أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - محمد عادل زكى - في مدارات التبعيّة: الاقتصاد كإعادة إنتاج للفقر














المزيد.....

في مدارات التبعيّة: الاقتصاد كإعادة إنتاج للفقر


محمد عادل زكى

الحوار المتمدن-العدد: 8350 - 2025 / 5 / 22 - 01:36
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


لا يحتاج المرء إلى بذل جهد كبير ليعلن، وبوضوح، أن السياسات الماليَّة والنقديَّة في مصر ليست سوى انعكاس مباشر لعلاقات التَّبعية التي تحكم البنية الكليَّة للاقتصَاد المصري، وهي بنية لم تنفك، منذ ما بعد لحظة التكوين الكولونياليّ الحديث، عن أداء دور "الملحق" في النظام الرَّأسماليّ العالميّ، لا من حيث شروط الإنتاج ولا من حيث أدوات التَّوزيع أو أنماط الاستهلاك. وليس من المبالغة القول إن السياسة الاقتصادية الرسميَّة في مصر ليست سوى إدارة محلية لعلاقات سُميت زورًا "تنموية"، بينما هي في جوهرها استمرار لحالة نزع القِيمة من المجتمع لصالح دوائر الهيمنة الدوليَّة. فالسياسة الماليَّة، بما في ذلك الموازنة العامة للدّولة، لا تقوم بوظيفتها كما حددها الفكر الاقتصادي الكلاسيكي أو حتى الكينزي في أحسن أحواله، أي كونها أداة لتوزيع الموارد وتحقيق العدالة الاجتماعيَّة. بل تحولت إلى أداة لتثبيت هيكل الاستدانة، عبر استنزاف الْفائض الاجْتماعيّ لسداد الفوائد وخدمة الدين، الَّذي يُعاد إنتاجه سنويًّا لا كضرورة اقتصَادية موضوعيَّة بل كخيار سياسي طبقي واضح. أما السياسة النقديَّة، فتُمارس في ظل "استقلال" صوري للبنك الْمركزيّ، حيث تُحدد أسعار الفائدة وسعر صرف الجنيه بما يتواءم مع شروط المؤسَّسات الدّولية، لا مع حاجات التنمية الوطنيَّة أو متطلبات بناء اقتصاد مُنتج. بل إن التعويم الأخير للجنيه، كما سابقيه، لم يكن إلا إعادة ترسيم لحدود السيادة، بحيث يُعاد تعريف العملة الوطنية من خلال موقعها في سوق المضاربات العالميَّة، لا من خلال طاقتها الإنتاجيَّة الاجتمَاعيَّة. ولعل أخطر ما في هذه السياسات أن خطابها العام، سواء في تصريحات المسؤولين أو في وثائق الدولة، يستبطن تصورًا معياريًا للاقتصَاد بوصفه نظامًا تقنيًا محايدًا، يُدار بالأرقام والنسب، في تجاهل تام لأن كل سياسة نقدية أو ماليَّة ما هي إلا تعبير عن مصالح طبقية محددة، وتكثيف لشروط الصراع الاجتماعيّ بين مَن يملكون ومَن لا يملكون. إن الأرقام الَّتي تتحدث عن نسب التضخُّم، وعجز الموازنة، والدين الْعام، لا تكتسب معناها إلا إذا وُضعت في سياقها التَّاريخي والاجتماعيّ. فالتضخّم في مصر ليس مجرّد اختلال بين العرض والطلب، بل هو انعكاس مباشر لانهيار القدرة الشرائيَّة للطَّبقات الكادحة نتيجة خضوع الاقتصاد لآليات تسعير لا تخضع للمنطق الاجتماعيّ، بل لمنطق الربح المجرَّد. وإذا كانت الدولة تتبنى ما يسمى بـ"الإصلاحات الاقتِصَادية"، فإن السُّؤال الْجوهريّ يبقى: إصلاح لمصلحة مَن؟ وإذا كانت المؤشرات الاقتصاديَّة الكلية تشير إلى "تحسُّن" ما، فأي طبقة اجتماعيَّة تستفيد من هذا التحسُّن؟ وأي جماعة بشرية تدفع ثمنه من حياتها اليوميَّة، من رغيف خبزها، ومن كرامتها المهدرة؟ إن الحديث عن السياسات الماليَّة والنقديَّة بمعزل عن بنية التبعية الَّتي تحكمها هو تكرار للدوران في الحلقة المفرغة ذاتها: الحديث عن النمو دون إنتاج! وعن الاستقرار دون عدالة! وعن الإصلاح دون حرية! والمطلوب اليوم ليس تجميل وجه هذه السّياسات، بل مساءلتها من جذورها، بوصفها جزءً من منظومة تنزع القِيمة من الإنسان لحساب تراكم غير عادل، سواء داخل الحدود أو خارجها. ولن يتحقق أي تحوُّل حقيقيّ في السياسة الاقتصَادية إلا من خلال إعادة تعريف مفهوم القِيمة ذاته، والانطلاق نحو مشروع نقدي جذري يُعيد للمجتمع سيادته على أدوات إنتاجه وتوزيع ثرواته.



