أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أوزجان يشار - صرير العجلات ومعنى أن نُقاد بدل أن نقود














المزيد.....

صرير العجلات ومعنى أن نُقاد بدل أن نقود


أوزجان يشار

الحوار المتمدن-العدد: 8397 - 2025 / 7 / 8 - 20:40
المحور: الادب والفن
    


قراءة في مقطع من “راعي القطيع” لفرناندو بيسوا

من خلال راعي القطيع
أدهشني ما كتب فرناندو بيسوا عندما قال :

ليت حياتي عربة تجرها الثيران
تأتي في مطلع الفجر تَصِرُّ بعجلاتها على الطريق
وتعود من حيث أتت قبل حلول الليل
سالكة الطريق ذاته
إذن لما كنت في حاجة إلى الأمل—كنت سأحتاج إلى عجلات فقط
وحين أشيخ لن تكون لدي تجاعيد ولا شعر أبيض
وعندما لا أعود صالحاً للخدمة
سيجردونني من عجلاتي
وسأُترك مقلوباً محطماً في قعر الوادي.

ومن هنا أبدأ:
“ليت حياتي عربة تجرها الثيران
تأتي في مطلع الفجر تَصِرُّ بعجلاتها على الطريق
وتعود من حيث أتت قبل حلول الليل…”

بهذه الكلمات، لا يرسم بيسوا حياة شاعر، بل حياة آلة خشبية مطواعة، يسهل فهمها، ويسهل توديعها. إنها ليست الحياة التي نحلم بها، بل الحياة التي نقبلها حين يخيب الحلم. هذه الأمنية الغريبة بأن نكون مجرد “عربة” تتكرر دورتها بين الفجر والليل، هي بحد ذاتها تمرد هادئ على الإنسان الحالم، ذلك الذي يربكه المعنى ويستنزفه الأمل.

في قلب هذه الرغبة المعلَنة بالتحوّل إلى شيء، يكمن أعمق وجوه المعاناة: أن نتمنى لو كنا غير ذواتنا. فالمعاناة، كما أفهمها، ليست الألم وحده، بل أيضًا الوعي بالعجز، الانكشاف أمام الزمن، الاهتراء البطيء للقدرة، وذاك الصمت الطويل حين لا يعود أحد ينتظرنا.

ضد الأمل، أم ضد العجز؟

يقول بيسوا:

“إذن لما كنت في حاجة إلى الأمل—كنت سأحتاج إلى عجلات فقط.”

إنه يلغي الأمل باعتباره عبئًا، لا فضيلة. الأمل، في هذا السياق، يُقدَّم كحيلة عقلية نمارسها حين لا نعرف الطريق، حين لا نملك عجلات تقودنا. لكن في عمق هذه الجملة برأيي نزاع داخلي، أو قل: نوع من المقاومة المقلوبة، كأن الشاعر يخشى الاعتراف بضعفه، فيختار التنكر لطبيعته البشرية، ويغلف الهزيمة بلغة البساطة.

لكن، أيّ أملٍ هذا الذي يُرفض؟
أهو الأمل الزائف الذي يَعد بالخلود؟ أم الأمل الصادق الذي يجعلنا نستيقظ كل صباح؟
أن نلغي الأمل لا يعني أننا شجعان. أحيانًا يعني أننا متعبون، أو خائفون من خيبة أمل جديدة. وأنا، مثل كثيرين، لست أريد عجلات. أريد نافذة، أرى منها العالم، ولو من سرير عجوز.

العربة: صورة الزمن الصامت

ما تختزنه العربة هو التكرار، ذلك الذي قد يبدو هادئًا لمن خاف الانكسارات.
الحياة كعربة تجرها الثيران صورة رتيبة، لا مفاجآت فيها، لا شغف، لا انتظار.
ولذلك يتمنى الشاعر هذه العربة، لأنه – ربما – خائف من أن يخسر السيطرة، أو أن يكون عليه أن يقرر. فالعربة لا تسأل، لا تختار. إنها تُقاد. وهنا، في رأيي، يتجلى أشد أنواع الخوف: الخوف من حرية الاختيار حين لا نضمن نتائجها.

منتهى التشييء: مقلوبًا في قعر الوادي

“وعندما لا أعود صالحاً للخدمة
سيجردونني من عجلاتي
وسأُترك مقلوباً محطماً في قعر الوادي.”

أية صورة هذه؟
ليست مأساوية فقط، بل متجردة من الكرامة. فحتى في نهاية الطريق، لا يُترك له أن يتوقف باختياره. بل يُجرد، يُقلب، يُترك. إنها نهاية العربة، لا نهاية الإنسان.

