أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - أوزجان يشار - من هو المسيح الدجال؟ تأملات في زمن الذكاء المصطنع والضمير الغائب














المزيد.....

من هو المسيح الدجال؟ تأملات في زمن الذكاء المصطنع والضمير الغائب


أوزجان يشار

الحوار المتمدن-العدد: 8298 - 2025 / 3 / 31 - 12:40
المحور: قضايا ثقافية
    


“الخداع ليس في ما يُقال، بل في ما يُراد أن يُرى. والمأساة الحقيقية حين يتواطأ الضمير مع الوهم، ويصبح للباطل منابر، وللحق صمت طويل.”

هل نحن نعيش في زمن المسيح الدجال؟ لا، لست أتحدث عن كائن بعين واحدة يخرج من المشرق، كما تصورته الكتب المقدسة والقصص الشعبية. أنا أتحدث عن شيء أخطر من شخص… عن منظومة، عن سلوكيات جماعية، عن “نظام أخلاقي” كامل مبني على الكذب والتضليل والتنمر واغتيال الحقيقة.

“الناس لا يحبون من يخبرهم بالحقيقة، بل يحبون من يبيعهم الأوهام.”
— لنيتشه

لقد أصبح الخداع قيمةً مستقلة، تلبس ثوب الترفيه، أو التقدم، أو حتى الإنسانية. من لا يشعر بالدهشة أمام مقطعٍ مصوّر يُظهر حوتًا يرقص، أو دبًا يستنجد ببحارة؟ فيديوهات مزيفة تُصنَع بالذكاء الاصطناعي، لا غرض لها سوى خداع العين، واستثمار اللاوعي الجماعي في الترويج للتفاهة، والتضليل وللدهشة المصطنعة.

﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ﴾
[سورة البقرة، الآية 204]

قد يُقال: وما المشكلة في بعض التسلية؟ لكن السؤال الحقيقي هو: لماذا تكرّس العقول وقتها وإبداعها للتضليل؟ ولماذا يُصفّق الناس للوهم؟ وما الذي يجعل الكذب ممتعًا إلى هذا الحد؟ هنا تمامًا تبدأ رحلة المسيح الدجال، لا كشخص، بل كعقلية، كسلوك متفشٍ، كمنظومة لا تُسائل نفسها.

غزة: الجرح المفتوح في وجه العالم الصامت

أليس ما يحدث في غزة – هذا القصف اليومي المتواصل على المدنيين، على الأطفال، على المستشفيات والمدارس – تجليًا واضحًا لهذا “الدجال” المعاصر؟ رئيس الولايات المتحدة يصرّح بأنه رجل سلام، بينما صواريخ وقنابل بلاده تُمزق أجساد الصغار وتحيل منازلهم إلى ركام. ثم يتحدث عن مشروع تجاري عظيم يحول أرضهم إلى منتجعات وكازينوهات وملاهي ليلية وموانئ بحرية
أي نفاق هذا؟ أليس هذا قلبًا للحقائق؟ كيف يتحول الجلاد إلى راعٍ للسلام؟ وكيف يُعاقب من يدافع عن كرامته بينما يُكرم من يدكّ الأرض بمن فيها؟

المسيح الدجال، في نظري، ليس إلا هذه المنظومة التي تُقنّن الظلم، وتُجمّل الاستعمار، وتُدين الضحية وتُبرّئ الجلاد. هو الإعلام الذي ينتقي كلماته بعناية ليغسل الدم ويبرر المجازر. هو السياسي الذي يبتسم في مؤتمرات السلام بينما يُوقع صفقات السلاح والقتل خلف الستار.

جيفري إبستين: نبي العصر المظلم

لعلّ من أوضح تجليات هذا “الدجال السلوكي” ما كشفه العالم فجأة عن جيفري إبستين، هذا الرجل الذي جمع في جزيرة قصره نخبة العالم، من رؤساء دول، إلى مشاهير في كافة المجالات، إلى نخب المال والإعلام، في حفلات مشبوهة، وفلاشات مصوّرة توثق الشذوذ والشر، تحولت لاحقًا إلى أدوات ابتزاز مهذبة لإخضاع أقوى الشخصيات على وجه الأرض.
هل كان إبستين مجرد رجل شاذ أخلاقيًا؟ أم كان أداة ضمن منظومة متقنة هدفها تفكيك الضمير الجمعي، وتحويل البشر إلى قطع شطرنج لا تستطيع أن تقول “لا”، لأن الكاميرا كانت هناك، والشهوة كانت هناك، والخوف من الفضيحة يكسر كل مقاومة.

المسيح الدجال هنا ليس في الشخوص بل في الغاية: أن تبيع ضميرك، أن تتواطأ مع الباطل، أن تصير عبدًا لوهم، لشبكة، لفكرة سامة، لمشروع لا يُراد له أن يرى النور.

