أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد عادل زكي - ريتشارد كانتيون (1680–1734)














المزيد.....

ريتشارد كانتيون (1680–1734)


محمد عادل زكي

الحوار المتمدن-العدد: 8349 - 2025 / 5 / 21 - 00:27
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


محاضرات مدرسة الإسكندرية

يُعد ريتشارد كانتيون من الأسماء الَّتي تحتل مَوقعًا تأسيسيًا في تشكّل علم الاقتصَاد السِّياسيّ، لا باعتباره مجرد حلقة وسطى أو معبرًا فكريًا بين التجاريين والكلاسيك، بل بوصفه شاهدًا على مرحلة انتقاليَّة حرجة في البنية الذِّهنيَّة والاجتماعيَّة للحضارة الأوروبيَّة. حيث بدأ العقل الأوروبيّ يتخلص من أقنعته اللاهوتيَّة والأخلاقيَّة ليرتدي وجهه الْجديد: وجه السُّوق. وفي كتابه الْحاسم، والعظيم، "مقال في طبيعة التجارة بوجهٍ عام"، لا يُقدّم كانتيون أطروحة تقنية في الْعِلم الاقْتصَادي، بل يمارس، بوعي أو من غير قصد، فعلًا تأسيسيًّا للفكر البرجوازيّ الصَّاعد. إنه ينقل الظَّاهرة الاقتصَاديَّة من مجال القيم الأخلاقيَّة والدينيَّة إلى ميدان الأرقام والتَّوازنات والحسابات، جاعلًا من السُّوق كيانًا ذاتيّ الْحركة، يتحكَّم في مَصائر الْبشر كما لو كان قانونًا طبيعيًّا. لكن هذا "الطبيعيّ" ليس سوى منتَج أيديولوجيّ، يُعيد ترتيب العالم وفق معادلات الربح والخسارة، لا وفق حاجات البشر أو معايير العدالة. وربما تتمثل إحدى أهم إسهاماته في بلورة مفهوم "رجل الأعمال/المنظم"، الَّذي لا يُمثل فاعلًا اجتماعيًّا بعينه بقدر ما يُجسد حركة الرَّأسمال نفسه: يُخاطر، يُخطط، يحسب، ويُخضع. ورغم أن كثيرين يعتبرون كانتيون رائدًا لمفهوم "التّوازن"، إلا أن ما يبدو "توازنًا" في فكر كانتيون ليس إلا محاولة لتثبيت علاقات قهر اجتماعيّ في صورة علاقات تبادل حر. كما أن تفريقه بين "ملَّاك الأرض" و"العاملين عليها"، وبين مَن يستهلكون ومَن يُنتجون، يكشف عن وَعي جنينيّ بالفوارق الطبقيَّة، وإن لم يتسلَّح بعد بالأدوات الجدليَّة اللازمة لتحليلها. ولقد حاول كانتيون من خلال مفهومه عن "الدَّخل الصَّافي" أن يفضح، دون أن يُعلن، كيف يُعاد توزيع الفائض الاجتماعيّ لمصلحة طبقة المُلَّاك، عبر آليات اقتصاديَّة ظاهرها الحياد وباطنها الامتياز الطبقيّ. وبينما يبدو كانتيون للوهلة الأولى محافظًا، فإنه، من حيث لا يدري، يمهد السبيل لتفكيك النظام نفسه؛ إذ وضع الأسس النظريَّة الَّتي سيتسلمها لاحقًا نقّاد أكثر راديكاليَّة، مثل ماركس، ليكملوا مهمة فضح التناقضات البنيويَّة الكامنة في النظام الرَّأسمالي. فالنظام الَّذي يراه كانتيون عقلانيًا ومنظمًا، سيظهر لاحقًا بوصفه نظامًا يتأسّس على الاستغلال واللامساواة. إن أهمية كانتيون لا تكمن في كونه مجرد "سابقٍ" على سميث أو فيزيوقراطيي فرنسا، بل في كونه لحظة تأسيس مأزومة: لحظة يؤسِّس فيها الذِّهن الأوروبيّ نمطًا جديدًا لإنتاج الْمعرفة، تتحوَّل فيه الأرض إلى أصل رأسماليّ، والسكَّان إلى وحدات إنتاج، والزمن إلى كلفة، والحياة نفسها إلى متغيّر اقْتصَاديّ. لقد أعلن كانتيون، دون أن يقصد، ولادة العقل الاقتصادي الحديث، ذلك العقل الَّذي يقطع الصلة بين الإنسان وطبيعته، ليجعل من السُّوق لا مجرد وسيلة، بل قدرًا جديدًا، لا فكاك منه.







الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النيوكلاسيكية: نهاية الاقتصاد السياسي وبداية وهم العلم المحا ...
- فرنسوا كينيه (1694 – 1774)
- ما بعد الاحتلال: الصراع العربي/الإسرائيلي كأزمة حضارية
- التاريخ كصيرورة: في نقد الثبات والوهم في الوعي الاجتماعي
- النيوليبرالية العربية: عن عبودية السوق واستقالة الدولة
- النخَّاس الجديد: كيف تعيد الإمبريالية صياغة هويتنا وتراثنا؟
- من الكنيسة إلى الجامعة: استمرار أدوار الهيمنة بصيغ جديدة
- في الطبيعة الاقتصادية للأسهم
- نقد وظائف النقود
- في الربا والفائدة
- الطبيعة القانونية للودائع المصرفية
- الطبيعة القانونية للودائع النقدية
- التَّخلُّف الاجْتماعيّ والاقْتِصَاديّ للبَاحث المغربيّ مُحمّ ...
- نقد الاقتصَاد السّياسي، مُقدمة الطبعة الألمانيَّة
- في ضلالات الذهن الاقتصادي العربي
- ما هو الرأسمال؟
- نهاية الاقتصاد السياسي
- نقد الاقتصاد السياسي، مقدمة الطبعة السودانية
- النقد الموسَّع لنظرية نمط الإنتاج
- (قِيمَة/ زَمَن)


المزيد.....




- نائب روسي: العقوبات الجديدة هي ردة فعل لخيبة الاتحاد الأوروب ...
- زاخاروفا: فرنسا تتزعم حزب الحرب الغربي ضد روسيا
- -تكفي 15 ألف مدني كمرحلة أولى-.. الإمارات تعلن الاتفاق مع إس ...
- -ما وراء الخبر- يناقش تصاعد نبرة التهديد الأوروبية لإسرائيل ...
- واشنطن تلغي آلاف التأشيرات وتعد بمزيد
- أزمة أوكرانيا.. روبيو يتحدث عن موعد -شروط روسيا-
- تقرير: إسرائيل تستعد لضرب إيران بشكل منفرد
- ترامب يتهم مساعدي بايدن بالخيانة.. ويتوعدهم
- أميركا وتركيا: سوريا الخالية من الإرهاب ضرورية لأمن المنطقة ...
- أول تصريح سوري رسمي بشأن -زيارات- روبرت فورد بعد حديثه عن أح ...


المزيد.....

- برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية / رحيم فرحان صدام
- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد عادل زكي - ريتشارد كانتيون (1680–1734)