أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد عادل زكي - وليم بتي (1623–1687)














المزيد.....

وليم بتي (1623–1687)


محمد عادل زكي

الحوار المتمدن-العدد: 8349 - 2025 / 5 / 21 - 00:46
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


محاضرات مدرسة الإسكندرية

ليس من قبيل المصادفة أن تبدأ ملحمة الاقتصَاد السِّياسيّ لا على يد فيلسوف، ولا على يد ناسكٍ يتأمل مصير الإنسان، بل على يد طبيب. رجلٌ جمع بين مبضع الجسد ومسطرة الأرض، بين لاهوت الكنيسة وحساب الضرائب. إنه وليم بتي. الصوت الأوَّل للعقل الأوروبيّ وهو يشق طريقه نحو علم جديد، لم يكن في جوهره إلا أحد تجليات صعود الحضارة الأوروبيَّة الحديثة. حضارةٌ لم تكفّ عن إنتاج خطاب يُبرر التوسُّع، والسيطرة، والاستغلال، تحت راية الْعقل، والمنفعة، والطبيعة البشرية. في كتابات بتي لا نقرأ تأملات مجردة، بل نقرأ لحظة تاريخيَّة بعينها: لحظة التقاء الرأسمال الصَّاعد بجسد الدولة القوميَّة في إنجلترا ما بعد الحرب الأهلية. لحظةُ ميلاد وعي طبقيّ جديد، حيث يتحول الفكر إلى أداة، والمعرفة إلى وسيلة للضبط والسيطرة. لا شغف بالمعرفة هنا، بل هندسةٌ دقيقة لتدجين الواقع. ولم يكن بتي، في هذا السياق، خالي الوفاض من "نظرية". لقد قال: العمل هو مقياس القِيمة. وقال: الأرض أمّ الثروة والعمل أبوها. لكن نظرية بتي، وإن أعلنت أن العمل هو مصدر الغنى، لم تكن إعلانًا لتحرير العمل، بل وسيلة لحساب نصيب التَّاج. لم يكن العمل، في عينيه، فعلاً خلاقًا، بل وحدة قياس. لم يكن الإنسان ذاتًا، بل أداة. كان بتي يقيس البشر كما يقيس الأرض، يقيس الإنتاج كما يقيس الأرواح. وكل ذلك تحت وهم "الحياد"، بينما كانت الأرقام نفسها سلاحًا ناعمًا في قبضة الاستعمار. لقد رأى بتي العامل الأيرلنديّ لا ككائنٍ له حقوق، بل كجزء من آلة الإمبراطوريَّة. رأى المرأة كجسد يُنتج العمَّال، لا كذاتٍ فاعلة. رأى الفلاح الإنجليزيّ المطرود من أرضه كرقم في ميزانية الملكية الجديدة. لقد أراد أن يقيس كل شيء. أن يُخضع كل شيء. أن يردّ الحياة إلى جدول حسابات. في جوهره، كان بتي خادمًا وفيًّا للحظة انتقال أوروبا من الْحق الإلهي إلى حق الملكية، من لاهوت الكنيسة إلى لاهوت السُّوق. لكنه لم يكن يعلم أن ما يكتبه ليس "علمًا طبيعيًّا"، بل هو علمٌ للعلاقات الاجتماعيَّة، في شكلها المقنّع، الخاضع لقانون القيمة، كما سيكشف ماركس لاحقًا. ولذلك، فإن فضل بتي، إن جاز التعبير، لا يكمن في صحة أفكاره، بل في أنه كتب الكلمة الأولى في خطابٍ سيكشف عن مفارقاته ريكاردو، وسينفجر نقده على يد ماركس. لم يكن ناقدًا للرَّأسماليَّة، بل أحد مؤسسيها الرمزيين. لقد جعل بتي من الاقتصَاد مبررًا لما لا يُبرَّر. تبريرًا علميًّا. ومن يقرأ بتي كما يُدرّس في الجامعات، يفوته أن ما بين السطور هو صوت السلطة، النَّاطقة بلغة المنفعة، المموِّهة للحقيقة الكبرى: أن القيمة لا تُنتجها الدولة، ولا السُّوق، بل الإنسان. الإنسان بجسده، بزمنه، بجهده، وبروحه الخلّاقة.







الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ريتشارد كانتيون (1680–1734)
- النيوكلاسيكية: نهاية الاقتصاد السياسي وبداية وهم العلم المحا ...
- فرنسوا كينيه (1694 – 1774)
- ما بعد الاحتلال: الصراع العربي/الإسرائيلي كأزمة حضارية
- التاريخ كصيرورة: في نقد الثبات والوهم في الوعي الاجتماعي
- النيوليبرالية العربية: عن عبودية السوق واستقالة الدولة
- النخَّاس الجديد: كيف تعيد الإمبريالية صياغة هويتنا وتراثنا؟
- من الكنيسة إلى الجامعة: استمرار أدوار الهيمنة بصيغ جديدة
- في الطبيعة الاقتصادية للأسهم
- نقد وظائف النقود
- في الربا والفائدة
- الطبيعة القانونية للودائع المصرفية
- الطبيعة القانونية للودائع النقدية
- التَّخلُّف الاجْتماعيّ والاقْتِصَاديّ للبَاحث المغربيّ مُحمّ ...
- نقد الاقتصَاد السّياسي، مُقدمة الطبعة الألمانيَّة
- في ضلالات الذهن الاقتصادي العربي
- ما هو الرأسمال؟
- نهاية الاقتصاد السياسي
- نقد الاقتصاد السياسي، مقدمة الطبعة السودانية
- النقد الموسَّع لنظرية نمط الإنتاج


المزيد.....




- تفاصيل العقوبات البريطانية على أفراد وشركات في إسرائيل بعد و ...
- أدميرال أمريكي: الولايات المتحدة لديها ما يكفي من احتياطيات ...
- الحكومة المصرية تفند شائعات توتر العلاقات مع السعودية
- -نيويورك تايمز- توضح دلالات رفض ترامب مجاراة الاتحاد الأوروب ...
- 20 قضية تكشف أسرار وألغاز سرقة القرن في مصر
- سي إن إن عن مصدر: إسرائيل تستعد لضرب منشآت نووية إيرانية
- بيسكوف: مسألة من سيوقع الوثائق مع روسيا من الجانب الأوكراني ...
- -حقائب غامضة-.. تداول تسجيل كاميرا مراقبة يوثق لحظات من سرقة ...
- صحيفة: بريطانيا تستعد لفرض عقوبات على سموتريتش وكاتس وبن غفي ...
- غزة: ما هي الشراكة الأوروبية - الاسرائيلية التي يمكن تعليقها ...


المزيد.....

- برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية / رحيم فرحان صدام
- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد عادل زكي - وليم بتي (1623–1687)