أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - محمد عادل زكى - أزمة الماركسية في العالم العربي














المزيد.....

أزمة الماركسية في العالم العربي


محمد عادل زكى
(Muhammad Adel Zaky)


الحوار المتمدن-العدد: 8399 - 2025 / 7 / 10 - 07:38
المحور: في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
    


ليس من باب المبالغة أن نقول إن الماركسية، في سياقها العَربي، لم تُولد فعلًا حتى تموت، ولم تتجذّر حتى تُجتث، بل قُدِّمت دومًا كصورة بلا مضمون، وكمذهب بلا تاريخ، وكمجموعة شعارات تتلوى داخل سرديات الاستبداد أو تنصهر في أحزاب بيروقراطيَّة فقدت صلتها بالواقع، فضلًا عن التاريخ. فالماركسية في العالم العربيّ لم تكن يومًا مشروعًا نقديًّا جذريًّا يستهدف البنية، بل كانت، في أفضل أحوالها، خطابًا احتجاجيًّا، مؤقتًا، تماهى غالبًا مع الدَّولة "الوطنيَّة" حين تسربلت سربال "الاشتراكية"، واختزل الصراع الطبقي في معركة إصلاح زراعيّ أو تأميمات شكليَّة لمصانع عاجزة. وهكذا، تحوّلت الماركسيَّة إلى جهاز مفاهيمي هشّ، موظَّف داخل آليات السلطة لا في مواجهتها، مجنَّد لتبرير السياسات لا لنقدها. لقد أُفرغت الماركسية من مادتها الجدلية، من نقدها العميق لقانون القيمة، ومن تحليلها التَّاريخي لآليات إنتاج الثروة وشروط استغلال الإنسان. لم يُقرأ ماركس قراءةً علميَّةً، بل قُرئ كما تُقرأ النصوص المقدَّسة، واستُهلك كما يُستهلك الرمز، ووُضع على منصّة الأنبياء، لا على رفّ المفكرين الجدليين. لم يُقرأ كأحد أعمدة الاقتصاد السياسي بوصفه علمًا اجتماعيًّا، بل كالكائن الذي قال كل شيء، وفهم كل شيء، ومن بعده لا علم ولا تحليل ولا اجتهاد! وهذه القراءة الوثنية لم تفعل سوى أن جرّدت الماركسية من شرطها الجدلي، وجعلتها عقيدة صلبة بدل أن تكون أداة تحليل مرنة. ماركس، في الحقيقة، لم ينبت من فراغ، ولم يكن طارئًا على سلالة الفكر الاقتصاديّ، بل هو امتدادٌ نقديٌّ ناضج لخط كلاسيكي يبدأ مع كانتيون وكينيه ويمر بسميث وريكاردو، ثم يتجاوزهما عبر كشف الطابع التاريخي للقوانين التي صنّفاها كقوانين طبيعيَّة. لقد وُلد ماركس من رحم الاقتصاد السياسي الكلاسيكي، لكنه لم يتوقف عند عتباته، بل جدّله، وفكّكه، وذهب أبعد: لم يصف العلاقات الاقتصادية، بل كشف بنيتها التاريخيّة والاجتماعية كعلاقات قهر واستغلال. وهو ما لا تفعله الشعارات. أما "رأس المال"؟ فهو نص مكدّس على الرفوف، تتداوله النُّخَب إما بوصفه قسم الولاء إلى "العقيدة"، أو كأداة رمزية للاستعراض الثقافي، لا بوصفه عملًا نقديًّا لتحليل بنية نمط الإنتاج الرأسماليّ. تمّ تدجينه، كما دُجِّن صاحبه، داخل ماكينة الرطانة الثقافوية، حيث يتحدث الجميع عن القيمة الزَّائدة، دون أن يفهم أحد ما القيمة أصلًا. في هذا السياق، تماهى كثير من "الماركسيين" مع نظام الفُتات: الفُتات الأكاديمي، والفُتات الصحفي، والفُتات الأيديولوجي. رطانةٌ لا تتوقف عن الحديث عن "الإمبريالية"، و"الصراع الطبقي"، و"البروليتاريا الثورية"، لكن بلا تحليل للواقع، ولا فهم لبنية الاقتصاد العربيّ، ولا حتى قراءة جدّية لماركس نفسه. وكل من نَقد، وجرؤ أن يفكّر خارج هذا القطيع، أُلصق به تهمة "التحريفية" أو "الليبرالية"! وكأن الماركسية قد أُغلقت أبوابها عند جملةٍ قالها ماركس، أو مقطع من لينين. ولأن الماركسية منظومة تُبنى على الجدل، فإن اختزالها في دوجمائية حزبية، أو في شعارات ضد "الإمبريالية"، دون تفكيك فعلي لبنية التبادل، للعمل، للزمن، للقيمة، يعني قتلها. وهو ما جرى. نعم، أزمة الماركسية في العالم العربي ليست في تغييبها، بل في حضورها المشوّه، حضورها كشعار، لا كعلم. حضورها كرطانة، لا كمنهج. حضورها كختم أيديولوجيّ على أوراق الوظيفة والتمويل والمنصب، لا كأداة تحليل ثوريّ تكشف عن بنية القهر والاستغلال في العالم كما هو، لا كما ترويه نشرات الأحزاب. ثمّة ما هو أسوأ من غياب الماركسية: وجودها على يد من لا يعرفونها. على يد من يحوّلونها إلى صنم مفرغ من المعنى، ويتقاضون أجورهم باسمها. هؤلاء لم يقرؤوا الاقتصاد السياسي، ولا عرفوا قانون القيمة، ولا أدركوا أن ماركس نفسه ما كان ماركسيًّا، بالمعنى الذي يحول الفكر إلى لافتة، والمنهج إلى شعار. وأُكرّر: لا أكتب دفاعًا عن ماركس، فأنا لست معنيًّا بتقديس أحد. لكنني أراه، في ميزان التاريخ، مفكرًا عظيمًا من مفكري الاقتصاد السياسي، لا أكثر ولا أقل. واحدًا من أولئك الذين سعوا، ضمن نسق اجتماعيّ متغيّر، إلى بناء علم اجتماعيّ قادر على فهم العالم وتغييره. وما ينبغي اليوم، ليس عبادته، بل نقده، وتجاوزه إن أمكن، تمامًا كما فعل هو مع من سبقوه. واليوم، في عالم تهاوت فيه سرديات التقدّم، وتكشّفت أوهام الحداثة، تحتاج الماركسية، بوصفها فهم ماركس للتاريخ وللاقتصاد وللمجتمع، إلى إعادة بناء. لا بوصفها عقيدة، بل كنقد جذريّ لقانون القيمة، ككشف لجدلية العمل والطاقة والزمن، كصرخة ضد اقتصاد سياسيّ زائف! لا يمكن أن تقوم للماركسية قائمة إن لم تُفكك من جديد، على أرضٍ غير أوروبية، بمفاهيم تُصاغ محليًّا، بتجارب تُنقّب خارج مركز العالم، بنقدٍ لا يكتفي بإدانة الرأسمال، بل يفكك قانون القيمة نفسه، من أجل إعادة بناء علم جديد، علم نقد الاقتصاد السياسي.



