أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد عادل زكي - صدمة الحداثة














المزيد.....

صدمة الحداثة


محمد عادل زكي

الحوار المتمدن-العدد: 8399 - 2025 / 7 / 10 - 02:48
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


منذ بدأت في نقد الاقتصاد السياسي، لم تكن الحداثة بالنسبة لي مجرد مرحلة تاريخية أو تطور معرفي، بل كانت، ولا تزال، بنية قسرية أُفرِضَت على العالم تحت ستار العقل والعلم والتقدم. لم أكن يومًا من أولئك الذين ينظرون إلى الحداثة باعتبارها خلاصًا، أو مرحلة ضرورية في تطور الوعي الإنساني، بل كنت دائمًا أنظر إليها كما هي: لحظة عنف رمزي ومادي، لحظة تم فيها إعادة تشكيل العالم وفق منطق أحادي يزعم العالمية، بينما لا يعترف إلا بالذَّات الأوروبيَّة كمركز، وكحقيقة نهائية. لم تأتِ الحداثة إلينا عبر كتب الفلاسفة أو نظريات التنوير، بل جاءت محمولة على حراب المستعمرين، وعلى السفن التي رست على سواحلنا ليس فقط لتنقل السلع، بل لتفرغ عقولنا من ذواتها، وتعيد تشكيلها وفق نموذج واحد، لا يُسمح لنا إلا باستنساخه أو الخضوع له. نحن، في هذا الجزء المنكوب من العالم، لم نولد داخل الحداثة، بل صُدمنا بها. لم نتنفسها كتطور داخلي، بل تلقيناها كهجوم خارجيّ. كانت صدمة حضاريَّة، كانت غارة سريعة على وعي هش، نُزع من تاريخه، ثم أُعيد تشكيله كمرآة مكسورة لا تعكس إلا صور الآخرين. لقد عايشت، عبر قراءتي لكتابات كانتيون وكينيه وسميث وريكاردو وماركس، كيف بنت الحداثة نفسها من خلال مفهوم السُّوق، وكيف تحوّل الاقتصاد من نشاط اجتماعي إلى بنية قانونية تُنتج الإنسان كما تُنتج السلعة. كل مفاهيم التقدم التي تسكن خطاب الحداثة، وكل مسلمات الحرية الفردية والعقلانية، كانت، في العمق، مجرّد أدوات لإعادة إنتاج السيطرة لا لتحرير البشر. ماركس، الذي حاول أن ينتزع هذا الوعي من قبضة الرأسمال، سقط هو نفسه، في بعض مراحله، في فخ الحداثة حين افترض أن التاريخ يسير وفق خط تطوري واحد، وأن المجتمعات ستسلك الطريق ذاته. وأنا، في اشتغالي على نقد قانون القيمة، والنظرية السائدة في نمط الإنتاج كنت أقاوم ذلك التواطؤ الكامن في عمق الفكر الاقتصادي، والذي يمنح أوروبا امتياز لحظة البداية، ويُرسّخ مفاهيمها باعتبارها مقياسًا عالميًا يُقاس به كل شيء، دون مساءلة. الحداثة، كما وصلت إلينا، لم تكن سؤالًا نقديًا مفتوحًا، بل كانت نظامًا مغلقًا، يفرض منطقه كقانون طبيعي، ويقيس كل ما عداه بوحداته. حتى الزمن، الذي كنت أدرسه كعامل مغفَل في تشكيل القيمة، تم تحويله داخل خطاب الحداثة إلى أداة انضباط، وسلاح بيد الرأسمال لتنظيم الحياة لا لتحريرها. ولذلك، فإن معركتي الفكرية مع الحداثة لم تكن يومًا مع المصطلح، بل مع جوهره، مع بنيته العميقة التي احتقرت كل ما هو خارج عن ذاتها، وحوّلت العالم إلى سوق واحدة، ومصنع واحد، وتاريخ واحد. ما زلت أعتقد أن الحداثة ليست مرحلة، بل نظام سلطة. إنها لا تتحقق فقط حين نؤمن بها، بل تتحقق أكثر حين نخضع لها دون وعي. هي ليست ما نقرأه، بل ما نُقرأ به. ولهذا فإن مناهضة الحداثة لا تعني العودة إلى الوراء، بل تعني التمرُّد على سلطة الخط المستقيم، على الفرضيَّة التي تجعل من مسار أوروبا هو المسار الوحيد الممكن. لقد خُدِعَنا كثيرًا بخطاب التقدّم، وعلينا أن نتوقف. ليس لأن التقدّم في ذاته باطل، بل لأن المقياس الذي صاغوه للتقدّم لم يُبْنَ علينا، بل بُنِي ضدنا. لا يُعقل أن نقيس تحررنا بمقاييس من سلبونا. لا معنى لأي وعي نملكه إذا كان منسوخًا عن أداة الهيمنة نفسها. السُّؤال لم يعد: "كيف نلتحق بالعصر؟"، بل: "أي عصر نريد أن نخلق؟".






