أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أوزجان يشار - قبّعات التفكير الستّ: حين يصبح العقل غرفةً ذات نوافذ ملوّنة















المزيد.....

قبّعات التفكير الستّ: حين يصبح العقل غرفةً ذات نوافذ ملوّنة


أوزجان يشار

الحوار المتمدن-العدد: 8345 - 2025 / 5 / 17 - 19:51
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في كلّ لحظة من لحظات الحياة، نقف أمام اختيارات تتداخل فيها العواطف مع المنطق، المخاوف مع الآمال، والإبداع مع التحفّظ. نتصرف أحيانًا بردّة فعل غريزية، وأحيانًا أخرى نحاول أن نزن الأمور بعقلانية، لكننا نخرج مرهقين من المعادلة ذاتها: كيف نفكّر؟
هذا السؤال هو ما دفع المفكّر والطبيب المالطي إدوارد دي بونو إلى ابتكار واحدة من أهم أدوات التفكير في القرن العشرين، بل يمكن اعتبارها “نظام تشغيل” جديدًا للعقل: نظرية قبّعات التفكير الستّ.

هذه النظرية لا تقدّم حلولًا جاهزة، لكنها تغيّر الطريقة التي نصل بها إلى الحلول. إنها لا تقول لك ماذا تفكّر، بل كيف تفكّر. وتلك هي المعجزة.

نظرية القبعات الستّ تجعلنا ننظر إلى عقولنا كما لو أنها غرفةٌ واسعة، فيها ست نوافذ، كلّ نافذة تطلّ على مشهد مختلف، وكلّ مشهد يمنحك رؤيةً مختلفة للواقع ذاته.
في العمل، في العلاقات، في لحظات القرار الحاسمة، يمكن أن نرتدي قبّعة واحدة أو ننتقل بينها، لكننا حين نرتديها جميعًا – واحدةً تلو الأخرى – نصبح أكثر توازنًا ووعيًا ومرونة.



القبعة البيضاء: حين يتحدث الواقع بلا تزييف

القبعة البيضاء تُلزمك بالصمت أمام التحيّز، وتأخذ بيدك نحو الحقائق العارية.
إنها قبعة الإحصاءات، الأرقام، المعلومات المؤكدة. لا آراء، لا عواطف، لا تفسيرات شخصية. فقط: ما الذي نعرفه؟ وما الذي نحتاج أن نعرفه؟

حين استخدم أحد مستشاري التعليم هذه القبعة في اجتماع مع فريق تطوير المناهج، طلب من الجميع تجنّب التعبير عن آرائهم، والاكتفاء بعرض البيانات حول نتائج الطلاب. النتيجة كانت مدهشة: لأول مرة، بُني النقاش على أرض صلبة من الواقع لا على انطباعات متناقضة.

كتب دي بونو:

“القبعة البيضاء هي أداة التجريد من الذات، إنها تحوّلنا إلى مراصد دقيقة لجمع المعطيات.”



القبعة الحمراء: المشاعر التي لا تعتذر

في مجتمعاتنا، كثيرًا ما نُجبر على كتم مشاعرنا، أو تقديم تبريرات طويلة لها.
القبعة الحمراء تعاكس هذا الاتجاه. إنها تتيح لك أن تقول: أنا قلق… أشعر بعدم الارتياح… لديّ حدس سلبي، دون أن تُسأل: لماذا؟
هذه القبعة تمنح المشاعر مساحة طبيعية في التفكير، لأن المشاعر، حتى وإن لم تكن منطقية، لها تأثير بالغ على القرارات.

في إحدى الورش التدريبية، طُلب من المشاركين ارتداء القبعة الحمراء عند تحليل مشروع مقترح، وكانت المفاجأة أن عددًا من الحاضرين أشاروا إلى “إحساس داخلي بالخطر” رغم أن المشروع بدا واعدًا. لاحقًا، ظهر أن المشروع بالفعل ينطوي على مخاطرة مالية لم تكن واضحة بالأرقام.
إنها قبعة تُنصت لما لا تقوله البيانات.



