمر، بلا أفق ولا نهاية. فالدولة التي تُهاجم، غالبًا ما تفعل ذلك باسم "الدفاع عن النفس"، والدولة التي ترد، تفعل ذلك باسم "المقاومة" أو "الردع"، لكن خلف هذا المشهد السطحي، هناك من يبيع السلاح للطرفين، ويموّل إعادة الإعمار سلفًا، ويضبط توقيت وقف إطلاق النار تبعًا لمصالحه، لا لمصالح الشعوب. تُشعل الإمبريالية النزاعات لتُبقي الدول في حالة إنهاك دائم، وعجز عن التنمية، وافتقار إلى القرار المستقل. كلما اشتد الصراع، ارتفعت أرباح مصانع السلاح، وتوسعت أسواق الطاقة، وازدهرت تجارة الديون. الدولة التي تحارب تقترض، والدولة التي تُقصف تقترض، وبينهما بنك دولي، وصندوق نقد، ومُشرف مالي غربي. الحرب بالوكالة ليست عرضًا جانبيًا. إنها النموذج المثالي: لا خسائر مباشرة للدول الكبرى، ولا تكلفة بشرية على شعوبها، بل أرباح وفيرة من الدماء المسفوكة على أراضٍ بعيدة. تدفع الشعوب ثمنًا مضاعفًا: يُقتلون، ثم يُدينون لإعادة بناء ما دُمّر. شعارات الحروب تتكرر: السنة والشيعة، الأمن القومي، حماية المقدسات، القومية، الثأر. لكن ما إن يُطلق الرصاص، حتى يُصاب الفقراء، والعاطلون، والمزارعون، واللاجئون، والجنود المجندون قسرًا. بينما يبقى المستفيدون الحقيقيون في الظل، يجمعون أرباحهم في بورصات لا تعشق طعم الدم. إن الحرب تُقدَّم بوصفها قدرًا لا مفر منه، لكنّها في الحقيقة اختيار سياسي. اختيار تتخذه الدول الإمبريالية عن وعيٍ، وتُسَوِّقه عبر أدواتها الإعلامية والثقافية، وتفرضه كحقيقة تاريخية. أما حقيقة الحقائق، فهي أن الحروب لا تنشب من تلقاء ذاتها، ولا تدوم إلا إذا كانت مفيدة لمن يملك مفاتيح المال والسلاح. لا تصنع الإمبريالية فقط الحروب، بل تصنع أعداء وهميين، وأزمات مصطنعة، وتخلق دائمًا سياقات من الخوف والتهديد، لتبرير التدخل، أو التسليح، أو التصفية. وفي كل مرة، تُعيد إنتاج الأسطورة: أن هذه الحرب ستنهي كل الحروب، وأن هذه المعركة ستكون الفاصلة، لكنّها ليست إلا بداية لجولة أخرى. في هذه الحروب، الشعوب لا تعرف لماذا تقاتل، ولا متى تنتهي معركتها، ولا لصالح من تُراق دماؤها. والكارثة أن الشعوب تُخدَع مرارًا: تسير خلف الرايات، تهتف خلف الشاشات، وتموت تحت أنقاض الشعارات، بينما الذي يُقرّر الحرب أو السلم، لا يعيش في أرض المعركة. من يربح إذًا؟ يربح من لا يُقاتل. من لا يُدفن. من لا تُقصف مدنه: المصارف، شركات السلاح، أباطرة إعادة الإعمار، وسماسرة التفاوض. ومن يخسر؟ يخسر الجندي الذي عاد بلا أطراف. والمزارع الذي احترق حقله. والأم التي تنتظر ابنها على معبر لا يُفتح. يخسر اللاجئ، والمشرد، واليتيم، والمكفوف، والجائع. إن الصراع بين إسرائيل وإيران – كمثالٍ حيّ – لا يمكن فصله عن هذا المنطق. ليس صراع دول مستقلَّة، بل جزءٌ من لعبة أكبر تُدار في غرف التحكم الإمبريالية. يُقدَّم على أنه صراع وجودي، أو ديني، أو قومي، لكنَّه في الجوهر، صراع يُستثمر لصالح منظومة لا مصلحة لها في النصر أو الهزيمة، بل في استمرار الاشتباك. تُرفع راية المسجد الأقصى، وراية حماية الحسينيات، وراية الأمن الإقليمي، لكن الرصاص لا يذهب إلى تلك الأهداف، بل إلى الأجساد. والدم لا يسقي القيم، بل يغذّي خزائن بارونات الطاقة، وملوك المال العابر للحدود. الخلاصة أن من ينظر إلى هذه الحروب بعين المذهب، أو القومية، أو الجغرافيا، يرى السطح فقط. أما العمق فيكشف عدوًا واحدًا يتخفّى كل مرة بشكل جديد: الإمبريالية. هي مَن تدير. هي مَن تُحرّض. هي من تشتري وتبيع وتربح. أما الشعوب، فهي الضحية الدائمة، والجثة المؤجلة. إن أول خطوة في مقاومة هذا النظام ليست المدافع وحدها، بل وضوح الرؤية: أن نعرف من يقتلنا، ولماذا. وأن نفهم أن العدو ليس من يختلف معنا في الطائفة أو اللغة أو الحدود، بل من يربح من دمائنا.