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرأسمالية كحضارة نفي: حين يحكم الربح مسار الإنتاج
- الأزمة البيداجوجية للاقتصاد السياسي
- الإصلاح الاقتصادي: لحظة من لحظات الهيمنة
- مَن يربح حين نموت؟ الإمبرياليَّة تُجيب
- القانون: شرعنة القهر الرأسمالي الحديث
- قفاز حريري يُخفي مخالب من حديد
- نهب القارة الأفريقية: جرحٌ نازفٌ في جسد التَّاريخ والإنسانيّ ...
- الاقْتِصَاد السِّياسيّ: تحطيم المركزيَّة وبناء الإنسانيَّة
- أطلال الحضارات المغدورة: أمريكا اللاتينيَّة في ظل الهيمنة ال ...
- في التَّاريخ الذي كُتب بالذهب والدم: نقد المركزيَّة الأوروبي ...
- الهيمنة بالفائدة: الرأسمالية حين تُدير العالم كخزينة خاصة
- هيمنة التداول وأزمة الاقتصاد المتخلف
- الآلهة الجديدة: الرَّأسمال، والسُّوق، والإمبرياليَّة
- رامساي (1789- 1864)
- خدعة البريكس: قراءة نقدية في وهم الاقتصاد السياسي الجديد
- استبداد السلطة في الأنظمة العربية: جدلية القمع والتخلف
- عن التخلُّف وإعادة إنتاجه
- في مواجهة الاقتصاد النفطيّ المُقدّس
- الطَّبقة الْوسطى العربيَّة: صراعات الهوية وتصدّعات الحداثة
- الطبقة المستحيلة: أزمة العامل العربيّ في اقتصاد تابع


المزيد.....




- قتلى وجرحى بينهم أطفال إثر غارة قرب نقطة توزيع مياه وسط غزة، ...
- ترامب يقول إن الولايات المتحدة سترسل صواريخ باتريوت الدفاعية ...
- ترامب يقرر إرسال صواريخ باتريوت إلى أوكرانيا
- مقتل العشرات في اشتباكات مسلّحة جنوب سوريا
- وفاة محمد بخاري رئيس نيجيريا السابق عن 82 عاما بعد مسيرة حكم ...
- سوريا: اشتباكات دامية بين الدروز والبدو في السويداء تسفر عن ...
- قتلى وجرحى خلال اشتباكات طائفية في السويداء، فماذا يحدث في ا ...
- ماكرون يقرر زيادة الإنفاق الدفاعي بـ4 مليارات دولار في 2026 ...
- عباس: حماس لن تحكم غزة والحل الوحيد تمكين الدولة الفلسطينية ...
- مورسيا : مدينة يقطنها مهاجرون من شمال أفريقيا تهتز على وقع ا ...


المزيد.....

- السيرة النبوية لابن كثير (دراسة نقدية) / رحيم فرحان صدام
- كتاب تاريخ النوبة الاقتصادي - الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب الواجبات عند الرواقي شيشرون / زهير الخويلدي
- كتاب لمحات من تاريخ مملكة الفونج الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي / تاج السر عثمان
- برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية / رحيم فرحان صدام
- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد عادل زكي - صدمة الحداثة