أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - أوزجان يشار - حين يُصاب الضمير العام بالشلل: الفساد الأخلاقي والإعلام بوصفه مصنعًا للتفاهة















المزيد.....

حين يُصاب الضمير العام بالشلل: الفساد الأخلاقي والإعلام بوصفه مصنعًا للتفاهة


أوزجان يشار

الحوار المتمدن-العدد: 8380 - 2025 / 6 / 21 - 15:56
المحور: قضايا ثقافية
    


السقوط الذي يبدأ من الداخل
ليست الهزائم العسكرية ولا الأزمات الاقتصادية هي الضربة القاصمة للحضارات، بل ذلك التمزق العميق في النسيج الأخلاقي الذي يُمسك بتماسكها الداخلي. فحين يفقد الإنسان بوصلته القيمية، ويُحيل القبح إلى جمال، والشر إلى مبرّر، والمصلحين إلى أعداء، تكون الأمة قد دخلت مرحلة الاحتضار البطيء.
الفساد الأخلاقي لا يولد من رحم الفقر أو الجهل، بل كثيرًا ما يُصاغ كـ"مشروع ممنهج" تُرويه آلة الإعلام، ويُحصد ثماره عبر تفكك الأسرة واستبداد الفكر وسطوة التفاهة. وكما أنذر أحمد شوقي ذات زمن:
"إنما الأمم الأخلاق ما بقيت … فإن همُو ذهبت أخلاقهم ذهبوا"

الإعلام: من مرآة المجتمع إلى مشرط تمزيق الوعي
في زمن مضى، كان الإعلام يُعد مرآةً للمجتمع، وساحةً تُعرض فيها هموم الناس وأحلامهم، أما اليوم، فقد تحول في كثير من الأحيان إلى مشرطٍ يمزّق الوعي الجمعي ومعملٍ لتفريخ التفاهة وتسطيح العقول.

1. التلاعب بالعقول وصناعة الوهم
وفق دراسة صادرة عن معهد ماساتشوستس، تنتشر الأخبار الكاذبة على منصة "تويتر" أسرع من الأخبار الحقيقية بست مرات، خاصة في المجال السياسي؛ إذ تُعاد تغريدها وتُتداول وكأنها حقائق دامغة.
وفي عالمنا العربي، تؤكد إحصاءات الباروميتر أن 72% من الشباب لا يرون في الإعلام انعكاسًا لقيمهم، في حين أن أكثر من 60% من البرامج ترتكز على الإثارة والفضائح بدلًا من المضمون والمعنى.

2. صناعة المصطلحات وتزوير الوعي
تحوّل الإعلام إلى أداة أيديولوجية تُستخدم لتمرير الأجندات عبر قاموس مصطلحات ملوّث:
- "الحرب الطائفية" بدلًا من توصيفها كصراع سياسي أو صراع مصالح.
- "الجدار الأمني" بدلًا من تسميته الحقيقية: جدار الفصل العنصري.
هذه المصطلحات ليست بريئة؛ إنها تُعيد تشكيل الصور الذهنية، وتعيد برمجة المواقف الجماعية، تمامًا كما حدث في غزو العراق 2003 حين صُوّر الاجتياح على أنه "تحرير".

3. تمجيد الانحطاط وتشييط النبلاء
باتت وسائل الإعلام تُسوّق النماذج الفارغة رموزًا للنجاح، وتحتفي بالسطحية والمشهدية بدلًا من العمق والجوهر.
أما الإعلامي، فقد خلع ثوب الرسالة، وارتدى بدلة "المقاول الإعلامي"، يلمّع الفساد، ويُهاجم المصلحين بحجج براقة من قبيل "حرية التعبير"، بينما هو مجرد بوق لسلطة المال أو الحزب.

تشريح الانهيار: كيف تنقلب المجتمعات على نفسها؟

• الفساد الأخلاقي كمرض تراكمي
حين تتفشى الأنانية وتنحسر منظومة القيم، ينفتح الباب أمام مظاهر الانحلال: ازدياد الجريمة، غياب الاحترام، وتدهور العلاقات بين الأفراد.
هكذا، تتحوّل المجتمعات من فضاءات للتعايش إلى غاباتٍ للعنف. والتاريخ مليء بالعبر: الأندلس، يوم كانت منارة للعلم والعدل، لم تسقط حين داهمها العدو، بل حين تسلل الفساد إلى قلبها.