الدجال بيننا: حين يصبح الكذب حقيقة

المشكلة الحقيقية اليوم ليست في غياب الحقيقة، بل في وفرة الأكاذيب، وفي قابليتنا لتصديقها. أصبح للكذب جمهور، وللتفاهة جمهور، وللمحتوى المبتذل جمهور، وللظلم جمهور… حتى للحياد الزائف جمهور!
نعيش زمنًا صار فيه كل شيء قابلًا للتزييف: الصور، الفيديوهات، الأخبار، المشاعر، وحتى الضمائر. والمرعب أن هذا الزيف يُستهلك بفرح، بل يُسوّق له على أنه “الإصدار الأحدث” من الحقيقة!

“العالم لن يُدمَّر على يد من يفعلون الشر، بل على يد من يشاهدونهم دون أن يفعلوا شيئًا.”
– ألبرت أينشتاين

إننا نعيش داخل عالم يُصوّر العدالة كـ”ترف أخلاقي”، والمقاومة كـ”إرهاب”، والانحراف كـ”تحرر”، بينما الحق يُختنق في صمت. أليس هذا من جوهر المسيح الدجال؟ أن ترى بعين واحدة، وتفكر بعقل مستعار، وتصفّق لما لا تفهم، وتهاجم من يختلف؟

في زمن الدجال: كيف نحيا؟

في هذا العالم الملتبس، حيث الجلاد هو القاضي، والخصم هو الحكم، والضحية مذنبة حتى تثبت العكس، لا يعود السؤال: “من هو الدجال؟” بل يصبح: “كيف نحيا في زمنه دون أن نصير من أتباعه؟”

“كلما كبرت الكذبة، ازداد عدد من يصدقها.”
– غوبلز، وزير دعاية هتلر

الجواب يبدأ من الوعي، من جرأة قول “لا” في وجه القطيع، من التشكيك في ما يبدو بديهيًا، ومن الحفاظ على ضمير حي لا يُشترى، ولا يُبتز، ولا يُخدَر.

ليس من السهل أن تبقى صادقًا في زمن الكذب الأنيق. لكن الأصعب هو أن تصير شاهد زور على الحقيقة… فتلك خيانة لا تُغتفر، لا أمام الضمير، ولا أمام الله.



#أوزجان_يشار (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البروباغاندا: تغييب الوعي وصناعة مجتمعات القطيع
- الصليب في البيت الأبيض: حين تتسلّل الأيديولوجيا الدينية إلى ...
- العقل قبل الجينات
- دونالد ترامب وظلّ القناع الأبيض: هل يقود أمريكا إلى لحظة غور ...
- احتلال فرنسا للجزائر: الأسباب، التوابع، والرفض المستمر للاعت ...
- مهرجان من أمنيات مؤجلة
- العائلات الثرية وفرضية “المليار الذهبي”: رؤية تحليلية شاملة
- تداعيات الرسوم الجمركية على الاقتصاد الأمريكي
- سلوك العمل الجماعي: بين الإبداع والاندفاع
- “برامج رامز: عبثية المحتوى وهدر المال.. متى ينتهي هذا الإسفا ...
- جماعة “الجمجمة والعظام” والرقم 322: سر النخبة الخفية
- رؤية السعودية الخضراء: خارطة طريق لتشجير المملكة ومستقبل بيئ ...
- قراءة في كتاب “عقل القائد: كيف تقود نفسك وموظفيك ومؤسستك لتح ...
- إشكالية تكيف المثقف العربي بين الاستقطاب السياسي والفكري ودو ...
- البحرين: رحلة عبر الزمن بين القلاع والأسواق والمعابد والأساط ...
- بيئة العمل المسمومة: كيف تؤثر على نجاح الشركات؟
- البلد: روح مدينة جدة القديمة
- معضلة القنفذ: فلسفة المسافة الآمنة في العلاقات الإنسانية
- الحمار المظلوم وحكمة “موت يا حمار”
- مجتمع النبل والإنسانية: دروس مستوحاة من الذئاب


المزيد.....




- الولايات المتحدة الأمريكية وأوكرانيا تقتربان من حسم صفقة الم ...
- خبيرة روسية: الليمون ليس الأغنى بفيتامين -سي- وهناك بدائل مت ...
- -CNN-: إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا
- ترامب يعلق على إبرام صفقة المعادن مع أوكرانيا
- ترامب: الطفل الأمريكي قد يحصل على دميتين بدلا من 30 لكن الصي ...
- الحكومة الموريتانية تنفي صلتها بزيارة مستشار قائد -الدعم الس ...
- الكويت تفرج عن 10 محتجزين أمريكيين إضافيين
- الخارجية الروسية: لا يحق لسويسرا مصادرة أصول المركزي الروسي ...
- القهوة -تقدم- فائدة صحية مدهشة للمسنين
- الأمن الروسي يداهم ناديا ليليا في موسكو بشبهة الترويج للمثلي ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف
- أنغام الربيع Spring Melodies / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - أوزجان يشار - من هو المسيح الدجال؟ تأملات في زمن الذكاء المصطنع والضمير الغائب