أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد عادل زكى - الإمبرياليَّة والنفط، وخرائط الدّم














المزيد.....

الإمبرياليَّة والنفط، وخرائط الدّم


محمد عادل زكى
(Muhammad Adel Zaky)


الحوار المتمدن-العدد: 8402 - 2025 / 7 / 13 - 08:31
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


لم يعد النفط، منذ أن دخلت الرأسماليَّة الأوروبيَّة مرحلتها الصناعيَّة، مجرد مورد طبيعيّ، بل تحوَّل إلى حجر زاوية في بنيتها الإمبرياليَّة. لم يعد الأمر يتعلَّق بطاقة تُشغِّل المصانع أو تُحرِّك الجيوش، بل بمن يتحكَّم في مفاتيح الجغرافيا، في رسم الخرائط، وفي إعادة ترتيب العالم على مقاس الأنبوب. لقد كان القرن العشرون هو قرن الذَّهب الأسود. ففي مطلعه، لم يكن تحوُّل الله البحرية البريطانيَّة والألمانيَّة من الفحم إلى النفط مجرَّد طفرة في التقنيَّة، بل تأسيسًا لتحالف دمويّ بين الطَّاقة والقوة العسكريَّة. ومع اشتعال الحرب العالميَّة الأولى، أصبحت السيطرة على منابع النفط، خصوصًا في الشرق الأوسط، مسألة وجوديَّة. فلقد كان لظهور الدبابة والطَّائرة والغوَّاصة الدور الحاسم في تغيير طبيعة الحرب، وأصبح امتلاك وقود تلك الماكينات الحربيَّة الجديدة من أهم الشروط المسبقة للنصر. وما إن وضعت الحرب أوزارها، حتى انطلقت جولة أكثر شراسة من الصراع على الزيت. فها هي بريطانيا تفرض هيمنتها على نفط إيران، وتمد أطماعها إلى العراق والكويت، بينما تسللت فرنسا إلى بعض الحقول، وركَّزت اليابان أنظارها على الهند الشرقيَّة الهولنديَّة. أمَّا الولايات المتحدة، فقد بدأت بترسيخ حضورها في الخليج، مدركة أن الحرب القادمة ستكون حتمًا على الطاقة. ولم يكن اندفاع النَّازي نحو القوقاز في عام 1941 بهدف النصر الأيديولوجيّ، بل خلف آبار نفط تؤمِّن استمرار الحرب. وعقب الحرب العالميَّة الثانية، تشكَّل (النظام العالمي الجديد!) على إيقاع الحاجة إلى الطَّاقة، وصار "أمن الطَّاقة" مرادفًا لـ"أمن الدَّولة". ولقد بدأت الولايات المتحدة، الَّتي خرجت من الحرب كأغنى وأقوى اقتصاد في العالم، بمدّ شبكتها العسكريَّة لتأمين تدفُّق النفط: من الخليج العربيّ إلى بحر قزوين، ومن آسيا الوسطى إلى سواحل أفريقيا. لم يكن ذلك دفاعًا عن الديمقراطيَّة، بل حماية للأنابيب! وسيظل من المؤكد أن كل قاعدة عسكريَّة أمريكية أُقيمت، وكل "معونة" قُدِّمت، كانت خطوة في استراتيجيَّة تأمين، وتطويق، الموارد. في قلب هذه الاستراتيجيَّة، كانت إيران مجددًا مسرحًا للتدخُّل. ففي عام 1953، أُسقط محمد مصدق لأنه تجرَّأ على تأميم النفط. ولم يكن التبرير هو خطر الشيوعيَّة كما رُوِّج، بل خطر العدالة الاقتصَاديَّة! في اللحظة ذاتها تقريبًا، بدأت الولايات المتحدة ترسي قواعدها في السعوديَّة وسائر أجزاء الخليج العربيّ، كي تؤسِّس لما سيكون لاحقًا "عقيدة كارتر"، الَّتي تعتبر نفط المنطقة مسألة أمن قوميّ. وعشيَّة السبعينيَّات، بدا، ولو للحظة، أن المعادلة يمكن أن تختل؛ حينما استخدم العرب، في عام 1973، سلاح النفط كأداة ضغط في مواجهة قوى الإمبرياليَّة. اهتزَّ الغرب، لكنه تعلَّم: فأنشأ المخزونات الاستراتيجيَّة، وكثَّف تحالفاته العسكريَّة، وأعاد ترتيب أدوات السُّوق ليمنع تكرار تلك اللحظة السوداء! ثم جاءت الثمانينيَّات والتسعينيَّات لتؤكد، عبر العديد والعديد من الوقائع، أن كل مَن يخرج عن النص يُعاقب. حتى كان غزو العراق في عام 2003، تذرعًا بامتلاك نظام صدام "أسلحة دمار شامل!"