أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - أوزجان يشار - تغيير التفكير… بوابة لتغيير المصير















المزيد.....

تغيير التفكير… بوابة لتغيير المصير


أوزجان يشار

الحوار المتمدن-العدد: 8361 - 2025 / 6 / 2 - 18:35
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


“إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم”، ليست آية في كتاب الله فحسب، بل إعلان عظيم لقانون الوجود: لا يحدث في الخارج ما لم يتبدّل في الداخل. ذلك الداخل المحكوم بالأفكار، بالمفاهيم، بالقناعات التي قد ترثها المجتمعات وتخزّنها الأذهان دون مراجعة أو اختبار. فكيف لنا أن نتوقع نتائج جديدة بعقول تقليدية؟ وكيف نترقب حظاً أو نجاحاً من دون أن نخلع أولاً عباءة التفكير المضلل؟

نعم، ليس من المجدي أن تستمر في الضغط على جهاز تحكم عن بُعد وهو معطل أو يحتاج لبطارية جديدة، وتتوقع أن يعمل ويقوم بتغيير قنوات التلفاز. العقل الذي لا يُحدث تحديثًا مستمرًا لقناعاته، يظلّ يستهلك الطاقة في تكرار النتائج نفسها، محاصرًا بدائرة العجز. ولا معنى لأن تقترض مالاً لتذهب في عطلة، ثم تعود لتُرهق نفسك شهورًا بأعباء الديون. التفكير المضلل لا يمنحك راحة، بل يُقصيك عنها. كما أنه من الحماقة أن تمر بمحطة وقود وسيارتك تنذر بالنفاد، وتُقنع نفسك بأنها ستصمد لمحطة أخرى أبعد… فقط لأن “تفكيرك” أوحى بذلك.
، ويكمن خلفها تفكير مأزوم يزيّن لصاحبه الوهم باسم التفاؤل أو “الثقة المفرطه بالنفس”.

كل شيء يبدأ من الداخل

إن العظماء عبر التاريخ لم يصنعوا الفارق لأن ظروفهم كانت مثالية، بل لأنهم غيّروا منظورهم للعقبات. حينما نتأمل حياة نلسون مانديلا، الرجل الذي قضى 27 عامًا في السجن، لا نراه يخرج لينتقم، بل ليغفر ويبني. تغيّر تفكيره في محبسه، فتغيّرت بلاده. لم يكن السجن حاجزًا أمام تحرّره، لأن التحرّر الأول كان داخليًا.

في كتاب “خمسون شيئًا عليك أن تدركها قبل فوات الأوان”، لمؤلفه مانوج شينثاماراكشان نكتشف أن كثيرًا من معاناتنا ليست من الخارج، بل من طريقتنا في التأويل والتحليل. يضعك أمام تلك الحقائق الصغيرة التي نغفل عنها، والتي تشكّل في مجموعها طريقة تفكيرنا اليومية: قيمة الوقت، ضرورة العفو، أهمية التوازن، وعدم جدوى محاولة إرضاء الجميع. كل واحدة من هذه الحكم البسيطة تُغير حياتك متى ما تحولت من مجرد كلمات إلى بوصلات توجه قراراتك وسلوكك. تتجلّى معانٍ تمس جوهر الحياة: إدراك أن الوقت لا يعود، وأن الصحة رأس مالك الحقيقي، وأنك مسؤول بالكامل عن اتجاهك في الحياة. لا أحد يستطيع أن يغيرك إن لم تبدأ بذلك بنفسك. الكاتب يشير إلى أن السعادة ليست حدثًا ننتظره، بل خيارًا يمكن أن نصنعه. أن تكون سعيدًا لا يعني أن حياتك كاملة، بل أنك قررت أن ترى ما هو جيد رغم النقص.

أما كتاب “التحولات الدقيقة: العادات الصغيرة التي تصنع فرقًا كبيرًا”، فقد أضاء لنا أن التغيير العميق لا يحدث عادة بقرارات ضخمة، بل بخطوات صغيرة، ثابتة، متراكمة. من يبدأ يومه بتحسين بسيط – قراءة صفحة، تعديل فكرة، اتخاذ قرار صحي – يصنع لنفسه نسخة جديدة على مدى الزمن. التغيير لا يكون دائمًا ثوريًا. إنه أشبه بنحت تمثال: ضربة وراء ضربة، حتى تتشكل الملامح.

وفي كتاب “تحكم في حياتك أو دَعها تتحكم فيك”، تبرز رسالة قوية: إما أن تقود حياتك بإرادتك، أو أن تُقاد بأمزجة الآخرين، وتيارات المجتمع، وضغوط المحيط. من لا يخطط لحياته، يصبح جزءًا من خطة الآخرين. في النهاية، من يرفض أن يكون سيدًا لتفكيره، سيعيش عبدًا لظروفه.

