أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - أوزجان يشار - قيادة السيارة إنعكاس للشخصية: بين السلوك المتحضر والمتهور















المزيد.....

قيادة السيارة إنعكاس للشخصية: بين السلوك المتحضر والمتهور


أوزجان يشار

الحوار المتمدن-العدد: 8338 - 2025 / 5 / 10 - 18:50
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


قد يظن البعض أن القيادة مهارة ميكانيكية تنتهي عند إتقان تحريك العجلات والانتباه لإشارات الطريق. ولكن الحقيقة التي تكشفها كل رحلة في السيارة، أن القيادة أعمق من ذلك بكثير. إنها لحظة تعرٍّ داخلي، يظهر فيها الإنسان على حقيقته، كما هو، دون تزيين ولا تزييف. ففي كل مرة تمسك فيها المقود، يتحدث سلوكك بصوت أعلى من محرك السيارة: أنت في الحقيقة تقود نفسك، وتكشف ما في داخلك، وتقدّم شهادة حية عن أخلاقك وتربيتك وتوازنك النفسي والاجتماعي.

القيادة كسلوك نفسي واجتماعي

في الطريق كما في الحياة، هناك من يعترض، من يفسح، من يغضب، من يصبر، ومن ينسحب بهدوء دون ضوضاء.
ولذلك فإن قيادة السيارة ليست أداة تنقلك من مكان إلى آخر، بل هي سلوك يكشف:
• مدى احترامك للنظام العام.
• قدرتك على ضبط النفس عند الغضب.
• عمق تعاطفك مع الآخرين.
• وأخيرًا: مدى وعيك بمحدودية الوجود البشري في فسحة الزمن والمكان.

السلوكيات المرورية كمرآة للشخصية

دعونا نقرأ بعض النماذج من السلوكيات اليومية التي تتكرر على الطرقات، ونربطها بالسلوك الإنساني والاجتماعي:

1. السائق المتسرّع
غالبًا ما يعاني هذا الشخص من توتر داخلي، لا يحتمل التأخير، يرى في الزمن خصمًا دائمًا. في حياته الخاصة، قد يكون عجولًا في اتخاذ قراراته، يندم كثيرًا، ويصعب عليه التخطيط طويل الأمد.

2. السائق العدواني
الذي يقترب بشكل خطير من السيارات الأخرى، أو يعاند، أو يقطع الطريق عمدًا. هذا النمط يُظهر رغبة في الهيمنة، وقد يُترجم ذلك في بيئة العمل إلى سلوك تسلطي، أو في الأسرة إلى عنف لفظي أو نفسي.

3. السائق المهذب
الذي يلتزم بالمسارات، يُشعل الإشارات، ويتجاوز بلطف، ويعتذر إن أخطأ. هو شخص تدرّب على ضبط النفس، ويرى في القيادة سلوكًا حضاريًا. هو ذاته الذي يُنصت لزوجته، ويُربّي أبناءه على احترام الآخر، ويحترم القانون ولو لم يراقبه أحد.

4. السائق المرتبك أو المتردد
يظهر خوفًا من اتخاذ القرار أو ضعفًا في الثقة بالنفس. في حياته العامة، قد يتردد كثيرًا في الحسم، ويخشى الفشل، ويعاني من قلق اجتماعي.

5. السائق غير المبالي
يرمي القمامة من النافذة، يركن فوق الرصيف، يستخدم الجوال أثناء القيادة. هذا الشخص يميل لتجاهل الحدود، ولا يشعر بالانتماء للمجال العام، ويستهين بالأثر السلبي الذي يخلّفه في الآخرين.

6. السائق الفضولي
يبطئ عند رؤية حادث، يعرقل المرور ليرى مشهدًا لا يعنيه، يصور دون إذن. هذا السلوك يعكس ما يُعرف في علم النفس بـ”الفضول العدواني”، حيث يتغذى الإنسان على مآسي الآخرين دون أن يقدم مساعدة. الفضولي في الطريق هو ذاته من يتدخل في خصوصيات زملائه أو ينشر الإشاعات بلا وعي.

