أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - محمد عادل زكى - منابر الصمت: المدارس والجامعات بين الطاعة والمعرفة














المزيد.....

منابر الصمت: المدارس والجامعات بين الطاعة والمعرفة


محمد عادل زكى

الحوار المتمدن-العدد: 8349 - 2025 / 5 / 21 - 10:53
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


في بلادنا العربيَّة المنكوبة، حيث تلتقي مفارقةُ الفوضى التنظيميَّة مع تشدّد البيروقراطيَّة الجافة، صار التَّعليم جزءً من منظومة معقدة لإعادة إنتاج الجهل المنظَّم وتكريس الهيمنة الاجتماعيَّة والسياسيَّة. التَّعليم، الَّذي يفترض به أن يكون مِفتاحَ العقل الحر ورمزَ التحوُّل الحضاريّ، صار اليوم معملًا بيروقراطيًّا لإنتاج كائنات مفرغة من الفكر، مهيّأة للركوع التلقائيّ لكل سلطة، تُدرَّب لا على السُّؤال، بل على الصمت المُنظَّم. هذا التَّعليم الرَّسميّ لا يهدف إلا إلى تكريس الواقع الاجتماعيّ الطبقيّ، ويعمل جاهدًا من أجل ترسيخه؛ من خلال فرض ثقافة الطَّاعة الَّتي تتناقض جذريًا مع روح الفكر النقديّ. فكيف لمؤسسة تعتمد على التلقين والحفظ أن تُنتج حرية التَّفكير؟ إنّها صناعة زائفة تُعيد تدوير المعرفة الميتة وتفرض حدودًا صارمة على فضاء العقل، في حين تقدّم نفسها كصمام أمان للحضارة والتقدم. إن المدارس والجامعات، الَّتي ينبغي أن تكون منابر للتحرّر الفكريّ، باتت مسارح لأداء متكرر وممسرح لآليات التلقين الَّتي تعيد إنتاج الفوارق الطبقية والهيمنة الرمزية. والمعيار، بالتَّالي، ليس الفهم ولا الإبداع، بل القدرة على تكرار النصوص المقدَّسة للسلطة كما يُتلى النَّشيد في حضرة الطغيان؛ إنها منظومة تُعيد تدوير العقل المستعمَر بأساليب لا تختلف كثيرًا عن تلك الَّتي ابتكرها المستعمِر لصناعة خَدَمه المخلصين! وفي مشهد مأساوي آخر، يتحول الْمُعلم إلى ضحية للنظام البيروقراطيّ ذاته؛ ومحرومًا من أدنى شروط العمل، يُطلب منه أن يُخرج أجيالًا من المتلقين الَّذين لا يحملون أكثر من شهادة مزخرفة بلا جوهر. فكم هو مثير للسخرية أن يُطلب من الْمُعلمين الَّذين يعانون من التهميش وقلة الإمكانيَّات، بل وقلة العلم نفسه، أن ينتجوا أجيالًا واعية، بينما هم أنفسهم أسيرون لثقافة القهر والرتابة. هذا هو التَّعليم الذي يُعيد إنتاج البطالة والتخلُّف، لأنه لا يبني سوى الوهم، ويزرع في النفوس ثقافة التردد والرضا بالقليل. إنّ التعليم في عالمنا الْعَربيَ المنكوب، يستند إلى فرضية، مركزية، قوامها أن الأجيال القادمة مجرد أدوات للاستقرار السياسي، وليسوا مواطنين. تلك الفرضية تتحول إلى حقيقة مؤلمة حين نرى المناهج تُكرّس الذهنيَّة السلطوية، وتُجهّز العقول للاستسلام بدلاً من الثورة على الواقع المر. علينا إذًا أن نعيد التَّفكير الجذري في وظيفة التَّعليم وأدواته، فلا نهضة تُبنى على ركام الجهل المُقنَّن، ولا تحرّر يُولد من رحم الوصاية الفكرية. فالتعليم الَّذي لا يُحرّر العقل من سطوة السلطة، ولا يُشعل شرارة الشك الخلَّاق في الوعي، ليس إلا أداة لتعميم العجز وتدوير الانكسار. إنّه قيدٌ خفيّ، لا يُحسّ إلا حين يُصبح العقل عاجزًا عن السُّؤال. قيد لا سبيل لكسره سوى بإعادة تعريف التَّعليم كفعل تمرُّد على الرداءة، لا كوسيلة اندماج في نسق الخراب. فهل سنواصل إذًا السير في هذا الطريق المسدود، نُنتج المزيد من الجهل والامتثال تحت مسمَّيات براقة؟ أم أننا سنختار تحطيم القيود القديمة ونؤسس تعليمًا يكرّس الإنسان ويفتح له آفاق الحرية والخلق والإبداع؟ هذه هي معركة العقل والحضارة الَّتي لا يمكن أن نتهرب منها، لأنها محور خلاصنا أو استمرار مآسينا.



#محمد_عادل_زكى (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النيوليبرالية العربية: عن عبودية السوق واستقالة الدولة
- من نظام إلى احتضار: سيرة العدم المعولم
- النخَّاس الجديد: كيف تعيد الإمبريالية صياغة هويتنا وتراثنا؟
- من الكنيسة إلى الجامعة: استمرار أدوار الهيمنة بصيغ جديدة
- في الطبيعة الاقتصادية للأسهم
- نقد وظائف النقود
- في الربا والفائدة
- الطبيعة القانونية للودائع المصرفية
- الطبيعة القانونية للودائع النقدية
- التَّخلُّف الاجْتماعيّ والاقْتِصَاديّ للبَاحث المغربيّ مُحمّ ...
- نقد الاقتصَاد السّياسي، مُقدمة الطبعة الألمانيَّة
- في ضلالات الذهن الاقتصادي العربي
- ما هو الرأسمال؟
- نهاية الاقتصاد السياسي
- نقد الاقتصاد السياسي، مقدمة الطبعة السودانية
- النقد الموسَّع لنظرية نمط الإنتاج
- (قِيمَة/ زَمَن)
- المزيدٌ من الشَّرح لدور الزَّمن في تكوين القيمة
- نقد الريكاردية في تفسير التبادل الدولي
- طريقين إلى روما...النهاية الواحدة دائمًا، بقلم لوجينا صادق


المزيد.....




- الهند: موجات الحر الشديدة تهدد ثلاثة أرباع سكان البلاد
- السلطة الفلسطينية تتهم القوات الإسرائيلية بإطلاق النار على و ...
- هل أصبحت أوروبا مهددة بوباء حمى الضنك وشيكونغونيا بسبب الاحت ...
- الموت المفاجئ يطارد لاعبي كمال الأجسام المحترفين
- لماذا أعاد الأردن 17 طفلا فلسطينيا لقطاع غزة؟
- -يجب وضع حدّ لهذا الصمت المُطبق حيال ما يحدث في غزة-- الإندب ...
- لأول مرة في العالم: جراحون أمريكيون ينجحون في زرع مثانة بشري ...
- إنقاذ مئات الأشخاص بسبب الفيضانات التي ضربت مقاطعة نيو ساوث ...
- عون يلتقي عباس وسلاح المخيمات على بساط البحث: لن يكون لبنان ...
- برشلونة يركز اهتمامه على زميل محمد صلاح!


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - محمد عادل زكى - منابر الصمت: المدارس والجامعات بين الطاعة والمعرفة