أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر - أوزجان يشار - أسماك القرش: ضحايا وهم التوحش















المزيد.....

أسماك القرش: ضحايا وهم التوحش


أوزجان يشار

الحوار المتمدن-العدد: 8403 - 2025 / 7 / 14 - 20:22
المحور: الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
    


بقلم: أوزجان يشار
تاريخ التحديث: 9 يوليو 2025

امتداد لمقال “أسنان البحر” المنشور بتاريخ 2 يونيو 2007 في جريدة دنيا الوطن، وموقع الحوار المتمدن، وعدد من المواقع العلمية والبيئية المختصة

قبل ثمانية عشر عامًا، كتبت مقالي “أسنان البحر”، في محاولة لفهم طبيعة أسماك القرش بعيدًا عن الأساطير الهوليوودية والرعب الشعبي المتوارث. وقد توسّع المقال في مواقع علمية وبيئية، وساهم في تغيير النظرة النمطية عن هذه الكائنات. واليوم، أعود إليه ليس للتراجع، بل للتوسعة والتحديث، في ضوء متغيرات جديدة وظواهر بيئية متفاقمة، أبرزها: الاقتراب المفاجئ لأسماك القرش من بعض شواطئ المتوسط، وعلى رأسها الإسكندرية وأيضا البحر الأحمر وشواطئ الغردقة وجدة وينبع.

بين المغالطات المنتشرة إعلاميًا، والتصريحات العاطفية غير الدقيقة، يصبح من الضروري العودة إلى العلم، لا إلى الخوف، وتحليل ما يحدث بروح نقدية لا تستسلم للفزع.



حين ترتفع حرارة البحر… من يقترب ممن؟

تشهد مياه البحر الأبيض المتوسط، خاصة في سواحل مصر، ارتفاعًا غير مسبوق في درجة الحرارة بسبب تغير المناخ. لا يعني هذا أن الأمواج سترتفع – فهذه مرتبطة بالرياح – بل إن الكارثة الحقيقية تحدث تحت السطح: نقص الأوكسجين، اختلال السلسلة الغذائية، نفوق الكائنات الدقيقة، وانجراف الأنواع نحو بيئات غير مألوفة.

القروش، التي تعتمد على السلسلة البيئية الطبيعية في غذائها، تجد نفسها فجأة في فراغ غذائي. وهذا ما يدفعها إلى الاقتراب من الشواطئ بحثًا عن بدائل، ليس لأنها أصبحت “أكثر شراسة”، بل لأنها أصبحت “أكثر يأسًا”.



عبث الإنسان: حين يرمي البحرُ موتاه

من بين أكثر الظواهر التي يجهلها أو يتجاهلها الإعلام، هي ظاهرة إلقاء المواشي والدواجن النافقة في البحر. تقوم بعض السفن التجارية والناقلات، عند اقترابها من الموانئ، بالتخلّص من الحيوانات الميتة بإلقائها في المياه المفتوحة لتجنب إجراءات التفتيش أو تكاليف الإتلاف الصحي. يحدث هذا بصمت، في جنح الليل، بعيدًا عن الكاميرات… لكن أثره يظهر فجأة على الشاطئ، في هيئة قرش يبحث عن الطعام.

هذه الظاهرة تصنع بيئة غذائية جديدة لا تنتمي إلى النظم البيئية البحرية. القرش، المفترس الطبيعي الذي تعلم عبر ملايين السنين كيف يصطاد الفقمة والسلاحف وأسود البحر، يجد أمامه وليمة جاهزة: جثث أبقار ودجاج طافية، مليئة بالدهون، دون حاجة للمطاردة أو الحذر. وهنا يبدأ التغيّر السلوكي الخطير.

سلوك القروش يبدأ بالتكيّف مع هذا النمط الغذائي، ومعه تتغير علاقتها بالبشر، ليس لأنها بدأت تفضلهم كطعام، بل لأن الإنسان صار جزءًا من “المشهد الغذائي الطارئ”. القروش التي تعوّدت أن تقتات على جثث المواشي بدأت تقصد مواقع التفريغ، والتي غالبًا تكون قرب الموانئ والشواطئ الآهلة. أي أن الإنسان، في كل مرة يرمي فيها بقاياه في البحر، يُغري القرش بالحضور… ثم يصيح: “لماذا اقترب؟!”

