أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - أوزجان يشار - قراءة جادة في مسار الإنقاذ الإداري















المزيد.....

قراءة جادة في مسار الإنقاذ الإداري


أوزجان يشار

الحوار المتمدن-العدد: 8342 - 2025 / 5 / 14 - 09:25
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


في عالم المؤسسات، لا خطر داخلي يفوق اختزال القيادة في فرد واحد يُصادر القرار الجماعي، ويتعامل مع الصلاحيات كأنها أملاك شخصية. ذلك ليس مجرد خلل تنظيمي، بل فساد إداري صريح، تُجرّمه بعض الدول باعتباره اعتداءً على المصلحة العامة وإساءة استخدام للسلطة.

وحين تبدأ المشاريع في التآكل، وتغادر العقول، ويذوب ولاء الموظفين، فالمشكلة ليست في السوق، بل في من جعل القرار منصةً لمكاسب شخصية. وأسوأ ما قد يُرتكب في هذه اللحظة هو إعادة تدوير من تسببوا في الانهيار إلى مواقع جديدة، بدلًا من محاسبتهم أو عزلهم.



القرار الشجاع: استعادة البوصلة

حين يُقرّر الشركاء أو مجلس الملاك نزع الإدارة من “النجم الأوحد”، وتكليف قيادة جديدة، فهم لا يتخذون قرارًا إداريًا فقط، بل يُعيدون تعريف هوية المؤسسة.

إنه القرار الذي انتظره الموظفون طويلًا، بعد أن تم تجاهل شكاواهم وخبراتهم، وبعد أن أصبحت الاجتماعات مجرّد مهرجانات للتجميل، لا أدوات للفعل.

لكن التغيير لا يُقاس بالقرارات وحدها، بل بكيفية تنفيذها، وبمن يحمل راية الإنقاذ:
هل يملك هذا القائد الشجاعة لاختراق التكلّس؟
هل يستند إلى رؤية حقيقية؟
هل يحظى بدعم صريح لا لبس فيه من النظام المؤسسي كله؟

المرحلة الجديدة لا تحتمل التردد، ولا المساومة مع الماضي، بل تحتاج إلى قائد واضح، يتعامل مع الواقع بلا تجميل، ويبدأ الإصلاح من الجذر، لا من الواجهة.



ما لا تقوله الإدارة… يراه العميل

في خضم التبريرات والخطط والاجتماعات المغلقة، يغيب عن الإدارة أن هناك من يراقب المؤسسة بعين صامتة… لا تُخطئ.
إنه العميل.

العميل لا يحتاج إلى تقرير جودة ولا عرض تقديمي ليتخذ قراره.
هو يكوّن انطباعه من أشياء تبدو “هامشية” داخل جدران إدارة النجم الأوحد، لكنها حاسمة في ميزان قراره:
• يراقب سكن العمال الذين سيؤدّون الخدمة لديه.
هل يصلون في حالة آدمية لائقة؟ هل سُمح لهم بنوم كافٍ؟ هل يعيشون في مساكن نظيفة ومكيفة ومرتبة؟
أم أنهم ضحايا غرف مزدحمة، محرومة من الخصوصية، أقرب إلى معسكرات من كونها مساكن؟
العميل يشعر بذلك دون أن يسأل. من ملامح العامل، من سلوكه، من طريقة نزوله من المركبة، ومن صوته حين يبدأ العمل.
• يراقب حالة المركبات التي تنقل الخدمة أو العمال.
هل تصل المركبة نظيفة؟ هل يشعر بالأمان حين يقترب منها؟
هل هي مجهّزة، مُكيّفة، محترمة، أم تصدر أصواتًا غريبة وتفوح منها روائح الإهمال؟
المركبة ليست وسيلة نقل فقط… إنها أول انطباع بصري وعملي عن المؤسسة.
• يراقب سيارة المدير العام، لا إعجابًا بل تساؤلًا:
إذا كانت هذه المؤسسة توفّر لرئيسها سيارة فارهة، لماذا يعاني العامل من الحر والازدحام وسوء الحال؟
ما الفلسفة الإدارية التي تمنح قمتها ترفًا، بينما تترك قاعدتها تعاني؟
هل هذه عدالة تنظيمية؟ هل هذا كيانٌ يليق بالتعاقد معه؟
العملاء لا يصرّحون بهذه الأسئلة، لكنهم يُجيبون عنها في قراراتهم لاحقًا.

