أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - محمد عادل زكى - نقد الاقتصاد السياسي، مقدمة الطبعة السودانية















المزيد.....

نقد الاقتصاد السياسي، مقدمة الطبعة السودانية


محمد عادل زكى

الحوار المتمدن-العدد: 7348 - 2022 / 8 / 22 - 14:11
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


مقدمة الطبعة السُّودانية لنقد الاقْتصَاد السِّياسيّ


تجتاح السُّودان، كما تَجتاح معظم الأجزاء المتخلّفة من النظام الرَّأسماليّ العالميّ المعاصر، مَوجاتٌ عَنيفة من السّياسات الاقْتصاديَّة الَّتي أدَّت إلى تعميق الإفقار اليَوْميّ للشعوب. تلك السّياسات المفروضة على الجماهير الغفيرة من قِبل المؤسَّسات النقديَّة والماليَّة الدوليَّة (بصفةٍ خاصَّة: البنك والصندوق الدولييَن)، والَّتي تبنتها الأنظمة الحاكمة ربما كحلولٍ سهلة، بالنْسبةِ لها، في سبيل الحصول على المزيدِ من القروض كوسيلة إسعافيَّة لمواجهة عجز الموازنات العامَّة والخلل في مَوازين التجارة الخارجيَّة، ولسد احتياجات المؤسَّسات الحاكمة نفسها، وأذرعها القويَّة في الجيش والشرطة والقضاء والإعلام، لا يمكن اعتبارها وَسيلة سليمة عِلميًّا لتجاوز الأَزَمات الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة الَّتي تَعتصر مجتمعاتنا المتخلّفة، بل هي أرذلٌ وأذل الحلول الَّتي تتحملها الأجيال الحاليَّة والقادمة مَعًا. وعلى الرَّغْم من أن تلك السياسات اقتضت، ضمن ما اقتضت:
- الارتفاع في المستوى العام للأثمان، الَّذي استتبع الانكماش في الطلب الكلّي على جُل السلع الأساسيَّة من قبل الغالبيَّة المقهورة اجتماعيًّا واقتصاديًّا.
- تَضخُّم حَجْم الدّين الخارجيّ والدَّاخليّ، ومن ثم الغرق في دائرة الدين الجهنميَّة، وبالتَّالي طلب المزيد والمزيد من القروض لسداد مُستمر لديون لا نهاية لها.
- تخفيض قِيمة العُملةِ الوطنيَّة. ومع فشل مُعظم خطط وتوقعات قدوم الاستثمارات الأجنبيَّة؛ لم يجن المجتمع سوى عُملة مُترديَّة وارتفاع جنوني في الأثمان وضغط مُكثف على الاحتياطي النقديّ.
- تفشي سُعَار الجِباية؛ وبالتالي زيادة الأعْبَاء اليوميَّة على كاهل الطبقات الفقيرة والأشد فقرًا.
- مُحاباة كبار رجال المال والأعمال والشرائح الطفيليَّة والانتهازيَّة على حِساب المنتجين المباشرين؛ الأمر الَّذي استصحب ازدياد الاستقطاب الاجْتماعيّ.
- ازدياد مُعدَّلات التَّبعيَّة للرَّأسماليَّة العالميَّة، وبالتَّالي انهيار القُدرة الوطنيَّة على تجديد الإنتاج الاجْتماعيّ بمعزلٍ عن إرادة مراكز صُنع القرار السّياسيّ في الأجزاء المتقدمة من النظام الرَّأسماليّ العالميّ المعاصر.
- تدمير الصناعات الوطنيَّة، وتشريد الآلاف من العُمَّال مع ترك الفلَّاح نهبًا للرَّأْسمال المُضارب. وبالتَّالي ضياع الفُرص المدهشة لتنمية مُستقلة مُعتمدة على الذَّات.
- تَخلي الدَّولة عن دورها التَّاريخي في حقل الخدمات العامّة، وتقليص الجهاز الإداريّ للحكومة، مع الارتفاع المطرد في نسبة المواطنين تَحت خط الفقر.
- التَدَهْوُر في الهيكل الاقْتصَاديّ وازدياد الاضطراب في الميزان التجاريّ مع فقد أي ميزة نسبيَّة في السُّوق الدوليَّة.
فعلى الرَّغْم من كُل تلك النتائج الكارثيَّة على الصَّعيد الاجتماعيّ والاقتصاديّ؛ لم تزل الأنظمة الحاكمة، بصفةٍ خاصَّة في العالم العربيّ، مُصرَّة على المضي، وبعزمٍ لا يلين، في تنفيذ توصيات، قُل أوامر، المؤسَّسات النقديَّة والماليَّة الدوليَّة، بل والدفاع عن أفكارها والترويج الفج لأيديولوجيتها، مع حث الشعوب المنهكة على التَّجَلُّد من أجل غدٍ قادم يحمل الخير!
فما هي حَقيقة وطبيعة تلك السّياسات الاقْتصاديَّة؟ وكيف تكونت في رَحم الرأسماليَّة المعاصرة مع انتقال مراكز الثقل الحضاريَّة عبر حركة التَّاريخ؟ وهل يمكن من خلال تلك السّياسات اللحاق فعلًا، ولو بعد حين، بركب التقدُّم كما تَزعُم الأنظمة الحاكمة وتُزين لشعوبها؟ ومن ثمَّ، هل تمثل تضحيات الأجيال الحاليَّة والقادمة تكْلفة مَقبولة لمستقبل أفضل لأوطاننا المنكوبة؟ تلك الأسئلة تثير بطبيعتها العديد من الأسئلة الأوليَّة والجوهريَّة، ومنها على سبيل المثال: ما هي الرَّأسماليَّة نفسها؟ وكيف يمكن دراسة تكونها التَّاريخيّ وتطوُّرها، المحكوم بقوانين حركتها، دراسة مَوضوعيَّة، ناقدة، رافضة للمركزيَّة الأوروبيَّة الَّتي أرَّخت للعالم ابتداءً من تاريخ أوروبا الاستعماريَّة؟ وما هي التَّبعيَّة؟ وما هو مِقياسها؟ وما هو التَّخلُّف؟ وكيف نفسره؟ وما هي إمكانيات تَجاوزه؟ وما هو العِلم الاجْتماعيّ الَّذي نَستخدمه في سبيلنا للتعرُّف إلى كل تلك الأمور؟ وما هو موضوعه؟ وما هو مَنهجه؟ وما هي أساسياته الفكريَّة ومُنطلقاته المعرفيَّة؟ وكيف تكوَّن هو نفسه تاريخيَّا؟ وكيف نتعامل مع الجسم النَّظريّ لهذا العِلم ذاته بمنهجٍ ناقد؟ مَنهج يمكنَّا من إعادة النَّظر في مُسلَّماته من أجل تحليل الظَّواهر الاجْتماعيَّة محل انشغالنا على نحو يتيح لنا فهم ظَواهر النشاط الاقْتصَاديّ على الصَّعيد الاجْتماعيّ، فَهمًا مُتجاوزًا للتصوُّرات الميكانيكية والرُؤى الخطيَّة، والتَّعامل معها بذكاءٍ وفعالية بقصد تجاوز أهم مُشكلاتنا الوجوديَّة، وهي المتركزة في تجديدنا لتخلُّفنا الاجْتماعيّ والاقتصاديّ كل صباح!
ابتداءً من رفضي التَّعريفات، الَّتي تحترمها النَّظريَّة الرَّسميَّة وهي في حقيقتها لا تُقدم سوى الأفكار الجامدة والعازلة، واهتمامي بالتَّحديدات الَّتي تُعطي رَحابة في الفهم وسِعَة في التَّحليل، يُحاول هذا الكتاب الإجابة عن الأسئلة المذكورة أعلاه وما يرتبط بها من خلال تقديم خطوط مَنهجيَّة وأدوات فكريَّة يَستخدمها الذّهن في سبيله إلى تقديم الإجابة. وبقدر صواب تلك الخطوط المنهجيَّة وهذه الأدوات الفكريَّة، الَّتي تقدّم نفسها دائمًا كفرضيَّة لا تدَّعي امتلاك الحقيقة، تكون صحة الإجابة.
هذا الكتاب إذًا هو دعوة لمناقشة مُشكلاتنا الاقْتصاديَّة المزمنة على الصعيد الاجْتماعيّ دون تحيُّز أجْوف ووَعْي زائف ليس بإمكانهما إلا دفعنا وبقوةٍ إلى الوراء. مُناقشة بلا نَعرة عُصابيَّة تخرّب لا تعمّر، وتَهدم ولا تبني. مُناقشة رَافضة كلَّ حديثٍ سيَّال فَاقد السند وكلَّ كلام مُرسل عديم الدَّليل. مُناقشة هدفها المركزيّ تكوين الوَعْي المتجاوز لما تم تلقينه للضحايا في المدارس والجامعات وحشوه في عقولهم طِيلة سنواتٍ نَحِسَات من التجهيل المعرفيّ والتجريف الثقافيّ. مُناقشة علميَّة هادئة، إنما ناقدة نقدًا لا هوادة فيه لكل ما هو قائم من أوثان الفكر والرأي.
وأن تلك الكلمات الَّتي أقدم بها للطَّبْعة السُّودانيَّة، المطابقة للطبعة السَّادسة، من نقد الاقتصاد السياسي والَّتي تصدر اليوم في الخرطوم، تختلف عن جميع الكلمات الَّتي قدَّمتُ بها للطَّبْعات الأخرى من قبل؛ فكلماتٌ تلك الطَّبْعة ملؤها السعادة ومدادها الحماس وقوامها الامتنان. فأن تصدر تلك الطَّبعة وتكون في متناول الأصدقاء في السُّودان بعد سنوات من اهتمامهم والسُّؤال الدَّائم عن مدى توافر الكتاب في المكتبات السُّودانيَّة، منذ صدور أول طبعة منذ عشر سنوات تقريبًا؛ لهو مبعث سعادة غامرة، بعد أن كانت ردودي على الأصدقاء دائمًا ما تسبب الإحباط، لهم ولي، بعدم توافر الكتاب في السُّودان. ولم يكن أمامنا سوى بذل الجهود الفرديَّة بالاتفاق على طلب المساعدة من الأصدقاء السودانيين والمصريين المسافرين من مصر إلى السُّودان وتحميلهم عبء حمل ما تيسر من نسخ إلى السُّودان. ولذا، فإن صدور الطَّبعة السُّودانيَّة يجعل المرء يشعر بالحماس بصفةٍ خاصَّة وأن السُّودان بلد المفكرين والمثقفين بامتياز، وأن يصبح الكتاب متاحًا الآن في السُّودان إنما يعني ومباشرة أن جميع أفكار هذا الكتاب سوف تكون موضع مناقشة ثريَّة وموضوعيَّة وفاعلة، وربما نقلت موضوعات الكتاب من حقل الفكر المجرَّد إلى حقل الواقع الثوريّ، وهو ما ينشده الكتاب. ولو كان الأمتنان لجميع الأصدقاء الأحباب في السُّودان على ترحابهم بكتابي منذ صدوره، فيجب أن يكون الامتنان بصفةٍ خاصَّة للدكتورة العزيزة/ إسراء الأمين الريس، الَّتي كانت السبب الجميل في وجود نقد الاقتصاد السياسي الآن في السُّودان. والشكر، كل الشكر، للأصدقاء الأعزاء في السُّودان: رمزي سانتو، ومعمر موسى، وعبد الدائم نوري عبد الكريم، وميادة كمال، ومحمد حمد، وعبد الله الحاج، ومحمد المكي، ويوسف معتصم يوسف، ومعاذ خليفة إدريس، ومهدي ياسين سنكارا، وعبد الرحمن ود الفكي، وصديق عبد الله، وعلي بشير، ومحمد الفاضل، وعبده قسم الله، وعبد الرحمن مصطفى، ومصطفى الأسطى. أشكركم جميعًا أصدقائي الأعزاء.
محمد عادل زكي
https://sudanstarnews.net/1455/