بل إن بعض القروش، وخاصة الأنواع الكبيرة مثل القرش الأبيض والثور والمحيطي، تبدأ في اختبار سلوكيات جديدة: فضول عدواني، اقتراب سطحي، عضات استكشافية – وهي كلها ناتجة عن خلل في سلسلة الصيد الطبيعية التي فُرض عليها بالقوة.



قروش لا تعرف النوم… ولا تعرف الإنسان

من أصل 400 نوع من القروش، يُصنّف أقل من 30 نوعًا على أنها “قد تكون خطرة”. لكن الخطر الحقيقي لا يكمن في نية القروش بل في الظروف التي تُجبرها على تغيير عاداتها الغذائية، كما أوضحنا. فالقروش لا تعرف الإنسان بوصفه فريسة، ولا تحبّ طعمه، ولا تجد في جسده النحيل ما يستحق العناء.

إنما، حين يتحرّك الإنسان قرب السطح، كالموج، أو يصدر رنينًا يشبه ترفرف الجناح، فإن القرش – بخبراته القديمة – يظنه فريسة بحرية. أول عضّة تكون للتجربة. لكنها قد تكون الأخيرة بالنسبة للضحية.



سلوك الأمومة والدفاع الغريزي

تتجه إناث بعض أنواع القروش نحو المياه الدافئة لتضع صغارها في بيئة آمنة. القروش الحوامل تكون حسّاسة ومفرطة الحذر. وحين تُفاجأ بحركة بشرية قرب منطقة الولادة، قد تُهاجم بدافع الحماية، لا بدافع الغذاء. في هذه اللحظات، لا يفرق القرش بين فقمة ودراجة مائية.

وهذا سلوك طبيعي. المشكلة أنه يحدث الآن في بيئات ساحلية مأهولة، نتيجة دخول الإنسان إلى مناطق كانت، لعقود طويلة، مناطق ولادة وصيد خاصة بالقروش.



حواس خارقة… وجلد يعرف كل شيء

القرش ليس مجرّد سن حاد. بل آلة حيوية مذهلة. يملك طبقة عاكسة في عينيه تساعده على الرؤية في العتمة، ومستقبلات جلدية تلتقط اهتزازات الماء، وخياشيم شمّ تميّز جزيئًا واحدًا من الدم بين مئة ألف لتر، وأعضاء كهربائية تلتقط إشارات الحركة من عضلات كائن آخر.

كل ما في القرش مصمم للنجاة، لا للهجوم. لكن حين يختل النظام الذي ينتمي إليه، يصبح جهازه الحسي سلاحًا غير مضبوط الاتجاه.



صناعة الوحش: حين تتحول الزعنفة إلى مرآة للثروة

في آسيا، خاصة في الصين وسنغافورة وتايوان، لا تزال زعانف القرش تُقدَّم على موائد الزفاف والسياسة بوصفها رمزًا للثروة والخصوبة. طبق حساء الزعانف يُطهى 8 ساعات، ويُباع أحيانًا بأكثر من 150 يورو، بينما تُباع الزعنفة وحدها بـ500 يورو للكيلوغرام.

تُقطع الزعنفة من القرش الحي، ثم يُرمى ليموت. والنتيجة: انهيار سكاني في أعداد القروش. القروش المطرقة انخفضت بنسبة 70%، وبعض الأنواع اختفت كليًا من مواطنها الأصلية.

كل ذلك لمجرد طبق.



جلد القروش في الموضة، وأمعاؤها في المختبر

يُستخدم جلد القرش في صناعة حقائب اليد الفاخرة، وأحذيّة النخبة. أما المعدة، فقد اكتشف فيها العلماء مادة “السكالامين” المقاومة للسرطان. مفارقة قاسية: الحيوان الذي نصطاده طمعًا، قد يحمل في أحشائه علاجًا ننشده.



السؤال المحير: من هو المفترس؟

في المرة القادمة التي تسمع فيها أن قرشًا اقترب من الشاطئ، اسأل نفسك:

هل نحن من غزا مياهه؟
هل نحن من لوّث غذاءه؟
هل نحن من جعل البحر مقبرة لمواشينا؟
هل نحن من قنّن الوحشية في هيئة حساء وزفاف وحقائب؟

“في كل مرة تختفي فيها زعنفة من المحيط، تنكسر حلقة من سلاسل الحياة، وتُضاف حلقة إلى سلسلة الأنانية البشرية”
— عالم أحياء بحري

إن القرش ليس سوى مرآة… تعكس جشعنا أكثر مما تعكس أنيابه.



