أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أوزجان يشار - من فولتير إلى بيل غيتس: رحلةُ الوعي بين التنوير والكلاشينكوف















المزيد.....

من فولتير إلى بيل غيتس: رحلةُ الوعي بين التنوير والكلاشينكوف


أوزجان يشار

الحوار المتمدن-العدد: 8395 - 2025 / 7 / 6 - 21:02
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


“ليس الخطر في الجهل، بل في وهم المعرفة.” – جورج برنارد شو

في تاريخ البشرية أفكارٌ لم تكن مجرّد اجتهادات ذهنية، بل زلازل حركت المجتمعات، وأسهمت في صناعة العالم كما نعرفه… أو كما نخاف منه.
بعض الأفكار قادتنا إلى الخير الخلّاق، وبعضها فتحت أبواب الشر المطلق. لكن المدهش أن كليهما – الخير والشر – انبثقا غالبًا من العقل ذاته، من السؤال ذاته، ومن النية التي حسبناها بريئة.

في هذه الرحلة التي تمتد من فولتير وكانط وديكارت وابن رشد، إلى بيل غيتس وستيف جوبز وإيلون ماسك… لم تكن الأفكار مجرد كتب على رفوف الزمن، بل كانت أدوات حرب وسلام، تُشبه الإنترنت في زمننا، أو الكلاشينكوف في زمن الغابة.
“لكن المدهش أن كليهما – الخير والشر – انبثقا من العقل ذاته…”
العقل، حين يُنزعُ منه الضمير، يتحوّلُ إلى سكين؛ وحين يُسلَبُ منه الشك، يتحوّلُ إلى قيد

فكرة التنوير: رفع القصور عن العقل أم فتح أبواب الشك؟

فلسفة التنوير التي حمل لواءها إيمانويل كانط لم تكن دعوة إلى المعرفة، بل دعوة إلى التحرر من الوصاية.
“استخدم عقلك بنفسك” كانت دعوة ثورية، لا تقل خطورة عن الدعوة إلى الثورة السياسية.
لكن هذه الدعوة، حين هُجرت قيمها، تحوّلت إلى فوضى صوتية… إلى حرية بدون وعي، ومساواة لا تعترف بالفروق، وعقل لا يعرف حدوده.

وفي زمن التواصل الاجتماعي، صار كل من يرفض التفكير التقليدي يُلقَّب بـ”متنوّر”، وحتى لو لم يقرأ كتابًا واحدًا.

“أسوأ ما يحدثُ للعقلِ ليس أن يتوقف عن التفكير، بل أن يتوهم بأنَّه لا يزال يُفكّر.”

منذُ أن أشعلَ فولتير شُعلةَ التنوير في وجهِ الظلمِ، وحتى لحظةِ ضغطِ بيل غيتس على زرِّ الحوسبةِ الشاملة، سارت الإنسانيةُ على حبلٍ مشدودٍ بين العقلِ كمنارة والسلاحِ كعصا.
بين كتابٍ يُنيرُ وكلاشينكوفٍ يُنذر.
بين من يسألُ: “لماذا نؤمن؟” ومن يصرخُ: “لماذا نعيش؟”
وبين من يبيعُ الوهمَ التكنولوجيّ مغلفاً بـ”الابتكار”، وآخر يرفضُ العيشَ إلّا حرًّا، ولو في كوخٍ على حافةِ الجبل.

اليومَ، لم يعُد الصراعُ بين الخيرِ والشرّ، بل بين الوعيِ المُركّبِ والتفاهةِ المُرقّمة.
لم تعُد المشكلةُ أن نجهل، بل أن نُدمنَ الجهلَ المزيّنَ بالهاشتاغات، وأن نستهلكَ الفكرةَ كما نستهلكُ القهوة: سريعاً… بلا طعمٍ ولا أثر.



الأفكارُ: زلازلُ تصنعُ عوالمَ… أو تقتلها

لم تكُن الأفكارُ العظيمةُ مجرّد كلماتٍ على ورق، بل قُوىً زلزلت كيانَ الإنسان:
بنَتْ مدنَ الحضارة، وحفرتْ قبورَ الوحشية.
من “اقرأ” ابن رشد إلى “افكِرْ بنفسك” كانط، ومن تنوير فولتير إلى رقمنة غيتس…
كلُّ فكرةٍ تحملُ في طيّاتها سكيناً ذا حدَّين:
تُضيءُ طريقاً أو تشعلُ حرباً.
كالإنترنت الذي يربطُ العالمَ أو الكلاشينكوف الذي يُذرّيه رماداً.



