أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - أوزجان يشار - المتعة لحظة… والسعادة قرار: من فخ اللذة إلى جسر الحكمة














المزيد.....

المتعة لحظة… والسعادة قرار: من فخ اللذة إلى جسر الحكمة


أوزجان يشار

الحوار المتمدن-العدد: 8363 - 2025 / 6 / 4 - 14:04
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


في زمنٍ يحاصرنا بالإشباع الفوري ويغوي حواسنا بلذة لا تدوم، بات من الضروري أن نميّز بين المتعة التي تلمع وتختفي، وبين السعادة التي تُبنى وتثمر. فالمتعة لا تحتاج إلى قرار، إنها تندفع نحونا كوميض خاطف، بينما السعادة موقفٌ داخلي، ورؤية هادئة تختار أن تنظر إلى الحياة بعين ممتنة، رغم كل ما فيها من عسرٍ وألم.

المتعة تُلبي رغبة، تملأ فجوة، ترفع المزاج مؤقتًا، لكنها لا تُرسيك في ميناء. أما السعادة، فهي تتطلب عملًا داخليًا هادئًا، فيه إصرار يومي على رؤية النور ولو من ثقب ضيق. هي لا تُشترى، ولا تُهدى، بل تُخلق حين يقرر الإنسان أن يكون مسؤولًا عن معناه، لا عبدًا لتقلب مشاعره.

يقول أرسطو: “السعادة تعتمد علينا نحن أنفسنا.”، ويؤكد مارتن سليغمان أن السعادة ليست في تجنب المعاناة، بل في القدرة على تحويل الألم إلى وعي، والفراغ إلى معنى، والعزلة إلى فرصة للاتصال بالنفس.

من يختار أن يكون سعيدًا، لا يراوغ القدر، بل يدرّب قلبه على الامتنان، عقله على التركيز، وذاته على استخدام قوتها. وهنا، تكمن عبقرية “الانتقاء” كما يطرحها المفكر الدكتور عبد العزيز داغستاني، حين يجعل من كل موقف مرآة لاختبار البصيرة: ما الذي أختار أن أراه؟ ماذا أُبقي في عالمي؟ وما الذي أتنازل عنه لصالح اتزان أعمق؟ تلك اللحظات الصغيرة من الوعي، التي ننتقي فيها ما نُدخله إلى أرواحنا، تشكل الخيوط التي يُنسج منها جسر السعادة، حجرًا فوق حجر، واختيارًا بعد اختيار.

ليس كل ضحكة تعني فرحًا، وليس كل فرح يعني سلامًا. فالمتعة تبدأ وتنتهي عند حدود الحواس، بينما السعادة تتسلل عميقًا، تسكن في طريقة رؤيتنا للعالم، في قدرتنا على التسامح، في دفء التواصل، وفي بساطة العيش مع النفس بسلام. المتعة تستهلكنا، والسعادة تنمينا. الأولى سريعة الانطفاء، كعود ثقاب، والثانية تستدعي بناءًا، كمنارة نُشعلها لنعبر بها ليل الحياة.

من يتعمد الامتنان يوميًا، يفتح نافذة للضوء في أعماقه. من يتوقف عن الشكوى، يُحرر روحه من قيودٍ خفية. من يكتب أفكاره، يُنقذ ذاته من التيه. ومن يمارس فعلًا لطيفًا عابرًا، لا يعلم أن أثره قد يبدّل يومًا كاملًا في حياة شخص آخر.

القدرة على تخيل لحظة سعيدة، حتى وإن كانت بعيدة، تمنح العقل قوة استثنائية على تشكيل المستقبل. وكما يشير البروفيسور غوتام، فإن هذه التجربة الذهنية البسيطة تُعيد للعقل استقراره، وتُحفّزه على العمل باتجاهها.

حين تكون السعادة قرارًا، يصبح الجمال عادة، والصبر خَلقًا، والرضا ليس استسلامًا بل شكلًا من أشكال السيادة. من يستيقظ على شروطه، من يختار طعامه بعناية، من يتأمل في وحدته، من يتصرف بلطف حتى مع من لا يعرفهم، كل هؤلاء لا يلاحقون السعادة، بل يصنعونها.

ليس المطلوب أن نتجنب الألم، بل أن نفهم رسائله. ليس المطلوب أن تكون حياتنا كاملة، بل أن نراها جديرة بأن تُعاش. فالسعادة ليست في أن نملك كل شيء، بل في أن ندرك أن لدينا ما يكفي لنبني كل شيء من جديد، إن قررنا أن نبدأ من الداخل.

فالمتعة تُداعب الحواس، أما السعادة فتُحرّك المعنى. المتعة تزول بانتهاء اللحظة، فيما السعادة تنمو حين ننتقي ما يغذّي الروح لا ما يلهيها. السعادة ليست غفلة عن الألم، بل استبصار به، وتحويله إلى طاقة أكثر اتزانًا. وكما قال الكاتب الأميركي واين داير: “السعادة ليست شيئًا جاهزًا، بل هي ناتج عن الطريقة التي تفكر وتتصرف وتعيش بها.”

