أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - اللجاة؛ البيئة الدرزية سينمائياً















المزيد.....

اللجاة؛ البيئة الدرزية سينمائياً


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 8410 - 2025 / 7 / 21 - 02:47
المحور: الادب والفن
    


1
نادرة، هيَ الأعمال السينمائية، المنذورة للبيئة الدرزية في جنوب سورية. فكأنما الأمرُ يتعلق بإبقاء تلك المنطقة مبهمة وغامضة كما عقيدة سكانها سواءً بسواء. لقد سبق لنا دراسة فيلم " شيء ما يحترق "، للمخرج غسان شميط، المنتج عام 1993؛ وكان يعرض لحالة أسرة درزية، نازحة من الجولان المحتل. في نفس ذلك العام، أنجز رياض شيا فيلمه " اللجاة "، وهوَ عن رواية لممدوح عزام، الذي شارك أيضاً المخرج في كتابة السيناريو. وكانت هذه المرة الأولى في تاريخ السينما السورية، تنتقل فيها كاميرا فيلم روائي طويل لتصوير البيئة الدرزية.
اللجاة، منطقة شديدة الوعورة في محافظة السويداء، تتميز بصخورها البركانية وكهوفها، كما أن من الصعب إجتيازها على الدواب. والاسم مستمد من كلمة اللجوء، كون المنطقة شكلت عبر التاريخ ملاذاً للهاربين من بطش السلطات. ففي العهد العثماني بأواخر القرن الثامن عشر، تحصن فيها الثوار الدروز لحين أن حصلوا على عفو السلطان. كذلك تاه فيها جيش الفاتح المصري، إبراهيم باشا، ما أدى إلى فناء أغلب عناصره. ولعبت اللجاة دوراً هاماً خلال الثورة السورية الكبرى، في عشرينيات القرن الفائت، وأيضاً في الثورة السورية ضد نظام الأسد.
المخرج رياض شيا ( 1954 ـ 2016 )، من مواليد السويداء، درس الإخراج السينمائي في موسكو. ومن ثم عمل كمساعد مخرج في فيلم " نجوم النهار " لأسامة محمد، وفي فيلم " الطحالب " لريمون بطرس. له عدد من الأفلام القصيرة، وفيلم روائي طويل واحد، هو " اللجاة ". تذكّرنا مسيرته الإبداعية بالمخرج المصري شادي عبد السلام ( 1930 ـ 1986 )، الذي مات أيضاً بسن مبكرة ولم يترك سوى فيلماً واحداً، " المومياء "، الحائز على المرتبة الثالثة كأفضل فيلم في تاريخ السينما المصرية. بل إن أجواء فيلم " اللجاة "، يمكن مقاربتها بذلك الفيلم المصريّ الخالد؛ من توثيق للمكان بلقطات فريدة للكاميرا إلى غلبة المشاهد الصامتة، لتغدو الطبيعة هيَ الناطقة بموجوداتها وكائناتها. كلاهما، شادي عبد السلام ورياض شيا، يبدو واضحاً تأثرهما بالصناع العظام للسينما الإيطالية كروسيليني وفلليني وبازوليني.
سيناريو فيلم " اللجاة "، لممدوح عزام، مستوحى من روايته، " معراج الموت "، المنشورة عام 1989. وهوَ من مواليد محافظة السويداء عام 1950، عمل مدرساً للأدب العربي ومن ثم تفرغ لأعماله الأدبية، فأصدر حتى الآن سبع روايات ومجموعتين قصصيتين. وكان من المقرر أن تتحول رواية أخرى للكاتب، " أرض الكلام "، لفيلم من إخراج رياض شيا، إلا أن القدر لم يمهل هذا الأخير لتحقيق المشروع.
الملاحظ بشأن فيلم " اللجاة "، ومدته أقل من تسعين دقيقة، أن الحبكة مقتصدة للغاية، لدرجة أن المُشاهد يعتقد أن نهاية الأحداث قد تم بترها. وعلى الأغلب، أن هذا عائدٌ إلى قصر الرواية الأصل، " معراج الموت "، التي هي في 105 صفحات. من بيانات موقع ويكيبيديا، المتعلقة بالرواية، ندرك أن سيناريو " اللجاة " قد أدخل تعديلاتٍ على القصة وبما يتوافق مع أسلوب مخرج الفيلم.

