أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد عادل زكى - في مواجهة الاقتصاد النفطيّ المُقدّس














المزيد.....

في مواجهة الاقتصاد النفطيّ المُقدّس


محمد عادل زكى

الحوار المتمدن-العدد: 8353 - 2025 / 5 / 25 - 14:55
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لعلّ أخطر ما يصيب الفكر حين يُستبدل بالسُّؤال الجدليّ عن الْواقع، سؤالٌ عَقَديّ عن الْغاية؛ وحين يُترك تَحليل الظَّواهر لصالح تصنيفها حلالًا وحرامًا ومكروهًا ومباحًا؛ وحين يُزاح القانون الاجْتماعيّ لصالح الحكم الشرعيّ، حينها فقط يغيب العِلم، ويزهو "الاقتِصَاد الإسلاميّ"! لا كمنجز معرفيّ، بل كصورة مثاليّة لفشل مزدوج: فشل في إدراك منطق العلم، وفشل في إدراك منطق العقيدة ذاتها. في حضارتنا الإسلاميَّة العظيمة لم ينشأ أبدًا علمٌ اقتصاديّ، لا في بغداد، ولا في قرطبة، ولا في القيروان، على الرغم من توافر الشروط الماديّة الَّتي قد تُنتج مثل هذا العلم. لماذا؟ لأن الفقيه هيمن على العقل، لا بوصفه ناقدًا أو مجدّدًا، بل بوصفه مالكًا للحقّ المُطلق في تفسير الحياة. كانت كلّ مسألة اجتماعيَّة تُردّ إلى سؤال فقهيّ، وكلّ ظاهرة اقتصَاديَّة تُحشر ضمن "باب المعاملات"، ليُفتى فيها لا لتُحلّل. لقد عُزل الفقر عن شروطه الموضوعيَّة، وأُحيل إلى الابتلاء، كما أُحيلت الأسعار إلى مشيئة الخالق، لا إلى قوانين السُّوق، وصار الريع بركة، لا اغتصابًا للجهد الجماعيّ. فلم يكن، بالتَّالي، ثمّة ضرورة لعلمٍ اقتصاديّ طالما أن الجواب جاهز، ومختومٌ بخاتم الشرع، لا بمنطق البحث. لم يسأل أحدهم: لماذا يفتقر المجتمع؟ ولا كيف يت إفقاره؟ لأن السُّؤال كان دومًا: ما حكم الفقر؟ وكيف نصبر عليه؟ ومع هذا النمط من التَّفكير لم يكن من الممكن أن ينشأ علمٌ، بل فقط فتاوى، وأبواب فقه، وعقود مُزيَّنة بأخبار الآحاد والموضوع من الأحاديث، والمقولات الأخلاقية الجوفاء. ثم تأتي الحداثة المتأخّرة، في ثوبها النفطيّ، فتُحاول أن "تُحدثن" هذا الفقه، لا بتحليله أو نقده، بل بترقيعه: تأخذ النظريَّة الحدّية النيوكلاسيكية (المهيمنة)، بنسختها الأوروبيَّة المجرّدة من التَّاريخ والطَّبقة والمجتمع، وتطليها بالآيات والأحاديث، وتستورد مفاهيم "المنفعة القصوى" و"توازن السُّوق"، وتربطها إفكًا وزورًا بمفهوم "العدل في الإسلام"! إنها الحدّية، لكنها هذه المرّة تغتسل بماء زمزم، وتُرفَع من منبر المسجد. فما يسمّى "الاقتصَاد الإسلاميّ" ليس عِلمًا، لا بمعناه المنهجيّ، ولا بوظيفته النقديَّة، بل هو خطاب، وظيفته الدفاع عن الامتياز، وإسباغ القداسة على السُّوق، لا فضح تناقضاته. إنّه اختزال للنشاط الاقتصَاديّ بأسره إلى مجرّد تطبيق للنصوص، أو ما يُظنّ أنّه النصوص، ورفضٌ لكلّ محاولة لفهم الاقتصَاد بوصفه نتاجًا لعلاقات اجتماعيَّة وتاريخيَّة. نعم، من حقّ أيّ فكر دينيّ أن يطوّر رؤيته حول ما يجب أن يكون، لكن لا يحقّ له أن يدّعي العلم، بينما هو يرفض أدوات العلم، ويعادي منطقه. لا يُمكن بناء علمٍ على نصٍّ مقدَّس، ولا يمكن حل أزمة الإنتاج بتفسير آية، كما لا يمكن فهم الربح عبر الحديث عن بركة الزكاة. إنّ "الاقتصَاد الإسلاميّ،"كما يُقدّم في الجامعات النفطيَّة وكُتب شيوخها، لا يُنتج معرفة، بل يكرّر سردية دفاعيَّة، تستبطن فشلًا مزدوجًا: الْعجز عن فهم العلم الاقتصَادي من جهة، والعجز عن فهم الدين نفسه من جهةٍ أخرى. إن المجتمع المتخلّف لا يمكن أن يفهم دينه إلا فهمًا متخلفًا.



#محمد_عادل_زكى (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطَّبقة الْوسطى العربيَّة: صراعات الهوية وتصدّعات الحداثة
- الطبقة المستحيلة: أزمة العامل العربيّ في اقتصاد تابع
- وليم بتي (1623–1687)
- ريتشارد كانتيون (1680–1734)
- النيوكلاسيكية: نهاية الاقتصاد السياسي وبداية وهم العلم المحا ...
- فرنسوا كينيه (1694 – 1774)
- ما بعد الاحتلال: الصراع العربي/الإسرائيلي كأزمة حضارية
- التاريخ كصيرورة: في نقد الثبات والوهم في الوعي الاجتماعي
- منابر الصمت: المدارس والجامعات بين الطاعة والمعرفة
- النيوليبرالية العربية: عن عبودية السوق واستقالة الدولة
- في مدارات التبعيّة: الاقتصاد كإعادة إنتاج للفقر
- الجامعة كآلية لإعادة إنتاج الطاعة
- من نظام إلى احتضار: سيرة العدم المعولم
- سرّ إنتاج المعرفة
- النخَّاس الجديد: كيف تعيد الإمبريالية صياغة هويتنا وتراثنا؟
- من الكنيسة إلى الجامعة: استمرار أدوار الهيمنة بصيغ جديدة
- في الطبيعة الاقتصادية للأسهم
- نقد وظائف النقود
- في الربا والفائدة
- الطبيعة القانونية للودائع المصرفية


المزيد.....




- حماس تدعو للتصدي بكل الوسائل لمخططات تهويد المسجد الأقصى
- من الاجتياح إلى التحرير: محطات في مسيرة المقاومة الإسلامية ف ...
- تردد قناة طيور الجنة بيبي نايل سات وعرب سات وفرح قلب طفلك بأ ...
- الجمعة 6 حزيران أول أيام عيد الأضحى في معظم الدول الإسلامية ...
- مركز الفلك الدولي يعلن موعد عيد الأضحى في معظم الدول الإسلام ...
- مصر.. -سيناريو وتداعيات- وكلام عن القضية الفلسطينية وأذرع ال ...
- ثبت تردد قناة طيور الجنة 2025 وسلي أطفالكم وعلمهم في الوقت ذ ...
- بعد قرون من اختفائها.. قطعة أثرية نادرة تعود لزمن المسيحية ا ...
- -نعم للترانسفير-.. انهيار الديمقراطية وصعود خطاب الإبادة الد ...
- العمود الثامن: موخيكا وصاحبنا الصيهود


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد عادل زكى - في مواجهة الاقتصاد النفطيّ المُقدّس