أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - نَظَرِيَّةٌ مَا بَعْدَ الْحَضَارَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ -الْجُزْءِ الثَّانِي-















المزيد.....

نَظَرِيَّةٌ مَا بَعْدَ الْحَضَارَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ -الْجُزْءِ الثَّانِي-


حمودة المعناوي

الحوار المتمدن-العدد: 8402 - 2025 / 7 / 13 - 17:58
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


_ مَا هِيَ حُدُودُ الْإِنْسَانِ؟

إنْ هَذَا التَّسَاؤُل يُمَثِّل جَوْهَر الْأَسْئِلَة الْفَلْسَفِيَّةِ الَّتِي تُثِيرُهَا نَظَرِيَّةٍ "مَا بَعْدَ الْحَضَارَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ" وَ الْعَلَاقَةُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَ الْفَلْسَفَةِ. سَنَحَاول تَقْدِيمُ تَفْصِيلٌ لِهَذِهِ الْحُدُودِ وَالسِّمَات مِنْ وِجْهَة نَظَر فَلْسَفِيَّة.
مَع التَّطَوُّرُ الْعِلْمِيُّ الَّذِي يُتِيحُ تَعْدِيل الطَّبِيعَة الْبَيُولُوجِيَّة لِلْإِنْسَانِ عَبْرَ التَّحْرِير الْجِينِيّ، الْهَنْدَسَة الْحَيَوِيَّة، وَالدَّمْج بِالْآلَات، يُصْبِح تَعْرِيفِ الْإِنْسَانِ مَحَلُّ تَسَاؤُل. فَلْسَفِيًّا، يطْرَحَ السُّؤَالَ؛ هَلْ الْكَائِنِ الَّذِي تَمَّ تَعْدِيلُه جِذْرِيًّا بِإسْتِخْدَام هَذِه التِّقْنِيَّات مَا زَالَ إنْسَانًا؟ لِلْإِجَابَة عَنْ هَذَا التَّسَاؤُل لَابُدَّ مِنْ التَّسَاؤُلُ عَنْ السِّمَات الْجَوْهَرِيَّة الَّتِي تُحَدِّدُ الْإِنْسَانِيَّة. تَارِيخِيًّا، حَاوَلَتْ الْفَلْسَفَة تَحْدِيد السِّمَات الْجَوْهَرِيَّة الَّتِي تُمَيِّزُ الْإِنْسَانَ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الْكَائِنَاتِ.
الْوَعْيِ (Consciousness)؛ غَالِبًا مَا يُعْتَبَرُ الْوَعْي الذَّاتِيَّ، أَيْ الْقُدْرَةِ عَلَى إدْرَاكِ الذَّات كَكَائِن مُنْفَصِل وَمُفَكِّر، سِمَة أَسَاسِيَّة لِلْإِنْسَانِيَّة. وَلَكِنْ، هَلْ يُمْكِنُ لِلْوَعي إنْ يُوجَدُ فِي آلَةِ أَوْ نِظَام رَقْمِيّ؟ وَهَلْ سَيَكُونُ لَهُ نَفْسٌ الْجَوْدَة وَالْعُمْق؟
العَوَاطِفِ وَالمَشَاعِرِ (Emotions and Feelings)؛ الْقُدْرَةِ عَلَى الشُّعُورِ بِالْحَبّ، الْكَرَاهِيَة، السَّعَادَة، الْحُزْن، التَّعَاطُف، وَ غَيْرِهَا مِنْ الْمَشَاعِرِ الْمُعَقَّدَة، تُعْتَبَر مَرْكَزِيَّة لِلتَّجْرِبَة الْإِنْسَانِيَّة. هَلْ يُمْكِنُ لِلْهَنْدَسَة أنْ تُنْتِج مَشَاعِر حَقِيقِيَّة أَمْ مُجَرَّدُ مُحَاكَاة لَهَا؟
الذَّاكِرَةِ وَالْهُوِيَّة؛ الْهَوِيَّة الشَّخْصِيَّةُ (Memory and Personal Identity)؛ الذَّاكِرَة تُشَكِلُ أَسَاس الْهُوِيَّة الشَّخْصِيَّة وَالِإسْتِمْرَارِيَّة عَبَّرَ الزَّمَنِ. إذَا تَمَّ تَحْمِيل الذَّاكِرَة وَ الْوَعْي إِلَى وَسِيطٍ رَقْمِيّ، فَهَلْ تَظَلّ هَذِهِ هِيَ نَفْسُ الْهُوِيَّة الْأَصْلِيَّة؟
