أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - محمد عادل زكى - سرّ إنتاج المعرفة














المزيد.....

سرّ إنتاج المعرفة


محمد عادل زكى

الحوار المتمدن-العدد: 8350 - 2025 / 5 / 22 - 09:42
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


ليس من جوهر الْمسألة المعرفيَّة في شيء أن يُطرَح السُّؤال لأجل الْحصول على جواب، فالإجابة، كإجابة، لا تحتل مكانة أولى في مدارج الْوعي؛ إنما الطَّريق، منهج التفكير، هو وحده ما يشكل القِيمَة المعرفيَّة الحقيقيَّة. فحيثما كان العقل يسلك مسلكًا سليماً في التَّأمل والتَّحليل، تكون الإجابة، إن أتت، سليمة في إطارها التَّاريخيّ والاجتماعيّ دون ادّعاء امتلاك للحقيقة الْمطلقة. وإذا نحن ألقينا نظرة فاحصة على التَّاريخ، رأينا كيف سادت الحضارة الإسلاميَّة، في لحظةٍ مخصوصة من مسيرة الإنسانيَّة، حينما كانت أوروبا ترزح تحت وطأة الكنيسة الإكليريكيَّة وسياط الملكية الإقطاعيَّة، وكان الْوعي البشريّ مسحوقًا بين مطرقة الاستبداد وسندان الخرافة، فإذا بالعقل الإسلاميّ يبرق من خراسان إلى قرطبة، يضيء ليل الْعالم الوسيط، لا بما حمل من معارف، بل بما كشف من طريقة في إنتاج الْمعرفة. فالقرن الرَّابع الهجري، على سبيل المثال، لم يكن زمنًا لوفرة الأفكار فحسب، بل كان لحظة كاشفة لآلية توليد الفكر، لحظة انبثاق "سرّ إنتاج المعرفة". هذا السر الَّذي لم يكن خطابًا عن التراث أو احتفالاً بالسبق، بل كان فاعلية عقل نقدي جدليّ، باحث عن قوانين الحركة، ساعٍ إلى إدراك الجوهر خلف العرض، والضرورة خلف الطَّارئ. ولعل من أكثر ما يُثير الامتعاض، أن تتكرر موسميًّا تلك الدعوات الْعقيمة لإحياء الْفكر العَربيّ أو استعادة مجد التراث الإسلاميّ، دون أن نُبصر سوى اجترار باهت لأخبار ومرويات ومقارنات سطحية مع الفكر الأوروبيّ، على نحو يُوهم بأنَّ الْماضي حيٌّ، فيما الحاضر لا يعدو أن يكون ميتًا يتحرك. هو ماضٍ يُستحضر لا ليفعل في الحاضر، بل ليتخذ منه حجابًا يقي من أسئلة الزمن. لقد صيغت عبارات نمطيَّة من قبيل: "علّم الْمسلمون العالم"، و"أنقذوا أوروبا من ظلماتها"، حتى باتت تلك الأقوال جزءً من سرديَّة عُصابية لا تعنى بالتَّحليل بل بالإيهام، ولا تسعى إلى إدراك العلل بل إلى التَّعميم، وهي بهذا ليست سوى تنويعات على جهلٍ منتفخ بالذَّات. إن الإجابة الْوحيدة الممكنة، الجديرة بالتأمُّل، هي أن المسلمين في ذروة تحقّقهم التَّاريخي، قد علّموا الإنسانيَّة كيف تُنتج المعرفة. فالمسألة لا تكمن في المعلومة، بل في العقل القادر على توليد الفكرة، وفي الذهنيَّة الَّتي تنتج الْمنهج، وفي التجريد الَّذي يلاحق القانون وسط الفوضى الظَّاهرة. ولذلك فإن أزمة التعليم، وهي هي أزمة الفكر، في الأقاليم الطرفية من النظام الرَّأسمالي العالمي، وعلى رأسها عالمنا العَربيّ، إنما تتمثل في فصل الفكر عن العملية التعليميَّة، وتحويل المعرفة إلى تكديس عدديّ للمعلومات، لا إلى أداة لفهم الْعالم وتحويله. تعليمٌ يعزل الطَّالب عن التَّاريخ الْحي للعقل، فيُراد له أن يحفظ لا أن يُفكر، أن يُكرّر لا أن يبدع، أن يُلقّن لا أن يَستنبط. إن جوهر ما بلغته الذهنية الإسلاميَّة في عصرها الذَّهبي لم يكن تراكمًا معرفيًّا فحسب، بل كشفًا لقوة العقل في التَّجريد، وفي ربط الْجزئي بالكلّي، والظَّاهر بالباطن، والمحدود بالمطلق. وهذا هو، في التَّحليل الأخير، سرّ إنتاج المعرفة.