2
المشاهد الأولى لفيلم " اللجاة "، أعتمدت فيها الكاميرا على لقطاتٍ مأخوذة عن بعد، تصوّر تارة نسوة بملابس الجبل التقليدية، وتارة أخرى الرجال المرتلين ما يبدو أنها تهليلة استقبال هلال العيد. ثمة نص ديني، تتكرر تلاوته من صوتٍ فتيّ في أكثر من مشهد؛ لعله مستل من أحد كتب طائفة الموحدين. من بعيد، تبدو القرية أشبه بحصن منيع، بتربعها على قمة منيفة وبيوتها المبنية من حجارة بازلتية سوداء: هذا اللون القاتم، سيرافقنا منذ بداية الفيلم، وكما لو أنه علامة أو ترميز لحالة حِداد. حتى عنوان الفيلم، أجده يحيل إلى مفارقة، تتمثل في أن اللجاة خذلت أخيراً من شاءَ اللجوءَ إليه.
على صوت زمجرة الرياح، تظهر فتاة في مقتبل العمر خِلل كوة أحد البيوت، تلقي نظرة من بعيد على امرأة متوسطة العمر ممتلئة عيناها بالدموع. الفتاة، واسمها سلمى، سنعرف من السياق أنها سجينة بأمر حميها. أما المرأة الأخرى، فإنها زوجة هذا الأخير. ثم تستعاد الحكاية من البدء، لنجد سلمى مع شقيقة حميها، التي تعتبرها بمثابة عمتها، وكانت هذه تروي لها واقعة عشقها الأول والخائب بفعل التقاليد. سلمى بدَورها، يلوحُ أنها كانت تعطف على زوجها بالرغم من أنها اقترنت به دون قصة حب. عقبَ وصولها إلى بئر القرية، تبقى ثمة وهيَ تنظر إلى صورتها في الماء. قبقبة الحجل، ترافق نهاراً الحياة اليومية المعتادة للقرويين. ليلاً، يتماهى صريرُ الجنادب مع مواويل نساء البيت. في هكذا حياة رتيبة، تحلق أحلام سلمى بعيداً وهيَ تأمل بمن يحملها بعيداً إلى المدينة بصخبها وأضوائها. إلا أنه زوجها، مَن جاءته فرصة السفر إلى إحدى دول أمريكا اللاتينية للانضمام لأقاربه هنا، الذين حققوا النجاح والثروة. يترك سلمى برعاية أبيه، المتزوج من إمرأة أخرى كما علمنا.
حبكة الفيلم، تُستهل حينما تعرّفت سلمى على شاب غريب، يعمل في القرية مدرّساً للأطفال. يلتقيان عدة مرات، لحين أن تنشأ علاقة حب بينهما. يغريها بالهرب معه، لكي يتزوجا في المدينة. توافق على الفكرة، إلا أنه يخبرها بأن عليهما أولاً الإلتجاء لشيخ اللجاة، المقيم في قرية بعيدة: " إنه صاحب كلمة مسموعة في الجبل كله، وسيحمل حماكِ على الموافقة على طلاقكِ من ابنه ". أحد أصدقاء الحبيب، يتعهد إيصالهما لتلك القرية، المعتلية قمة أحد الجبال. شيخ اللجاة، يستقبلهما أخيراً ويعدهما بالمساعدة. إلا أن مساعيه تبوء بالفشل مع عم سلمى. هذه الأخير، وبحكم علاقته بآمر الجندرمة، يطلب منه أن يرسل عناصره لإحضار امرأة ابنه الهاربة.
