|
ليالي ابن آوى؛ البطريركية والسلطة
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 8391 - 2025 / 7 / 2 - 10:01
المحور:
الادب والفن
1 البطريركية، هوَ مصطلح يعني النظام الأبوي. ويمكن أن يعني أيضاً، التسلط الذكوري. هذا النظام، عُرف منذ فجر التاريخ، حينما صار كبير القبيلة بمثابة الزعيم أو الأب لرعيته. سينمائياً، كانَ أبرز مَن جسّدَ مفهوم التسلط الأبوي، هوَ الفنان يحيى شاهين، بدَور سيّد عبد الجواد، وذلك من خلال ثلاثية الأديب نجيب محفوظ، التي أنتجت في ثلاثة أفلام من إخراج حسن الإمام، في فترة من أواسط الستينات إلى بداية السبعينات. وقد قيل في النقد الأدبي، المتناول ثلاثية نجيب محفوظ، أن شخصية الابن، كمال، كانت هيَ نفسها تتمثّل شخصية المؤلّف. فيلم " ليالي ابن آوى "، المنتج عام 1989، يبدو تأثره جلياً بثلاثية نجيب محفوظ، لدرجة أن الأب يحمل أيضاً لقبَ أبي كمال. كما أن أولاد هذا الأخير، عددهم ثلاثة ذكور، منهم صبي صغير، اضافة لابنتين.. وهوَ يُطابق الحالة العائلية لسيّد عبد الجواد. " ليالي ابن آوى "، مدته 102 دقيقة، وبالألوان الطبيعية. كانَ هذا الفيلم أول تجربة إخراج، وتأليف، لعبد اللطيف عبد الحميد. لقد سبقَ أن ذكرنا من خلال دراستنا لفيلم " نجوم النهار "، أنه كانَ مساعد المخرج، وفي آنٍ معاً، البطل الرئيس. كذلك رأينا كيفَ تناول الفيلم البيئة العلوية في ريف الساحل، مستخدماً لأول مرة لهجتها في الحوار. وبحسَب دراستنا، دائماً، عرضنا لخطة المخرج، أسامة محمد، المتمحورة في إسقاط دلالة التسلط العائلي لكبير آل غازي على حكم الديكتاتور حافظ الأسد. في " ليالي ابن آوى "، عاد مخرجه لذات البيئة، مستعملاً لهجتها في الحوار. ولكن الفيلم، تجنّبَ عموماً أي إسقاطٍ يمسّ ذلك النظام البائد. ولو أن خلفية الأب، العسكرية، ربما توحي بعقلية رجالات النظام. أحداث الفيلم، من المفترض أنها تجري في عشية حرب حزيران/ يونيو 1967، فيما وقائعه أختير لها قرية مشقيتا، في ريف اللاذقية. ومن ذات البيئة العلوية، ينحدرُ عبد اللطيف عبد الحميد ( 1954 ـ 2024 )، الذي درس الإخراج السينمائي في موسكو. عقبَ تخرجه، عمل مساعداً للمخرج محمد ملص في فيلم " أحلام المدينة "، عام 1983، كذلك ذكرنا أنه كان بنفس الصفة في فيلم " نجوم النهار ". أعماله السينمائية قليلة، لكنه حاز على عدة جوائز من مهرجانات محلية وعربية ودولية. بمناسبة رحيل عبد اللطيف عبد الحميد، عقبَ صراع مع المرض، كتب الصحافي محمد منصور: " كانَ جزءاً من مشروع النظام، السياسي والطائفي والسلطوي. كانَ التعبير الثقافي والسينمائي عن هذا المشروع. لم يقف مرة واحدة أي موقف نقدي لا من النظام ولا من السلطة ولا حتى من أي إدارة مرت على المؤسسة العامة للسينما، التي حاباها جميعاً، فحصد من المؤسسة أكبر فرصة لإنتاج الأفلام تمنح لمخرج في تاريخها. نعم، له أفلام جميلة ومهمة، ولكن له أفلاماً عادية جداً أيضاً وأفلاماً مرتبكة وأفلاماً لم تحقق أي نجاح جماهيري ولا نقدي ".
