أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - أوزجان يشار - فيليس ويتلي: حين كتبت العبدة قصائد الحرية














المزيد.....

فيليس ويتلي: حين كتبت العبدة قصائد الحرية


أوزجان يشار

الحوار المتمدن-العدد: 8367 - 2025 / 6 / 8 - 18:34
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


هناك أرواحٌ لا تكتفي بالولادة، بل تصنع لنفسها ميلادًا ثانيًا… في القصيدة.
كانت فيليس طفلة إفريقية صغيرة، تُدعى باسمٍ لم يخزنه التاريخ. ثم جاءت سفينةٌ… فاختطفتها من أرضها، وسلبتها اسمها، ووهبتها اسمًا جديدًا: “فيليس”، تيمّنًا باسم السفينة ذاتها.
وصلت إلى العالم الجديد جسدًا صغيرًا، مذعور العينين، مكسور الظهر، واقفةً في ساحة بيع العبيد.

لكن ما لم يعرفه التجار، هو أن تلك الصغيرة تحمل بين ضلوعها نارًا لا تُطفأ.
قُيّدت قدماها، لكنها كانت تكتب.
سُلب صوتها، لكنها كانت تُنشد.
أُهينت إنسانيتها، لكنها أعادت تعريف الكرامة.

لم تكن تطلب حقًّا، بل كانت تكتب لكي يتعلم الآخرون كيف يُنطق هذا الحق.

وُلدت في إحدى قرى إفريقيا الغربية، في السنغال أو غامبيا، نحو عام 1753. وفي عمر السابعة، تم اختطافها على يد تجّار الرقيق، وسُلّمت إلى السفينة التي حملتها عبر المحيط، وأُطلق عليها اسم “فيليس”.
في ساحة بيع العبيد ببوسطن، عُرِض جسدها الهزيل كسلعة، وتقدّم أحد التجار، جون ويتلي، فاشتراها، ليمنحها لاحقًا لقبه، ويبدأ فصلًا جديدًا من حياتها داخل منزله.

وفي ذلك البيت، الذي كان من المفترض أن يكون سجنًا آخر، بدأت بذور المعجزة.

تعلمت فيليس القراءة والكتابة بسرعة مدهشة. كانت تقرأ الشعر الكلاسيكي، والكتب المقدسة، وتلتهم الأساطير الإغريقية واللاتينية كما لو كانت تبحث عن ملامح نفسها فيها.
وفي سن الثالثة عشرة، بدأت تكتب الشعر بلغة منفى، لكنها كانت تصنع بها وطنًا.

“لقد ساقني القدر من أرضي الوثنية،
وكان في ذلك رحمة خفيّة،
إذ علّمني أن هناك خالقًا،
وأن روحي ليست وحدها في هذا الطريق.”

ورغم أن ظاهر الأبيات يوحي بالتسليم، إلا أن بين السطور حوارًا داخليًا بين المقهورة والمقدَّر، بين التي اختُطفت وبين من تكتب لتفهم لماذا.

في عام 1772، واجهت فيليس لحظة نادرة في التاريخ: استُدعيت إلى محكمة خاصة، شكلها ثمانية عشر رجلًا أبيض، ليقرروا ما إذا كانت هذه الفتاة السوداء المستعبدة قادرة فعلًا على كتابة الشعر.
طلبوا منها أن تتلو ما تحفظه من نصوصٍ دينية، وشعرية، وفلسفية.
وقفت بثبات أمامهم، لم تتهدج كلماتها، ولم ترمش عينها خوفًا.
لم تكن تسعى إلى رضاهم، بل إلى شيء أسمى: أن تعلن للعالم أنها موجودة، تفكر، وتشعر، وتكتب.

في العام التالي، نُشرت مجموعتها الشعرية في لندن، وحملت عنوانًا دينيًا تقليديًا، لكنها ضمّت بين سطورها ما هو أعمق من المواعظ: ضمّت قلبًا حرًا، يتمرّد على كل ما هو مفروض.

“قد ينظر البعض إلى أصحاب البشرة الداكنة باحتقار،
لكن تذكّروا أن الخالق لا يفرّق،
وأن الأرواح، مهما كان لونها،
تستطيع أن تُصقل، وتلتحق بجوقة الملائكة.”

هذا البيت وحده كان ثورة.
لم تكن تُطالب بالمساواة فقط، بل كانت تقول:
“أنتم لستم ميزان السماء… السماء لا تُقيسنا بألواننا.”

وقد منحتها شهرتها هذه حريتها — ولكن بلا دخل، ولا بيت، ولا سند.

لم تَعِش طويلًا.
تزوجت، وفقدت أطفالها الثلاثة، وتُوفيت في سن الواحدة والثلاثين، فقيرةً ومنسيّة، لكن صوتها ظل يتردّد.