ومن هذه التفاصيل “الصامتة”، تُبنى أحكام حاسمة:
هل هذه مؤسسة جديرة بالثقة؟
أم كيان مظهري يعيش على التجميل المؤقت؟
وفي ضوء هذه الأحكام، قد تُلغى صفقات، أو تُمنح العقود للمنافسين دون توضيح.

“الانطباع الذي لا يُقال… هو الذي يصنع القرار الحقيقي.”
— مبدأ ميداني في عالم الأعمال



خارطة الإنقاذ: الأولويات قبل الإنجازات

القائد الجديد لا يحتاج إلى أوراق كثيرة، بل إلى بوصلة أخلاقية، وعين ميدانية، وقرار لا يتهرب من المواجهة.

وكما يشير المفكر الإداري براين تريسي في كتابه ابدأ بالأهم ولو كان صعبًا، فإن أول خطوة في الإصلاح تبدأ من الاعتراف العلني بحجم الأزمة، وتحديد الأولويات الصعبة لا المؤجلة.

وفي ضوء ذلك، يُقترح أن تبدأ خريطة الإنقاذ من النقاط التالية:
1. تفكيك إرث الإدارة السابقة بكل امتداداته:
لا معنى لأي إصلاح إذا بقيت أدوات الفشل جزءًا من المشهد.
إيقاف النفوذ الموروث يجب أن يكون أول خطوة، لا تفاوض فيها ولا تهذيب شكلي.
2. تصنيف المهام حسب الأهمية لا حسب العجلة:
ليس كل ما يصرخ يجب أن يُنفذ أولًا. بعض الملفات العاجلة تُستعمل للتشويش على الملفات الأهم.
3. تطبيق قاعدة 80/20 (قانون باريتو):
20% من القرارات القادمة ستكون مسؤولة عن 80% من التغيير الحقيقي.
حددها بدقة، ونفّذها دون تردد.
4. التخطيط اليومي لا الشعارات الشهرية:
الإنقاذ لا يبدأ من الاجتماعات الكبرى، بل من تفاصيل دقيقة في كل يوم.
يجب أن تكون هناك رؤية مكتوبة، تبدأ من الساعة الأولى.
5. معالجة ملف سكن العمال ومركبات التشغيل فورًا:
لا يمكن لمؤسسة أن تنهض إذا كانت تحتقر الإنسان الذي يُنتج.
السكن اللائق والمركبة الآمنة ليست رفاهية… بل أساس الجدارة.
6. الحضور الميداني للموظفين:
ليس بالمراسلات تُبنى الثقة.
على القائد أن ينزل بنفسه إلى الميدان، يسمع من الناس، يرى بأم عينه، ويشعر بالواقع لا بالتصوّرات.
7. عدم تقديم وعود قبل التحقق الكامل:
الموظفون سئموا الكلام.
هم لا يحتاجون إلى التحفيز، بل إلى الحقيقة.
فليبدأ القائد برؤية الصورة كما هي، ثم يتحدث بلغة الأفعال.
8. إعادة توزيع السلطات وفق الكفاءة لا العلاقات:
كل سلطة تُمنح بناء على القرب، هي خيانة للعدالة.
لا بد من إعادة النظر في الهيكل الإداري، وتجريد المناصب من العلاقات الشخصية.
9. محاسبة عادلة وشفافة لكل من أساء:
من أفسد، أو أساء للناس، أو أهدر السمعة، لا يستحق التسامح المؤسسي.
العدالة هنا ليست انتقامًا، بل إعادة بناء للثقة.
10. استعادة الكفاءات الصامتة:
كثير من الأفراد الأكفاء تم تهميشهم لأنهم لم يصرخوا، ولم يتملقوا، ولم يدخلوا الدوائر الضيقة.
هؤلاء هم كنز المرحلة القادمة.

“إذا أردت أن تُنقذ بيتًا، لا تكتفِ بتغيير الستائر… أصلح السقف.”



استعادة الانتماء: البداية الحقيقية للنهضة

الولاء لا يُطلب، بل يُكسب.
والثقة لا تُبنى عبر الحملات الداخلية، بل من خلال شعور صادق لدى الموظف بأنه إنسانٌ محترم، مسموع، وله مكانة في المؤسسة.

“الثقة هي الرصيد الوحيد الذي ينمو حين يُنفق.”

لا تنمو المشاريع في بيئة مسمومة يسودها الخوف والصمت.
ولا تُثمر الخطط في مكان يغيب فيه الإحساس بالعدالة.

