أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد عادل زكى - هل يمكن إنقاذ الاقتصاد السياسي؟














المزيد.....

هل يمكن إنقاذ الاقتصاد السياسي؟


محمد عادل زكى
(Muhammad Adel Zaky)


الحوار المتمدن-العدد: 8401 - 2025 / 7 / 12 - 04:47
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


لقد نشأ الاقتصَاد السّياسي في قلب التحوّل الرَّأسمالي الأوروبيّ، لا باعتباره علمًا محايدًا يسعى لفهم الظّواهر، بل، وبصفةٍ خاصَّة في حقبة الابتذال الَّتي تلت الآباء المؤسّسين، بوصفه جهازًا معرفيًا يتعقّب آليات السُّوق كي يُشرعنها، ويُعيد إنتاجها، ويُقنع بها مَن يجب أن يخضع لها. لم يكن الهدف هو الوصف، بل التأسيس: تأسيس "نظام" يُعامل السُّوق كطبيعة، والعمل كضرورة، والتفاوت كقانون، والربح كجزء من هندسة كونيَّة باردة. وحده ماركس من حاول أن يعترض، أن يشقّ الطريق داخل هذا الجهاز، أن يُفكك مفاهيمه من الداخل، وأن يجاهر: هذه ليست طبيعة، بل تاريخ. وهذه ليست قوانين، بل علاقات. وهذه ليست أرقامًا، بل أجساد. لكن، هل يكفي ما فعله ماركس لإنقاذ الاقتصَاد السّياسي؟ أم أن هذا "العلم" كان، منذ بدايته، منحازًا في مركزيته، وأدواته، ولغته؟ أليست ظاهرة "القِيمَة" نفسها، كما صيغت في بدايات الاقتصاد الكلاسيكيّ، قائمة على وَهْم القياس؟ على تحويل الزمن الحي إلى كمّ، وتحويل العمل إلى مجرد وحدة إنتاج، وتحويل العلاقات إلى معدَّلات؟ أنا لا أرفض الاقتصاد السياسي، بحالته الرَّاهنة، بوصفه مجالًا للتَّفكير، بل أرفضه حين يتنكّر لفكرته الأولى: أنه سؤال في القيمة. وإذا لم يُعِد تعريف القِيمة، ولم يُحاكم الطَّريقة الَّتي صيغت وقُدّرت بها، فلن يكون علمًا، بل جهازًا للخداع. إنني أنظر إلى الاقتصَاد السّياسيّ الآن كجسدٍ تاه في لحظة حاسمة من تاريخه، حين تخلّى عن سؤال القِيمة، وراح يطارد النمو، والأسواق، والتَّوظيف، والبيانات، والسلع. لحظة انفصل فيها هذا العلم عن الحياة، وصار يُدار بالأرقام لا بالبشر، وبالجداول لا بالتجارب، وبالنماذج لا بالتاريخ. حتى ماركس، حين أُعيد تدويره داخل مدارس الاقتصاد، جُرِّد من نزعته الجدليَّة، وحُوِّل إلى رياضيّ صامت، يُفكّر في التّراكم لا في المعاناة، ويُستدعى لتفسير الرأسمالية المعاصرة لا لتفجيرها. لقد مات الاقٔتِصاد السّياسي يوم طُرد من الجامعات، وتحوّل إلى تاريخ لا يُقرأ، أو إلى بقايا تدرَّس بلا جدل، ولا غريزة، ولا أزمة. ومات، بالأحرى، يوم فشل مؤسِّسوه في تجاوز وَهْم القياس، ففتحوا الأبواب على مصاريعها أمام الابتذال، والتجريب، وفنّ التسيير. ومع ذلك، لا أقول إن علينا أن نتركه ونمضي. بل أقول إن علينا أن نعيد إحياءه، لا بتكراره، بل بتفكيكه. أن نعيد طرح السُّؤال الأول: ما القَيمَة؟ مَن يحدّدها؟ ما علاقتها بالزَّمن؟ ما علاقتها بالطَّاقة البشريَّة؟ مَن يعمل؟ من يُستغَل؟ ومن يُعيد إنتاج العالم؟ إن إنقاذ الاقتصَاد السّياسيّ لا يكون بتصحيح أدواته، ولا باستبدال مقياس زائف بآخر شكليّ، بل يبدأ بنقد فكرة القياس ذاتها، ثم إعادة تأسيسها على قاعدة مادية واجتماعيَّة. فالقيمة لا تُقاس بالزمن، ولا تُستنبط من الأسعار. فهي ليست كمًّا مجردًا، بل علاقة تتخذ شكلًا كمّيًا، هي روح تسكن جسد المنتوج. هل يمكن إنقاذ الاقتصَاد السّياسي؟ ربما. بشرط أن نعترف أولًا أنه لم يكن بريئًا، ولا عِلميًا، ولا مكتملًا. وأن نعيد تعريفه لا كعلم السُّوق، بل كعلم قانون القيمَة. وإذا لم تكن هناك قيمَة، فلن يكون هناك اقتصَاد سياسيّ. وحين تفقد القِيمَة معناها، يفقد هذا "العلم" كل مبرر لوجوده. لهذا أكتب. لا لأنقذ عِلمًا، بل لأنقذ الأسئلة. فالعلم الَّذي لا يُنتج أسئلة جديدة، ليس عِلمًا، بل نظام تبرير. والاقتصاد السّياسيّ، إذا أراد أن يبقى، لا بد أن ينسى لحظة تأسيسه، ويبدأ من جديد… من حيث فشل.