#محمد_عادل_زكي (هاشتاغ)       Muhammad_Adel_Zaky#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صدمة الحداثة
- الرأسمالية كحضارة نفي: حين يحكم الربح مسار الإنتاج
- الأزمة البيداجوجية للاقتصاد السياسي
- الإصلاح الاقتصادي: لحظة من لحظات الهيمنة
- مَن يربح حين نموت؟ الإمبرياليَّة تُجيب
- القانون: شرعنة القهر الرأسمالي الحديث
- قفاز حريري يُخفي مخالب من حديد
- نهب القارة الأفريقية: جرحٌ نازفٌ في جسد التَّاريخ والإنسانيّ ...
- الاقْتِصَاد السِّياسيّ: تحطيم المركزيَّة وبناء الإنسانيَّة
- أطلال الحضارات المغدورة: أمريكا اللاتينيَّة في ظل الهيمنة ال ...
- في التَّاريخ الذي كُتب بالذهب والدم: نقد المركزيَّة الأوروبي ...
- الهيمنة بالفائدة: الرأسمالية حين تُدير العالم كخزينة خاصة
- هيمنة التداول وأزمة الاقتصاد المتخلف
- الآلهة الجديدة: الرَّأسمال، والسُّوق، والإمبرياليَّة
- رامساي (1789- 1864)
- خدعة البريكس: قراءة نقدية في وهم الاقتصاد السياسي الجديد
- استبداد السلطة في الأنظمة العربية: جدلية القمع والتخلف
- عن التخلُّف وإعادة إنتاجه
- في مواجهة الاقتصاد النفطيّ المُقدّس
- الطَّبقة الْوسطى العربيَّة: صراعات الهوية وتصدّعات الحداثة


المزيد.....




- للتخفيف من قيظ الصيف..فيلة تتراشق بالماء في حديقة حيوانات بإ ...
- حان الوقت لتغييرها.. أسوأ 10 كلمات مرور في العالم
- الإمارات: شرطة دبي تعتقل 3 بلجيكيين مطلوبين للإنتربول بتهمة ...
- روسيا تعلن السيطرة على قرية جديدة في غرب دونيتسك وسط استمرار ...
- ما مدى جدية الدعوات الغربية بالاعتراف بدولة فلسطينية؟
- الدفاع المدني يعلن السيطرة على حرائق اللاذقية بعد معركة استم ...
- الاتحاد الأوروبي يطالب بـ -حلٍّ عادل- في في قضية الرسوم الجم ...
- شعارات مناسبة الذكرى 67 لثورة 14 تموز 1958
- ماكرون يستعد لإعلان زيادة جديدة في ميزانية الدفاع في ظل تصاع ...
- اتهامات متبادلة بين إسرائيل وحماس بعرقلة مفاوضات الهدنة


المزيد.....

- نعوم تشومسكي حول الاتحاد السوفيتي والاشتراكية: صراع الحقيقة ... / أحمد الجوهري
- عندما تنقلب السلحفاة على ظهرها / عبدالرزاق دحنون
- إعادة بناء المادية التاريخية - جورج لارين ( الكتاب كاملا ) / ترجمة سعيد العليمى
- معركة من أجل الدولة ومحاولة الانقلاب على جورج حاوي / محمد علي مقلد
- الحزب الشيوعي العراقي... وأزمة الهوية الايديولوجية..! مقاربة ... / فارس كمال نظمي
- التوتاليتاريا مرض الأحزاب العربية / محمد علي مقلد
- الطريق الروسى الى الاشتراكية / يوجين فارغا
- الشيوعيون في مصر المعاصرة / طارق المهدوي
- الطبقة الجديدة – ميلوفان ديلاس , مهداة إلى -روح- -الرفيق- في ... / مازن كم الماز
- نحو أساس فلسفي للنظام الاقتصادي الإسلامي / د.عمار مجيد كاظم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - محمد عادل زكى - أزمة الماركسية في العالم العربي