كل مؤسسة تفقد انتماء موظفيها، تفقد روحها الحقيقية… مهما بلغت أرقامها.



الختام: لا إصلاح من دون قطيعة… ولا مستقبل مع ذاكرة فاسدة

في محطات الإنقاذ، لا مجال للمجاملات.
المنقذ لا يملك ترف “إرضاء الجميع”.
مهمته واضحة: إنقاذ ما تبقى، وخلق بيئة جديدة تقوم على العدل والشفافية والانتماء.

من تسبب في الفوضى، لا يجوز أن يُستشار في صناعة النظام.
من أساء للأمانة، لا يُعاد تدويره في منصب استشاري.
الوضوح هنا ليس قسوة… بل بداية الشفاء.

“أعظم الأخطاء الإدارية لا تأتي من الجهل، بل من الجبن.”
— بيتر دراكر

نجاح القائد لا يُقاس بعدد الاجتماعات، ولا بعدد الصفحات، بل بلحظة صادقة يقول فيها أحد العاملين:
“الآن… أعرف لماذا أعمل.”

هذه ليست إدارة.
إنها استعادة للمعنى.



المراجع والمصادر:
1. براين تريسي، ابدأ بالأهم ولو كان صعبًا (Eat That Frog!).
2. قانون باريتو (80/20) – Vilfredo Pareto.
3. بيتر دراكر، إدارة في وقت التغيير.
4. ملاحظات ميدانية وتحليلية من قطاعات تشغيل وخدمات في بيئات عمل واقعية.



#أوزجان_يشار (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من نحن… ومن يمكن أن نكون؟
- قيادة السيارة إنعكاس للشخصية: بين السلوك المتحضر والمتهور
- حين يُزهر الوعي: بين النور الداخلي وعتمة الانفصال
- المدينة بين الاختناق والنجاة: حين يتحوّل الإسمنت إلى مرآة لل ...
- من يطفئ العالم… ويشعل أرباحه؟ الكارثة كأداة تحكم، والخداع كا ...
- السلوك جوهر الدين: قصة النفاق الديني عبر الثقافات
- أنا في المقصورة الأخيرة: بين حرية الأبناء وألم تراجع مكانة ا ...
- العقول التي تُحدث الفرق: في فلسفة التأثير وأوهام الاستغناء
- فن الإدارة الصعبة: حين يصبح الإبداع سيفًا، والكرامة المهنية ...
- التنين يمد جناحيه: حين تتجاوز الصين ميزان القوى
- ترامب والكوكلس كلان الجديد: بين فاشية القرن الحادي والعشرين ...
- من هو المسيح الدجال؟ تأملات في زمن الذكاء المصطنع والضمير ال ...
- البروباغاندا: تغييب الوعي وصناعة مجتمعات القطيع
- الصليب في البيت الأبيض: حين تتسلّل الأيديولوجيا الدينية إلى ...
- العقل قبل الجينات
- دونالد ترامب وظلّ القناع الأبيض: هل يقود أمريكا إلى لحظة غور ...
- احتلال فرنسا للجزائر: الأسباب، التوابع، والرفض المستمر للاعت ...
- مهرجان من أمنيات مؤجلة
- العائلات الثرية وفرضية “المليار الذهبي”: رؤية تحليلية شاملة
- تداعيات الرسوم الجمركية على الاقتصاد الأمريكي


المزيد.....




- الأنبار تسوّق 200 ألف طن من الحنطة ومؤشرات على زيادة الإنتاج ...
- بمشاركة 103 دول.. انطلاق منتدى قازان الاقتصادي تحت عنوان تعز ...
- الليرة السورية تحلق أمام الدولار
- إسرائيل تقترب من الانفجار.. صواريخ من السماء واقتصاد ينهار
- الذهب الحلو.. صناعة العسل في أفغانستان تزدهر رغم التحديات
- ماذا وراء حفاظ مصر على قمة مصدري البرتقال عالميا؟
- السوريون يحتفلون بعد إعلان ترامب رفع العقوبات الاقتصادية عن ...
- توقعات بارتفاع إنتاج مصر من الذهب بشكل غير مسبوق
- انخفاض أسعار النفط بعد توقعات ارتفاع مخزونات الخام الأمريكية ...
- الصين تبدأ تطبيق الرسوم الجمركية المعدلة على الواردات الأمري ...


المزيد.....

- دولة المستثمرين ورجال الأعمال في مصر / إلهامي الميرغني
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / د. جاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - أوزجان يشار - قراءة جادة في مسار الإنقاذ الإداري