، بينما كانت الحقيقة كامنة في حقول البصرة وأنابيب كركوك! وخارج عالمنا العربيّ المنكوب، لم تكن الصورة مختلفة. ففي نيجيريا، البلد الأفريقيّ الأكثر غنًى بالنفط، كان الصراع دائمًا ما يُقدَّم كصراع طائفيّ أو على الموارد، بينما الحقيقة أن الشركات الدوليَّة، كانت تقتسم الغنائم في تحالف ضمنيّ مع الجنرالات، وتدفع بالبلاد نحو الحروب. وفي الشيشان، لم تكن جروزني هدفًا عسكريًّا محضًا، بل نقطة استراتيجيَّة لتكرير وتصدير النفط القادم من بحر قزوين. مَن يتحكم في تلك المدينة، يتحكم في نبض الطاقة الروسيَّة. وعلى الضفَّة الأخرى من بحر قزوين، كانت أوزبكستان مثالًا لصراع غير مرئي على الأنابيب العابرة، حيث اندلعت انتفاضة عام 2004 على خلفيَّة أوسع من مجرد ثورة على الاستبداد السياسيّ. أما في فنزويلا، فقد كانت العقوبة واضحة: الرئيس يُحاصر، والدولة تُشلّ، والاقتصَاد يُخنق، فقط لأنه فكَّر في بيع النفط بغير الدولار. وفي ليبيا، لم يكن مقتل القذافي تتويجًا لثورة شعبيَّة، بل إعلانًا عن نهاية حلم بدينار ذهبي أفريقيّ. وأمَّا في سوريا، فالقوَّات الأمريكيَّة لا تزال، حتى اليوم، ترابط في دير الزور، لا لحماية الديمقراطيَّة، بل لحراسة الحقول. وفي السُّودان، حيث قُسِّم هذا البلد بالمسطرة، لا باسم الهويَّة، بل باسم أنبوب النفط، لم يكن الانفصال دينيًّا ولا إثنيًّا، بل هندسة دقيقة لأنبوب يعبر الجنوب الغنيّ ليصب في الشمال القابل للتطويع، أو التخريب. وفي اليمن، لا تدور الحرب في الجبال لأجل الحوثيين، بل عند ضفاف مضيق باب المندب؛ فمن يسيطر عليه يتحكم في شرايين الناقلات العملاقة الحاملة للزيت. الصورة ذاتها تتكرَّر في جورجيا، حيث دارت حرب أوسيتيا عام 2008 دفاعًا عن أنبوب "باكو/تبليسي/جيهان". وفي أوكرانيا، حيث الحرب ليست على هويَّة، بل على خطوط عبور الغاز الروسي إلى أوروبا. أمَّا في القطب الشمالي، فالسباق محتدم على كنوز مدفونة تحت الجليد!. وفي بحر الصين الجنوبي، الجزر المتنازع عليها لا تُثير هذا الجنون لأنها جميلة، بل لأنها تطفو على بحر من النفط. الزيت، في نهاية المطاف، لم يعُد مجرد مورد، بل وحدة قياس للسيادة. مَن يتحكم فيه دون إذن، يُعاقب. من يُسعّره خارج الدولار، يُحاصر. مَن يطمح إلى استخراجه بسيادة وطنيَّة، يُسقط. في هذا العالم، تُحسب العدالة بالبرميل، وتُقاس السيادة بخطوط الأنابيب. وإذا أردنا أن نقرأ التَّاريخ الحديث دون أقنعة، فعلينا أن نُقلب الخرائط لا من خلال الأعلام، بل من خلال خرائط تدفّق الطَّاقة؛ فمن يهيمن على الطَّاقة لا يملك الوقود فقط، بل يملك القرار، والخريطة، والحبر الَّذي تُكتب به الروايات الدموية الكبرى.