#محمد_عادل_زكي (هاشتاغ)       Muhammad_Adel_Zaky#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من بابل إلى لانكشير: تاريخ مقنّن للسيطرة
- أزمة الماركسية في العالم العربي
- صدمة الحداثة
- الرأسمالية كحضارة نفي: حين يحكم الربح مسار الإنتاج
- الأزمة البيداجوجية للاقتصاد السياسي
- الإصلاح الاقتصادي: لحظة من لحظات الهيمنة
- مَن يربح حين نموت؟ الإمبرياليَّة تُجيب
- القانون: شرعنة القهر الرأسمالي الحديث
- قفاز حريري يُخفي مخالب من حديد
- نهب القارة الأفريقية: جرحٌ نازفٌ في جسد التَّاريخ والإنسانيّ ...
- الاقْتِصَاد السِّياسيّ: تحطيم المركزيَّة وبناء الإنسانيَّة
- أطلال الحضارات المغدورة: أمريكا اللاتينيَّة في ظل الهيمنة ال ...
- في التَّاريخ الذي كُتب بالذهب والدم: نقد المركزيَّة الأوروبي ...
- الهيمنة بالفائدة: الرأسمالية حين تُدير العالم كخزينة خاصة
- هيمنة التداول وأزمة الاقتصاد المتخلف
- الآلهة الجديدة: الرَّأسمال، والسُّوق، والإمبرياليَّة
- رامساي (1789- 1864)
- خدعة البريكس: قراءة نقدية في وهم الاقتصاد السياسي الجديد
- استبداد السلطة في الأنظمة العربية: جدلية القمع والتخلف
- عن التخلُّف وإعادة إنتاجه


المزيد.....




- كيف خرج منتخب مصر من كأس العرب؟ سؤال أشعل مواقع التواصل
- -الركاب بأمان-.. العثور على يخت إسرائيلي فُقد في المتوسط بعد ...
- -تحريض وخيانة-.. ترامب يستشيط غضبًا بعد تقارير شكّكت في وضعه ...
- زعيمة المعارضة الفنزويلية تدين -إرهاب الدولة- في بلادها.. و ...
- 30 ثانية هزّت أمن متحف اللوفر! تحقيق رسمي يكشف: كيف نجح اللص ...
- لماذا دخلت السعودية ودول خليجية معركة الاستحواذ على استوديوه ...
- ابنة ماتشادو تتسلم جائزة نوبل للسلام وسط مخاوف على سلامة وال ...
- لبنان يرفض دعوة طهران.. هل هجمات إسرائيل على حزب الله مقدمة ...
- بشروط مشددة.. باريس تفرج عن الوسيط في قضية التمويل الليبي أل ...
- د. عزوز صنهاجي : فضائح الحكومة كرست العزوف


المزيد.....

- معجم الأحاديث والآثار في الكتب والنقدية – ثلاثة أجزاء - .( د ... / صباح علي السليمان
- ترجمة كتاب Interpretation and social criticism/ Michael W ... / صباح علي السليمان
- السياق الافرادي في القران الكريم ( دار نور للنشر 2020) / صباح علي السليمان
- أريج القداح من أدب أبي وضاح ،تقديم وتنقيح ديوان أبي وضاح / ... / صباح علي السليمان
- الادباء واللغويون النقاد ( مطبوع في دار النور للنشر 2017) / صباح علي السليمان
- الإعراب التفصيلي في سورتي الإسراء والكهف (مطبوع في دار الغ ... / صباح علي السليمان
- جهود الامام ابن رجب الحنبلي اللغوية في شرح صحيح البخاري ( مط ... / صباح علي السليمان
- اللهجات العربية في كتب غريب الحديث حتى نهاية القرن الرابع ال ... / صباح علي السليمان
- محاضرات في علم الصرف ( كتاب مخطوط ) . رقم التصنيف 485/252 ف ... / صباح علي السليمان
- محاضرات في منهجية البحث والمكتبة وتحقيق المخطوطات ( كتاب مخط ... / صباح علي السليمان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد عادل زكى - هل يمكن إنقاذ الاقتصاد السياسي؟