أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - أوزجان يشار - “الحمار الذهبي”: رحلة التحول بين الجسد والمعرفة














المزيد.....

“الحمار الذهبي”: رحلة التحول بين الجسد والمعرفة


أوزجان يشار

الحوار المتمدن-العدد: 8374 - 2025 / 6 / 15 - 23:37
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


مدخل إلى أول رواية مكتملة في التاريخ

في القرن الثاني الميلادي، وبينما كانت الإمبراطورية الرومانية تترنح بين فتوحاتها العسكرية وتناقضاتها الروحية، وُلد نصٌّ فريد خرج من قلب هذا العالم المتشابك: “الحمار الذهبي”، المعروف أيضًا باسم التحولات، والذي كتبه أبوليوس، فيلسوفٌ نشأ في شمال إفريقيا، وتعلّم في أثينا، وكتب باللاتينية.
هذه الرواية ليست مجرّد سردٍ عجائبيّ، بل هي نص تأسيسي في الأدب العالمي، يجمع بين الفانتازيا والمأساة، والسخرية والتأمل الفلسفي، ليطرح أسئلة لا تزال مفتوحة حتى اليوم:
ما معنى أن نفقد شكلنا؟ وما الذي يعيد إلينا إنسانيتنا؟



التحول: من الإنسان إلى الحمار، ومن الجسد إلى الإدراك

بطل الرواية، لوكيوس، شابٌ مولع بالسحر، يتحول بفعل تعويذة خاطئة إلى حمار، لكن عقله يبقى بشريًا. هنا تبدأ رحلة سخرية وجودية، يرى فيها القارئ العالم من زاوية الكائن المستعبَد، المُهان، المُستغَل.
• التحول لا يقتصر على الشكل، بل هو نزول إلى قاع التجربة الإنسانية. فالحمار – رغم قسوته الظاهرية – يرمز إلى الكائن العاقل حين يُجرَّد من سلطته وكرامته.
• عبر التنقل بين أيدي لصوص، ومزارعين، ورجال دين، وتجار رغبة، يخوض لوكيوس تجربة المعرفة عن طريق الألم، حيث تُصبح الصفعات اليومية بمثابة دروس في كشف زيف الأخلاق الاجتماعية.



الأسطورة كخلاص: ظهور إيزيس

في نهاية مسار الانحدار، يظهر النور في صورة الإلهة المصرية إيزيس، التي تتجلى في حلم البطل، وتقوده نحو استعادة إنسانيته عبر طقس رمزي يتمثل في أكل الوردة المقدسة.
• إيزيس لا تمثّل فقط الخلاص، بل تمثل عودة إلى نظامٍ كونيّ أعمق من السحر العبثي الذي أغرق فيه لوكيوس.
• المشهد لا يوصف كحدث ديني خالص، بل كبنية رمزية تشير إلى أن الخلاص لا يأتي من الخارج، بل من تحوّل داخلي يعيد ترتيب العلاقة بين الجسد والعقل والروح.



السخرية كأداة لفضح المجتمع

أحد أعمدة الرواية هو أسلوبها الساخر، الذي لا يتردد في فضح نفاق الطبقات العليا والدينية، وخلط المأساة بالهزل على نحو لافت:
• في مغارة اللصوص، تروي عجوز أسطورة “آمور وبسيكي”، وهي واحدة من أجمل القصص الرمزية في الأدب القديم. أن تُروى هذه الحكاية النقية وسط مشهد من القسوة والاغتصاب، يكشف المفارقة بين التخييل المثالي وواقع الانحطاط.
• رجال الدين الذين يظهرون في الرواية ليسوا مصدر طمأنينة، بل يتصرفون كالمرابين، ويستغلون الحمار – وهو في الحقيقة إنسان – لأغراض شعائرية ومالية، ما يعكس نقدًا مبكرًا لما يُسمى تديّن الواجهة.



الهوية: سؤال معلق في الزمان

لا تسعى الرواية لتحديد هوية قومية أو عرقية لكاتبها أو أبطالها، بل تُمثّل مثالًا على الهوية المتداخلة في عالم روماني متشابك الثقافات.
• أبوليوس كتب باللاتينية، متأثرًا بالمدرسة الفلسفية الأفلاطونية، وعاش في مدن متعددة، ما يجعل من روايته نصًا متعدّد الطبقات، لا يمكن ربطه بقومية واحدة أو بمرجعية إثنية حصرية.
• حين يصرخ لوكيوس داخل جسده الحيواني: “أنا إنسان!”، لا يتحدث من منطلق قومية أو أصل، بل من صميم الكينونة الإنسانية التي تنبع من الوعي لا من الشكل.



