أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - محمد عادل زكى - استبداد السلطة في الأنظمة العربية: جدلية القمع والتخلف














المزيد.....

استبداد السلطة في الأنظمة العربية: جدلية القمع والتخلف


محمد عادل زكى

الحوار المتمدن-العدد: 8357 - 2025 / 5 / 29 - 04:51
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


حين نتأمل في البنية السياسية للأنظمة العربية، لا نجد إلا تعبيرًا فجًّا عن سلطة منفلتة من كل ضابطٍ عقلاني، سلطة لا تعرف من الدولة إلا ما يُكرِّسُ قمعها، ولا من السياسة إلا ما يُعيد إنتاج تسلطها، ولا من المجتمع إلا ما يُخضِعهُ ويُشِيئُهُ. فالدولة العربية، في أغلب مظاهرها، ليست سوى جهاز قهري مغلق، يحتكر العنف المادي والرمزي، ويُطوِّع كل البُنى الفوقية والثقافية لتكون خادمة لمصالح القلة الحاكمة. إننا لا نعيش تحت أنظمة سياسية بالمعنى الفلسفي للكلمة، بل تحت سلطاتٍ تتغذى على الاستبداد كما تتغذى الكائنات الطفيلية على خراب البيئة التي تُقيم فيها. إن السلطة في النظام العربي ليست مجرد جهاز حكم، بل هي روح قاهرة تستبطن في ذاتها تصورات ميتافيزيقية عن الحاكم بوصفه ظل الله في الأرض، أو المخلّص الأبدي، أو الزعيم الضرورة. إنها سلطة تُشرعن وجودها عبر أساطير تُنتجها مؤسسات الإعلام والتعليم والدين، فتصبح طاعة الحاكم طاعة مقدسة، والتمرد عليه كفرًا وخيانة. وهذا الشكل من الأبوية السياسية يعيدنا إلى نماذج الحكم ما قبل الحداثة، حيث يكون الحاكم هو الوطن، والدولة هي الغنيمة، والمجتمع مجرد رعايا موزَّعين بين الموالاة والانكفاء أو السجون. فالأنظمة العربية لا تكتفي بالسيطرة على مفاصل الدولة، بل تسعى إلى تفريغ المجتمع من أي مضمون سياسي، فتُحاصِر الفضاء العام، وتُجرِّم العمل الجماعي، وتُروِّض النقابات والجامعات، وتُخضِع منابر الوعي لقوانين الطوارئ الدائمة. لقد جرى نزع السياسة من الحياة العامة، حتى صار المواطن العربي، في أغلب الأقطار، لا يجرؤ على التفكير بصوتٍ عالٍ، ولا المشاركة في قرار، ولا حتى التذمر في العلن. هكذا يتحول المجتمع إلى صحراء سياسية، مجرَّدة من التمثيل والتعبير والتنظيم، ويُصبح الاستقرار وهمًا يُخفي وراءه خوفًا مستدامًا. وإذا كان الاستبداد قديمًا في تاريخنا، فإن الاستبداد الحديث في العالم العربي يمتلك وسائل أكثر تعقيدًا وأشد شراسة، فهو يُوظِّف أدوات الدولة الحديثة لتكريس العسف، ويُعيد تشكيل البيروقراطية والأجهزة الأمنية لتكون أدوات طيِّعة في يد السلطة الفردية. وتُصبح الانتخابات مسرحية، والدساتير نصوصًا جوفاء، والبرلمانات ديكورًا للتمويه، فيما يتم قمع المعارضين والمثقفين والمناضلين باسم الأمن والاستقرار. ولأن هذه الأنظمة لا تستند إلى الشرعية الشعبية، فإنها تستعيض عنها بشرعية وهمية تُنتجها آلة إعلامية ضخمة، تُجمِّل القبح وتُهلِّل للتبعية وتُعيد تدوير الكذب في وجدان الناس حتى يُصبح يقينًا. لكن، الاستبداد لا يُنتج إلا التخلف، ولا يُفضي إلا إلى الانهيار. فحين تُقصى العقول، ويُحاصر الفكر، وتُسحق المبادرة الحرة، تُصاب الأمة بالجمود والتكلس، ويتراجع العلم وتضمحل الثقافة ويُهمَّش الإنسان. وهكذا تتشابك بنية القمع مع بنية الفقر، ويتعانق السلطوي مع الطفيلي، ويُصبح المشروع الوطني مجرد خطاب فارغ يخفي عجزًا بنيويًا. وفي النهاية، تتآكل الدولة من داخلها، وتفقد القدرة على التجدد، وتغدو فريسة سهلة للتفكك أو التبعية. إن خلاص العالم العربي ليس ممكنًا ما دامت السلطة فيه قائمة على القهر لا على الشرعية، على الامتياز لا على المساواة، على الخوف لا على الحرية. إن التحرر من الاستبداد ليس خيارًا أخلاقيًا فحسب، بل ضرورة وجودية لبناء الدولة العادلة والمجتمع الحُرّ. فبدون ديمقراطية حقيقية، وعدالة اجتماعية، واستقلال وطني، ستبقى الأمة العربية تدور في حلقة مفرغة من القمع والتخلف والانفجار. وليس من سبيل إلى الخروج إلا بكسر القيد، وتحرير الإرادة، وإعادة الاعتبار للإنسان كغاية لا كوسيلة، كقيمة لا كأداة، كروح لا كرقم في دفاتر السلطة.