القبعة السوداء: الناقد الذي ينقذك من السقوط

إنها قبعة الحذر، الفحص، التنبّه. ليست قبعة التشاؤم، بل قبعة التفكير الدفاعي.
هي التي تطرح السؤال: ما الذي قد لا ينجح؟ ما الثغرات؟ ما العقبات المحتملة؟

يقول دي بونو:

“القبعة السوداء لا تهدم الفكرة، بل تبني سياجًا حول الحفر.”

في إحدى شركات التقنية، أراد الفريق تسويق منتج جديد بسرعة، لكن أحد الأعضاء، وهو مسؤول عن المخاطر، ارتدى القبعة السوداء وطالب بتحليل التأثير القانوني للمنتج في الأسواق الأوروبية. هذا التوقف أنقذ الشركة من دعوى قضائية كانت ستكلفها ملايين الدولارات.



القبعة الصفراء: الشمس التي تدخل الغرفة

هذه القبعة تسأل: ما الفائدة؟ ما الأمل؟ ما الجانب المشرق في هذا التحدي؟
هي القبعة التي ترفض السخرية من التفاؤل، وتبحث عن الفرص حتى في أحلك الأوقات.

حين تكون غارقًا في مشكلات العمل أو العلاقات، قد يبدو الحديث عن “الإيجابيات” سذاجة. لكن دي بونو يذكّرنا بأن:

“أكثر القرارات حكمة، تبدأ بإمكانية واحدة صغيرة رأتها القبعة الصفراء.”

في مشروع لتحسين بيئة العمل في أحد المستشفيات، كانت القبعة الصفراء سببًا في طرح فكرة بسيطة: توفير نباتات خضراء داخل المكاتب. الفكرة بدت هامشية، لكنها حسّنت مزاج الطاقم الطبي، وانعكست على جودة الخدمة.



القبعة الخضراء: حديقة الأسئلة المجنونة

هي قبعة اللا مألوف، حيث لا يُرفض أي اقتراح، ولا يُخجل من أي فكرة.
تقول لك: افكُر بشكل متمرّد، اعرض أفكارًا لا تشبه المعهود.

في إحدى الجلسات التي طبق فيها دي بونو التقنية بنفسه، طلب من المشاركين ارتداء القبعة الخضراء فقط، وقال لهم: اقترحوا طرقًا لتقليل حوادث الطرق، دون أن تكرروا ما يُقال في الإعلام.
من بين عشرات الاقتراحات خرجت فكرة وضع “مقاعد غير مريحة” في المقاعد الأمامية للسيارات الرياضية! كانت الفكرة مجنونة، لكنها قادت لاحقًا إلى تصميمات تُشعر السائق بالخطر إن تجاوز السرعة.

الإبداع لا يأتي من عباقرة فقط، بل من لحظة تحرّر داخل العقل.

“لا شيء يُشعل الضوء في الذهن، مثل مساحة مسموح فيها بالخطأ” – دي بونو



القبعة الزرقاء: من يضبط إيقاع المعزوفة

هي قبعة النظام والقيادة. لا تُنتج الأفكار، بل تُدير إنتاجها.
هي التي تسأل: من أين نبدأ؟ متى ننتقل من النقد إلى الإبداع؟ هل استمعنا لكلّ القبعات؟

في أي نقاش جماعي، يرتدي أحد الأعضاء القبعة الزرقاء – سواء عن وعي أو بدونه – فيحفظ التركيز، يوقف التشويش، ويعيد النقاش إلى مساره.
هذه القبعة مهمتها حماية الزمن العقلي من الفوضى.

في إحدى شركات البرمجة، لاحظ المدير أن الاجتماعات تنهك الفريق دون نتائج واضحة. فقرّر اعتماد القبعة الزرقاء رسميًا: بدأ كل اجتماع بخارطة ذهنية لوقت التفكير، والنتيجة كانت تحسّنًا في جودة القرارات وتقصيرًا في زمن الاجتماعات بنسبة 40%.



