أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - دراسة فلسفية وجدانية لقصائد الشاعرة فوز فرنسيس ،















المزيد.....

دراسة فلسفية وجدانية لقصائد الشاعرة فوز فرنسيس ،


رانية مرجية

الحوار المتمدن-العدد: 8398 - 2025 / 7 / 9 - 09:02
المحور: الادب والفن
    


المقدمة:

في عالم الشعر، تتداخل الكلمات لتصبح تجارب إنسانية، تؤثر في أرواحنا وتجعلنا نغوص في أعماق التفكير والتأمل. ومن بين الأصوات المبدعة التي تترك أثرها العميق في المتلقي، تأتي الشاعرة فوز فرنسيس، التي تطلق عبر قصائدها الهايكو رؤى فلسفية عميقة تُشبع العقل والقلب معًا. من خلال صور شعرية بسيطة، تتمكن فوز من تقديم تساؤلات وجودية، وتجارب إنسانية تتخطى حدود الزمن والمكان. في هذه الدراسة، سنلقي الضوء على قصائدها المختلفة من خلال عدسة فلسفية وجدانية، محاولةً فهم ملامح الشعر الذي يربط بين الجمال، والموت، والزمان، والإنسان.

التشتت الفكري والتراجع:
“ليس تمامًا إنّما
أفكارٌ كثيرة جائلة في الرأسِ
حروفـي مُتَـقاعِسـة”

هنا، تتأمل الشاعرة في حالة التشتت الفكري الذي يعانيه الكاتب أو الشاعر في لحظة الكتابة. “أفكارٌ جائلة” تشير إلى حالة من عدم التركيز والانشغال الذهني بالعديد من الموضوعات في آن واحد. الشاعرة تُعبِّر عن حالة القلق الداخلي التي تجعل الحروف تتأخر عن الخروج، فكل فكرة تمر في عقلها تبدو غير مكتملة أو عاجزة عن الانبثاق بشكل جمالي. إنها حالة من الفوضى الذهنية التي تصيب العديد من المبدعين، فتبدو الكلمات وكأنها خائفة أو متقاعسة عن الظهور.

البراءة والتجدد:
“في داخلي إنسان..
كم تُفـرحُني براءَته
ذاك الطّفل”

في هذه السطور، تتحدث الشاعرة عن البراءة الداخلية التي تختبئ في أعماقنا، حيث تقرأ فوز فرنسيس هذا الجانب الإنساني البسيط وتُظهر لنا أنه لا يزال حيًا رغم تعقيدات الحياة. “ذاك الطّفل” يرمز إلى الطهارة والنقاء، وكأن الشاعرة تدعو القارئ للعودة إلى الجذور والتجدد، وإعادة اكتشاف البراءة التي قد نعتقد أننا فقدناها. نجد هنا عنصراً فلسفياً عميقاً: التوتر بين النمو والتغيير وبين الحاجة الدائمة للبراءة والطهارة.

قسوة الحياة ومفارقة العمى:
“يقرأُ النّـقاط…
بسمتُه عريضة
ذاكَ الضّرير”

هذه الصورة الشعرية تظهر قدرة الشاعرة على تعميق التناقضات البشرية. العمى هنا ليس فقط في البصر، بل في المعنى أيضًا، وكأن الشاعرة تسلط الضوء على أوجه الحياة المختلفة التي قد لا نراها بوضوح، رغم أننا نعيش فيها يوميًا. يُحيل “الضّرير” إلى شخص يعجز عن الرؤية المادية، لكنه يعوض ذلك بالقدرة على الشعور أو الفهم العميق. تضعنا الشاعرة أمام سؤال فلسفي: هل نحن فعلاً نرى كل شيء في هذا العالم، أم أننا فقط نغفل عن معانٍ أعمق؟

الجمال والموت:
“لماذا
مع كثرةِ الموتِ
يشيخُ الجمال؟”