لكنني أرى في هذه الصورة شيئًا آخر، شيئًا أقرب إلى الواقع مما نحب أن نعترف به:
أغلبنا يُستنزف لا حين يشيخ، بل حين تتوقف الحاجة إليه. حين يشعر أنه لم يعد نافعًا، أو مؤثرًا، أو مطلوبًا في هذه الرحلة. وهذه اللحظة هي أكثر من مجرد لحظة تقاعد أو خفوت. إنها لحظة محو داخلي، أشد وقعًا من كل التجاعيد.

بين العجز والميلاد من جديد

لكن، هل تنتهي الحياة حين تُجرد العربة من عجلاتها؟
ربما في منطق بيسوا نعم. أما في منطقي الإنساني، فأقول:
حين تُنتزع العجلات، تُمنح لنا الأرجل، ونبدأ رحلة جديدة، أصعب، لكنها أصدق.
لا أحد فينا يريد أن يكون مجرد وسيلة. بل أن يكون كائنًا يفكر، يحلم، يتألم، ويجرب.
والمعاناة ليست عارًا. إنما العار أن نُخدَّر ضد الألم حتى لا نعود نعرف ما إذا كنا أحياء.

الختام: صرير العجلات… أم نبض القلب؟

حين تمر عربة في مطلع الفجر، وتَصِرّ بعجلاتها على طريق ريفي، فإنها تترك أثرًا في الصمت. لكن القلب، حين يخفق في الظلمة، يترك أثرًا في الحياة.

وأنا، إذ أقرأ بيسوا، لا أجادله بقدر ما أُصغي إلى ذاك الصوت العميق في نفسي:
لا أريد أن أُقاد، بل أن أتعثر وأحاول.
لا أريد عجلات… أريد أملًا…وأنتم أيضاً بحاجة إلى أمل.



#أوزجان_يشار (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من نباح الامان الى عواء الحرية
- من فولتير إلى بيل غيتس: رحلةُ الوعي بين التنوير والكلاشينكوف
- المتقاعدون: ثروة وخبرة تُستثمر لا تُهمَّش – نحو سياسات مستني ...
- رؤية خضراء لإحياء الصحراء: مقترح بيئي شامل لإعادة تأهيل الصح ...
- الصهيونية والعقيدة اليهودية: تفكيك خرافة دينية وخيانة أخلاقي ...
- معاهدة الماء: حين يصبح الصمت ديانة
- فلسفة وابي سابي: حين تصبح الشقوق ذهبًا — دع النور يتسرّب من ...
- العالم على مائدة واحدة: حين تتحوّل الشهية إلى مرآة للهوية
- أحبّهم… لكنهم يُطفئونني: الشخصيات السامّة بعيون الوعي
- الثقة الحذرة: فن بناء الجسور مع الآخر دون الوقوع في فخ المظا ...
- حين يُصاب الضمير العام بالشلل: الفساد الأخلاقي والإعلام بوصف ...
- الديمقراطية المعلّبة: أمريكا تُصدّر الحروب… وترامب يدخل المع ...
- الفوضى: هندسة الوجود بين العلم والسياسة والفن
- ومضات في حياة البروفيسور شريف الصفتي: ما بين الحقيقة والتهوي ...
- “الحمار الذهبي”: رحلة التحول بين الجسد والمعرفة
- السلاح النووي: قنبلة معلقة فوق رقبة البشرية
- هل حان الوقت لبناء ملاجئ بدلًا من أوهام السلام؟
- “رحيل”.. حين تهمس الروح بالحياة وتختبر الحب كفناء
- الجسر لا السيف: في مدارات الجدل الإنساني الراقي
- فيليس ويتلي: حين كتبت العبدة قصائد الحرية


المزيد.....




- منع إيما واتسون نجمة سلسلة أفلام -هاري بوتر- من القيادة لـ6 ...
- بعد اعتزالها الغناء وارتدائها الحجاب…مدحت العدل يثير جدلا بت ...
- ترشيح المخرج رون هوارد لجائزة -إيمي- لأول مرة في فئة التمثيل ...
- توم هولاند -متحمس للغاية- لفيلم -Spider-Man 4-.. إليكم السبب ...
- 100 فيلم لا تُنسى.. اختيارات نيويورك تايمز لسينما الألفية ال ...
- الحكم على ثلاثة بالسجن لمساعدتهم في جريمة قتل مغني الراب سي ...
- مقتل المشرفة الموسيقية السابقة في برنامج -American Idol- وزو ...
- أيقونات من رماد الحرب.. فنان أوكراني يحوّل صناديق الذخيرة إل ...
- إطلاق جائزة فلسطين العالمية للشعر في ختام مهرجان ميديين الدو ...
- رئيس الممثلية الألمانية لدى السلطة في مقابلة مع -القدس- قبل ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أوزجان يشار - صرير العجلات ومعنى أن نُقاد بدل أن نقود