أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - رانية مرجية - نعمة الامتنان والشكر: دهشة الوعي وارتقاء الروح














المزيد.....

نعمة الامتنان والشكر: دهشة الوعي وارتقاء الروح


رانية مرجية

الحوار المتمدن-العدد: 8397 - 2025 / 7 / 8 - 01:37
المحور: المجتمع المدني
    


ما الامتنان؟ أهو مجرّد شعور عابر يشبه لحظة دفء في يوم بارد؟ أم هو، في جوهره، حالة وجودية تعبّر عن أرقى أشكال الوعي الإنساني؟ إننا لا نُبالغ حين نقول إن الامتنان هو فلسفة عيش، وهو موقف أخلاقي وروحي في آنٍ معًا، يستدعي مراجعة دائمة لكيفية حضورنا في هذا العالم.
في عصر باتت فيه القيم تتآكل تحت وطأة المادية المفرطة، يغدو الامتنان مقاومة صامتة. مقاومة ضد النسيان، ضد الجحود، ضد التشييء الذي يُحوّل الإنسان إلى كائن استهلاكي يطلب المزيد، دون أن يتوقّف لحظة ليسأل: هل ما لديّ الآن ليس كافيًا؟
الامتنان هو وعيٌ بما هو كائن، لا بما ينبغي أن يكون. إنه دعوة إلى النظر، لا إلى الأعلى دومًا بحثًا عن المزيد، بل إلى الجوانب، إلى الداخل، إلى العمق. الإنسان الممتن لا يعيش في ملاحقة دائمة للحظة التالية، بل يسكن اللحظة الحالية بكل ما فيها من غنى خفي لا يُدرك إلا لمن يرى بعين البصيرة.
ثمّة بعدٌ أنطولوجي للامتنان؛ فحين نشكر، نحن لا نمارس فعلًا اجتماعيًا فحسب، بل نُعيد تأكيد صلتنا بالوجود، نعلن انتسابنا إلى هذا الكون، لا كمستهلكين لما يقدّمه، بل كمشاركين في جدليته. نحن نؤكّد، عبر الشكر، أننا لا نأخذ كل شيء على أنه "مسلّم به". إن الشكر يوقف الزمن للحظة، لنقول فيها: "أنا أعي ما أملكه، وأدرك قيمته."
والشكر، بهذا المعنى، ليس ضعفًا ولا خضوعًا، بل هو أقصى درجات القوة. لأنه لا يصدر عن فراغ، بل عن امتلاء. لا عن حاجة، بل عن وعي. الشاكر لا ينحني، بل يسمو. والامتنان لا يُقلّل من الكرامة، بل يؤسّس لها.
إننا نشكر ليس لأن العالم كامل، بل لأننا ندرك هشاشته. نشكر لأننا نعي أن الأشياء قد لا تدوم، وأن ما نملكه اليوم ليس مضمونًا للغد. ومن هنا، يتحوّل الشكر إلى نوع من التأمل الميتافيزيقي، إلى يقظة دائمة لما هو زائل.
الفيلسوف الألماني هايدغر تحدث عن "الوجود نحو الموت"، عن كون الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يعي فنائه. لكن ألا يُمكننا القول إن الامتنان هو الوجه الآخر لهذا الوعي؟ أنه اعتراف بأن كل لحظة قابلة للزوال، وبالتالي فهي تستحق أن تُعاش بكل ما فيها من شكر واحتفاء؟
إن ما نفتقر إليه اليوم ليس المزيد من المعرفة، بل المزيد من الحكمة. والامتنان هو حكمة متجسّدة في السلوك اليومي. هو أن تنظر إلى وردة على الرصيف فتمتن، أن تسمع صوت من تحب وتدرك النعمة، أن تمشي في شارع قديم فتشعر بأنك لا تمرّ فقط، بل تُلامس شيئًا من الوجود.
الامتنان هو فلسفة لا تُدرَّس في الكتب، بل تُكتسب عبر التجربة، وعبر الإصغاء الدقيق للحياة. هو شكرٌ لا يقتصر على اللسان، بل يتجذّر في طريقة العيش، في نظرتنا للآخر، في تصالحنا مع أنفسنا.
وفي الختام، إنني لا أكتب هذه الكلمات لأُجمّل فكرة قد تبدو بسيطة، بل لأُعيد تقديمها كما أراها: كركيزة روحية، كأداة تفكيك لعالم مضطرب، وكجسر بين الذات والعالم، بين القلب والكون.
ففي زمن الضجيج، لنكن نحن الهمس. وفي زمن التذمّر، لنكن الامتنان. وفي زمن السُرعة، لنكن الوقوف المتأمّل الذي يقول للحياة: "شكرًا، لأنكِ، رغم كل شيء، ما زلتِ تُدهشيننا."