المصادر:
• المعهد القومي لعلوم البحار والمصايد – مصر
• مجلة National Geographic
• منظمة FAO للأغذية والزراعة
• تقارير الأمم المتحدة لتغير المناخ
• جمعية حماية القروش العالمية – Shark Alliance
• مقابلات علمية مع جامعة كاليفورنيا – قسم البيولوجيا البحرية



#أوزجان_يشار (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صرير العجلات ومعنى أن نُقاد بدل أن نقود
- من نباح الامان الى عواء الحرية
- من فولتير إلى بيل غيتس: رحلةُ الوعي بين التنوير والكلاشينكوف
- المتقاعدون: ثروة وخبرة تُستثمر لا تُهمَّش – نحو سياسات مستني ...
- رؤية خضراء لإحياء الصحراء: مقترح بيئي شامل لإعادة تأهيل الصح ...
- الصهيونية والعقيدة اليهودية: تفكيك خرافة دينية وخيانة أخلاقي ...
- معاهدة الماء: حين يصبح الصمت ديانة
- فلسفة وابي سابي: حين تصبح الشقوق ذهبًا — دع النور يتسرّب من ...
- العالم على مائدة واحدة: حين تتحوّل الشهية إلى مرآة للهوية
- أحبّهم… لكنهم يُطفئونني: الشخصيات السامّة بعيون الوعي
- الثقة الحذرة: فن بناء الجسور مع الآخر دون الوقوع في فخ المظا ...
- حين يُصاب الضمير العام بالشلل: الفساد الأخلاقي والإعلام بوصف ...
- الديمقراطية المعلّبة: أمريكا تُصدّر الحروب… وترامب يدخل المع ...
- الفوضى: هندسة الوجود بين العلم والسياسة والفن
- ومضات في حياة البروفيسور شريف الصفتي: ما بين الحقيقة والتهوي ...
- “الحمار الذهبي”: رحلة التحول بين الجسد والمعرفة
- السلاح النووي: قنبلة معلقة فوق رقبة البشرية
- هل حان الوقت لبناء ملاجئ بدلًا من أوهام السلام؟
- “رحيل”.. حين تهمس الروح بالحياة وتختبر الحب كفناء
- الجسر لا السيف: في مدارات الجدل الإنساني الراقي


المزيد.....




- تركي آل الشيخ يكشف عن مفاجأة في موسم الرياض المقبل
- اشتباكات السويداء.. بيان رئاسي بمحاسبة -من يثبت تجاوزه مهما ...
- حزب الله يعتبر الغارات الاسرائيلية على شرق لبنان -تصعيدا كبي ...
- -كلفة عالية بلا جدوى-.. المدينة الإنسانية في غزة بين رفض الج ...
- صفقة أمريكية جديدة لأوكرانيا: ما هي الأسلحة التي ستحصل عليها ...
- أحداث السويداء الدموية ـ دمشق تندد بـ-العدوان الإسرائيلي الغ ...
- مسؤولية الكلمة.. الصحافة بين الحقيقة ومخاطر السردية السلبية ...
- سوريا توجه بمحاسبة المتجاوزين وتدين الغارات الإسرائيلية بالس ...
- الثورة الرابعة التي ستسيل بسببها الدماء وتُغيّر لأجلها الجغر ...
- خبير نووي: هجمات إسرائيل فشلت وإيران تمتلك 500 كيلوغرام من ا ...


المزيد.....

- ‫-;-وقود الهيدروجين: لا تساعدك مجموعة تعزيز وقود الهيدر ... / هيثم الفقى
- la cigogne blanche de la ville des marguerites / جدو جبريل
- قبل فوات الأوان - النداء الأخير قبل دخول الكارثة البيئية الك ... / مصعب قاسم عزاوي
- نحن والطاقة النووية - 1 / محمد منير مجاهد
- ظاهرةالاحتباس الحراري و-الحق في الماء / حسن العمراوي
- التغيرات المناخية العالمية وتأثيراتها على السكان في مصر / خالد السيد حسن
- انذار بالكارثة ما العمل في مواجهة التدمير الارادي لوحدة الان ... / عبد السلام أديب
- الجغرافية العامة لمصر / محمد عادل زكى
- تقييم عقود التراخيص ومدى تأثيرها على المجتمعات المحلية / حمزة الجواهري
- الملامح المميزة لمشاكل البيئة في عالمنا المعاصر مع نظرة على ... / هاشم نعمة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر - أوزجان يشار - أسماك القرش: ضحايا وهم التوحش