حين نُدرّب عقولنا على ارتداء الألوان

ما يجعل هذه النظرية عبقرية، أنها لا تطلب منك أن تغيّر شخصيتك، بل أن تديرها.
لا تطلب منك أن تكون منطقيًا دائمًا، أو عاطفيًا دائمًا، بل أن تمنح كل جزءٍ من ذاتك فرصته.
القبّعات ليست وصفات سحرية، لكنها تمارين على التوازن.
في التعليم، في الإدارة، في العلاقات الأسرية، وحتى في قراراتنا اليومية الصغيرة، يمكن لتقنية دي بونو أن تُحدث فرقًا واضحًا، شرط أن نمارسها بصدق.

فبدلًا من أن تفكر وأنت تائه بين العواطف والحقائق والمخاوف والأمنيات، ستجد نفسك ترتدي قبعة تلو الأخرى، وتستمع لكلّ الأصوات بداخلك… دون أن تتصارع.
كما لو أنك ولأول مرة، جلست في غرفة هادئة، وفتحت نافذة… بل ست نوافذ، نحو ذاتك.

“ليس المطلوب أن تكون خارقًا، بل أن تكون منظمًا في تفكيرك. ومن يتعلم ارتداء القبّعة المناسبة في الوقت المناسب… هو من يحكم اللعبة.” – إدوارد دي بونو



#أوزجان_يشار (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الديانة الإبراهيمية: بين الخديعة الرمزية ومخطط تجميل إسرائيل ...
- قراءة جادة في مسار الإنقاذ الإداري
- من نحن… ومن يمكن أن نكون؟
- قيادة السيارة إنعكاس للشخصية: بين السلوك المتحضر والمتهور
- حين يُزهر الوعي: بين النور الداخلي وعتمة الانفصال
- المدينة بين الاختناق والنجاة: حين يتحوّل الإسمنت إلى مرآة لل ...
- من يطفئ العالم… ويشعل أرباحه؟ الكارثة كأداة تحكم، والخداع كا ...
- السلوك جوهر الدين: قصة النفاق الديني عبر الثقافات
- أنا في المقصورة الأخيرة: بين حرية الأبناء وألم تراجع مكانة ا ...
- العقول التي تُحدث الفرق: في فلسفة التأثير وأوهام الاستغناء
- فن الإدارة الصعبة: حين يصبح الإبداع سيفًا، والكرامة المهنية ...
- التنين يمد جناحيه: حين تتجاوز الصين ميزان القوى
- ترامب والكوكلس كلان الجديد: بين فاشية القرن الحادي والعشرين ...
- من هو المسيح الدجال؟ تأملات في زمن الذكاء المصطنع والضمير ال ...
- البروباغاندا: تغييب الوعي وصناعة مجتمعات القطيع
- الصليب في البيت الأبيض: حين تتسلّل الأيديولوجيا الدينية إلى ...
- العقل قبل الجينات
- دونالد ترامب وظلّ القناع الأبيض: هل يقود أمريكا إلى لحظة غور ...
- احتلال فرنسا للجزائر: الأسباب، التوابع، والرفض المستمر للاعت ...
- مهرجان من أمنيات مؤجلة


المزيد.....




- لإعادة توطين الفلسطينيين.. وثيقة تكشف عن خطة أميركية لمخيمات ...
- لماذا يضعك إقراض المال للأصدقاء والأقارب في مأزق حقيقي؟
- انطلاق مهرجان سان فيرمين: آلاف العدائين يواجهون التحدي الممي ...
- لجنة أممية: 1.8 مليون نازح أو عديم الجنسية في تشاد خلال 2024 ...
- وسائل إعلام إسرائيلية تكشف عن مخطط لتهجير فلسطينيي غزة
- نتنياهو يعلن ترشيحه ترامب لجائزة نوبل للسلام
- ترامب يستبعد ضرب إيران مجددا ويؤكد عقد اجتماع وشيك معها
- ترامب يؤكد رغبة حماس في هدنة بغزة ويعلن إرسال أسلحة دفاعية ل ...
- -شهر واحد لتدمير كل شيء-.. ما العملية الأوكرانية السرية لإبا ...
- ليبيا - بنغازي: ماذا وراء استقبال المشير الليبي خليفة حفتر و ...


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أوزجان يشار - قبّعات التفكير الستّ: حين يصبح العقل غرفةً ذات نوافذ ملوّنة