الرُّوحِ (Soul)؛ فِي الْعَدِيدِ مِنَ التَّقَالِيدِ الْفَلْسَفِيَّة وَ الدِّينِيَّة، تُعَدُّ الرُّوح جَوْهَرِ الْإِنْسَانِ، وَهِيَ غَالِبًا مَا تُفْهَمُ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ مَادِّيَّة وَخَالِدَة. هَلْ يُمْكِنُ لِلْعِلْمِ أَنْ يُعَدِلَ أَوْ يَسْتَنْسِخ مَا هُوَ غَيْرُ مَادِّيّ؟ هَذَا التَّسَاؤُل يَقَعُ خَارِجَ نِطَاقِ البَحْثِ العِلْمِيِّ التَّجْرِيبِيِّ، وَلَكِنَّه يَظَلّ مُحَوَّريا فِي النَّقَّاش الْفَلْسَفِيّ.
العَقْلَانِيَّة وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّفْكِيرِ النَّقْدِيّ (Rationality and Critical Thinking)؛ قُدْرَةِ الْإِنْسَانِ عَلَى التَّفْكِيرِ الْمَنْطِقِيّ، حَلِّ الْمُشْكَلَاتِ، وَطَرْحَ الْأَسْئِلَةِ النَّقْدِيَّة تُعَدُّ سِمَة مُمَيِّزَة.
الْوَكَالَةُ وَالِإخْتِيَار الْحُرّ (Agency and Free Will)؛ الْقُدْرَةِ عَلَى إتِّخَاذِ قَرَارَات مُسْتَقِلَّةٌ وَ التَّحَكُّمُ فِي مَصِيرِ الْفَرْدَ. هَلْ سَتَظَلّ مَوْجُودَةً إذَا تَمَّ تَحْدِيد سَلُوكنا جُزْئِيًّا بِوَاسِطَة تَعْدِيلَات جِينِيَّة أَوْ دَمْج مَع أَنْظِمَة آلِيَّة؟
هَلْ يُمْكِنُ لِلْعِلْمِ أَنْ يُعِيدَ تَعْرِيفِ هَذِهِ السِّمَات؟
الْعِلْمِ يُقَدَّمُ لَنَا أَدَوَاتِ لِفَهْم وَتَعْدِيل الْجَوَانِب الْبَيُولُوجِيَّة وَ النَّفْسِيَّة لِلْإِنْسَان بِشَكْل لَمْ يَسْبِقْ لَهُ مَثِيلٌ. لَكِنْ قُدّْرَة الْعِلْمِ عَلَى إعَادَةِ تَعْرِيف السِّمَات الْجَوْهَرِيَّة لِلْإِنْسَانِيَّة هِيَ مَحَلُّ جَدَل فَلْسَفِيّ عَمِيق. إنَّ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّعْدِيلِ لَا تَعْنِي الْقُدْرَةِ عَلَى التَّعْرِيفِ. قَدْ يَتَمَكَّنُ الْعِلْمِ مِنْ تَعْدِيلِ الذَّاكِرَة أَوْ القُدُرَات الْعَقْلِيَّة، لَكِنَّ هَذَا لَا يَعْنِي أَنَّهُ يَعْرِفُ مَا هِيَ الذَّاكِرَة أَوْ الْوَعْيِ فِي جَوْهَرِهِمَا الْفَلْسَفِيّ. الْعِلْم يَصِفُ كَيْفَ تَعْمَلُ الْأَشْيَاء، بَيْنَمَا الْفَلْسَفَة تُجِيب عَلَى سُؤَالِ مَاذَا وَلِمَاذَا.
حَتَّى لَوْ أَتَاح الْعِلْم تَعْدِيلَات مُعَيَّنَةً، فَإِنَّ هُنَاكَ حُدُودًا أَخْلَاقِيَّة وَفَلْسَفِيَّةِ قَدْ لَا يَنْبَغِي تَجَاوَزَهَا. فَكَرِه الْكَرَامَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ تُصْبِح مِحَوَّرِيَّةِ هُنَا؛ هَلْ هُنَاكَ أَفْعَال عِلْمِيَّة تُقَوِّضُ هَذِهِ الْكَرَامَةِ بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ فَوَائِدِهَا الْمُحْتَمَلَة؟ إذَا تَغَيَّرَتْ طَبِيعَةَ البَشَرِ إِلَى كَائِنَات مَا بَعْدَ بَشَرِيَّة، فَسَتَّتَغَيَّر بِالضَّرُورَةِ مَفَاهِيمِنا عَنْ الْهُوِيَّة، الْأَخْلَاق، الْعَدَالَة، الْكَرَامَة، وَحَتَّى مَعْنَى الْحَيَاة. قَدْ تَنْشَأ أشْكَال جَدِيدَةٍ مِنْ التَّمْيِيزِ عَلَى أَسَاسِ القُدُرَات المُحَسَنَة، مِمَّا يُهَدَّد مَفْهُومِ الْمُسَاوَاةِ الْإِنْسَانِيَّة.
بَيْنَمَا يُقَدِّمُ الْعِلمَ الْأَدَوَات لِتَحْوِيل الْوُجُودِ الْبَشَرِيِّ، فَإِنَّ تَحْدِيدَ حُدُود الْإِنْسَان و السِّمَات الْجَوْهَرِيَّة لِلْإِنْسَانِيَّة يَظَلّ تُسَاؤُلَا فَلْسَفِيًّا فِي الْمَقَامِ الْأَوَّلِ، وَيُتَطَلَّب نَقَّاشًا مُسْتَمِرًّا يُجْمَعُ بَيْنَ الرُؤَى الْعِلْمِيَّة وَالفَلْسَفِيَّة وَالْأَخْلَاقِيَّة.