7. السائق الأناني المعتدي على حقوق الضعفاء
هذا السائق لا يُخطئ في قوانين المرور فحسب، بل يخطئ في جوهر الإنسانية.
هو ذلك الذي يرى أن استعجاله أو راحته مبرر كافٍ لانتهاك حق الغير، وخاصةً من لا يملكون وسيلة للدفاع عن أنفسهم.
تظهر أنانيته في أشكال متعددة، من أبرزها:
• احتلال مواقف مخصصة لذوي الإعاقة تحت ذريعة “لن أتأخر”.
• التوقف فوق الأرصفة المخصصة للمشاة.
• تجاهل عبور كبار السن أو الأطفال أو النساء الحوامل.
• استخدام زمور السيارة للضغط على من يعاني من بطء الحركة دون مراعاة لحالته.

هذا النمط من السائقين يكشف عن خلل عميق في البنية الأخلاقية، وعن غياب مفهوم “العدالة التشاركية” التي تحترم مساحة الآخرين مهما كانوا ضعفاء أو صامتين.

وكما قال صموئيل جونسون:

“لا يُقاس رقيّ المجتمع بقوّته، بل بطريقة تعامله مع الأضعف فيه.”

الإحصائيات لا تكذب

وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، يُقتل ما يقارب 1.19 مليون شخص سنويًا بسبب الحوادث المرورية، ويُصاب أكثر من 50 مليونًا، بينهم كثيرون يُصابون بعاهات دائمة. هذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات، بل هي جروح في جسد الإنسانية.

وفي دول الخليج العربي، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، تشكّل الحوادث المرورية أحد أبرز أسباب الوفيات. حيث سُجّلت في السنوات الأخيرة ما بين 7,000 إلى 9,000 حالة وفاة سنويًا، أغلبها يعود إلى أسباب بشرية، من أبرزها:
• السرعة الزائدة.
• الانشغال بالجوال.
• التجاوز الخاطئ.
• عدم الالتزام بالمسارات.
• قطع الإشارات.

وتُظهر الدراسات أن الفئة العمرية الأكثر تسببًا في الحوادث تتراوح بين 18 – 35 عامًا، وهي المرحلة التي تشهد أعلى معدلات التهور، والاندفاع، وضعف تحمل المسؤولية.

القيادة مرآة القيم الداخلية

“الغضب ريح تطفئ سراج العقل”، كما قال جبران خليل جبران،
و”بين التحفيز والاستجابة، هناك مساحة، في تلك المساحة تكمن حريتنا”، كما كتب فيكتور فرانكل.

هذه المساحة الزمنية الصغيرة هي التي تصنع الفرق بين إنقاذ حياة أو تدميرها. فمن يختار الصراخ بدل الصمت، أو الرد بدل التسامح، إنما يختار أن يُعبّر عن داخله، سواء كان رحيمًا أو قاسيًا، متزنًا أو منفلتًا.

القيادة ليست فقط طريقة للوصول، بل طريقة للتعبير عن الذات. السائقون، في الواقع، كُتّاب على الأسفلت، يتركون جُملًا من أخلاقهم في كل موقف، إما أن تكون حكمة أو خيبة.

كيف نُصلح ما في الداخل؟

لأن الخطر يبدأ من الداخل، فإن الإصلاح لا يتم بإضافة مزيد من الكاميرات، بل بإعادة تربية الضمير. ومن أهم المهارات التي يجب تنميتها:
1. الوعي الذاتي أثناء القيادة: أن تُراقب دوافعك، غضبك، وتساؤلاتك: لماذا أسرع؟ لماذا أضغط على البوق؟ لماذا أستعجل؟
2. ضبط الانفعالات: عبر التنفس العميق، التأمل، ومهارة “الإيقاف قبل الرد”.
3. التعاطف مع الآخر: تخيّل أن السائق الذي أمامك هو والدك، أو أن الراكبة المترددة أمك.
4. بناء القدوة من داخل الأسرة: يبدأ احترام المرور حين يرى الطفل أباه يوقف السيارة لعبور قط أو طفل.
5. الاعتذار عند الخطأ: ليس ضعفًا، بل تعبير عن وعي ومسؤولية.
6. التدريب المؤسسي والمدرسي: القيادة يجب أن تُدرّس بوصفها سلوكًا أخلاقيًا، تمامًا كما تُدرّس القيم والمواطنة.

