محمد عادل زكى
الحوار المتمدن-العدد: 8361 - 2025 / 6 / 2 - 08:49
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
في حقل العلم الاقتصادي، وبعد التخلي شبه التام عن النظرية الموضوعية للقيمة، برزت منذ أواخر القرن التاسع عشر حتى وقتنا الراهن ثلاث تيارات فكرية كبرى: النيوكلاسيكية، وكينز، والنقديون. وتوحد هذه التيارات في تركيزها على دائرة التداول، متجاهلةً جوهر الإنتاج الاجتماعي وتجدُّده. ففي التداول، يُختزل المجتمع برمته في صورة الرجل الاقتصادي المجرد، الكائن الافتراضي الذي يتصرّف بمنتهى العقلانية، محاولًا التوفيق بين حاجات لا حدود لها وموارد شحيحة، فتصبح الأزمة الاقتصادية مجرد صراع بين موارد محدودة وحاجات غير محدودة. هنا تتحول الأزمة إلى مسألة توازن بين العرض والطلب، وتُختزل الأسعار إلى الظاهرة المركزية للنشاط الاقتصادي، مع إغفال القوانين الموضوعية التي تحكم إنتاج المجتمع وتجديده. وقد تبلور هذا الطرح في مصانع الغرب الرأسمالي، حيث وصلت أجزاؤه المتقدمة إلى مستوى من التطور الإنتاجي فاق كل توقع، لكن الأزمة كانت في التداول، حيث فاق الإنتاج حاجات السوق، فتولد فرط الإنتاج والهدر الاجتماعي، وبرزت الحاجة الملحّة إلى فتح أسواق جديدة لتصريف فائض الإنتاج، فتفاقمت الأزمات الهيكلية في تلك الاقتصادات المتقدمة. ومن هنا تنشأ أزمتان أساسيتان تصيبان الأجزاء المتخلفة في النظام الرأسمالي العالمي الحديث:الأزمة الأولى تتجسد في أن الأسواق الجديدة التي تحتاج إليها الأجزاء المتقدمة هي أسواق الأجزاء المتخلفة، لكن امتصاص فائض الإنتاج هناك يتطلب تمويلًا مستمرًا، فأقامت الأجزاء المتقدمة، عبر وكلائها من المؤسسات المالية الدولية، منظومة قروض مشروطة غاصت فيها هذه الأجزاء المتخلفة، والتي أُجبرت على الاقتراض لسداد قروض سابقة تُستخدم في استيراد السلع والخدمات المنتجة في الأجزاء المتقدمة، وبذلك ساهمت هذه الدوامة في تشغيل مصانع الغرب، وتخفيض معدلات البطالة والتضخم والركود فيه. أما الأزمة الثانية فكرية، فبينما تعاني الأجزاء المتخلفة من هذه المآزق المادية، تهيمن على مناهجها التعليمية والسياسية، خاصة في مصر والعالم العربي، نظريات النيوكلاسيك والنقديين التي نشأت لتخدم مصالح الغرب الرأسمالي، وهي عاجزة تاريخيًا عن تفسير أزماته المزمنة، ومع ذلك تُقدَّم كالإجماع العلمي والمرجعية الحصرية، مما يؤدي إلى القتل اليومي لروح النقد والوعي الاقتصادي لدى الأجيال الجديدة، ويبقي قنوات التبعية والهيمنة الفكرية مفتوحة بلا هوادة.
#محمد_عادل_زكى (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