_ هَلْ التَّحْسِين يُقَوِّضُ الْهُوِيَّة؟

نَعَمْ، هَذَا تَسَاؤُل فَلْسَفِيّ جَوْهَرِيّ تُثِيرُه فِكْرَة التَّحْسِين الْبَشَرِي، وَهِيَ مُرْتَبِطَةٌ إرْتِبَاطًا وَثِيقًا بِمَفْهُومِ "مَا بَعْدَ الْحَضَارَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ". إِذَا تَمَكَّنَ الْعِلْمِ مِنْ تَحْسِينِ قُدُرَاتِنَا الْبَدَنِيَّةِ وَ الْعَقْلِيَّة بِشَكْل فَائِقٌ، فَإِنَّ السُّؤَالَ عَمَّا إذَا كَانَ هَذَا سَيُقَوِّضُ الْهُوِيَّة هُوَ سُؤَالٌ فَلْسَفِيّ مُعَقَّدْ.
الْهُوِيَّة الشَّخْصِيَّةَ لَا تُحَدِّد فَقَطْ بِالذَّاكِرَة، بَلْ أَيْضًا بِالْوَعْي، الْعَوَاطِف، وَالتَّجَارِب الْجَسَدِيَّة. إذَا تَغَيَّرَتْ هَذِه الْمُكَوِّنَات بِشَكْل جِذْرِيّ عَبَّر التَّحْسِينَات، فَقَدْ يَشْعُرُ الفَرْدَ أَنَّ ذَاتَهُ قَدْ تَغَيَّرَتْ بِشَكْل جَوْهَرِيّ. قَدْ لَا يُصْبِحُ ذَاتًا مُخْتَلِفَة بِالضَّرُورَةِ، وَ لَكِنْ ذَاتًا مُتَحَوِّلَة بِشَكْلٍ كَبِيرٍ لِدَرَجَة تَصْعُب الرَّبْطَ مَعَ الْهُوِيَّة السَّابِقَة.
جُزْءٍ مِنْ هَوِيَتِنَا الْإِنْسَانِيَّةِ يَكْمُنُ فِي تَجْرِبَتْنَا الْمُشْتَرَكَةِ كَبَشَرْ (الضَّعْف، المَحْدُودِيَّة، الشَّيْخُوخَة، الْأَلَم). إذَا تَمَّ تَجَاوُزُ هَذِهِ الْمَحْدُودِيَات بِشَكْلٍ فَائِق، فَقَدْ يُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى نَوْعٍ مِنْ الِإنْقِطَاعِ عَنْ هَذِهِ التَّجْرِبَةِ الْمُشْتَرَكَةُ، مِمَّا يَصْعُبُ عَلَى الْكَائِنَاتِ المُحَسَنَة فَهِمَ أَوْ التَّوَاصُل الْكَامِلُ مَعَ الْبَشَر غَيْر الْمُحَسَنِين.
هَلْ سَيُصْبِح الْأَفْرَادِ الَّذِينَ خَضَعُوا لِهَذِه التَّحْسِينَات كَائِنَات ذَات هَوِيِّة مُخْتَلِفَةٌ عَنْ الْبَشْرِ غَيْر الْمُحْسِنِينَ؟ مِنْ الْمُمْكِنِ أَنْ يُؤَدِّيَ التَّحْسِين الْفَائِق إلَى ظُهُورِ فِئَّاتٍ جَدِيدَةٍ مِنْ الْكَائِنَاتِ ذَات قُدُرَات مُخْتَلِفَة جِذْرِيًّا عَنْ الْبَشْرِ الطَّبِيعِيِّين. وَخَلَق فِئَّاتٍ وُجُودِيَّة جَدِيدَةٌ. هَذَا قَدْ يَخْلُق فَجْوَةً عَمِيقَةً فِي التَّجْرِبَةِ، الْفَهْم، وَحَتَّى الْوُجُودِ. يُمْكِنُ أَنْ يُؤَدِّيَ هَذَا إلَى إنْقِسَامِ دَاخِل النَّوْعِ الْبَشَرِيِّ، حَيْثُ قَدْ يُنْظَرُ إلَى الْكَائِنَات المُحَسَنَة عَلَى أَنَّهَا فَوْقَ بَشَرِيَّة أَوْ مَا بَعْدَ بَشَرِيَّة، مِمَّا يَخْلَقُ تَحَدِّيَات جَدِيدَة لِتَحْدِيد هَوِيَّتِهُمْ الْمُشْتَرَكَةِ مَعَ مَنْ لَمْ يَخْضَعُوا لِلتَّحْسِين.