مثلما يستنتج القارئ من العرض السابق، أن حبكة فيلم " اللجاة " بسيطة وخالية من التصاعد الدرامي. إلا أن خطة المخرج، يبدو أنها تمحورت حول إنجاز فيلم تكون فيه الصورة الشاعرية هيَ الطاغية على الأحداث. وفي هذا الصدد، تكتب الصحفية رواية ذياب: " لقد برهن رياض شيا على رؤيته العميقة للحدث وارتباطها الوثيق بالإنسان من خلال المكان والزمان. هذا ما تحقق في رائعته، " اللجاة "، تلك الرشقة الإلهية من التكوين الحجري، المعبق بالتاريخ. وهذا ما ضمن له صورة سينمائية دلالية لا تصلح لفيلم سينمائي فقط، ليضحي الفيلم توثيقاً لتاريخ وحاضر المكان والإنسان. لقد بيّن شيا، أن اللجاة على ما تظهر عليه من قسوة بملامحها ونتوءاتها الصخرية وبراكينها، التي ثارت من قديم الزمان، أنها ما زالت حية من خلال تاريخ الجبل ".
أخيراً، علينا التنويه بجمايات الصورة في " اللجاة "، بحيث غدت كأنها هيَ هدف الفيلم؛ هذه الصورة، التي تعهدتها كاميرا عبده حمزة. وكذلك نشيد بالموسيقى التصويرية، التي أبدعها الملحن عابد عازرية. نخبة من الممثلين، شاركوا في أداء الأدوار؛ كحنان شقير وثناء دبسي وفؤاد الراشد وسعد الدين بقدونس ولينا باتع.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حسّيبة؛ الشام بحسَب يوميات إمرأة
- شيء ما يحترق؛ عن الدرزي النازح
- الطحالب؛ حكاية جرح سوري
- باب المقام، المفتوح على الشغف
- سُلّم إلى دمشق؛ التقمّص عشيّة الثورة
- الليل؛ الفنتاسيا والواقع
- أحلام المدينة أم كوابيسها
- وقائع العام المقبل واختلال الوعي
- ليالي ابن آوى؛ البطريركية والسلطة
- نجوم النهار؛ رسم ساخر للمجتمع العلوي
- المصيدة؛ ثنائية الجنس والفساد
- الإتجاه المعاكس: فيلم فاشل
- كفر قاسم: القضية الفلسطينية سينمائياً
- وجه آخر للحب: الرغبة والجريمة
- اليازرلي والواقعية الجديدة
- بقايا صُوَر: الأدب والسينما
- السيد التقدمي والسيناريو السيء
- رشو آغا؛ العنصرية في السينما
- سائق الشاحنة: تدشين السينما الواقعية السورية
- المخدوعون؛ تأريخ الخيانة


المزيد.....




- مصر.. غرامة مشاركة -البلوغرز- في الأعمال الفنية تثير الجدل
- راغب علامة يسعى لاحتواء أزمة منعه من الغناء في مصر
- تهم بالاعتداءات الجنسية.. فنانة أميركية تكشف: طالبت بأن يُحق ...
- حمامات عكاشة.. تاريخ النوبة وأسرار الشفاء في ينابيع السودان ...
- مؤلَّف جديد يناقش عوائق الديمقراطية في القارة السمراء
- الأكاديمية المتوسطية للشباب تتوج أشغالها بـ-نداء أصيلة 2025- ...
- 5 منتجات تقنية موجودة فعلًا لكنها تبدو كأنها من أفلام الخيال ...
- مع استمرار الحرب في أوكرانيا... هل تكسر روسيا الجليد مع أورو ...
- فرقة موسيقية بريطانية تقود حملة تضامن مع الفنانين المناهضين ...
- مسرح تمارا السعدي يسلّط الضوء على أطفال الرعاية الاجتماعية ف ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - اللجاة؛ البيئة الدرزية سينمائياً