الخاتمة: السير في الطريق… والسير في الحياة

حين نُطفئ محرك السيارة ونغادرها، لا يُقاس نجاحنا بسرعة الوصول، بل بكيفية القيادة.
هل تركنا أثرًا طيبًا؟
هل كنا متعاونين أم متعدّين؟
هل احترمنا من لا نراه؟
هل كنّا جزءًا من الفوضى، أم نموذجًا للسلام؟

في النهاية، القيادة ليست اختبارًا في المرور فقط، بل امتحانًا في الأخلاق، في الصبر، في احترام الحياة. إنها مرآة للنفس. فكن كما تحب أن تكون صورتك حين تنعكس في عيون الآخرين، لا حين تنعكس على الزجاج الأمامي فحسب.



المصادر:

• منظمة الصحة العالمية: Global Road Safety Report 2024
• الهيئة العامة للإحصاء السعودية: إحصاءات الحوادث المرورية 2023
• مجلة الطرق الخليجية – دراسات الحوادث السلوكية 2023
• فرانكل، فيكتور: الإنسان يبحث عن معنى
• كوفي، ستيفن: العادات السبع للناس الأكثر فاعلية
• جونسون، صموئيل: رسائل فلسفية
• جبران خليل جبران: دمعة وابتسامة



#أوزجان_يشار (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين يُزهر الوعي: بين النور الداخلي وعتمة الانفصال
- المدينة بين الاختناق والنجاة: حين يتحوّل الإسمنت إلى مرآة لل ...
- من يطفئ العالم… ويشعل أرباحه؟ الكارثة كأداة تحكم، والخداع كا ...
- السلوك جوهر الدين: قصة النفاق الديني عبر الثقافات
- أنا في المقصورة الأخيرة: بين حرية الأبناء وألم تراجع مكانة ا ...
- العقول التي تُحدث الفرق: في فلسفة التأثير وأوهام الاستغناء
- فن الإدارة الصعبة: حين يصبح الإبداع سيفًا، والكرامة المهنية ...
- التنين يمد جناحيه: حين تتجاوز الصين ميزان القوى
- ترامب والكوكلس كلان الجديد: بين فاشية القرن الحادي والعشرين ...
- من هو المسيح الدجال؟ تأملات في زمن الذكاء المصطنع والضمير ال ...
- البروباغاندا: تغييب الوعي وصناعة مجتمعات القطيع
- الصليب في البيت الأبيض: حين تتسلّل الأيديولوجيا الدينية إلى ...
- العقل قبل الجينات
- دونالد ترامب وظلّ القناع الأبيض: هل يقود أمريكا إلى لحظة غور ...
- احتلال فرنسا للجزائر: الأسباب، التوابع، والرفض المستمر للاعت ...
- مهرجان من أمنيات مؤجلة
- العائلات الثرية وفرضية “المليار الذهبي”: رؤية تحليلية شاملة
- تداعيات الرسوم الجمركية على الاقتصاد الأمريكي
- سلوك العمل الجماعي: بين الإبداع والاندفاع
- “برامج رامز: عبثية المحتوى وهدر المال.. متى ينتهي هذا الإسفا ...


المزيد.....




- أول تعليق من السعودية على وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان ...
- ماكرون يصف نشر قوات غربية كبيرة في أوكرانيا بالعديم المعنى
- السفير الأمريكي في إسرائيل: التقارير حول اعتراف ترامب بالدول ...
- السعودية.. -القتل تعزيرا- لمواطن ارتكب جرائم إرهابية
- كتائب القسام تنشر رسالة جديدة لأسير إسرائيلي
- -NBC-: ويتكوف سيقدم لبوتين قائمة مقترحات أعدتها واشنطن وكييف ...
- مستشار خامنئي يرد على أنباء عن نية ترامب اعتماد تسمية -الخلي ...
- بيسكوف: تصريحات القادة الأوروبيين تجاه روسيا تحمل طابعا تصاد ...
- ماكرون يتحدث عن إمكانية تمديد الهدنة المقترحة في أوكرانيا لا ...
- سكان كراتشي يرحّبون باتفاق وقف إطلاق النار بين الهند وباكستا ...


المزيد.....

- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى
- الشجرة الارجوانيّة / بتول الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - أوزجان يشار - قيادة السيارة إنعكاس للشخصية: بين السلوك المتحضر والمتهور