من ينتقي يومه، كمن ينتقي قلبه. من يختار الامتنان، كمن يعيد تشكيل ذاته من الداخل. وما بين إغراء المتعة وسكينة السعادة، يوجد قرار يتخذه الإنسان كل صباح: أن يكون فاعلًا لا تابعًا، حاضرًا لا هاربًا، ممتلئًا لا منهكًا. وكما يردد فيكتور فرانكل، طبيب النفس الذي خَبِر العتمة: “كل شيء يمكن سلبه من الإنسان إلا شيء واحد: حريته في اختيار موقفه تجاه أي ظرف.”

في عالم يفيض بالعابر، اجعل من الانتقاء فعلًا يوميًا، تختار فيه مع من تكون، وماذا تفعل، وبماذا تفكر. لا تهرب نحو متع تلهيك عنك، بل سر باتجاه حياةٍ تستحقك. ففي هذا الاختيار الصغير، يبدأ جسر السعادة.



المصادر:

• مارتن سليغمان – Flourish
• أرسطو – Nicomachean Ethics
• إيكهارت تولِه – The Power of Now
• مقالات فكرية للدكتور عبد العزيز داغستاني
• Aldous Huxley – Brave New World
• Harvard Health Publishing
• Psychology Today
• Gautam Bastian – مقالات حول التخيل الإيجابي والرفاهية الذاتية
• Wayne Dyer – The Power of Intention
• Viktor Frankl – Man’s Search for Meaning



#أوزجان_يشار (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تغيير التفكير… بوابة لتغيير المصير
- قوة التفكير الإيجابي: قراءة في كتاب جيسون وولبرز
- فلسطين أولاً: تفكيك أسطورة “إسرائيل” في النصوص الدينية والتا ...
- قراءة نقدية في رواية الإسكافي: حين يُخاط الجلدُ الروح
- الشخصية الجدلية: بين الجاذبية والتنافر
- القيادة بين التحذير والتجاهل: دروسٌ من الكارثة
- مصر وتاريخ الهويات: من يوسف وموسى إلى رمسيس وأحمس، ومن النوب ...
- من السيارة إلى الإنسان: شرائح ذكية تحرس الحياة وتعيد تعريف ا ...
- كيف تتغلب على المتلاعبين؟ قراءة تأملية في كتاب جاستن تايلور
- في حضرة مهاويرا: رحلة إلى الجينية، الديانة التي تمشي حافية ف ...
- ومضات من حياة هنري ميلر
- قبّعات التفكير الستّ: حين يصبح العقل غرفةً ذات نوافذ ملوّنة
- الديانة الإبراهيمية: بين الخديعة الرمزية ومخطط تجميل إسرائيل ...
- قراءة جادة في مسار الإنقاذ الإداري
- من نحن… ومن يمكن أن نكون؟
- قيادة السيارة إنعكاس للشخصية: بين السلوك المتحضر والمتهور
- حين يُزهر الوعي: بين النور الداخلي وعتمة الانفصال
- المدينة بين الاختناق والنجاة: حين يتحوّل الإسمنت إلى مرآة لل ...
- من يطفئ العالم… ويشعل أرباحه؟ الكارثة كأداة تحكم، والخداع كا ...
- السلوك جوهر الدين: قصة النفاق الديني عبر الثقافات


المزيد.....




- السعودية.. كشف سبب تراجع عدد الحجاج حول مسجد نمرة مقارنة بمن ...
- السعودية.. فيديو تأثر خطيب عرفة خلال الدعاء للفلسطينيين يثير ...
- ترامب يكشف سبب تجنيبه مصر قوائم حظر السفر الأمريكي
- ألمانيا تعتزم زيادة عدد جنود -البوندسفير- بـ60 ألفاً لتلبية ...
- مفاجأة علمية.. مادة في البول تكشف أسرارا مخبأة في أنسجة أدمغ ...
- ظاهرة غير مألوفة تلقى رواجا.. نساء في الصين يدفعن المال للغر ...
- OnePlus تعلن عن أفضل هواتفها
- ArsTechnica: إدارة ترامب تقترح على ناسا وقف تطوير المحركات ا ...
- مجلة أمريكية تكشف عزم ترامب التخلي عن دعم أوكرانيا بعدما أثا ...
- قلق في أوساط الجمهوريين من تحوّل ماسك إلى -عدو خطير- يهدد من ...


المزيد.....

- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى
- الشجرة الارجوانيّة / بتول الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - أوزجان يشار - المتعة لحظة… والسعادة قرار: من فخ اللذة إلى جسر الحكمة