• دور النخب في تعفير البنية الأخلاقية
المثقفون ليسوا دائمًا ضمير الأمة؛ فكثير منهم استبدلوا الريشة بالبندقية الأيديولوجية.
في عصور الانحطاط، يتحول بعضهم إلى أدوات في يد السلطة أو الأحزاب، يتخلون عن دورهم النقدي، ويخونون "حراسة القيم" لصالح شعارات غوغائية تُشوّه الدين وتُسخّره لخدمة المصالح.

• مثلث الدمار: غياب الضمير + انهيار التعليم + هشاشة الاقتصاد
- الضمير الميت: حين يغيب "رجل الشرطة الداخلي" الذي يمنع الإنسان من السرقة أو الظلم، حتى لو غابت الرقابة الخارجية.
- التعليم المهمّش: حين يصبح التعليم "تكديسًا للمعلومات" بدلًا من أن يكون "بناءً للإنسان".
- الاقتصاد الهش: حين تُهدر الثروات، ويُدار المال العام بمنطق الغنيمة، لا بمنطق الحوكمة.

الفساد كأداة استعمارية: حين يصبح الداخل عدوًا لنفسه
ما من استعمار حديث إلا واستثمر في الفساد المحلي ليخترق المجتمعات من الداخل.
- صناعة التبعية الثقافية: تغليف الانحلال بقوالب "تحررية"، واستيراد منظومات سلوكية غريبة، تُسوّق كبدائل لـ"الجمود الأخلاقي".
- تدمير اللغة والمفاهيم: تحويل الكلمات إلى أدوات تهجين، فـ"الإرهاب" يصبح صفةً للمقاومة، و"العنف المشروع" حكرًا على السلطة الغازية.
- تفتيت المجتمع: زرع الشك والتخوين بين مكوناته، وإشاعة ثقافة الصراع المستمر عبر وسائل التواصل.

النهضة: من يقظة الضمير إلى إعادة بناء الإنسان

1. إعادة إحياء الضمير الأخلاقي
الضمير ليس مجرّد شعور داخلي، بل هو قاضٍ خفي يُحاسب النفس في لحظة الخلوة، حين لا يكون ثمة شهود ولا كاميرات.
تنميته تستدعي:
- خطابًا دينيًا رحيمًا، يُربّي لا يُرعب.
- نماذج حيّة تُجسّد الأخلاق بالأفعال لا بالشعارات.

2. تعليم يبني الإنسان لا المعلومات
التعليم النهضوي ليس نسفًا للتراث، بل استيعابًا له وتطويرًا عليه.

التعليم التقليدي مقابل التعليم النهضوي

لا لتكديس المحفوظات بل العمل على بناء الشخصية المتزنة.
لا مجال للانفصال عن الواقع بل ربط المعرفة بالعدالة والأخلاق.

3. إعلام بديل: من الإلهاء إلى التنوير
إن الإعلام الجديد لا يُقاس بعدد المتابعين، بل بمدى نظافته الأخلاقية واستقلاله البنيوي:
- تمويل مستقل غير خاضع للإملاءات.
- خطاب يُسمي الأشياء بأسمائها دون تزوير وتجميل.
- محتوى يُضيء العقول بدل أن يلهيها.

الصحوة ليست مستحيلة

"الضمير هو الحامي الحقيقي والحارس لبسط العدالة"
حين يتحول الفساد إلى عادة، والانحدار إلى موضة، نكون على أعتاب السقوط. لكن التاريخ يُعلّمنا أن الصحوة الأخلاقية ممكنة دومًا:
- الأندلس سقطت حين خانت ذاتها قبل أن يخونها غيرها.
- المماليك انهاروا عندما باع الجند ضمائرهم في سوق المناصب.