#محمد_عادل_زكى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النقد الموسَّع لنظرية نمط الإنتاج
- (قِيمَة/ زَمَن)
- المزيدٌ من الشَّرح لدور الزَّمن في تكوين القيمة
- نقد الريكاردية في تفسير التبادل الدولي
- طريقين إلى روما...النهاية الواحدة دائمًا، بقلم لوجينا صادق
- نقد نظرية التبادل غير المتكافىء
- تصحيح مقياس القيمة
- نظرية التوزيع في علم الاقتصاد السياسي
- نقد نظرية نمط الإنتاج
- نظرية ماركس في الريع
- تفكيك العقل الأوروبي
- (ما لا تقوله كتب الاقتصاد) تحرير: د.غادة موسى، أستاذ العلوم ...
- مباديء تيار مدرسة الاسكندرية
- رابط تحميل كتاب نقد الاقتصاد السياسي
- حول الصوفية، للباحث بيان اليوسف
- تفكيك الذهن المنتج للاقتصاد السياسي
- خرافة التبادل غير المتكافيء
- القروض الدولية في إطار أحكام القانون الدولي العام
- الديمقراطية في النظم السياسية العربية
- نقد نظرية نمط الإنتاج الآسيوي


المزيد.....




- هارفارد تنضم للجامعات الأميركية وطلابها ينصبون مخيما احتجاجي ...
- خليل الحية: بحر غزة وبرها فلسطيني خالص ونتنياهو سيلاقي في رف ...
- خبراء: سوريا قد تصبح ساحة مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران
- الحرب في قطاع غزة عبأت الجهاديين في الغرب
- قصة انكسار -مخلب النسر- الأمريكي في إيران!
- بلينكن يخوض سباق حواجز في الصين
- خبيرة تغذية تحدد الطعام المثالي لإنقاص الوزن
- أكثر هروب منحوس على الإطلاق.. مفاجأة بانتظار سجناء فروا عبر ...
- وسائل إعلام: تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس ...
- قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على مناطق متفرقة في غزة (فيديو)


المزيد.....

- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - محمد عادل زكى - نقد الاقتصاد السياسي، مقدمة الطبعة السودانية