تساؤل عميق يطرح مشكلة فلسفية تتعلق بالعلاقة بين الموت والجمال. فبينما يعاني الإنسان من التحلل والزوال الجسدي، نجد أن الجمال يتحول تدريجيًا إلى شيء أكثر هشاشة، كما لو أن جمال الأشياء مرتبط بحياتها وزوالها في ذات الوقت. ترى الشاعرة أن كثرة الموت تجعلنا نعيد النظر في معايير الجمال، ربما لأننا نشعر أن كل شيء يتلاشى بمرور الوقت. هل الجمال يبقى أم أنه يشيخ مع مرور الزمن؟ تساؤل مفتوح يحمل بين طياته الكثير من الدلالات الفلسفية.

الزمن والروح:
“لماذا
تعاند عقاربُ السّاعة…
نبضَ القلب”

في هذه الأبيات، يبدو أن الشاعرة تناقش الصراع الأبدي بين الزمن الداخلي والخارجي. عقارب الساعة التي تمثل الزمن المادي الذي يطارد الإنسان، تواجهه نبضات القلب التي تمثل الزمن الداخلي الأصيل. العقل البشري يعي أنه محكوم بعقارب الساعة، لكن قلبه يحمل توقيتًا آخر يتجاوز القيود الزمنية الملموسة. وهنا، تطرح الشاعرة سؤالًا عميقًا: هل الزمن هو ما نعيشه حقًا، أم أن روحنا تتبع زمنًا مختلفًا لا يمكن للساعة أن تقيسه؟

التفاؤل في ظل الهموم:
“هُمـــوم_
قلبُـها نـَـقيٌّ لا يَتَـأفّـف
أوراقي الخـفيـفـــة”

هذه الأبيات تقدم لنا صورة عن المقاومة الداخلية أمام تحديات الحياة. في وسط الهموم والضغوط، تظل الروح نقية وصافية، لا تشتكي. هناك فلسفة من التسليم والقبول: “قلبُـها نـَـقيٌّ لا يَتَـأفّـف”. كما لو أن الشاعرة تشير إلى أن الأعباء النفسية التي نواجهها لا تحد من صفاء الروح بل تعزز من قدرتنا على تحملها.

الانعزال والسكينة:
“وحدي على الطريق
نسيمُ ‘الجليل’ يصحبُني
تنْـشـرِحُ الرّئات..”

هنا، تتحدث الشاعرة عن لحظة من السلام الداخلي والتواصل الروحي مع الطبيعة. الطريق الطويل والوحدة تعطيان للشاعرة فرصة للتواصل مع ذاتها، بينما “نسيم الجليل” يرمز إلى الصفاء الروحي الذي يهب الحياة للنفس البشرية. هذه الصورة تمثل فلسفة الوجود الفردي في رحاب الطبيعة، حيث نجد السلام الداخلي عبر العزلة.

لحظة الغضب وفناءها السريع:
“هبّة ريح..
سرعان ما تنطفئ
لحظةُ الغضب”

الشاعرة تتناول في هذه الأبيات فكرة العواطف العابرة، مثل الغضب، الذي لا يلبث أن يزول كما لو كان مجرد “هبّة ريح”. هذه صورة شعرية عميقة تعكس فلسفة الحياة المتغيرة، حيث تُقارن مشاعر الإنسان بالطبيعة المتقلبة، وتحثنا على التريث والتعقل أمام الانفعالات التي قد تؤثر علينا في لحظات ضعف.

الغياب المستمر:
“في كلّ دقيقة
مئاتُ الكـلماتِ أقـرأ
أفتَـقــِدُ اسمَـك”

في هذا المقطع، تطرح الشاعرة قضية الغياب المستمر لشخص ما في حياة المتلقي، حيث يُفتقد الاسم في كل لحظة، كما لو كانت الكلمات نفسها لا تشبع الفراغ الناجم عن الغياب. العاطفة التي تحملها هذه الأبيات تنقل فلسفة الفقد والحاجة المستمرة لتذكر الأسماء والأشخاص الذين نحبهم.

