أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - محمد عادل زكي - النيوكلاسيكية: نهاية الاقتصاد السياسي وبداية وهم العلم المحايد














المزيد.....

النيوكلاسيكية: نهاية الاقتصاد السياسي وبداية وهم العلم المحايد


محمد عادل زكي

الحوار المتمدن-العدد: 8348 - 2025 / 5 / 20 - 13:38
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


إذا كان الاقْتصَاد السِّياسيّ، كما تبلور في القرن التَّاسع عشر، تعبيرًا عن صيرورة الْفكر الأوروبيّ وقدرته على تحويل نمط الإنتَاج الرَّأسماليّ إلى "عِلم"، فإن ما يُطلق عليه اليوم اسم "الاقتصَاد النيوكلاسيكيّ" [الَّذي يعدمون به الطلبة في الجامعات]، ليس استمرارًا، ولو حتى، مموهًا لهذا المسار، إنما هو القطيعة المعرفيَّة، ابتداءً من لغة مفرَّغة من أي جدلٍ تاريخيّ، حيث تُقدَّم العلاقات الاجتماعيَّة الرَّأسماليَّة بوصفها معطيات طبيعيَّة، أبدية، محايدة. لقد وُلدت النظرية النيوكلاسيكية في خضم الأزمة النظريَّة الَّتي ضربت الاقتصَاد السِّياسي الْكلاسيكي بعد ماركس، لا بوصفها تطويرًا له، وإنما بوصفها طمسًا لجوهره النَّقديّ. فبدلًا من تحليل العلاقات الطبقيَّة والبُنى الٍاجتماعيَّة الَّتي تُنتِج وتعيد إنتاج الثروة، تنسحب النيوكلاسيكية إلى فضاء رياضيّ تجريدي، حيث الأفراد ذوو عقلانيَّة مطلقة، والسُّوق يتوازن كما لو كان قانونًا من قوانين الطَّبيعة. إن أكثر ما يميز النيوكلاسيكيَّة هو ادعاؤها الٍحياد: حياد السُّوق، حياد الدَّولة، حياد العِلم. لكنها تجهل، أو تتجاهل عمدًا، أن كل علم هو نتاج اجتماعيّ وتاريخي، وأن افتراض "الحياد" لا يعني إلا إعادة إنتاج الأيديولوجيا السَّائدة في هيئة معادلات ورموز ودوال رياضيَّة. فالعقلانيَّة الَّتي تفترضها النيوكلاسيكية ليست إلا انعكاسًا لعقل بورجوازيّ يقدّس التبادُل، ويقيس كل شيء بمقياس المنفعة الفردية. فالتحليل النيوكلاسيكي ينطلق من فرضية مركزية: أن الإنسان، بغض النظر عن أي خصوصية اجتماعيَّة وتاريخيَّة، كائن يسعى إلى تعظيم منفعته ضمن قيود مفروضة عليه. وهكذا، يتحول الاقتصَاد إلى (عِلم!) للاختيار، وتختفي الأسئلة الجوهريَّة حول مَن يملك وسائل الإنتاج، ومن يُنتج، ومن يُستغل، لصالح أسئلة تقنية حول التَّخصيص الأمثل للموارد! هذا الهروب من التاريخ لا يُعبّر إلا عن خضوع النَّظرية لرغبة دفينة في استبعاد الصراع، وإنكار التناقض، وتجميل واقع تُهيمن عليه الرأسماليَّة. أما مفهوم التَّوازن الَّذي تحتفي به النظرية، فهو صورة أخرى من صور هذا الإنكار. فالسُّوق، في هذا النموذج، لا يعرف الفوضى، ولا يعرف الاحتكار، ولا يعرف البطالة البنيويَّة. التَّوازن هنا ليس إلا صورة مثاليَّة لعالم لا وجود له إلا في مخيلة المنظرين، أما الواقع، فشيء آخر تمامًا: واقع اللا مساواة، واقع الرأسمال الَّذي لا يكف عن مراكمة الثروة على حساب العمل. لقد جاء مارشال وڤالراس، مؤسسا التيار النيوكلاسيكي، بلغة جديدة حاولت أن تمنح العلم الاقتصادي صفة "العلم الطبيعي". فلم يعُد الاقتصاد، وفق تصورهم، معنيًا بتحديد طبيعة القِيمَة أو أصل الربح، بل بتحليل السلوك الفردي. ومع ولادة هذا النموذج، بدأ الانزياح الكامل من الاقتصاد السِّياسيّ إلى "علم الاقتصَاد"، أو بالأحرى إلى علمٍ لا يقول شيئًا عن السياسة، ولا عن السلطة، ولا عن الطَّبقات.
إن النيوكلاسيكية [التي تلقن في الجامعات بوصفها العلم الوحيد والصحيح تاريخيًّا!] هي في جوهرها محاولة لإنتاج اقتصاد بلا بشر، بلا صراع، بلا تاريخ. إنها الوجه الآخر لعقلانيّة تكنوقراطيَّة تُخفي مصالح الرأسمال وراء أقنعة المعادلات والرسوم البيانيَّة. وإذا كانت الماركسيَّة قد دعت إلى قلب الواقع لكشف التناقضات الكامنة فيه، فإن النيوكلاسيكية تُمارس نقيض ذلك: تغطي التناقضات، وتعيد إنتاج الواقع، وتُقدّمه بوصفه نهاية التَّاريخ. ومن ثم، فإن نقد النيوكلاسيكية لا يمكن أن يكون نقدًا تقنيًا أو جزئيًا، بل لا بد أن يكون نقدًا جذريًّا، حضاريًّا، يعيد الاعتبار للاقتصَاد السَّياسي بوصفه علمًا للصراع، لا علمًا للوفاق الكاذب.







الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فرنسوا كينيه (1694 – 1774)
- ما بعد الاحتلال: الصراع العربي/الإسرائيلي كأزمة حضارية
- التاريخ كصيرورة: في نقد الثبات والوهم في الوعي الاجتماعي
- النيوليبرالية العربية: عن عبودية السوق واستقالة الدولة
- النخَّاس الجديد: كيف تعيد الإمبريالية صياغة هويتنا وتراثنا؟
- من الكنيسة إلى الجامعة: استمرار أدوار الهيمنة بصيغ جديدة
- في الطبيعة الاقتصادية للأسهم
- نقد وظائف النقود
- في الربا والفائدة
- الطبيعة القانونية للودائع المصرفية
- الطبيعة القانونية للودائع النقدية
- التَّخلُّف الاجْتماعيّ والاقْتِصَاديّ للبَاحث المغربيّ مُحمّ ...
- نقد الاقتصَاد السّياسي، مُقدمة الطبعة الألمانيَّة
- في ضلالات الذهن الاقتصادي العربي
- ما هو الرأسمال؟
- نهاية الاقتصاد السياسي
- نقد الاقتصاد السياسي، مقدمة الطبعة السودانية
- النقد الموسَّع لنظرية نمط الإنتاج
- (قِيمَة/ زَمَن)
- المزيدٌ من الشَّرح لدور الزَّمن في تكوين القيمة


المزيد.....




- مداخلة النائبة البرلمانية الرفيقة لبنى الصغيري، باسم فريق ال ...
- -العمال الكردستاني- يقدم أوجلان كبيرا لمفاوضيه مع أنقرة ويطا ...
- حزب التقدم والاشتراكية ينعي وفاة الرفيق جلال عبد الكبير، رئي ...
- -أيقونات الأفيون-.. أول معرض فني يوثّق كيف حاربت الشيوعية ال ...
- بعد حل -العمال الكردستاني- ودعوة أوجلان.. الحزب الكردي في تر ...
- حول القمة العربية في بغداد!
- رسالة المجلس المستقل لعمال الكهرباء بمناسبة الأول من آيار ، ...
- بمناسبة يوم العمال العالمي – صفحات من تاريخ الحركة العمالية ...
- الإسلاميون والمشروبات الكحولية
- تصاعد المانوسفير (الفضاء الذكوري) و اليمين المتطرف


المزيد.....

- كراسات شيوعية [ Manual no: 46] الرياضة والرأسمالية والقومية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- طوفان الأقصى و تحرير فلسطين : نظرة شيوعيّة ثوريّة / شادي الشماوي
- الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة: ... / رزكار عقراوي
- متابعات عالميّة و عربية : نظرة شيوعيّة ثوريّة (5) 2023-2024 / شادي الشماوي
- الماركسية الغربية والإمبريالية: حوار / حسين علوان حسين
- ماركس حول الجندر والعرق وإعادة الانتاج: مقاربة نسوية / سيلفيا فيديريتشي
- البدايات الأولى للتيارات الاشتراكية اليابانية / حازم كويي
- لينين والبلاشفة ومجالس الشغيلة (السوفييتات) / مارسيل ليبمان
- قراءة ماركسية عن (أصول اليمين المتطرف في بلجيكا) مجلة نضال ا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رسائل بوب أفاكيان على وسائل التواصل الإجتماعي 2024 / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - محمد عادل زكي - النيوكلاسيكية: نهاية الاقتصاد السياسي وبداية وهم العلم المحايد