وَهَلْ سَيُفْقَدُ مَفْهُوم الْكَرَامَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ الْمُتَأَصِّلَة لِكُلِّ فَرْدٍ، بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ قُدُرَاتِه؟
هَذِهِ هِيَ إحْدَى أَخْطَر التَّدَاعِيَات الْفَلْسَفِيَّة وَالْأَخْلَاقِيَّة. تَقْلِيدِيٍّا، تُفْهَمُ الْكَرَامَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ عَلَى أَنَّهَا مُتَأَصِّلَةٌ فِي كُلِّ فَرْدٍ لِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ إنْسَانًا، بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ قُدُرَاتِه، إنْجَازًاتِه، أَوْ خَصَائِصِهِ. إذَا أَصْبَحَ التَّحْسِين الْبَشَرِيّ شَائِعًا، فَقَدْ تَتَحَوَّل الْكَرَامَةِ مِنْ كَوْنِهَا مُتَأَصِّلَة إلَى مَشْرُوطَة بِالْقَدْرِات الْمُكْتَسَبَةِ عَبَّر التِّكْنُولُوجْيَا. يُمْكِنُ أَنْ يُؤَدِّيَ هَذَا إلَى التَّمْيِيزِ الْجِينِيّ أَوْ الْبَيُولُوجِيّ، حَيْثُ يُنْظَّرُ إلَى غَيْرِ الْمُحَسَنِين عَلَى أَنَّهُمْ أَقَلُّ قِيمَةً أَوْ كَرَامَةً، مِمَّا سَيُقَوِّضُ مَفْهُومُ الْمُسَاوَاة وَالْكَرَامَة الْمُتَسَاوِيَة لِلْجَمِيع. قَدْ يَتَحَوَّلُ الْإِنْسَانُ مِنْ غَايَةِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ إلَى وَسِيلَةٌ لِتَحْقِيقِ قُدُرَات مُعَيَّنَةٍ، مِمَّا يُقَلِّلُ مِنْ قِيمَتِهِ الْجَوْهَرِيَّة وَيُعَرِّضُه لِلتَّسْلِيع.
بِشَكْلٍ عَامٍّ، تُثِير التَّحْسِينَات الْبَشَرِيَّة أَسْئِلَة عَمِيقَة حَوْلَ مَا يَعْنِيهِ أَنْ تَكُونَ إنْسَانًا، وَكَيْفَ نَعْرِفُ الْقِيمَة وَ الْكَرَامَةِ فِي عَالَمِ تَتَغَيَّرُ فِيهِ حُدُودُ النَّوْعِ الْبَشَرِيِّ بِشَكْل جِذْرِيّ. هَذِهِ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ تَسَاؤُلَاتٍ نَظَرِيَّةٌ، بَلْ قَضَايَا أَخْلَاقِيَّة وَسِيَاسِيَّة حَاسِمَة سَتُحَدِّدُ مُسْتَقْبِلَ الْإِنْسَانِيَّة.

