أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ضيا اسكندر - حين تصبح البديهيات مادةً للجدل














المزيد.....

حين تصبح البديهيات مادةً للجدل


ضيا اسكندر
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 8392 - 2025 / 7 / 3 - 12:28
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لم يخطر ببالي يوماً، أن أجد نفسي غارقاً في نقاشاتٍ عقيمة، أو أن أُضطر لتسطير المقالات دفاعاً عن بديهياتٍ، ظننتها راسخة في وجدان الناس وفطرتهم، دون الحاجة إلى برهان أو تذكير.
لم أتخيل أن يأتي زمن في وطني، سوريا، نُعيد فيه فتح ملف ما يجب أن يكون من المسلّمات، ونُجهد أنفسنا في تكرار ما هو بدهي، كأننا نخطّه للمرّة الأولى.
صرت أكتب، وأنا مثقلٌ بخيبة تُشبه الحزن الوطني العام: ألهذا الحد انحدرت بنا السنين، حتى صارت الهوية لعنة، والانتماء المختلف تُهمة؟
أليس من الظلم الفادح أن يُختزل المرءُ في انتماءٍ قومي أو ديني أو مذهبي لم يكن له يد في اختياره، تماماً كما لم يختر لون بشرته، ولا ملامح وجهه، ولا هيئته الجسدية؟
إن جوهر الإنسان لا يُقاس بما وُلد عليه، بل بما يصنعه بيديه، وما يتركه من أثرٍ بفعله، وبما يبوح به سلوكه من أخلاقٍ وعدلٍ وإنسانية.
كم هو موجعٌ أن نضطر لتأكيد أن المواطن، أيّاً كان اسمه أو نسبه أو أصله، له ما لغيره من حقوق، وعليه ما على سواه من واجبات.
ولكن الألم لا يقف هنا؛ بل يتضاعف حين تنكشف الوجوه التي كنا نظنها منارات. فكم هو مفجعٌ أن نرى بعض من حسبناهم متنورين، ومثقفين، عابرين للطوائف والقوميات، يخلعون عباءة التنوير؛ ليظهروا بأقنعة الانتماء الضيق والفجور الهويّاتي.
هذا هو الجرح الأعنف؛ أن يتواطأ "المثقفون" مع التشظّي، وأن يتحوّل من قرأ عن التنوير إلى أداة ظلام، أن يصمت حين يجب أن يصرخ، أو أن يصرخ في الاتجاه الخاطئ.
وها نحن، نرى سلطات دينية تتقدّم الصفوف، تُنصّب نفسها وصيةً على تفاصيل حياة الناس؛ تجرّم اللقاء بين الجنسين ما لم يرتكز على "رابطة شرعية"، وتُغلق المحال وتراقب الأجساد والمظاهر باسم "الحق الإلهي".
متى تحوّلت الفضيلة إلى أداة قمع؟ وهل يُربّى الحياء بالقسر والخوف، أم بالحب والفهم والثقة؟ ما نراه ليس غيرةً على الأخلاق، بل رغبة في السيطرة، تلبس قناع الإيمان كي تُخفي نزعة الاستبداد.
إن هذه الظواهر لم تنشأ من فراغ؛ فلا يمكن فهم ما نعيشه اليوم دون الرجوع إلى إرث نظام البعث الذي حكم سوريا لعقود. نظامٌ لم يكن طائفياً بالمعنى التقليدي كما يُخيّل للبعض، بل كان طبقياً بامتياز؛ لم تُبنَ فيه شبكات الانتماء على أسس مذهبية أو قومية، بل على قاعدة الطاعة والصمت.
قَمَعَ كل من تجرّأ على الاختلاف، أيّاً كان اسمه أو انتماؤه، ووزّع المكاسب على كل من والاه وبارك جرائمه، بصرف النظر عن خلفياتهم الدينية أو المناطقية.
لقد أُفرغت الدولة من مضمونها المدني، كما أُفرغت مؤسساتها لصالح أجهزة قمعية، وجرى خنق النقاش العام وتهميش النخب الفكرية.
ومع تآكل الحياة السياسية وانتشار الفساد والفقر وغياب المساءلة، نشأت بيئة خانقة تقوّت فيها التيارات المتشددة، لا بوصفها امتداداً لمجتمع متدين، بل كأعراضٍ جانبية لانهيار السياسة واحتكار الحقيقة. هكذا، حين أُطفئت الأضواء في الفضاء المدني، أُضيئت بقوة في أروقة الاستبداد، وتقدّمت الأصوات التي لا تعرف من "القيم" سوى ما يخدم سلطتها.
كم تغيّرت هذه الأرض التي أحببناها حتى النخاع! وكم تنكّرت لنا الأيام حتى أصبحنا نُراجع ما كنّا نظنه خطّاً أحمر لا يُناقش، ونُكابر دفاعاً عن بقايا حلمٍ كان اسمه وطن!
وعلى الرغم من كل هذا الخراب، لا تزال في التربة المتشققة بذورٌ تأبى الموت. ثمّة من لم يفقد الإيمان بأن النهوض ممكن، وأن صوت الضمير سيعلو من جديد، وأن الحقيقة لن تبقى رهينة الخوف والمحاباة.
سيأتي يومٌ نعيد فيه للوطن اسمه، لا على مقاس السلطة، بل على مقاس الإنسان. يومٌ تتّسع فيه الأرض للجميع بعدالة لا تُساوَم، وكرامة لا تُمنح بإذن، وحرّية لا تستأذن أحداً.