#محمد_عادل_زكي (هاشتاغ)       Muhammad_Adel_Zaky#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل يمكن إنقاذ الاقتصاد السياسي؟
- من بابل إلى لانكشير: تاريخ مقنّن للسيطرة
- أزمة الماركسية في العالم العربي
- صدمة الحداثة
- الرأسمالية كحضارة نفي: حين يحكم الربح مسار الإنتاج
- الأزمة البيداجوجية للاقتصاد السياسي
- الإصلاح الاقتصادي: لحظة من لحظات الهيمنة
- مَن يربح حين نموت؟ الإمبرياليَّة تُجيب
- القانون: شرعنة القهر الرأسمالي الحديث
- قفاز حريري يُخفي مخالب من حديد
- نهب القارة الأفريقية: جرحٌ نازفٌ في جسد التَّاريخ والإنسانيّ ...
- الاقْتِصَاد السِّياسيّ: تحطيم المركزيَّة وبناء الإنسانيَّة
- أطلال الحضارات المغدورة: أمريكا اللاتينيَّة في ظل الهيمنة ال ...
- في التَّاريخ الذي كُتب بالذهب والدم: نقد المركزيَّة الأوروبي ...
- الهيمنة بالفائدة: الرأسمالية حين تُدير العالم كخزينة خاصة
- هيمنة التداول وأزمة الاقتصاد المتخلف
- الآلهة الجديدة: الرَّأسمال، والسُّوق، والإمبرياليَّة
- رامساي (1789- 1864)
- خدعة البريكس: قراءة نقدية في وهم الاقتصاد السياسي الجديد
- استبداد السلطة في الأنظمة العربية: جدلية القمع والتخلف


المزيد.....




- خبير يبين لـCNN ما وراء تكثيف موسكو لضرباتها في أوكرانيا ودف ...
- انتشار فيروسي لفيديو بزعم أنه لـ-فتاة مسّتها روح شيطانية في ...
- قتال عنيف في مدينة الفاشر بين الجيش السوداني وقوات الدعم الس ...
- تقرير: الرئيس مسعود بزشكيان أصيب خلال الحرب مع إسرائيل
- إسبانيا: أمطار غزيرة في إقليم كاتالونيا تتسبب بفقدان شخصين و ...
- وفاة عامل مكسيكي في كاليفورنيا إثر عملية دهم لإدارة الهجرة
- حزب أسكتلندي يدعو الحكومة البريطانية للاعتراف -فورا- بفلسطين ...
- الجيش الأوكراني: أكثر من مليون قتيل وجريح روسي منذ بداية الح ...
- باكستان تنفي تعرضها لضغوط أميركية للاعتراف بإسرائيل
- مشاهد توثق استهداف السرايا تجمعات للاحتلال وخطوط الإمداد بخا ...


المزيد.....

- السيرة النبوية لابن كثير (دراسة نقدية) / رحيم فرحان صدام
- كتاب تاريخ النوبة الاقتصادي - الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب الواجبات عند الرواقي شيشرون / زهير الخويلدي
- كتاب لمحات من تاريخ مملكة الفونج الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي / تاج السر عثمان
- برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية / رحيم فرحان صدام
- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد عادل زكى - الإمبرياليَّة والنفط، وخرائط الدّم