#محمد_عادل_زكى (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من نظام إلى احتضار: سيرة العدم المعولم
- سرّ إنتاج المعرفة
- النخَّاس الجديد: كيف تعيد الإمبريالية صياغة هويتنا وتراثنا؟
- من الكنيسة إلى الجامعة: استمرار أدوار الهيمنة بصيغ جديدة
- في الطبيعة الاقتصادية للأسهم
- نقد وظائف النقود
- في الربا والفائدة
- الطبيعة القانونية للودائع المصرفية
- الطبيعة القانونية للودائع النقدية
- التَّخلُّف الاجْتماعيّ والاقْتِصَاديّ للبَاحث المغربيّ مُحمّ ...
- نقد الاقتصَاد السّياسي، مُقدمة الطبعة الألمانيَّة
- في ضلالات الذهن الاقتصادي العربي
- ما هو الرأسمال؟
- نهاية الاقتصاد السياسي
- نقد الاقتصاد السياسي، مقدمة الطبعة السودانية
- النقد الموسَّع لنظرية نمط الإنتاج
- (قِيمَة/ زَمَن)
- المزيدٌ من الشَّرح لدور الزَّمن في تكوين القيمة
- نقد الريكاردية في تفسير التبادل الدولي
- طريقين إلى روما...النهاية الواحدة دائمًا، بقلم لوجينا صادق


المزيد.....




- أحد أعرق فنادق أوروبا يعود قريبا إلى مجده السابق
- من الترطيب إلى التثبيت.. خطوات -الكونسيلر- الناجح
- نتنياهو يعلق على مقتل موظفي السفارة الإسرائيلية في واشنطن
- مقتل موظفين اثنين في السفارة الإسرائيلية بواشنطن: المشتبه به ...
- بعد جدل حول هدية ب400 مليون دولار.. البنتاغون يقبل الطائرة ا ...
- مقتل اثنين من موظفي السفارة الإسرائيلية في واشنطن بإطلاق نار ...
- نعي الرفيق القائد الوطني عبد العزيز خضر “أبو فؤاد”
- قائد الجيش اللبناني: إسرائيل تعرقل الانتشار الكامل للجيش في ...
- -فلاي دبي- تستأنف رحلاتها إلى دمشق
- مجلس الأمن الروسي: إنفاق الاتحاد الأوروبي على التسلح سينهك ب ...


المزيد.....

- اليسار بين التراجع والصعود.. الأسباب والتحديات / رشيد غويلب
- قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند / زهير الخويلدي
- مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م ... / دلير زنكنة
- عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب ... / اسحق قومي
- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - محمد عادل زكى - في مدارات التبعيّة: الاقتصاد كإعادة إنتاج للفقر