أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - محمد عادل زكى - خدعة البريكس: قراءة نقدية في وهم الاقتصاد السياسي الجديد














المزيد.....

خدعة البريكس: قراءة نقدية في وهم الاقتصاد السياسي الجديد


محمد عادل زكى

الحوار المتمدن-العدد: 8358 - 2025 / 5 / 30 - 02:47
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


لقد برزت، مؤخرًا، مجموعة دول تُعرف بـ"البريكس"، كأمل جديد لدى الكثيرين في الأجزاء المتخلفة من النظام الرأسمالي العالمي المعاصر. أمل يرمز إلى قطب اقتصادي بديل يُقال إن بإمكانه قلب موازين الاقتصاد العالمي، وتحدي الهيمنة الغربية التي تمارسها الولايات المتحدة وأوروبا على النظام الاقتصادي على الصعيد العالمي. هذه المجموعة التي تضم البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب أفريقيا، تحولت إلى رمز للنمو الاقتصادي السريع والنجاح الصناعي والتكنولوجي في بعض هذه الدول، ولكن هل فعلاً يمكن اعتبار البريكس مشروعًا بديلًا جوهريًا للنظام الرأسمالي العالمي القديم، أم أنها خدعة معرفية وسياسية تخفي استمرار التبعية والتناقضات الحضارية والاقتصادية العميقة؟ من منظور نقد الاقتصاد السياسي الذي ينطلق من فهم عميق للتاريخ الحضاري، لا يمكن فصل تحليل البريكس عن طبيعة الاقتصاد السياسي نفسه، الذي هو نتاج حضاري أوروبي بالأساس. هذا الاقتصاد السياسي لم يظهر بمعزل عن التراث الديني والفكري للمسيحية الرومانية، وازدهار المجد الروماني، والإرث المعرفي اليوناني، التي اجتمعت كلها لتشكيل أسس علم الاقتصاد السياسي. من هذا المنطلق، تظهر أن «البريكس» ليست سوى امتداد لحضارة الاقتصاد السياسي ذاتها، وإن اختلفت الأسماء والواجهات السياسية والاقتصادية. الصين، كأحد أعمدة البريكس، تقدم نموذجًا براقًا للاقتصاد السياسي الذي يتعامل مع تراكم الرأسمال وتوسيع نطاقه، مدعومًا بسياسات الدولة المركزية التي تحاول توظيف النظام الرأسمالي لصالحها، دون أن تتحدى جذور المنظومة الرأسمالية أو القواعد التي تحكمها. فهي تستمر في الاقتصاد النيوليبرالي، ولكن من منظور دولة شبه مركزية تسعى لمكانة عالمية متقدمة، وهذا لا يعني تخليها عن قواعد اللعبة، بل على العكس، هو تعميق لها في إطار جديد. دول أخرى في المجموعة، مثل البرازيل وجنوب أفريقيا، تواجه تحديات هائلة من حيث البنية الاجتماعية، والاعتماد على تصدير الموارد الأولية، وهو ما يجعلها في وضع هش وغير مستقل فعليًا عن النظام الرأسمالي العالمي. في هذا السياق، تُبرز «خدعة البريكس» في قدرتها على تسويق صورة بديلة جذابة تعطي انطباعًا بوجود قوة اقتصادية حقيقية جديدة، قادرة على تحقيق توازن دولي جديد يرفع من مكانة الدول النامية، ولكن الواقع يبيّن استمرار هيمنة مبادئ السوق الحرة والتراكم الرأسمالي العالمي. فهذه الدول تظل مرتهنة لتقلبات الأسواق العالمية، وتعتمد على شروط استيراد التكنولوجيا والمعرفة الإنتاجية التي لا تزال في أيدي الدول الغربية. ومن الناحية الفكرية، يستمر اقتصاد البريكس في تبني الأفكار والأسس التي أنتجتها الحضارة الأوروبية وما زالت تحكم العلم الاقتصادي. من هنا، لا يمكن فصل هذه الخدعة عن السياق الحضاري العام الذي أنتج الاقتصاد السياسي نفسه، مع كل ما فيه من أزمات متجذرة في فصل الإنسان عن الطبيعة، وتقديس الربح على حساب القيم الاجتماعية والبيئية. فالبريكس تعكس ببساطة تعددية في المظاهر السياسية والاقتصادية دون أن تغير من الجوهر الحضاري والاقتصادي للنظام. إن الحديث عن بديل حقيقي يتطلب فهمًا نقديًا عميقًا للطريقة التي أنتج بها الاقتصاد السياسي ذاته، وإعادة النظر في العلاقات الاجتماعية داخل نظام الإنتاج، والبحث عن نموذج جديد يدمج بين الإنتاج الاقتصادي والقيم الاجتماعية والبيئية، لا أن يبقى في إطار توسع غير منضبط للرأسمالية العالمية. من ناحية أخرى، فإن الترويج السياسي والإعلامي للبريكس يهدف إلى إحداث نوع من الاستقرار النسبي في النظام الدولي الرأسمالي، حيث تُستخدم هذه المجموعة كغطاء لإعادة توزيع النفوذ ضمن نفس النظام، لا لتغيير القواعد التي تحكمه. وبالتالي، فإن البريكس ليست أكثر من خدعة استراتيجية تمكن النظام الرأسمالي من التكيف مع تحديات العولمة دون أن يفقد هيمنته. ختامًا، يكمن التحدي الحقيقي في تجاوز وهم البدائل السطحية، والسعي نحو نقد منهجي للعلاقات بين الحضارة، الاقتصاد السياسي، والتاريخ الاجتماعي، من أجل بناء تصور اقتصادي جديد قادر على مواجهة أزمات النظام الرأسمالي العالمي، وتحقيق تنمية عادلة ومستدامة. فالخدعة ليست في وجود مجموعة دول جديدة على المسرح، بل في الإصرار على تكرار نفس قواعد اللعبة الاقتصادية القديمة تحت أسماء وأعلام جديدة.