التنويرُ الحقيقيُّ: ثورةٌ على الوصاية لا الفوضى

حين نادى كانط: “اِستخدِمْ عقلكَ بنفسك!”، لم يكن يروّجُ لفوضى فكرية، بل يعلنُ ثورةً على أغلالِ التقليد والتسليم الأعمى.
لكنّ هذه الصرخةَ النبيلةَ تحوَّلتْ في عصرنا إلى هشيمٍ:
“مُتنوّرون” جُددٌ يرفضونَ الفكرَ وهم لم يقرأوا كتاباً،
ويحطمونَ التماثيلَ وهم لم يفهموا التاريخ.
لقد نسوا أنَّ التنويرَ يبدأُ بسؤالٍ متواضعٍ، لا بفَتوًى متعجرفة.



الشكُّ والمنطق: حين يصبحُ العقلُ سجينَ نفسه

من ديكارت إلى طه حسين، سعى المفكرون إلى بناءِ قلاعٍ فكريةٍ تحمينا من الجهل.
لكنّنا حوّلناها نحن إلى سجونٍ عقلية:
• “أنا أشكُّ إذًا أنا موجود” صار “أنا أشكُّ فأنا أهدمُ”.
• “المنطقُ” تحوّلَ إلى آلةٍ لتبريرِ التعصّب.
• و”الحريةُ” غدتْ فوضى تطحنُ الحقيقةَ في سوقِ التغريدات.



مصائرُ الأفكارِ العظيمةِ: اختطافٌ وتشويهٌ

كم من مفهومٍ سامٍ سُحِقَ تحتَ أقدامِ السطحيين:
• العلمانيةُ (فصلُ الدين عن الدولة) صارتْ في يد البعضِ هجوماً على الإيمان.
• الليبراليةُ (تحريرُ الإنسان) تحوّلتْ إلى فوضى أخلاقيةٍ في خطابِ المتعجلين.
• التطورُ (ابن خلدون وداروين) سُخِّرَ لتبريرِ عنصريةٍ همجيةٍ أنتجتْ “هتلر”.
إنَّ الفكرةَ العظيمةَ كالنهرِ: إنْ حُجِبتْ عن منابعِها الفلسفية، تحوّلتْ إلى وحلٍ.



الوجودُ والسلطةُ: من زوربا إلى إيلون ماسك

في رواية “زوربا اليوناني”، كان الإنسانُ حُرًّا بالرقص، بالحب، بالشغف…
يُقيمُ مهرجاناً على شفيرِ الخراب.
في المقابل، يقدِّمُ إيلون ماسك صورةَ الإنسانِ الحديث:
يَعِدُ بالصعودِ إلى المريخ، بينما يشتري تويتر ليُعيدَ البشريةَ إلى فوضى التغريد.
زوربا كان يحتفي بالوجود كـ”لحظة”، وماسك يحاولُ أن يُعيد تشكيله كـ”خوارزمية”.
كلاهما يبحثُ عن المعنى… لكن أحدهما يرقص، والآخر يُبرمِج.



أممٌ اختارتْ مصيرَها: راوندا وإثيوبيا… ودروسٌ لمن يعي

الأفكارُ تُختطَفُ كما تُختطَفُ الأممُ.
لكنّ الأملَ يبقى:
• راوندا (مقبرةُ التوتسي والهوتو) نهضَتْ لأنّها رفضتْ أن تكونَ أسيرةَ ماضيها.
• إثيوبيا (تحت نارِ ديكتاتوريةِ مانغيستو) صعدتْ لأنّها آمنتْ بأنَّ التغييرَ خيارٌ لا قدرٌ.
هنا يكمنُ الدرسُ: الوعيُ ليس ترفاً… بل إرادةٌ تُبنى كلَّ صباح.



الوعيُ: رحلةٌ لا شهادةٌ

الوعيُ ليس شهادةً نعلّقها على الجدران، بل هو:
• موقفٌ نصنعُه حين نرفضُ السطحيةَ.
• شجاعةٌ نسألُ فيها: “ماذا خسرنا حين ربحنا التقنيةَ؟”.
• رحمةٌ نرى فيها الآخرَ شريكاً في المصير، لا خصماً نُسحقهُ بالكلاشينكوفِ الفكري.