#رانية_مرجية (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هناك من يقتل فخرا وهناك من يقتل جهلا
- الحياة بعد الموت : حين تشتاق الأرواح إلى بيتها الأول ،
- الدكتور نبيل طنوس: حين تصبح الكلمة وطنًا، ويصير الناقد أمين ...
- الظلام لا يُحاور النور… فلماذا أفتح نوافذي له؟
- حين يُدفن الصوت قبل الجسد – التنمّر والانتحار في مرآة الوجود
- التوحد: بين دهشة الاختلاف وجمالية التنوع الإنساني
- تقمّص الأرواح: ما بين سرّ الوجود وحكمة التكرار
- سحر خليفة تُضيء -مصابيح أورشليم-: رواية تكتب الوجع المقدسي ب ...
- بين التعميم والتضليل والتحريف... حين تُغتال الحقيقة بأيدٍ نا ...
- **الحرية الحقيقية: تأملات فلسفية في جوهر الوجود**
- غسان كنفاني... حين تصبح الكلمة بندقية واللاجئ نبيًّا
- الأدب الفلسطيني بين 1995 و2024: بين النزيف والنهوض
- أمام الله، بكل قوتي-
- الفوضى التي تصنعنا ، كيف تُهندس الصدمات ملامح أرواحنا ،
- “لأنني لا أملك رفاهية الصمت”
- في حضرة التقاعد: خمسة أصوات تتداخل في مرآة رجل واحد
- كن إنسانًا أولاً… ثم حدّثني عن الدين
- “أصابع اليد… وأوهام الصحاب”
- الساخر الذي فضح المأساة: نبيل عودة قلمٌ من نار ومرآة من ضمير
- أيمن عودة… حين يُقصى الصوت الحر من كنيست الاحتلال


المزيد.....




- الأونروا: مساعدات غذائية تكفي غزة لـ3 أشهر بانتظار الدخول
- اعتقال أكثر من 100 شخص في بريطانيا خلال احتجاجات ضد حظر منظم ...
- تقديرات إسرائيلية بقرب التوصل لاتفاق بغزة وعائلات الأسرى تطا ...
- أحدث دراسة عن المهاجرين في تونس : مالذي تكشفه؟
- الآلاف يتظاهرون في إسرائيل للمطالبة بالإفراج عن الرهائن
- الناس يتساقطون بالشوارع والأمم المتحدة ترفض إعلان المجاعة في ...
- شاهد..مسيرة داعمة لفلسطين في لندن تنتهي باعتقال 55 متظاهرًا ...
- منظمات إنسانية : الكبار والصغار يُغمى عليهم في الشوارع بسبب ...
- لماذا تلاشت حفاوة الترحيب باللاجئين الأوكرانيين في بولندا؟
- تل أبيب.. عشرات آلاف الإسرائيليين يطالبون بصفقة تبادل الأسرى ...


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - رانية مرجية - نعمة الامتنان والشكر: دهشة الوعي وارتقاء الروح