اليوم، إن سأل كل واحد منّا:
"هل يُشبهني هذا الإعلام؟ ما هو دوري؟ ماذا أترك من بعدي؟"
فقد بدأنا بالفعل نضع البذرة الأولى لنهضةٍ مختلفة، قوامها ضمير حيّ، وإعلام يُنير، وتعليم يُثمر، وأمة لا تقبل أن تكون مجرد مصنع للتفاهة.
———
المراجع والمصادر:
1. عبارات عن الفساد الاخلاقي – المرسال
2. تراكمية مظاهر الفساد في المجتمعات العربية | الجزيرة نت
3. الفساد وحقوق الإنسان | OHCHR
4. خيمياء وسائل الإعلام .. صناعة التزييف والتضليل | عمون
5. وظيفة الضمير الأخلاقي | الشرق
6. حكم عن الفساد – موضوع
7. إحصائية: مؤسسة الباروميتر العربي 2023
8. أبو بكر جلال الدين المجذوب، الفساد الأخلاقي والاجتماعي وأثره في إضعاف الدول وسقوطها.
9. مالك بن نبي، شروط النهضة.
10. ابن خلدون، المقدمة.



#أوزجان_يشار (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الديمقراطية المعلّبة: أمريكا تُصدّر الحروب… وترامب يدخل المع ...
- الفوضى: هندسة الوجود بين العلم والسياسة والفن
- ومضات في حياة البروفيسور شريف الصفتي: ما بين الحقيقة والتهوي ...
- “الحمار الذهبي”: رحلة التحول بين الجسد والمعرفة
- السلاح النووي: قنبلة معلقة فوق رقبة البشرية
- هل حان الوقت لبناء ملاجئ بدلًا من أوهام السلام؟
- “رحيل”.. حين تهمس الروح بالحياة وتختبر الحب كفناء
- الجسر لا السيف: في مدارات الجدل الإنساني الراقي
- فيليس ويتلي: حين كتبت العبدة قصائد الحرية
- درهمٌ في مؤخرة الحافلة: حين يصطدم جنون الثروة بجنون السلطة
- المتعة لحظة… والسعادة قرار: من فخ اللذة إلى جسر الحكمة
- تغيير التفكير… بوابة لتغيير المصير
- قوة التفكير الإيجابي: قراءة في كتاب جيسون وولبرز
- فلسطين أولاً: تفكيك أسطورة “إسرائيل” في النصوص الدينية والتا ...
- قراءة نقدية في رواية الإسكافي: حين يُخاط الجلدُ الروح
- الشخصية الجدلية: بين الجاذبية والتنافر
- القيادة بين التحذير والتجاهل: دروسٌ من الكارثة
- مصر وتاريخ الهويات: من يوسف وموسى إلى رمسيس وأحمس، ومن النوب ...
- من السيارة إلى الإنسان: شرائح ذكية تحرس الحياة وتعيد تعريف ا ...
- كيف تتغلب على المتلاعبين؟ قراءة تأملية في كتاب جاستن تايلور


المزيد.....




- إسرائيل تعلن استعادة جثامين رهينتين وجندي من غزة
- بعد الهجمات الأميركية على منشآتها النووية.. طهران تهدد بـ-رد ...
- خبير عسكري: هكذا ألحقت -مطرقة منتصف الليل- ضررا بمنشأة فوردو ...
- كيف علق مغردون على مشاهد الدمار في إسرائيل؟
- تقرير أممي يرصد زيادة غير مسبوقة في الانتهاكات ضد الأطفال
- نيويورك تايمز: 12 قنبلة ضخمة لم تدمر موقع فوردو وإيران نقلت ...
- خريطة دراما رمضان 2026.. عودة قوية لنجوم الصف الأول
- كاتب أميركي: إنها حرب ترامب ومقامرته وحده هذه المرة
- أمير قطر والرئيس الفرنسي يبحثان الهجمات على إيران
- واشنطن مستعدة للتفاوض وأوروبا تحث طهران على عدم التصعيد


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - أوزجان يشار - حين يُصاب الضمير العام بالشلل: الفساد الأخلاقي والإعلام بوصفه مصنعًا للتفاهة