أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - أوزجان يشار - هل حان الوقت لبناء ملاجئ بدلًا من أوهام السلام؟















المزيد.....

هل حان الوقت لبناء ملاجئ بدلًا من أوهام السلام؟


أوزجان يشار

الحوار المتمدن-العدد: 8373 - 2025 / 6 / 14 - 10:57
المحور: الصحافة والاعلام
    


“الملجأ ليس حفرة في الأرض، بل تمرّد صامت على جنون العالم،
ووصية أخيرة لمن لا يزال يؤمن بالحياة.”



على الحافة، لا نحتاج إلا دفعة واحدة

لا نحتاج إلى نبوءة جديدة لتأكيد ما نعرفه: أن العالم يقف اليوم على حافة الانهيار، لكن الفرق هو أن الحافة لم تعد جغرافية، بل نفسية، وجودية، وذرية.

من طهران إلى تل أبيب، ومن كييف إلى موسكو، ومن نيودلهي إلى إسلام أباد، ومن سيؤول إلى بيونغ يانغ… تتراكم شحنات الكراهية والردع النووي والانفعالات القومية، حتى صار كوكب الأرض يشبه كرة زجاجية مكسورة، نحملها ونحن نركض على الجليد.

الأسوأ من الحرب هو وهم السِلم، حين نرتب كؤوس العشاء بينما أحدهم في الخلفية يفكك صاعق قنبلة. فما بين الحروب الظاهرة والصراعات الصامتة، صار الخوف من نهاية العالم ليس سؤالًا فلسفيًا، بل خطة طوارئ مؤجلة.

فهل نبني ملجأ؟ وهل العزلة ضرب من النجاة أم تمرّد فلسفي على الجنون؟



الهروب إلى الداخل: عندما تصير العزلة فلسفة بقاء

في الزمن النووي، لم يعد سؤال “أين نذهب؟” مطروحًا، بل صار الأهم: “هل نستطيع أن ننجو في مكانٍ ما؟”.
• في كوريا الشمالية، يتباهى الزعيم بقدرته على محو قارة.
• في الهند وباكستان، ينام شعبان نوويان على حدود زجاجية ملتهبة، حيث النزاع يمكن أن يتحوّل في لحظة إلى محرقة.
• في أوكرانيا، حرب عصرية بأسلحة نووية مضمَرة، تتغذى على الدم والإنكار، تموّلها أوروبا وأمريكا وتنتظر روسيا متى تصرخ.
• أما الشرق الأوسط، فها هو الآن يشهد بداية ما قد يصبح أخطر من نكسة أو انتفاضة: مواجهة نووية بين إيران وإسرائيل، وبينهما شبح أمريكا المتحفز في الخلفية.

إنه عالم تتقلّص فيه الخيارات، وتتسع فيه الفجوة بين ما نريده وما يجب علينا فعله. في هذا العالم، لا تكون العزلة هروبًا، بل مشروع نجاة، بل تأملًا حتميًا في معنى “أن نحيا” وسط انقراض جماعي محتمل.



ثقافة الملجأ: من فزع الحرب الباردة إلى فخاخ الحاضر

شهدنا هذا من قبل، حين كانت أمريكا في الخمسينيات تدرب الأطفال على الانبطاح تحت الطاولات، وتوزع كتيبات تبني فيها الأمل على “قبو من الإسمنت”.

لكن اليوم، الملجأ لم يعد فكاهيًا أو ارتجاليًا:
• في نيوزيلندا، الأثرياء يفرّون إلى مزارع محصّنة تحت الأرض، يُحكم إغلاقها بعد الزر النووي.
• في سويسرا، كل مواطن له مكان مضمون في ملجأ مضاد للإشعاع، حيث الغرف مجهزة بتقنية التنقية والتنفس المعقم.
• في فنلندا، تتحول شبكة المترو إلى مستوطنة سفلية كاملة خلال دقائق.
• في إسرائيل، يتم التدريب على خطة “الهروب من المفاعل”، ويُبنى كل بيت حديث وفيه غرفة إسمنتية مغلقة مُعدة للطوارئ.

هكذا تنتقل فكرة الملجأ من رد فعل دفاعي إلى فلسفة معمارية للبقاء، ومن حل أمني إلى انعكاس وجودي يعترف بأن العيش على سطح الأرض صار خيارًا هشًا.