خاتمة صادمة: هل نحن أداةُ خلاصٍ أم وقودُ الانهيار؟

ليس السؤالُ الآن: هل سنتقدّم؟
بل: إلى أين؟
هل نسيرُ نحو مستقبلٍ تنقرضُ فيه الروحُ وتنجو الخوارزميات؟
هل نحمي إنسانيتنا من التوحّشِ الرقميّ، أم نُعيدُ تسميةَ الوحشِ بـ”ذكاءٍ صناعيّ” ونُصفّقُ له؟
في النهاية، لن يُحاسَبَنا التاريخُ على عددِ متابعينا، بل على سؤالٍ واحدٍ فقط:

كم إنسانًا أنقذتَ بفكرتكَ؟ وكم فكرةً قتلتَ بجهلك؟

الإنترنتُ، كالكلاشينكوف، أداةٌ صمّاء.
النورُ أو الظلام… الخيارُ بين يدينا.



#أوزجان_يشار (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المتقاعدون: ثروة وخبرة تُستثمر لا تُهمَّش – نحو سياسات مستني ...
- رؤية خضراء لإحياء الصحراء: مقترح بيئي شامل لإعادة تأهيل الصح ...
- الصهيونية والعقيدة اليهودية: تفكيك خرافة دينية وخيانة أخلاقي ...
- معاهدة الماء: حين يصبح الصمت ديانة
- فلسفة وابي سابي: حين تصبح الشقوق ذهبًا — دع النور يتسرّب من ...
- العالم على مائدة واحدة: حين تتحوّل الشهية إلى مرآة للهوية
- أحبّهم… لكنهم يُطفئونني: الشخصيات السامّة بعيون الوعي
- الثقة الحذرة: فن بناء الجسور مع الآخر دون الوقوع في فخ المظا ...
- حين يُصاب الضمير العام بالشلل: الفساد الأخلاقي والإعلام بوصف ...
- الديمقراطية المعلّبة: أمريكا تُصدّر الحروب… وترامب يدخل المع ...
- الفوضى: هندسة الوجود بين العلم والسياسة والفن
- ومضات في حياة البروفيسور شريف الصفتي: ما بين الحقيقة والتهوي ...
- “الحمار الذهبي”: رحلة التحول بين الجسد والمعرفة
- السلاح النووي: قنبلة معلقة فوق رقبة البشرية
- هل حان الوقت لبناء ملاجئ بدلًا من أوهام السلام؟
- “رحيل”.. حين تهمس الروح بالحياة وتختبر الحب كفناء
- الجسر لا السيف: في مدارات الجدل الإنساني الراقي
- فيليس ويتلي: حين كتبت العبدة قصائد الحرية
- درهمٌ في مؤخرة الحافلة: حين يصطدم جنون الثروة بجنون السلطة
- المتعة لحظة… والسعادة قرار: من فخ اللذة إلى جسر الحكمة


المزيد.....




- فيديو مزعوم لـ-تدمير موقع أثري في سوريا-.. هذه حقيقته
- صورة مستشفى فرنسي تظهر في تدشين مشروع بالجزائر وتثير موجةَ س ...
- ثلاثة أسئلة محورية بعد تسريب بيانات أفغانية أشعل عملية إجلاء ...
- إسرائيل تقصف دمشق والمنصات تنتفض غضبا مطالبة بوحدة الصف
- نيجيريا تكرّم الرئيس السابق بخاري بدفن رسمي وحداد وطني
- لحظات مخزية.. أمنستي: قرار الاتحاد الأوروبي بشأن إسرائيل -خي ...
- بعد انسحاب الحريديم من الحكومة.. نتنياهو يخسر الأغلبية ولا ي ...
- هيئة الغذاء والدواء الأميركية تحذر.. ميزة قياس ضغط الدم في - ...
- احتجاز إيران ناقلة نفط مُهرب في خليج عُمان يثير تفاعلا على ا ...
- حملة إعلانات تدعو الإسرائيليين إلى عدم التجسس لحساب إيران


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أوزجان يشار - من فولتير إلى بيل غيتس: رحلةُ الوعي بين التنوير والكلاشينكوف