وليس هذا كلامًا مثاليًا، بل حقيقة دعمتها مواقف من الواقع. شاب كندي يُدعى شون أتشسون كان قد عاش سنوات في الإدمان والتشرد. تغير كل شيء حين كتب على ورقة واحدة عبارة: “أنا لست ما حدث لي، أنا ما سأفعله الآن”. تلك الجملة أصبحت نقطة تحول، قادته إلى رحلة علاج، ثم دراسة، ثم نجاح، حتى صار اليوم أحد أبرز المدربين في تطوير الذات في كندا. لم يكن لديه أكثر من فكرة جديدة، ولكنه قرر أن يتبعها.

السعادة لا تأتي، بل تُصنع

كثيرون يظنون أن السعادة هبة سماوية تهبط على بعض الناس دون غيرهم. لكن الحقيقة أن السعادة، كما يؤكدها آندي أندروز في كتابه “القرار السابع”، هي قرار أكثر منها حالة. هو يروي في عمله الأدبي كيف أن لحظة إدراك أن “الماضي لا يساوي المستقبل” يمكن أن تُحدث تحوّلًا في المصير، كما حصل مع شخصيته الرئيسية التي تمر برحلة خيالية عبر الزمن للقاء شخصيات تاريخية عظيمة. هذا التحول يبدأ عندما يتوقف الإنسان عن لعب دور الضحية، ويبدأ في النظر لنفسه كعنصر فاعل ومسؤول.

وكم من قصة حقيقية تُؤكد هذا؟ أنطوني روبنز، أحد أشهر مدربي التنمية الذاتية في العالم، كان شابًا يعيش في غرفة صغيرة لا تتجاوز مساحتها 10 أمتار، يعمل في غسل الصحون، ويأكل ما يُلقى له. لكنه قرأ كتابًا غير حياته، فقرر أن يفكر كما يفكر الناجحون، حتى ولو لم يكن لديه شيء. والنتيجة؟ تغيّر في التفكير، تبعه تغيّر في السلوك، ثم تغيّر في النتائج.

لا أحد يستطيع أن يسلبك حريتك الداخلية

في كتاب “الإنسان يبحث عن المعنى” للطبيب والمعالج النفسي النمساوي فيكتور فرانكل، يروي لنا كيف حافظ على كرامته في معسكرات الاعتقال النازية، في أسوأ الظروف التي قد يعيشها بشر. لم يكن يملك طعامًا أو حرية أو حتى كرامة ظاهرة، لكنه امتلك ما هو أعظم: حرية الاختيار في كيفية النظر إلى ما يحدث له. يقول فرانكل: “يمكن أن يُسلب منك كل شيء، إلا شيء واحد: حريتك في أن تختار كيف تستجيب”.

هل يمكن لحكاية كهذه ألا تُوقظ بداخلنا سؤالًا مرعبًا: هل نعيش أسرى لأفكار لم نختبرها؟ هل نواصل السير على طرق سلكها الجميع فقط لأن الجميع مرّوا منها؟ أليس من الحماقة أن نأمل بمصير مميز بينما نُفكر تفكيرًا مكرورًا مستهلكًا؟

لِمَ لا نغيّر تفكيرنا اليوم؟

كم من إنسان يعيش على أمل التغيير، لكنه يرفض أن يغيّر طريقة تفكيره. يقف في مكانه كالذي يحاول تغيير وجهته دون أن يحرّك قدميه. وقد قيل قديمًا: “لا يمكنك أن تحل المشكلة بنفس التفكير الذي خلقها”. بل حتى حين ندعو الله أن يُغير أحوالنا، ننسى أن التغيير الإلهي لا يهبط من السماء دون استعداد داخلي واستحقاق فكري وسلوكي.

ما تحتاجه ليس خارطة طريق بقدر ما تحتاج إلى إعادة ضبط للبوصلة الذهنية. لا تنتظر معجزة، بل ابدأ بمعجزة التفكير الجديد: أن تتوقف عن جلد نفسك، أن تعيد تعريف النجاح، أن تراجع من تعتبرهم “قدوة”، أن تطرح على نفسك السؤال المخيف: ماذا لو كنت أنا المشكلة؟ وماذا لو كنت أيضًا الحل؟

اصنع المصير من جديد

حين نغيّر طريقة رؤيتنا للأشياء، تتغير الأشياء ذاتها. هذه ليست جملة تحفيزية، بل واقع نفسي وسلوكي وفلسفي. الأفكار تولّد العواطف، والعواطف تدفع السلوك، والسلوك يرسم المصير. فأنت اليوم حيث أوصلتك أفكارك، وستكون غدًا حيث تقودك نواياك.