التفريق بين الزؤان والشعير:
“حقلُ سنابل
لا يُرى عن بعد…
زؤانٌ وشعير”

ختامًا، تطرح الشاعرة فكرة التمييز بين الخير والشر، بين الحقيقة والتضليل. فالحقل الذي يبدو مثمرًا عن بعد، قد يخفي في طياته الزؤان، مما يعكس طبيعة الحياة التي لا تظهر كلها كما نراها. إن الحكمة تكمن في القدرة على التفريق بين الأمور، ورؤية ما وراء المظاهر.

الخاتمة:

قصائد الشاعرة فوز فرنسيس ليست مجرد كلمات تُكتب على ورق، بل هي نوافذ إلى عالم فلسفي وجداني عميق يتنقل بين مختلف التجارب الإنسانية. تنبض قصائدها بمشاعر متناقضة، تُعبر عن البحث المستمر عن المعنى، واليقين، والجمال. بأسلوبها البسيط والعميق، تقدم لنا فوز فرنسيس تجربة شعرية تستحق أن نغوص في أعماقها ونتأمل في أبعادها.



#رانية_مرجية (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مدرستي... منارةُ القلبِ والعقل
- نعمة الامتنان والشكر: دهشة الوعي وارتقاء الروح
- هناك من يقتل فخرا وهناك من يقتل جهلا
- الحياة بعد الموت : حين تشتاق الأرواح إلى بيتها الأول ،
- الدكتور نبيل طنوس: حين تصبح الكلمة وطنًا، ويصير الناقد أمين ...
- الظلام لا يُحاور النور… فلماذا أفتح نوافذي له؟
- حين يُدفن الصوت قبل الجسد – التنمّر والانتحار في مرآة الوجود
- التوحد: بين دهشة الاختلاف وجمالية التنوع الإنساني
- تقمّص الأرواح: ما بين سرّ الوجود وحكمة التكرار
- سحر خليفة تُضيء -مصابيح أورشليم-: رواية تكتب الوجع المقدسي ب ...
- بين التعميم والتضليل والتحريف... حين تُغتال الحقيقة بأيدٍ نا ...
- **الحرية الحقيقية: تأملات فلسفية في جوهر الوجود**
- غسان كنفاني... حين تصبح الكلمة بندقية واللاجئ نبيًّا
- الأدب الفلسطيني بين 1995 و2024: بين النزيف والنهوض
- أمام الله، بكل قوتي-
- الفوضى التي تصنعنا ، كيف تُهندس الصدمات ملامح أرواحنا ،
- “لأنني لا أملك رفاهية الصمت”
- في حضرة التقاعد: خمسة أصوات تتداخل في مرآة رجل واحد
- كن إنسانًا أولاً… ثم حدّثني عن الدين
- “أصابع اليد… وأوهام الصحاب”


المزيد.....




- لا تفوت أحداث مشوقة.. موعد الحلقة 195 من قيامة عثمان الموسم ...
- أزمة فيلم -أحمد وأحمد-.. الأكشن السهل والكوميديا المتكررة
- بي بي سي أمام أزمتي -والاس- و-وثائقي غزة-... هل تنجح في تجاو ...
- من هم دروز سوريا؟ وما الذي ينتظرهم؟
- حسان عزت كما عرفناه وكما ننتظره
- -الملكة العذراء-: أسرار الحب والسلطة في حياة إليزابيث الأولى ...
- مكتبة الإسكندرية تحتفي بمحمد بن عيسى بتنظيم ندوة شاركت فيها ...
- زائر متحف فرنسي يتناول -العمل الفني- المليوني موزة ماوريتسيو ...
- شاهد فنانة إيرانية توظّف الفن لخدمة البيئة والتعايش
- إسرائيل تحتفي بـ-إنجازات- الدفاع الجوي في وجه إيران.. وتقاري ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - دراسة فلسفية وجدانية لقصائد الشاعرة فوز فرنسيس ،