المياه المشعة: عندما يُصبح البحر عدوًّا والأرض جرداء

في منطقتنا العربية، تعتمد معظم الدول على تحلية مياه البحر كمصدر أساسي للحياة. لكن ماذا لو أصاب المفاعل النووي الإيراني قصف مباشر؟ وماذا لو تسربت الإشعاعات إلى مياه الخليج؟
حينها لن نموت بالقصف، بل بالعطش.
• 90% من مياه الشرب في الخليج تعتمد على التحلية.
• الإشعاع لا يُرى، ولا يُشم، لكنه يقتل على مهل، ويحرم الأجيال من النقاء والماء.

وهنا يظهر الوجه الآخر للعزلة: ليس مجرد جدران من الإسمنت، بل خزان ماء، وفلتر حياة، وقرار وجودي بأن الكرامة البشرية تبدأ من القدرة على النجاة الصامتة.



بين الملاجئ واللا-مكان: خرائط النجاة الممكنة
• في التشيك، ملجأ “أوبيدوم” يحتوي على حدائق مائية ومصاعد طبية وسينما.
• في كولورادو، قاعدة “شايان ماونتن” جاهزة لعزلة تمتد أكثر من عام.
• في اليابان، البيوت تدمج غرف الضغط السلبي لمقاومة الهجمات البيولوجية والإشعاعية.
• في دول العالم الثالث؟ الملاجئ الوحيدة المتاحة هي شرفات الدعاء وأقفاص العجز.

لكن لا يجب أن نبقى هكذا. فحتى غرفة صغيرة بداخل منزل، مدعّمة، مجهزة بحد أدنى من الماء والغذاء، يمكن أن تصنع فرقًا بين الحياة والمحو.

الملجأ هنا ليس رمزًا للخوف، بل إعلانًا فرديًا عن الإرادة في البقاء وسط نظام دولي يريدنا إحصائيات بعد الحرب.



ماضٍ لا يُدفن: من هيروشيما إلى العراق مرورًا بتشيرنوبل

قبل أن نحذر من الطوفان القادم، علينا أن نتذكر ما أغرق العالم من قبل:
• هيروشيما وناغازاكي (1945): يوم أُسقطت القنبلة، لم يمت الناس فقط من الانفجار، بل تبخّرت أجسادهم، وظلت ظلالهم محفورة على الجدران. مدينة كاملة سقطت في ثانية واحدة، لكن العالم استمر في التقدم وكأن ما حدث كان “ضرورة”.
• تشيرنوبل (1986): ليست حربًا، بل غفلة تكنولوجية، حولت منطقة كاملة إلى بركة موت صامت. الإشعاع لم يقتل فقط سكان القرى، بل أصاب جيلًا كاملًا بالسرطان والتشوهات والخوف من الريح.
• الحرب العراقية ضد العالم (1991–2003): لم تكن حربًا نووية صريحة، لكنها جاءت محمّلة بأسلحة مخصّبة باليورانيوم المنضب، خلّفت نسبًا مخيفة من التشوهات والسرطانات، خاصة بين الأطفال في البصرة والفلوجة.
كانت تلك القنابل تحمل توقيع “تحرير العراق”، لكنها حرّرت الجينات من سلامتها، وقيّدت الأجنة بالموت البطيء.

كل هذه المحطات تُثبت شيئًا جوهريًا:
النووي لا يحتاج إلى قنبلة ضخمة، بل إلى لحظة غطرسة أو خطأ بشري، أو مجرد نية مبيتة، ليحوّل المدن إلى تواريخ، والشعوب إلى ضحايا في أرشيف الغبار.

———

العزلة الفلسفية: هل ننجو جسدًا لنفنى روحًا؟

في قلب هذا الجدل تكمن المفارقة: إذا بنينا الملاجئ، هل نحمي أجسادنا ونترك أرواحنا تموت؟
وهل العزلة إنقاذ أم انتحار بطيء؟

الملجأ ليس إسمنتًا فقط، بل سؤال وجودي عميق:
• كيف نحافظ على إنسانيتنا ونحن في عزلة؟
• كيف نحمل ذاكرتنا، كتبنا، موسيقانا، أطفالنا، أحلامنا الصغيرة، إلى أعماق الأرض؟
• هل سنخرج لنرى شمسًا؟ أم نكون آخر من يشهد الليل؟

ليست الأسئلة للترف الفكري، بل للنجاة بمعناها الكامل: أن لا ننجو فقط من الموت، بل أن نحيا بعدها بمعنى.