_ مَاذَا يَعْنِي تَحْقِيق الْخُلُود الْبَيُولُوجِيّ أَوْ الْوَعْي الرَّقْمِيّ لِمَفْهُوم الْحَيَاة وَالْمَوْتِ؟

إذَا تَمَكَّنَ الْعِلْمِ مِنْ تَحْقِيقِ الْخُلُود الْبَيُولُوجِيّ أَوْ الْوَعْي الرَّقْمِيّ (تَحْمِيل الدِّمَاغِ)، فَإِنَّ ذَلِكَ سَيُحْدِثُ تَحَوُّلًا جِذْرِيًّا فِي فَهْمِنَا لِلْحَيَاة وَالْمَوْت. سَيَخْتفي الْمَوْتِ بِشَكْلِه الْبَيُولُوجِيّ التَّقْلِيدِيّ كَحَدّ زَمَنِّي نِهَائِيّ لِلْوُجُود. لَنْ تَكُونَ الْحَيَاةُ سِلْسِلَة مَحْدُودَة تَبْدَأ وَتَنْتَهِي بِنُقْطَة مُحَدَّدَة. لَنْ تَكُونَ الْحَيَاةُ مُقَيَّدَة بِالدَّوَرَة الْبَيُولُوجِيَّةِ الطَّبِيعِيَّة لِلْوِلَادَة، النُّمُوّ، الشَّيْخُوخَة، وَ الْمَوْت. يُمْكِنُ أَنْ يُصْبِحَ الْوُجُود مُسْتَمِرًّا بِشَكْلٍ لَا نِهَائِيّ.
قَدْ تَظْهَرُ أشْكَال جَدِيدَةٍ مِنْ الْوُجُودِ، مِثْلُ الْكَائِنَات الرَّقْمِيَّة الوَاعِيَة الَّتِي تَعِيشُ فِي بَيْئَاتٍ إفْتِرَاضِيَة أَوْ فِي أَجْسَامٍ إصْطِنَاعِيَّة. هَذَا يُغَيِّر مَفْهُومِ الْجَسَدِ كَضَرُورَة لِلْوُجُود الْبَشَرِيّ.
الْعَدِيدَ مِنَ الْفَلْسَفَات وَالْأَدْيَان تُعْطِي الْمَوْت دُورًا مُحَوَّريا فِي تَحْدِيدِ مَعْنَى الْحَيَاةِ، كَالِإنْتِقَال إلَى عَالِمٍ آخَرَ، أَوْ كَمُحْفز لِلتِّطور الرُّوحِيّ، أَوْ كَقُوَّة تُجْبَرُ عَلَى تَقْدِيرِ الْحَيَاةِ. الْخُلُود سَيُعِيد تَشْكِيل هَذِهِ الْمَفَاهِيمِ.
هَلْ يَفْقِد الْخُلُود الْمَعْنَى وَالْقِيمَةُ فِي الْحَيَاةِ، وَ اَلَّتِي غَالِبًا مَا تُسْتَمَدُّ مِنْ مَحْدُودِيَّة الْوُجُودِ؟ هَذَا هُوَ أَحَدُ أَهَمِّ الْأَسْئِلَةِ الْفَلْسَفِيَّةِ الَّتِي يُثِيرُهَا الْخُلُود حَوْل الْمَعْنَى الْمُسْتَمَدِّ مِنْ المَحْدُودِيَّة، يُجَادِل كَثِيرُونَ بِأَنَّ مَحْدُودِيَّة الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ هِيَ الَّتِي تُعْطَى الْحَيَاة مَعْنَاهَا وَقِيمَتُهَا. فَوَعْيُّنَا بِأَنْ الْوَقْت مَحْدُود يَحْفَزنا عَلَى إسْتِغْلَالُه، الْإِنْجَاز، الْحَبّ، وَالتَّوَاصُل. الْخَوْفِ مِنْ الْمَوْتِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ دَافِعًا لِلْإِبْدَاع وَالْبَقَاء. إذَا زَالَ هَذَا الْحَدِّ، هَلْ سَيُصْبِح هُنَاك حَافِز لِلِإسْتِعْجَال أَوْ لِلْإنْجَاز؟
