محمد عادل زكى
الحوار المتمدن-العدد: 8347 - 2025 / 5 / 19 - 23:38
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
من الأخطاء المنهجيَّة الأشد رسوخًا وتغلغلًا في الْوعي التَّاريخيّ، والَّتي تسكن نسيج الفكر الرَّسميّ دون أن تُرى، هو افتراض ثبات الأحوال الاجْتماعيَّة وعادات البشر، وتجاهل أن التحوُّل في البنية التَّاريخيَّة للأمم لا يأتي دفعة واحدة، بل يتم عبر تراكم زمنيّ طويل يُفضي إلى انقلاب في نظام الْمفاهيم والْعلاقات. وهذا التحوُّل لا يمكن إدراكه إلا من خلال وَعي ناقد يستبطن الْفارق بين زمن التَّاريخ وزمن الواقع، بين البنية الظَّاهرة والحركة الْعميقة، والبطيئة، للعلاقات الاجتمَاعيَّة. فكل جيل يولد ويترعرع داخل نظام من القيم تُنتجه بنية السلطة السَّائدة؛ لأن الهيمنة ليست قسرًا فحسب، بل تطويعٌ للعقل والخيال والتصورات. ولذلك، لا يمكن فهم التبدُّل في العادات والأذواق، وربما القيم نفسها، إلا في ضوء العلاقة الجدليَّة بين القوى المتصارعة اجتماعيًّا. فليس النَّاس على "دين ملوكهم" من باب الطَّاعة، بل لأن السلطة تُنتج الْعقل. وعندما تنتقل السلطة من يد إلى أخرى، فإنها لا تبدأ من فراغ، بل تَرِث ما قبلها، تستبطن عناصر البنية السَّابقة وتعيد إنتاجها بما يتلاءم مع شروطها الجديدة، فينشأ من ذلك تركيب جديد، لا هو استمرار خالص ولا قطيعة كاملة، بل تاريخ حيّ يَعبر في صيرورته عبر الامتزاج والصراع والتَّجاوز. وهكذا، يصبح كل حكم على الماضي من منظور الحاضر حكمًا مُشوَّهًا إذا لم يُدرك الفارق التَّاريخيّ والشرط الاجتماعيّ الَّذي ولّد تلك الأفعال وهذه الأفكار. إنَّ القياس بين زمنين دون إدراك تحوّل البنية التَّحتية هو القياس الأكثر تضليلًا؛ لأنه يختزل التَّاريخ في ظواهره ويغفل عن دينامية التحوُّل في أنساقه. لذا، لا يكفي أن نعرف ما جرى، بل يجب أن نعرف "كيف"، و"لماذا" جرى، وما الَّذي تغير في البنية الَّتي أنتجت هذا الفعل أو ذاك. فالتَّاريخ ليس سِجِلًّا للأحداث، بل صراعٌ مستمرٌ بين أشكال الإنتاج الاجتماعيّ للمفهوم، الذي هي منتوج مباشر لصراع لا ينتهي بين الطبقات على الصعيد الاجتماعي.
#محمد_عادل_زكى (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