الإرث السردي: جذور التحوّل في الأدب الحديث

أبوليوس لا يُعدّ رائد الرواية الغربية فقط، بل هو أيضًا أحد الآباء المؤسسين لما سيُعرف لاحقًا بأدب التحول الرمزي.
• من قرون بعده، سيكتب كافكا روايته المسخ، حيث يتحول البطل إلى حشرة في منزل منعزل. لكن البنية العميقة لذلك النص تظل مدينة لـ “الحمار الذهبي”، من حيث الرمزية، والعزلة، وفقدان الصوت الإنساني وسط مجتمع مشوّه.
• كذلك، فإن تعدد الحكايات ضمن الرواية – كقصة الحب الخالدة بين بسيكي وكوبيد – مهد الطريق لما عُرف لاحقًا بالسرد الإطاري، الذي استخدمه تشوسر في حكايات كانتربري، وسرفانتس في دون كيخوته، بل وظهر لاحقًا في ألف ليلة وليلة.



خاتمة: لماذا نعود إلى هذه الرواية اليوم؟

لأن “الحمار الذهبي” ليس نصًا عن السحر، بل عن الوعي وسط فوضى الحياة.
• يخبرنا أبوليوس أن التحول ليس عيبًا، بل ضرورة للوعي بالذات.
• وأن الجمال الخارجي لا يمنح خلاصًا، بل المعرفة الداخلية فقط.
• وأن الهوية ليست إرثًا يُمنح، بل تجربة تُصاغ بالمعاناة والاختيار.

“الحمار الذهبي” هو مرآة قديمة بسطحٍ غريب، لكنها تعكس اليوم صورة الإنسان كما هو: متحوّلًا، متسائلًا، وباحثًا عن لحظة الصفاء الأخيرة.

“في النهاية، عدت إنسانًا…
ليس لأن جسدي تغيّر،
بل لأن قلبي عرف الطريق”.



مراجع مقترحة للقراءة الموسعة:
• Apuleius, The Golden Ass – Complete Latin Text and English Translation.
• “Magic, Religion, and Philosophy in Apuleius” – Cambridge Classical Studies.



#أوزجان_يشار (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السلاح النووي: قنبلة معلقة فوق رقبة البشرية
- هل حان الوقت لبناء ملاجئ بدلًا من أوهام السلام؟
- “رحيل”.. حين تهمس الروح بالحياة وتختبر الحب كفناء
- الجسر لا السيف: في مدارات الجدل الإنساني الراقي
- فيليس ويتلي: حين كتبت العبدة قصائد الحرية
- درهمٌ في مؤخرة الحافلة: حين يصطدم جنون الثروة بجنون السلطة
- المتعة لحظة… والسعادة قرار: من فخ اللذة إلى جسر الحكمة
- تغيير التفكير… بوابة لتغيير المصير
- قوة التفكير الإيجابي: قراءة في كتاب جيسون وولبرز
- فلسطين أولاً: تفكيك أسطورة “إسرائيل” في النصوص الدينية والتا ...
- قراءة نقدية في رواية الإسكافي: حين يُخاط الجلدُ الروح
- الشخصية الجدلية: بين الجاذبية والتنافر
- القيادة بين التحذير والتجاهل: دروسٌ من الكارثة
- مصر وتاريخ الهويات: من يوسف وموسى إلى رمسيس وأحمس، ومن النوب ...
- من السيارة إلى الإنسان: شرائح ذكية تحرس الحياة وتعيد تعريف ا ...
- كيف تتغلب على المتلاعبين؟ قراءة تأملية في كتاب جاستن تايلور
- في حضرة مهاويرا: رحلة إلى الجينية، الديانة التي تمشي حافية ف ...
- ومضات من حياة هنري ميلر
- قبّعات التفكير الستّ: حين يصبح العقل غرفةً ذات نوافذ ملوّنة
- الديانة الإبراهيمية: بين الخديعة الرمزية ومخطط تجميل إسرائيل ...


المزيد.....




- -تساقطت أبنية أثناء سيرنا-.. سيدة تروي لـCNN مشاهد في تل أبي ...
- الجيش الإسرائيلي: استهدفنا مقرات قيادة لـ-فيلق القدس- والجيش ...
- فيديوهات متداولة: منظومات الدفاع الإسرائيلية تقصف نفسها!
- شركات تطالب الاتحاد الأوروبي بسياسة مناخية مستدامة وأكثر وضو ...
- انخفاض الرصاص يحسن ضغط الدم وعمل عضلة القلب
- ‌‏هيئة -أمبري- البريطانية: إيران هاجمت البنية التحتية لميناء ...
- Ynet: أحد الصواريخ سقط قرب مكتب السفارة الأمريكية في تل أبيب ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن شن غارات جوية على مقرات لفيلق القدس في ...
- البيت الأبيض: ترامب سيلتقي زيلينسكي على هامش قمة مجموعة السب ...
- بزشكيان: الولايات المتحدة تمارس البلطجة وتخالف القوانين الدو ...


المزيد.....

- قراءة تفكيكية في رواية - ورقات من دفاتر ناظم العربي - لبشير ... / رياض الشرايطي
- نظرية التطور الاجتماعي نحو الفعل والحرية بين الوعي الحضاري و ... / زهير الخويلدي
- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - أوزجان يشار - “الحمار الذهبي”: رحلة التحول بين الجسد والمعرفة