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصلاة في زمن الخوف
- هل مجزرة -كنيسة مار إلياس- آخر -التجاوزات الفردية-؟
- الردع الرمزي وتوازن الهيبة
- الثغرات القاتلة.. قراءة في فشل استخبارات إيران خلال الحرب
- ترامب.. بائع السلام الذي يشعل الحروب
- الأسد الصاعد والوعد الصادق: صراع البقاء بين تل أبيب وطهران
- هل تركيا الهدف التالي بعد إيران؟ قراءة في تحذيرات زعيم القوم ...
- يا للعجب! ويا للمهزلة!
- الضربة التي لم تفاجئ أحداً.. حين يُضرب الكبرياء الإيراني فجر ...
- وسام العزاء الذهبي
- حين تتحوّل النقابات إلى فروع أمنية
- تسعة أكفان بيضاء... وقلبٌ لا ينكسر
- لو عرفنا الغد... لما عشناه
- دور الحروب والأزمات المعيشية في تفكك الروابط الأُسرية
- تركيا والكردستاني.. هل اقترب حلّ القضية الكردية؟
- مرسوم للعدالة الانتقائية: الكل تحت المحاسبة ما عدا -ربعنا-!
- النصر الروسي في سوريا... هزيمة بصيغة أخرى؟
- صديق نفسه
- السوريون بين مطرقة العقوبات وسندان الفساد: هل من مخرج؟
- التطبيع الزاحف: كيف يُهيَّأ الشعب السوري لقبول المستحيل؟


المزيد.....




- الرئاسة الروحية للدروز في سوريا تطالب بفرض حماية دولية مباشر ...
- الفاتيكان يشكّك في تصريحات الاحتلال بشأن الهجوم على كنيسة في ...
- مليونية حاشدة للجماعة الإسلامية ببنغلاديش وقادتها يوجهون مطا ...
- وزير الإعلام السوري: بيان الطائفة الدرزية تضمن دعوة لتهجير ا ...
- إسرائيل تتهم الشرع بـ-تأييد الجهاديين- و-تحميل الضحايا مسؤول ...
- “ثبتها الأن” تردد قناة طيور الجنة الجديد على النايل سات والع ...
- بيان من الرئاسة الروحية للدروز بعد وقف إطلاق النار بالسويداء ...
- “أغاني وبرامج تعليمية لأطفالك”.. تردد قناة طيور الجنة الجديد ...
- الشرع يثمّن موقف العشائر ويدعو لنبذ الطائفية
- “ثبتها على جهازك خلال ثواني” تردد قناة طيور الجنة 2025 الجدي ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ضيا اسكندر - حين تصبح البديهيات مادةً للجدل