#محمد_عادل_زكى (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن التخلُّف وإعادة إنتاجه
- في مواجهة الاقتصاد النفطيّ المُقدّس
- الطَّبقة الْوسطى العربيَّة: صراعات الهوية وتصدّعات الحداثة
- الطبقة المستحيلة: أزمة العامل العربيّ في اقتصاد تابع
- وليم بتي (1623–1687)
- ريتشارد كانتيون (1680–1734)
- النيوكلاسيكية: نهاية الاقتصاد السياسي وبداية وهم العلم المحا ...
- فرنسوا كينيه (1694 – 1774)
- ما بعد الاحتلال: الصراع العربي/الإسرائيلي كأزمة حضارية
- التاريخ كصيرورة: في نقد الثبات والوهم في الوعي الاجتماعي
- منابر الصمت: المدارس والجامعات بين الطاعة والمعرفة
- النيوليبرالية العربية: عن عبودية السوق واستقالة الدولة
- في مدارات التبعيّة: الاقتصاد كإعادة إنتاج للفقر
- الجامعة كآلية لإعادة إنتاج الطاعة
- من نظام إلى احتضار: سيرة العدم المعولم
- سرّ إنتاج المعرفة
- النخَّاس الجديد: كيف تعيد الإمبريالية صياغة هويتنا وتراثنا؟
- من الكنيسة إلى الجامعة: استمرار أدوار الهيمنة بصيغ جديدة
- في الطبيعة الاقتصادية للأسهم
- نقد وظائف النقود


المزيد.....




- صانعة المحتوى اللبنانية عبير الصغير تحتفل بخطوبتها في أجواء ...
- صانعة المحتوى عبير الصغير تحتفل بخطوبتها.. تفاصيل حصريّة عن ...
- -بخطوة نادرة-.. مسؤول يكشف لـCNN: وزير الخارجية السعودي سيزو ...
- ترامب: بكين -انتهكت بالكامل- الاتفاق مع واشنطن بشأن الخفض ال ...
- -برا وبحرا وجوا-.. -نيويورك تايمز- تكشف بنودا من مذكرة أوكرا ...
- الولايات المتحدة.. سحب طماطم ملوثة بالسالمونيلا قد تفتك بالم ...
- السيسي يتلقى اتصالا من رئيس وزراء اليونان بعد أزمة دير سانت ...
- تحذيرات من -أسلوب جديد- لسرقة أموال المصريين عبر الهواتف
- -سبيس إكس- تخطط لإرسال روبوتات إلى المريخ
- كاتس يهاجم ماكرون: اعترافكم بفلسطين مجرد ورق يلقى بمزبلة الت ...


المزيد.....

- اليسار بين التراجع والصعود.. الأسباب والتحديات / رشيد غويلب
- قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند / زهير الخويلدي
- مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م ... / دلير زنكنة
- عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب ... / اسحق قومي
- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - محمد عادل زكى - استبداد السلطة في الأنظمة العربية: جدلية القمع والتخلف