2 لا شارة فيلم " ليالي ابن آوى " ولا مشاهده، تحتوي على موسيقى تصويرية. وبدلاً عن مرافقة أغاني البيئة المحلية للحياة الريفية، فإننا نسمع طوال الفيلم أغانٍ مصرية ولبنانية، مبثوثة من جهاز راديو كانَ يمتلكه أبو كمال. هذا الأخير ( الفنان أسعد فضة )، يظهر في المشهد الأول وقد أفاقَ من غفوة النوم على أصوات وَعْوَعة قطيع ابن آوى، يلوحُ أنه آتٍ من أطراف القرية. أم كمال ( الفنانة نجاح العبد الله )، يُجبرها زوجها على النهوض لكي تطلق صفيراً تجيده، لإسكات القطيع. منذ المشهد الأول، يتبدى هذا الأب شرساً ومحباً للتسلط. ابنه الكبير، تحجج بالدراسة في مدينة اللاذقية، للخلاص من سطوة والده. الابن الأوسط، طلال ( الفنان بسام كوسا )، كانَ على شيءٍ من البلاهة. فيما الابن الصغير، الذي يدرس في المرحلة الإبتدائية، يحظى بشيءٍ من الدلال من لدُن الوالد. صغرى الابنتين ( الفنانة تولاي هارون )، تخشى أن يكون مصيرها كشقيقتها الكبيرة، التي زوّجها الأب لشاب لا تحبه. شأن مواطني القرية، فأبو كمال كانَ مزارعاً. لكن من السياق، نعلمُ أنه تقاعد من الجيش برتبة مساعد أول. هذه الفئة من المراتب العسكرية، كانت تعدّ الأكثر فساداً وجشعاً في جيش النظام البائد. بيد أنّ أبا كمال، لا يبدو أنه استفاد، كأقرانه، من خدمته العسكرية. فإنه بصفته ماهراً في إصلاح الأجهزة الالكترونية، كانَ يقدم خدماته لابناء قريته دونما مقابل. ونراه يشقى للتمكن من شراء مضخة ماء، لكي يروي أرضه. لقد سمع ذات يوم أن سعرَ الطماطم قد بلغ ليرتين، فقرر زراعة هذا النوع من الخضار. ولكن في نهاية الموسم، إذا بالطماطم يهوي سعرها إلى عشرة قروش، فيثور الرجل ويأخذ بالدوس على الثمار: بالطبع، هذه مبالغة في الفيلم، بالنسبة للسعر الأول؛ خاصة حينما نعلم، أن سعر الموز آنذاك أقل بنحو الثلث. ومن المبالغات الأخرى في الفيلم، أن الابن الكبير يضع على أبيه مبلغاً فاحشاً، كدَيْن لأحد أصحاب المحلات في المدينة، وذلك في سبيل شراء كمية كبيرة من اللباس الداخلي ( كلسون ). كذلك الأمر بالنسبة للصفير الآدمي، الزاعم أن بمقدوره إسكات وعوعة ابن آوى؟ حبكة الفيلم، تتمحور حول انهيار عائلة أبي كمال، جنباً لجنب مع إنهيار الجبهة العسكرية بمواجهة إسرائيل في عشية الخامس من حزيران/ يونيو. الابن الأكبر، وعقبَ مشادة مع أبيه، يعلن أنه لن يعود أبداً إلى البيت. طلال، وكان يعشق جارة لعوب ( قامت بالدَور الفنانة عزة البحرة )، ما لبث أن طلب للخدمة العسكرية. في الأثناء، كانت الإذاعة تعلن عن نوايا إسرائيل مهاجمة سورية، وأن مصر ستدخل الحرب لو حصل ذلك. أبو كمال، فيما كانَ ثملاً بالأغاني الوطنية، يؤكد لمن حوله أن ساعة تحرير فلسطين قد أزفت. وهوَ ذا، بدَوره، يُجنّد في خدمة الاحتياط. لكنهم يجعلونه خفيراً على أحد الجسور على الطريق الرئيس، المار بالقرب من القرية: وهذا أمر غير منطقيّ في الفيلم، بالأخص لما نعلم أن اختصاص الرجل هو الحرب الإلكترونية؟ في خلال ذلك، تظهر علامات الحبل على الابنة الصغرى نتيجة علاقة سرية مع أحد شبان القرية. خوفاً من والدها، تهرب مع الشاب إلى مدينة اللاذقية ليتزوجا. الأب، يشعر بجرح في كرامته. وإذا بخبر داهم، ينبئه بمقتل ابنه على الجبهة. يصحو من وهم النصر، الذي كانت الإذاعات العربية تملأ الأثيرَ به في الأيام الأولى من المعركة. امرأته، المعانية من مرض القلب، ترحل على الأثر. يبقى أبو كمال وحيداً، حينما انتقل الابنُ الأصغر إلى المدينة كي يواصل تعليمه في المرحلة الإعدادية. في المشهد الأخير من الفيلم، يفيق الرجلُ على وعوعة قطيع ابن آوى. يحاول طردها بتقليد الصفير، لكنه يفشل المرة تلو الأخرى: كأنما المخرجُ رمزَ للعجز عن مواجهة العدو الخارجي بهذه الحيوانات، التي تختفي مؤقتاً ثم تظهر مجدداً. مثلما سبقَ القول، كانَ ذلك الانهيار على الجبهة العسكرية، قد تلازمَ مع انهيار أسرة أبي كمال وضياع أحلامها وآمالها.
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نجوم النهار؛ رسم ساخر للمجتمع العلوي
-
المصيدة؛ ثنائية الجنس والفساد
-
الإتجاه المعاكس: فيلم فاشل
-
كفر قاسم: القضية الفلسطينية سينمائياً
-
وجه آخر للحب: الرغبة والجريمة
-
اليازرلي والواقعية الجديدة
-
بقايا صُوَر: الأدب والسينما
-
السيد التقدمي والسيناريو السيء
-
رشو آغا؛ العنصرية في السينما
-
سائق الشاحنة: تدشين السينما الواقعية السورية
-
المخدوعون؛ تأريخ الخيانة
-
الفهد؛ قصة أصيلة أم منتحلة
-
سينما المقاولات، سورياً
-
المغامرة؛ الحكاية التاريخية سينمائياً
-
دور الكرد في تأسيس السينما السورية
-
من معالم السينما السورية: الكومبارس
-
إغراء؛ ماذا بقيَ من إرثها الفني
-
تشريح الذات: كانَ خريفَ الخبل
-
تشريح الذات: كانَ صيفَ الخفّة
-
تشريح الذات: كانَ ربيعَ العشق
المزيد.....
-
إيشيتا تشاكرابورتي: من قيود الطفولة في الهند إلى الريادة الف
...
-
فرقة موسيقية بريطانية تؤسس شبكة تضامن للفنانين الداعمين لغزة
...
-
رحيل المفكر السوداني جعفر شيخ إدريس الذي بنى جسرًا بين الأصا
...
-
-ميتا- تعتذر عن ترجمة آلية خاطئة أعلنت وفاة مسؤول هندي
-
في قرار مفاجئ.. وزارة الزراعة الأمريكية تفصل 70 باحثًا أجنبي
...
-
-بعد 28 عاما-.. عودة سينمائية مختلفة إلى عالم الزومبي
-
لنظام الخمس سنوات والثلاث سنوات .. أعرف الآن تنسيق الدبلومات
...
-
قصص -جبل الجليد- تناقش الهوية والاغتراب في مواجهة الخسارات
-
اكتشاف أقدم مستوطنة بشرية على بحيرة أوروبية في ألبانيا
-
الصيف في السينما.. عندما يصبح الحر بطلا خفيا في الأحداث
المزيد.....
-
يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط
...
/ السيد حافظ
-
. السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك
...
/ السيد حافظ
-
ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة-
/ ريتا عودة
-
رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع
/ رشيد عبد الرحمن النجاب
-
الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية
...
/ عبير خالد يحيي
-
قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي.
/ رياض الشرايطي
-
خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية (
...
/ عبير خالد يحيي
-
البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق
...
/ عبير خالد يحيي
-
منتصر السعيد المنسي
/ بشير الحامدي
-
دفاتر خضراء
/ بشير الحامدي
المزيد.....
|