قال المفكر الأمريكي واين داير: “إذا غيرت طريقة نظرك إلى الأشياء، فإن الأشياء التي تنظر إليها ستتغير”.
وقبله قال سقراط: “اعرف نفسك”، لأن كل إصلاح يبدأ من هناك، من الداخل.

تغيير التفكير لا يتطلب مالًا ولا شهرة، بل شجاعة. شجاعة أن تواجه نفسك، أن تتوقف عن تكرار الأعذار، أن تسأل أسئلة صعبة: هل ما أؤمن به يخدمني؟ هل الطريق الذي أسير فيه يقودني إلى حيث أريد؟ هل أعيش كما أريد أم كما يُراد لي؟

الحياة لا تنتظر أحدًا. الزمن لا يعيد الكرة. ولكن العقل، حين يتغير، يستطيع أن يغير كل شيء.



المصادر:

1. 50 شيئًا لتدركها قبل فوات الأوان
50 Things to Realize Before It’s Too Late
تأليف: Manoj Chenthamarakshan
2. القرار السابع
The Traveler’s Gift
تأليف: Andy Andrews
3. الإنسان يبحث عن المعنى
Man’s Search for Meaning
تأليف: Viktor E. Frankl



#أوزجان_يشار (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قوة التفكير الإيجابي: قراءة في كتاب جيسون وولبرز
- فلسطين أولاً: تفكيك أسطورة “إسرائيل” في النصوص الدينية والتا ...
- قراءة نقدية في رواية الإسكافي: حين يُخاط الجلدُ الروح
- الشخصية الجدلية: بين الجاذبية والتنافر
- القيادة بين التحذير والتجاهل: دروسٌ من الكارثة
- مصر وتاريخ الهويات: من يوسف وموسى إلى رمسيس وأحمس، ومن النوب ...
- من السيارة إلى الإنسان: شرائح ذكية تحرس الحياة وتعيد تعريف ا ...
- كيف تتغلب على المتلاعبين؟ قراءة تأملية في كتاب جاستن تايلور
- في حضرة مهاويرا: رحلة إلى الجينية، الديانة التي تمشي حافية ف ...
- ومضات من حياة هنري ميلر
- قبّعات التفكير الستّ: حين يصبح العقل غرفةً ذات نوافذ ملوّنة
- الديانة الإبراهيمية: بين الخديعة الرمزية ومخطط تجميل إسرائيل ...
- قراءة جادة في مسار الإنقاذ الإداري
- من نحن… ومن يمكن أن نكون؟
- قيادة السيارة إنعكاس للشخصية: بين السلوك المتحضر والمتهور
- حين يُزهر الوعي: بين النور الداخلي وعتمة الانفصال
- المدينة بين الاختناق والنجاة: حين يتحوّل الإسمنت إلى مرآة لل ...
- من يطفئ العالم… ويشعل أرباحه؟ الكارثة كأداة تحكم، والخداع كا ...
- السلوك جوهر الدين: قصة النفاق الديني عبر الثقافات
- أنا في المقصورة الأخيرة: بين حرية الأبناء وألم تراجع مكانة ا ...


المزيد.....




- بمحيط مكة والحرم.. السعودية تكشف طوقا أمنيا بالأشعة تحت الحم ...
- جيش مصر.. تهديد حميدتي يشعل تفاعلا بعدما قاله عن دعم الجيش ا ...
- الجيش الإسرائيلي يكشف ملابسات مقتل أحد جنوده في اشتباكات حي ...
- لماذا هاجم القرامطة مكة واقتلعوا الحجر الأسود؟
- رئيس كوريا الجنوبية الجديد يبدأ مهامه ويتعهد باستئناف الحوار ...
- جزيرة تتنقل بين إسبانيا وفرنسا كل 6 أشهر.. قصة اتفاق تاريخي ...
- عاشق يتسلل إلى قصر ترامب من أجل عيون حفيدته فيقع في شباك الأ ...
- خبير بريطاني: انتقال ألمانيا إلى مواجهة مباشرة مع روسيا سياس ...
- واشنطن تعين مستشارا إنجيليا رئيسا لمؤسسة مساعدات غزة
- كندا.. حرائق الغابات تلتهم 400 منزل وتجبر الآلاف على النزوح ...


المزيد.....

- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى
- الشجرة الارجوانيّة / بتول الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - أوزجان يشار - تغيير التفكير… بوابة لتغيير المصير