خاتمة: الطوفان القادم وسخرية نوح الجديدة

قبل آلاف السنين، بنى رجل سفينة وسط اليابسة.
ضحك منه الناس، سخروا من فكرته، اتهموه بالجنون.
لكنه لم يكن نبيًّا فقط، بل كان أول من فهم أن النجاة لا تنتظر الإقناع الجماعي، بل تبدأ بخطوة فردية مجنونة، لكنها صادقة.

اليوم، من يُخطط لبناء ملجأ، يُقال عنه: مهووس، سوداوي، غير واقعي.
لكن قد يكون هو أيضًا نوح هذا العصر…
لا يبحث عن نبوءة، بل عن شق صغير في الأرض، يحتمي فيه من طوفان لا يأتي بالماء، بل بالإشعاع، بالنار، بالغبار الذري، وبصمت الدول العظمى.

فهل نبني سفينتنا؟ أم ننتظر حتى تغمرنا سخرية الطوفان من جديد؟



#أوزجان_يشار (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- “رحيل”.. حين تهمس الروح بالحياة وتختبر الحب كفناء
- الجسر لا السيف: في مدارات الجدل الإنساني الراقي
- فيليس ويتلي: حين كتبت العبدة قصائد الحرية
- درهمٌ في مؤخرة الحافلة: حين يصطدم جنون الثروة بجنون السلطة
- المتعة لحظة… والسعادة قرار: من فخ اللذة إلى جسر الحكمة
- تغيير التفكير… بوابة لتغيير المصير
- قوة التفكير الإيجابي: قراءة في كتاب جيسون وولبرز
- فلسطين أولاً: تفكيك أسطورة “إسرائيل” في النصوص الدينية والتا ...
- قراءة نقدية في رواية الإسكافي: حين يُخاط الجلدُ الروح
- الشخصية الجدلية: بين الجاذبية والتنافر
- القيادة بين التحذير والتجاهل: دروسٌ من الكارثة
- مصر وتاريخ الهويات: من يوسف وموسى إلى رمسيس وأحمس، ومن النوب ...
- من السيارة إلى الإنسان: شرائح ذكية تحرس الحياة وتعيد تعريف ا ...
- كيف تتغلب على المتلاعبين؟ قراءة تأملية في كتاب جاستن تايلور
- في حضرة مهاويرا: رحلة إلى الجينية، الديانة التي تمشي حافية ف ...
- ومضات من حياة هنري ميلر
- قبّعات التفكير الستّ: حين يصبح العقل غرفةً ذات نوافذ ملوّنة
- الديانة الإبراهيمية: بين الخديعة الرمزية ومخطط تجميل إسرائيل ...
- قراءة جادة في مسار الإنقاذ الإداري
- من نحن… ومن يمكن أن نكون؟


المزيد.....




- تحديث مباشر.. الجيش الإسرائيلي يعلن رصد صواريخ قادمة من إيرا ...
- إدارة ترامب تستهدف مصر وسوريا و34 دولة بحظر السفر للولايات ا ...
- إعلام عبري يكشف الأهداف الأربعة لعملية -الأسد الصاعد- الإسرا ...
- بن سلمان يؤكد لبزشكيان وقوف السعودية بثبات إلى جانب إيران
- ليبيا.. -قافلة كسر الحصار على غزة- تتراجع من مشارف سرت وتتجه ...
- +++ قصف إيراني جديد وإسرائيل ترد باستهداف العمق الإيراني +++ ...
- ضربة صاروخية إيرانية كبيرة جديدة على إسرائيل (فيديوهات)
- -كان 11- العبرية: إيران هزمت بالفعل بفضل خطوة إسرائيلية لم ت ...
- مراسلة RT: سلاح الجو الإسرائيلي يشن هجوما على اليمن وصف بالد ...
- خبير عسكري يفجر مفاجأة بشأن الضربات الإسرائيلية ضد إيران


المزيد.....

- مكونات الاتصال والتحول الرقمي / الدكتور سلطان عدوان
- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - أوزجان يشار - هل حان الوقت لبناء ملاجئ بدلًا من أوهام السلام؟