أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد عادل زكى - في الربا والفائدة















المزيد.....

في الربا والفائدة


محمد عادل زكى

الحوار المتمدن-العدد: 7990 - 2024 / 5 / 27 - 04:47
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


تقوم نظرية الربا في فقه الشريعة على مفهوم مختلف عن المفهوم الذي تقوم عليه في العلم الاقتصادي ذي المركزية الأوروبية، وابتداءً من هذا المفهوم المختلف ستكون أكثر اتساعًا تلك العملية التي يخضعها الفقه للمناقشة من تلك التي ينشغل بها العلم الاقتصادي. فالربا، في اللغة والفقه، يقوم على ظاهرة "الزيادة" في الشيء. قال الطبري: "أربْى فلان على فلان، إذا زاد عليه... والزيادة هي الربا". (الطبري، جامع البيان، ج6، ص7) وبالتالي اتسعت دائرة المناقشة الفقهية لتشمل جميع صور الزيادة (الَّتي تؤدي إلى أي خلل في المراكز أو العلاقات التعاقدية المتكافئة في مجتمع تسوده ظاهرة التبادل) فمفهوم الربا يشمل: الربا الذي شاع قبل الإسلام، بأن يبايع أحدهم الرجل إلى أجل، فإذا حل الأجل زاد في الربح، وزاد الآخر في الأجل. (الماتريدي، تفسير الماتريدي، ج2، ص476). كما يشمل الوفاء قبل الأجل بشرط دفع قيمة أقل. (الجصاص، أحكام القرآن، ج1، ص566). أو البيع بثمنين المؤجل منه أعلى من الحال كأن يبيع سلعةً بعشرةٍ نقدًا، أو بخمسة عشر إلى أجلٍ. (الأبهري، شرح المختصر الكبير، ج2، ص244). كما يشمل أيضًا التفاضل في الجنس الواحد من الْمَكيل والموزون. (الجصاص، أحكام القرآن، ج1، ص564) بل وحتى بيع الثمار دون أن تطيب، وبيع الطعام قبل قبضه، والنقصان في الكيل والميزان كذلك أدخله الفقه في دائرة الربا. (الماتريدي، ج6، ص167. وكذلك: اللخمي، التبصرة، ج6، ص2767). فالربا، كما فهمه رجال الشريعة، هو كل ما من شأنه أخذ مال الإنسان من غير عوض، دون إرادة سليمة مما يعتورها من عيوب الإرادة. (قارب: الرازي، حلية الفقهاء، ص125). ولتلك المساحة الشاسعة التي تقع في دائرتها المعاملات المالية الربوية، لم تقرر الشريعة عقوبة مادية دنيوية، كالتي فرضت للقتل والسرقة والزنا. وبالتالي، وعلى الرغم من أن النبي مات قبل أن يبين لصحابته آيات الربا التي قال عمر أنها آخر ما نزل من القرآن! (الطبري، جامع البيان، ج5، ص66). كان من الضروري إحاطة تلك العملية بأقصى درجات الترهيب؛ إذ جرى النهى عن أكل الربا، وعن الشهادة على الربا، وعن كتابة الربا، وعن إطعام الربا... فهؤلاء كلهم قد تعاونوا على هذا الإثم والعدوان، وكل قد أخذ بحظه من الحرام. (الترمذي، المنهيات، ص141. وكذلك: الدارقطني، العلل، ج5، ص171) ويصل الترهيب والوعيد ذروته بتكفير آكل الربا، وإخراجه من الملة، (الزجاج، معاني القرآن، ج1، ص359. وكذلك: الطبراني، المعجم الكبير، ج18، ص60) وإمعانًا في الترهيب، جرى اختلاق الأحاديث، فهو:"... سبعون بابًا، أدناها كالذي يقع على أمه"! (السيوطي، الجامع الكبير، ج3، ص734. وكذلك: السفاريني، غذاء الألباب، ج1، ص103). ذكر صاحب تذكرة الموضوعات أن فيه كذاب ومتروك. (الفتني، تذكرة الموضوعات، ص139). ولم يقتصر الأمر على هذا الترهيب، بل التنبؤ كذلك بشيوع هذا الإثم العظيم، حينما يأتي على الناس زمان لا يبقى أحد إلا أكل الربا، ومن لم يأكل منه يصيبه من غباره. (السمرقندي، تنبيه الغافلين، ص365) وفي الوقت نفسه، الذي رفض فيه الفقه الإخلال بالعلاقات المالية في العقود والمساس، تم تقديم نظرية في المضاربة قائمة على توزيع الربح بين رب المال والمضارب وفق جزء معلوم النسبة، لا الْقَدْر."فمن شروطها أن يكون الربح بينهما مشاعًا لا يستحق أحدهما دراهم مسماة". (البغدادي، مجمع الضمانات، ج5، ص52-54) فالأصل في الشريعة إذًا تحديد نسبة من الربح، في حال تحققه، لا قيمة معلومة سلفًا، تجب دائمًا حتى في حال عدم تحقق الربح؛ وهو ما يمثل العدوان السافر على الذمم المالية وانتهاكًا لها. أما في العلم الاقتصادي، ذي المركزية الأوروبية، فلا يرتبط المفهوم بالزيادة القائمة على العدوان، بل يرتبط بظاهرة "الاستعمال"، استعمال النقود. فلقد جرى التخلُّص تدريجيًا من السمعة التاريخيَّة السيئة للمرابي؛ من خلال إنشاء منظَّم للمصارف على نطاق متسع وإحاطة أعمالها بسياج من الغموض والتعقيد والألغاز للغالبية من المتعاملين معها! كما جرى افتراض الربح دائمًا، دون النظر، بوعي أو بدون وعي، إلى مصدر هذا الربح الدَّائم، وهو الذي ينتج عن الفارق بين سعري الاقتراض والإقراض. كما تمكنت حركة التصنيع التي اجتاحت أوروبا من تحويل النقود إلى رأسمال، وبالتالي تسليع الرأسمال نفسه. ولذا، رأى ساي أن التسمية الصحيحة لعملية إقراض المال بمقابل هي Usury، وليس الفائدة Interest. (ج. ب. ساي، المبادىء، ص384) فالمقترض يستعمل النقود التي يقترضها في سبيل تحقيق الربح ]لا نعرف أبدًا ما الحل عند الخسارة![ ومن ثم يحق للمقرض أن يحصل على نصيب في هذا الربح الذي يجنيه المقترض، ولذلك، أيضًا، دافع ألفريد مارشال عن الفائدة بوصفها نصيب المقرض في الربح الذي يجنيه المقترض. (مارشال، المبادىء،ص496). وصار، بالتالي، مستقرًا لدى العلم الاقتصادي، ابتداءً من فكرة "الاستعمال" تلك، والتي ستنتقل بدورها إلى نفر من الذّهن العربيّ دون أي مراجعة كالعادة، أن:"الائتمان عملًا اقتصاديًا، لا مبرة ولا إحسانًا، ولما كانت رؤوس الأموال مثمرة الربح ]لا نعرف أبدًا، أيضًا، ما الحل إذ لم تكن مثمرة![ بين أيدي الذين يحسنون تصريفها، وجب على المقترض، وهو الذي يؤتمن، أن يرد أصل المال مضافة إليه فائدة متفق عليها من قبل". (ب. ل. بوليو، الموجز، ج3، ص67-68). وأصبحت الفائدة بالتالي:"من مبادىء العدالة الطبيعية إعطاء مقرض النقود جزءً من الربح الذي يحصل عليه المقترض". (جيلبرت، التاريخ، ص163) ولقد تمكنت تلك الرؤية، تحت تأثير المركزية الأوروبية، كالعادة، من التسلل بليلٍ بهيم إلى الذهن العربي، التَّابع، وأخذت تنتشر بدعوى الاجتهاد، الجاهل، والتنوير، المزيف! بالتنائي عن تاريخ عظيم... ضائع! وتتبدى أهمية النظرية التي يقدمها رجال الشريعة (وهي نظرية تم تشييدها على حكم شرعي لا قانون موضوعي) حينما يجري الانتقال المنهجي إلى كيفية تحديد العائد على الرأسمال. فهو يتحدد، وفق النظرية الموضوعية في القيمة، ابتداءً من معدَّل الربح الوسطي في حقل الإنتاج بوجه عام، وفي الصناعة بالأخص. وبالتالي فإن التحديد المسبق للعائد، تحديد القدر المعلوم، (وإذ قمنا بغض بصرنا عن سجن الأشخاص وتشريد الأسر، وإفلاس الشركات، والفتك بكل من تعامل مع المؤسسات المصرفية وخراب بيته) إنما يسهم بفاعلية منقطعة النظير لا في ترسيخ الركود فحسب، بل وفي تركيم التضخم كذلك. أي تعميق الأزمة، ومن ثم تصديرها إلى الأجزاء الأكثر فقرًا والأشد تخلفًا من النظام الرأسمالي العالمي المعاصر. ولم تزل الشرايين مفتوحة!



