أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أوزجان يشار - أنا في المقصورة الأخيرة: بين حرية الأبناء وألم تراجع مكانة الوالدين في خارطة الأولويات















المزيد.....

أنا في المقصورة الأخيرة: بين حرية الأبناء وألم تراجع مكانة الوالدين في خارطة الأولويات


أوزجان يشار

الحوار المتمدن-العدد: 8331 - 2025 / 5 / 3 - 17:58
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


مقدمة: حين نعلّمهم الطيران ونختفي من الإطار

في إحدى القصص الرمزية، يستقلّ طفل صغير القطار للمرة الأولى بمفرده، بعد أن طلب من والديه منحه هذه التجربة كعلامة على نضوجه. وقبل أن ينطلق القطار، اقترب منه والده وهمس له قائلاً:
“خذ هذا، إذا شعرت بالخوف أو المرض.”
ووضع شيئًا في جيبه.

خلال الرحلة، ومع تتابع المشاهد الغريبة وضجيج الغرباء، يشعر الطفل بالخوف، فيتذكر تلك الهمسة، ويخرج الورقة الصغيرة ليقرأ:
“يا بني، أنا في المقصورة الأخيرة من القطار.”

هكذا هي الحياة… نطلق أجنحة أبنائنا ليطيروا، نغيب عن الواجهة، لكننا لا نختفي. نبقى هناك، بعيدين بما يكفي لئلا نعيق حركتهم، وقريبين بما يكفي ليشعروا بالأمان.



المحور الأول: التربية الحديثة ليست تحكمًا بل تدريب على الحرية

لم تعد التربية في زمننا تعني التوجيه القسري والتحكم الكامل، بل أصبحت تدريبًا على الوعي، وتنميةً لقدرة الطفل على اتخاذ القرار وتحمل تبعاته.

الأهل اليوم مطالبون بتعليم أبنائهم كيف يسألون:
“من أنا؟ ماذا أريد؟ ماذا يناسبني؟”
لا أن يُملوا عليهم الجواب.

الطفل الذي يُمنح حرية التفكير يتعلم كيف يقف وحده. والطفل الذي يُمنح حق الخطأ يتعلم كيف ينهض وحده.

أمٌّ كانت تفضّل أن تصبح ابنتها عازفة موسيقى، فاختارت الفتاة المسرح القتالي بدلًا من العزف. بعد حوار داخلي طويل، قررت الأم أن تحترم الاختيار، وتدعم المسار المختلف، فحضرت عرضًا قتاليًا للابنة، وبكت من الفخر.

التربية الحديثة لا تصنع نسخًا منا، بل تزرع في الأبناء بوصلة داخلية، تجعلهم يقودون حياتهم بأنفسهم.



المحور الثاني: الأولويات تتغير… فهل نتحمل هذا التغير؟

حين كانوا صغارًا، كنّا مركز الكون في أعينهم.
ولكن مع مرور الوقت، تبدأ خريطة الأولويات بالتغير: العمل، العلاقات، الأصدقاء، الاهتمامات، ويأخذ الوالدان مكانًا ثانويًا أو حتى هامشيًا.

هذه ليست خيانة… بل تطور طبيعي.
ما كان ذات يوم ملاذًا دائمًا، أصبح مرجعًا دافئًا يعود إليه الأبناء أحيانًا، لا بالضرورة يوميًا.

وهنا يبدأ الألم الصامت:
“ألم نكن كل شيء بالنسبة لهم؟ لماذا صرنا مجرد صوت بعيد أو رسالة مقتضبة؟”

الحب لم يتغير، لكنه لم يعد يُعبَّر عنه بالطريقة ذاتها. وهنا يُختبر صبر الأهل ونضجهم النفسي.



المحور الثالث: ترويض المشاعر الأبوية… كيف نتقبل التراجع دون ألم دائم؟

الوالدان الحقيقيان هما من يُجيدان فن الانسحاب النبيل.
أن نحب من بعيد… أن نغيب دون أن نعاتب… أن نظل في القلب حتى حين تُغلق الأبواب.