وهكذا حين يصبح الشعر ضوءًا في النفق،

لم تكتب فيليس لتكون بطلة، بل كتبت لأنها لم تجد سبيلاً آخر للوجود.
كل بيتٍ من أبياتها كان نافذة تهوية في غرفة خانقة،
وكل قصيدة كانت مشيًا على حافة السكين.
لكنها استمرت…
كتبت لنفسها، ولأولئك الذين لم يُسمح لهم بالكلام.
وإن كانت قد ماتت فقيرة، فإن كلماتها اليوم تُتلى في الجامعات، وتُطرّز في كتب الأطفال، وتُدرّس في التاريخ الأميركي.

في القرن العشرين والحادي والعشرين، استُعيد اسمها بقوّة في الأوساط الفكرية:
باتت تُدرَّس في الجامعات، وتُستشهد بها في الأدب النسوي الأسود، ويُنظر إلى كتاباتها بوصفها أول شكل من أشكال “الأدب المقاوم” المكتوب من داخل العبودية.

لقد أعادت فيليس تعريف ما تعنيه الحرية:
ليست فقط أن تسير بلا قيد، بل أن تكتب وأنت في عمق القيود.
وأن تمنح ذاتك صوتًا في عالم يرفض أن يسمعك.

“فيليس…
اسمٌ لم تختره،
لكنه صار قصيدةً غيّرت وجه التاريخ،
ومرآةً لصوتٍ ظلّ حيًا في زمن الموت الجماعي.”



#أوزجان_يشار (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- درهمٌ في مؤخرة الحافلة: حين يصطدم جنون الثروة بجنون السلطة
- المتعة لحظة… والسعادة قرار: من فخ اللذة إلى جسر الحكمة
- تغيير التفكير… بوابة لتغيير المصير
- قوة التفكير الإيجابي: قراءة في كتاب جيسون وولبرز
- فلسطين أولاً: تفكيك أسطورة “إسرائيل” في النصوص الدينية والتا ...
- قراءة نقدية في رواية الإسكافي: حين يُخاط الجلدُ الروح
- الشخصية الجدلية: بين الجاذبية والتنافر
- القيادة بين التحذير والتجاهل: دروسٌ من الكارثة
- مصر وتاريخ الهويات: من يوسف وموسى إلى رمسيس وأحمس، ومن النوب ...
- من السيارة إلى الإنسان: شرائح ذكية تحرس الحياة وتعيد تعريف ا ...
- كيف تتغلب على المتلاعبين؟ قراءة تأملية في كتاب جاستن تايلور
- في حضرة مهاويرا: رحلة إلى الجينية، الديانة التي تمشي حافية ف ...
- ومضات من حياة هنري ميلر
- قبّعات التفكير الستّ: حين يصبح العقل غرفةً ذات نوافذ ملوّنة
- الديانة الإبراهيمية: بين الخديعة الرمزية ومخطط تجميل إسرائيل ...
- قراءة جادة في مسار الإنقاذ الإداري
- من نحن… ومن يمكن أن نكون؟
- قيادة السيارة إنعكاس للشخصية: بين السلوك المتحضر والمتهور
- حين يُزهر الوعي: بين النور الداخلي وعتمة الانفصال
- المدينة بين الاختناق والنجاة: حين يتحوّل الإسمنت إلى مرآة لل ...


المزيد.....




- دبابات في قلب واشنطن.. استعدادات ضخمة للعرض العسكري التذكاري ...
- السودان: كيف يواجه السودانيون مأساتي الحرب وانتشار الأوبئة ف ...
- دوري أمم أوروبا: نزال العمالقة بين كريستيانو رونالدو ولامين ...
- الديمقراطية الفرنسية أمام تحدي تدخل -لوبي- المال في الحياة ا ...
- توسع الخلافات والاتهامات بين ترامب وماسك
- موقع أكسيوس يزعم بأن ترامب عرضة لمكالمات الاحتيال
- زيلينسكي يشتكي من تسليم الشرق الأوسط صواريخ كانت مخصصة لكييف ...
- بوليتيكو تؤكد حصول المحادثة الهاتفية بين ممثلي ترامب وماسك ف ...
- وسائل إعلام كويتية: هبوط طائرة بسلام في الكويت بعد إبلاغ عن ...
- السلطة الفلسطينية تنفي علاقتها بالجماعة المسلحة التي تنهب ال ...


المزيد.....

- اليسار بين التراجع والصعود.. الأسباب والتحديات / رشيد غويلب
- قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند / زهير الخويلدي
- مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م ... / دلير زنكنة
- عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب ... / اسحق قومي
- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - أوزجان يشار - فيليس ويتلي: حين كتبت العبدة قصائد الحرية