#محمد_عادل_زكي (هاشتاغ)       Muhammad_Adel_Zaky#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القانون: شرعنة القهر الرأسمالي الحديث
- قفاز حريري يُخفي مخالب من حديد
- نهب القارة الأفريقية: جرحٌ نازفٌ في جسد التَّاريخ والإنسانيّ ...
- الاقْتِصَاد السِّياسيّ: تحطيم المركزيَّة وبناء الإنسانيَّة
- أطلال الحضارات المغدورة: أمريكا اللاتينيَّة في ظل الهيمنة ال ...
- في التَّاريخ الذي كُتب بالذهب والدم: نقد المركزيَّة الأوروبي ...
- الهيمنة بالفائدة: الرأسمالية حين تُدير العالم كخزينة خاصة
- هيمنة التداول وأزمة الاقتصاد المتخلف
- الآلهة الجديدة: الرَّأسمال، والسُّوق، والإمبرياليَّة
- رامساي (1789- 1864)
- خدعة البريكس: قراءة نقدية في وهم الاقتصاد السياسي الجديد
- استبداد السلطة في الأنظمة العربية: جدلية القمع والتخلف
- عن التخلُّف وإعادة إنتاجه
- في مواجهة الاقتصاد النفطيّ المُقدّس
- الطَّبقة الْوسطى العربيَّة: صراعات الهوية وتصدّعات الحداثة
- الطبقة المستحيلة: أزمة العامل العربيّ في اقتصاد تابع
- وليم بتي (1623–1687)
- ريتشارد كانتيون (1680–1734)
- النيوكلاسيكية: نهاية الاقتصاد السياسي وبداية وهم العلم المحا ...
- فرنسوا كينيه (1694 – 1774)


المزيد.....




- صاروخ -سجيل- الباليستي.. ماذا نعرف عن الصاروخ الجديد الذي تم ...
- روسيا تخشى من خسارة أخرى في الشرق الأوسط جراء مواجهة إيران م ...
- من يملك السلاح النووي الأقوى في العالم؟
- ما الأضرار التي سببتها الضربات الإسرائيلية للبرنامج النووي ا ...
- مع تصاعد القصف .. غياب الملاجئ يزيد من معاناة الإيرانيين
- قيادة الأمن السيبراني الإيراني: صد هجوم كبير على الشبكة المص ...
- الدفاع الروسية: قواتنا استهدفت بقنبلة جوية نقطة تجمع للقوات ...
- الخطوط الجزائرية تلغي جميع رحلاتها إلى الأردن حتى إشعار آخر ...
- ما هدف ترامب من حرب إسرائيل ضد إيران؟
- مجلس الأمن الدولي يعقد اجتماعا بشأن الحرب الإسرائيلية على إي ...


المزيد.....

- علاقة السيد - التابع مع الغرب / مازن كم الماز
- روايات ما بعد الاستعمار وشتات جزر الكاريبي/ جزر الهند الغربي ... / أشرف إبراهيم زيدان
- روايات المهاجرين من جنوب آسيا إلي انجلترا في زمن ما بعد الاس ... / أشرف إبراهيم زيدان
- انتفاضة أفريل 1938 في تونس ضدّ الاحتلال الفرنسي / فاروق الصيّاحي
- بين التحرر من الاستعمار والتحرر من الاستبداد. بحث في المصطلح / محمد علي مقلد
- حرب التحرير في البانيا / محمد شيخو
- التدخل الأوربي بإفريقيا جنوب الصحراء / خالد الكزولي
- عن حدتو واليسار والحركة الوطنية بمصر / أحمد القصير
- الأممية الثانية و المستعمرات .هنري لوزراي ترجمة معز الراجحي / معز الراجحي
- البلشفية وقضايا الثورة الصينية / ستالين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - محمد عادل زكى - مَن يربح حين نموت؟ الإمبرياليَّة تُجيب