هَلْ سَيَفْقِد الشُّعُور بِالْإِلْحَاح الَّذِي يُضْفِي قِيمَةَ عَلَى اللَّحَظَاتِ؟ قَدْ يُؤَدِّي الْخُلُود إلَى الْمَلَلِ الْوُجُودِيّ وَاللَّامُبَالَاة. فَإِذَا كَانَ هُنَاكَ وَقْتَ غَيْرُ مَحْدُودٍ لِكُلِّ شَيْءٍ، فَقَدْ يُفْقِدُ الْأَفْرَادَ الدَّافِع لِلسَّعْيِ أَوْ التَّطَوُّر، أَوْ قَدْ يُصَابُون بِالْإِرْهَاق مِنْ تَكْرَارِ التَّجَارِبِ. فِي بَعْضِ الْفَلْسَفَات، يُعْتَبَر الْمَوْت مُحَفِّزًا لِلنَّمو الشَّخْصِيِّ وَالتَّحَوُّل. هُوَ نُقْطَةٌ تَحَوَّل تَجِبُرنا عَلَى مُوَاجَهَةِ أَنْفُسِنَا وَالتَّفْكِيرِ فِي أَوْلَوِيًّاتنا.
هَلْ سَيَسْتَمِرّ هَذَا النُّمُوُّ فِي غِيَابِ حَتْمِيَّة النِّهَايَةِ؟ إذَا أَصْبَحَ الْخُلُود مُمْكِنًا، سَتَتَغَيَّر الْقَيِّم الْمُجْتَمَعِيَّة بِشَكْلٍ كَبِيرٍ. كَيْف سَتُّؤَثِرُ عَلَى الزَّوَاجِ، الْأُبُوَّة، الْمِيرَاث، الْمِلْكِيَّة، وَحَتَّى الصِّرَاعَات الْبَشَرِيَّة؟ هَلْ سَتَظَلّ الْأَخْلَاق الْحَالِيَّة ذَات صِلَةٍ؟ قَدْ لَا نُقَدِرُ لَحْظَةً مَا بِنَفْسِ الْقَدْرِ إذَا عَلِمْنَا أَنَّهَا لَيْسَتْ فَرِيدَة وَ أَنَّ هُنَاكَ مَلَايِين اللَّحَظَات الْأُخْرَى فِي إنْتِظَارُنا.
يَرَى الْبَعْضُ أَنَّ الْخُلُودَ لَنْ يَفْقِد الْحَيَاة مَعْنَاهَا، بَلْ سَيَزِيدُهُا فُرَصَ لَا نِهَائِيَّة لِلتَّعَلُّم وَالتَّطَوُّر. الْخُلُود سَيَتَّيح فُرَصًا غَيْرَ مَحْدُودَةٍ لِلتَّعَلُّم، إسْتِكْشَاف الْمَعْرِفَة، وَالْإِبْدَاع فِي مَجَالَاتِ لَا حَصْرَ لَهَا. يُمْكِنُ أَنْ يُصْبِحَ الْخُلُود فُرْصَة لِتَحْقِيق الذَّات بِشَكْل كَامِل، وَتَطْوِير الإِمْكَانَات الْبَشَرِيَّةِ إِلَى أَقْصَى حَدٍّ كَمَا سَيُسَاعِد عَلَى التَّحَرُّرِ مِنْ الْخَوْفِ مِنْ الْمَوْتِ. قَدْ يُحَرَّر الْبَشَر لِلتَّرْكِيز عَلَى جَوَانِبِ أُخْرَى مِنْ الْوُجُودِ.
بِتَقْييم شَامِلٌ، تُشِير هَذِهِ التَّسَاؤُلَاتِ إلَى أَنْ الْخُلُود لَنْ يَكُونَ مُجَرَّدُ إضَافَة عُمْرِيَّة، بَلْ هُوَ تَحَوُّلٍ وُجُودِيّ وَفَلْسَفِي سَيَتَّطلب إعَادَةُ تَعْرِيف شَامِلَة لِمَعْنَى الْحَيَاةِ، الْقِيمَة، وَالْغَايَةِ مِنْ وُجُودُنَا كَبِشْر.