هذه المشاعر ليست سهلة، بل تحتاج إلى ترويض داخلي. كثير من الأمهات يفسرن الصمت بالهجر، وكثير من الآباء يظنون أن قلة الاتصال دليل جحود.
لكن الحقيقة أن الأبناء ببساطة… أصبحوا مشغولين بحياتهم.

الحكمة أن نُفرحهم حين يأتون، لا أن نلومهم حين يغيبون.



المحور الرابع: قصص واقعية من تحديات الأبوة والأمومة
• أب كتب لابنته: “أعلم أنك مشغولة… فقط أردت أن أقول إنني فخور بك.”
لم يكن يلومها على نسيانه في عيد ميلاده، بل قرر أن يذكرها بأنه يحب، دون شرط أو عتاب.
• أم اكتشفت أن ابنتها ليست امتدادًا لها:
حين بدأت الفتاة بكتابة القصص والخواطر في دفاترها، لم تكن الأم تأخذ الأمر بجدية. كانت تفضل أن تركّز ابنتها على دراسة الطب أو الهندسة.
لكن شيئًا في داخلها قرر أن يصمت ويترك الباب مفتوحًا.
دعمت ابنتها بحبر ودفاتر، وذات يوم وجدت قصيدةً مؤثرة كتبتها ابنتها عن أمّها نفسها.
اليوم، أصبحت تلك الفتاة كاتبة وشاعرة مشهورة، تقول في كل لقاء:
“أمي لم تفهمني تمامًا، لكنها احتملتني بصبر واحتضنتني بحب… فكبرت كلماتي داخل عينيها أولًا.”



المحور الخامس: بين التوجيه والانسحاب… أين نقف؟

من أكبر أخطاء التربية اليوم:
• إما التوجيه الصارم الذي يخنق.
• أو الانسحاب الكامل الذي يُفقد الطفل البوصلة.

الحل؟ أن نكون حضورًا متوازنًا:
• نوجه حين يُطلب منّا.
• وننسحب حين يكون الانسحاب دعمًا للنمو.
• نكون ظلًا لا ظلًّا ثقيلًا.

الحضور لا يعني الكلام الدائم، بل أن يشعر الابن أن هناك من يستطيع الرجوع إليه متى شاء.



المحور السادس: كيف تؤثر التربية الحديثة على الصحة النفسية للطفل؟

الطفل الذي يُحترم، يُصدّق ذاته.
والذي يُسمح له بالتجربة، لا يخاف الخطأ.
والذي تُحتضن مشاعره، لا يكبتها.

تُشير الدراسات النفسية إلى أن الأطفال الذين نشأوا في بيئات تتيح لهم مساحة من الاختيار، وتستمع إليهم دون سخرية أو تقزيم، يتمتعون بنسبة أعلى من المرونة النفسية، والتعافي من الأزمات، والثقة بالذات.

بينما يظهر لدى الأطفال القائمين على التبعية الصارمة أو التوبيخ المتكرر، ارتفاع في معدلات القلق والاكتئاب والتردد.



المحور السابع: كيف تصوغ التربية الحرّة علاقات الأبناء العاطفية والاجتماعية؟

الطفل الذي تربّى في بيئة احترام، لا يبحث عن شريك يعوّض نقصًا، بل عن شريك يضيف معنى.

في العلاقات العاطفية:
• لا يتعلّق خوفًا من الفقد، بل يختار من يشبهه ويفهمه.

وفي العلاقات الاجتماعية:
• لا يسعى لإرضاء الجميع، بل يضع حدودًا واضحة، ويحترم الآخرين دون أن يُذيب ذاته.

التربية الحرّة تؤسس أبناءً قادرين على بناء علاقات قائمة على التكافؤ، لا التبعية، وعلى الوضوح لا الخضوع، وعلى التواصل لا التسلّط.



خاتمة: الأبوة ليست عقدة عاطفية… بل مسؤولية ناضجة

ليس من واجب أبنائنا أن يرمّموا وحدتنا، ولا أن يملأوا فراغاتنا، ولا أن يردّوا كل جميل بحذافيره.
الأبوة والأمومة ليست صفقة عاطفية… بل بذلٌ حرّ، لا يُقابله شرط.