#محمد_عادل_زكى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطبيعة القانونية للودائع المصرفية
- الطبيعة القانونية للودائع النقدية
- التَّخلُّف الاجْتماعيّ والاقْتِصَاديّ للبَاحث المغربيّ مُحمّ ...
- نقد الاقتصَاد السّياسي، مُقدمة الطبعة الألمانيَّة
- في ضلالات الذهن الاقتصادي العربي
- ما هو الرأسمال؟
- نهاية الاقتصاد السياسي
- نقد الاقتصاد السياسي، مقدمة الطبعة السودانية
- النقد الموسَّع لنظرية نمط الإنتاج
- (قِيمَة/ زَمَن)
- المزيدٌ من الشَّرح لدور الزَّمن في تكوين القيمة
- نقد الريكاردية في تفسير التبادل الدولي
- طريقين إلى روما...النهاية الواحدة دائمًا، بقلم لوجينا صادق
- نقد نظرية التبادل غير المتكافىء
- تصحيح مقياس القيمة
- نظرية التوزيع في علم الاقتصاد السياسي
- نقد نظرية نمط الإنتاج
- نظرية ماركس في الريع
- تفكيك العقل الأوروبي
- (ما لا تقوله كتب الاقتصاد) تحرير: د.غادة موسى، أستاذ العلوم ...


المزيد.....




- بوتين يزور كوريا الشمالية في رحلة نادرة وسط تعزز التحالف الم ...
- صدمته سيارة وحلق في الهواء.. شاهد ما حدث لطفل بعمر 4 سنوات ب ...
- سفن البحرية الروسية تغادر ميناء هافانا
- رغم ظروف النزوح الصعبة، لا تزال تعزف لإيصال المعاناة
- قوة الحقيقة ـ الإعلام في زمن التضليل والذكاء الاصطناعي التول ...
- إنشاء محتوى بالذكاء الاصطناعي يثير مخاوف في قطاعات الإعلام
- منتدى DW الإعلامي: محاربة الذكاء الاصطناعي والضغوط على الإعل ...
- الشركات الألمانية في الصين تشكو ارتفاع الفائض وتدني الأسعار ...
- خارجية سويسرا: بالخطأ تمت إضافة العراق والأردن إلى قائمة الم ...
- -الأشهر الخمسة القادمة حاسمة-.. خبراء مصريون يعلقون على مباد ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد عادل زكى - في الربا والفائدة