#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نَظَرِيَّةٍ مَا بَعْدَ الْحَضَارَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ
- الْجَبْرِيَّة الرَّأْسِمَالِيَّة -الْجُزْءُ الرَّابِعُ-
- الْجَبْرِيَّة الرَّأْسِمَالِيَّة -الْجُزْءِ الثَّالِثِ-
- الْجَبْرِيَّة الرَّأْسِمَالِيَّة -الْجُزْء الثَّانِي-
- الْجَبْرِيَّة الرَّأْسِمَالِيَّة -الْجُزْءِ الْأَوَّلِ-
- النَّيُولِيبْرَالِيَّة: الأَنْمَاط الْمَعُلْبَة -الْجُزْءُ ا ...
- النَّيُولِيبْرَالِيَّة: الأَنْمَاط الْمَعُلْبَة -الْجُزْءُ ا ...
- النَّيُولِيبْرَالِيَّة: الأَنْمَاط الْمَعُلْبَة -الْجُزْءُ ا ...
- النَّيُولِيبْرَالِيَّة؛ الأَنْمَاط الْمَعُلْبَة -الْجُزْءُ ا ...
- الرُّؤْيَة اللِّيبْرَالِيَّة -الْجُزْءِ الْخَامِسِ-
- الرُّؤْيَة اللِّيبْرَالِيَّة -الْجُزْءُ الرَّابِعُ-
- الرُّؤْيَة اللِّيبْرَالِيَّة -الْجُزْءِ الثَّالِثِ-
- الرُّؤْيَة اللِّيبْرَالِيَّة -الْجُزْءِ الثَّانِي-
- الرُّؤْيَةِ اللِّيبْرَالِيَّة -الْجُزْءِ الْأَوَّلِ-
- الْإِمْبِرَيَالِيَّة؛ نَزْعة نَحْو السَّيْطَرَة الشَّامِلَة
- نَقْدٍ مَا بَعْدَ الِإسْتِعْمَار والِإسْتِعْمَار الْجَدِيد
- نَقْد الكُولُونْيَّالِيَّة: -الْجُزْءُ الرَّابِعُ-
- نَقْد الكُولُونْيَّالِيَّة: -الْجُزْءُ الثَّالِثُ-
- نَقْد الكُولُونْيَّالِيَّة -الْجُزْءِ الثَّانِي-
- نَقْد الكُولُونْيَّالِيَّة - الْجُزْءِ الْأَوَّلِ-


المزيد.....




- احتفال ينتهي بذعر وهروب للنجاة.. إطلاق نار يحوّل لم شمل سنوي ...
- أكبر رئيس في العالم يسعى لولاية ثامنة
- شباب مبدعون.. مهارات وابتكارات ذكية بأيد شبان في عدد من دول ...
- احتفالات فرنسا بالعيد الوطني تبرز -جاهزية- الجيش لمواجهة الت ...
- فرنسا.. أي استراتيجية دفاعية لمواجهة التهديدات الأمنية المتف ...
- أعداد القتلى إلى ارتفاع في اشتباكات متواصلة.. ما الذي يحدث ف ...
- زيلينسكي يستقبل مبعوث ترامب على وقع هجمات متبادلة بين روسيا ...
- زيلينسكي يقترح النائبة الأولى لرئيس الوزراء لقيادة الحكومة ا ...
- أكسيوس: إدارة ترامب تلاحق موظفي الاستخبارات باختبارات كشف ال ...
- الأحزاب الحريدية تعتزم الاستقالة من حكومة نتنياهو


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - نَظَرِيَّةٌ مَا بَعْدَ الْحَضَارَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ -الْجُزْءِ الثَّانِي-