#محمد_عادل_زكى (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- استبداد السلطة في الأنظمة العربية: جدلية القمع والتخلف
- عن التخلُّف وإعادة إنتاجه
- في مواجهة الاقتصاد النفطيّ المُقدّس
- الطَّبقة الْوسطى العربيَّة: صراعات الهوية وتصدّعات الحداثة
- الطبقة المستحيلة: أزمة العامل العربيّ في اقتصاد تابع
- وليم بتي (1623–1687)
- ريتشارد كانتيون (1680–1734)
- النيوكلاسيكية: نهاية الاقتصاد السياسي وبداية وهم العلم المحا ...
- فرنسوا كينيه (1694 – 1774)
- ما بعد الاحتلال: الصراع العربي/الإسرائيلي كأزمة حضارية
- التاريخ كصيرورة: في نقد الثبات والوهم في الوعي الاجتماعي
- منابر الصمت: المدارس والجامعات بين الطاعة والمعرفة
- النيوليبرالية العربية: عن عبودية السوق واستقالة الدولة
- في مدارات التبعيّة: الاقتصاد كإعادة إنتاج للفقر
- الجامعة كآلية لإعادة إنتاج الطاعة
- من نظام إلى احتضار: سيرة العدم المعولم
- سرّ إنتاج المعرفة
- النخَّاس الجديد: كيف تعيد الإمبريالية صياغة هويتنا وتراثنا؟
- من الكنيسة إلى الجامعة: استمرار أدوار الهيمنة بصيغ جديدة
- في الطبيعة الاقتصادية للأسهم


المزيد.....




- -لم أتحمّل الحلم الأمريكي-: محارب متقاعد ينتقل للعيش في البر ...
- عُثر عليه على بُعد 300 قدم داخل غابة.. ممثل أمريكي يصف نجاته ...
- لأول مرة.. -داعش- يتبنى هجومين ضد قوات موالية للحكومة الجديد ...
- الخارجية الروسية: بكين تتفهم موقف موسكو بخصوص الأزمة الأوكرا ...
- فضيحة طبية تهز أوروبا: متبرع دنماركي أنجب 67 طفلًا ونقل جينً ...
- ماكرون يحذر من تركيز واشنطن على الصين على حساب أوكرانيا
- بعد عرقلة إسرائيلية.. وزراء عرب يؤجلون زيارتهم لرام الله
- بيان مصري تونسي جزائري مشترك حول ليبيا
- رئيس جورجيا يتحدث عن مطالبة دول غربية لبلاده بالانخراط في ال ...
- مصادر تركية تنفي نية لقاء أحد قيادات تنظيم -بي كي كي-


المزيد.....

- Express To Impress عبر لتؤثر / محمد عبد الكريم يوسف
- التدريب الاستراتيجي مفاهيم وآفاق / محمد عبد الكريم يوسف
- Incoterms 2000 القواعد التجارية الدولية / محمد عبد الكريم يوسف
- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - محمد عادل زكى - خدعة البريكس: قراءة نقدية في وهم الاقتصاد السياسي الجديد