إن احتياجاتنا العاطفية غير المشبعة، وأحلامنا المؤجلة، وأمانينا غير المحقّقة… ليست عبئًا يجب أن يحمله أبناؤنا، بل مسؤولية يجب أن نتصالح نحن معها.

هم ليسوا نسخة منّا، ولا تعويضًا عنا.
هم مسافرون على قطار الحياة، ونحن… في المقصورة الأخيرة، حيث نراهم ينضجون، يختارون، يبتعدون، يعودون، ويكملون.

أن نكون آباء وأمهات بحق… هو أن نحب دون مقابل، ونمنح دون قيد، ونبقى – رغم الغياب – ضوءًا دافئًا خلف النافذة… أو ورقة صغيرة في الجيب، كُتب عليها:

“أنا هنا، يا بني… في المقصورة الأخيرة. دون شروط، ودون أن تنتظرني.”



#أوزجان_يشار (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العقول التي تُحدث الفرق: في فلسفة التأثير وأوهام الاستغناء
- فن الإدارة الصعبة: حين يصبح الإبداع سيفًا، والكرامة المهنية ...
- التنين يمد جناحيه: حين تتجاوز الصين ميزان القوى
- ترامب والكوكلس كلان الجديد: بين فاشية القرن الحادي والعشرين ...
- من هو المسيح الدجال؟ تأملات في زمن الذكاء المصطنع والضمير ال ...
- البروباغاندا: تغييب الوعي وصناعة مجتمعات القطيع
- الصليب في البيت الأبيض: حين تتسلّل الأيديولوجيا الدينية إلى ...
- العقل قبل الجينات
- دونالد ترامب وظلّ القناع الأبيض: هل يقود أمريكا إلى لحظة غور ...
- احتلال فرنسا للجزائر: الأسباب، التوابع، والرفض المستمر للاعت ...
- مهرجان من أمنيات مؤجلة
- العائلات الثرية وفرضية “المليار الذهبي”: رؤية تحليلية شاملة
- تداعيات الرسوم الجمركية على الاقتصاد الأمريكي
- سلوك العمل الجماعي: بين الإبداع والاندفاع
- “برامج رامز: عبثية المحتوى وهدر المال.. متى ينتهي هذا الإسفا ...
- جماعة “الجمجمة والعظام” والرقم 322: سر النخبة الخفية
- رؤية السعودية الخضراء: خارطة طريق لتشجير المملكة ومستقبل بيئ ...
- قراءة في كتاب “عقل القائد: كيف تقود نفسك وموظفيك ومؤسستك لتح ...
- إشكالية تكيف المثقف العربي بين الاستقطاب السياسي والفكري ودو ...
- البحرين: رحلة عبر الزمن بين القلاع والأسواق والمعابد والأساط ...


المزيد.....




- مباشر: دونالد ترامب يعلن موافقة إيران وإسرائيل على -وقف تام ...
- مسؤول إيراني لـCNN: طهران لم تتلق أي مقترح لوقف إطلاق النار. ...
- ترامب يعلن عن وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران.. ما التفاص ...
- سوريا: تفجير انتحاري يودي بحياة 23 شخصًا على الأقل في كنيسة ...
- ترامب: إسرائيل وإيران وافقتا على -وقف تام لإطلاق النار-
- لماذا يعارض مهندس -أميركا أولا- الحرب على إيران؟
- ترامب يعلن وقفا تاما وشاملا للحرب بين إسرائيل وإيران
- ترامب يشيد بأمير قطر ويعلق على الهجوم الإيراني
- الدوحة تؤكد استقرار الأوضاع وواشنطن تعلن إعادة فتح سفارتها ف ...
- ماذا نعرف عن قاعدة -العديد- الأميركية في قطر؟


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أوزجان يشار - أنا في المقصورة الأخيرة: بين حرية الأبناء وألم تراجع مكانة الوالدين في خارطة الأولويات