#محمد_عادل_زكى (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النخَّاس الجديد: كيف تعيد الإمبريالية صياغة هويتنا وتراثنا؟
- من الكنيسة إلى الجامعة: استمرار أدوار الهيمنة بصيغ جديدة
- في الطبيعة الاقتصادية للأسهم
- نقد وظائف النقود
- في الربا والفائدة
- الطبيعة القانونية للودائع المصرفية
- الطبيعة القانونية للودائع النقدية
- التَّخلُّف الاجْتماعيّ والاقْتِصَاديّ للبَاحث المغربيّ مُحمّ ...
- نقد الاقتصَاد السّياسي، مُقدمة الطبعة الألمانيَّة
- في ضلالات الذهن الاقتصادي العربي
- ما هو الرأسمال؟
- نهاية الاقتصاد السياسي
- نقد الاقتصاد السياسي، مقدمة الطبعة السودانية
- النقد الموسَّع لنظرية نمط الإنتاج
- (قِيمَة/ زَمَن)
- المزيدٌ من الشَّرح لدور الزَّمن في تكوين القيمة
- نقد الريكاردية في تفسير التبادل الدولي
- طريقين إلى روما...النهاية الواحدة دائمًا، بقلم لوجينا صادق
- نقد نظرية التبادل غير المتكافىء
- تصحيح مقياس القيمة


المزيد.....




- بالفيديو: حزب الشعب الجمهوري يقود احتجاجات في إسطنبول.. ما ا ...
- “المحامين” تقاطع “الجنايات” احتجاجًا على رفع رسوم التقاضي
- لليوم الثاني.. “المحامين” تقاطع “الجنايات” احتجاجًا على رفع ...
- دفاعًا عن حق السكن: لماذا يجب رفض قانون إلغاء “الإيجار القدي ...
- اللجنة التحضيرية للجمعية العمومية للمحامين تصدر بيانها الأول ...
- تجوع ليحيا.. ليلى سويف تعود للإضراب الكلي احتجاجًا على استمر ...
- غياث نعيسة: نظام أحمد الشرع يُعيد إنتاج القمع بوجه جديد… وال ...
- الحكومة الإسبانية اليسارية في عين العاصفة
- المدرسة العليا للتجارة بمراكش تحتضن لقاءً حوارياً مع الأمين ...
- ما هي الفصائل الفلسطينية المسلّحة في لبنان؟


المزيد.....

- أوهام الديمقراطية الليبرالية: الإمبريالية والعسكرة في باكستا ... / بندر نوري
- كراسات شيوعية [ Manual no: 46] الرياضة والرأسمالية والقومية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- طوفان الأقصى و تحرير فلسطين : نظرة شيوعيّة ثوريّة / شادي الشماوي
- الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة: ... / رزكار عقراوي
- متابعات عالميّة و عربية : نظرة شيوعيّة ثوريّة (5) 2023-2024 / شادي الشماوي
- الماركسية الغربية والإمبريالية: حوار / حسين علوان حسين
- ماركس حول الجندر والعرق وإعادة الانتاج: مقاربة نسوية / سيلفيا فيديريتشي
- البدايات الأولى للتيارات الاشتراكية اليابانية / حازم كويي
- لينين والبلاشفة ومجالس الشغيلة (السوفييتات) / مارسيل ليبمان
- قراءة ماركسية عن (أصول اليمين المتطرف في بلجيكا) مجلة نضال ا ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - محمد عادل زكى - سرّ إنتاج المعرفة