نزار فجر بعريني
الحوار المتمدن-العدد: 8389 - 2025 / 6 / 30 - 16:18
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يبدو لي أنّه أكثر الحقائق تغييبا في الثقافة السياسية المسيطرة هي التي تتجاهل أوّلا عوامل السياق السياسي، وثانيا، طبيعة الصراع على سوريا(١)، التي تكشف في الحيثيات والدوافع طبيعة أسباب وأدوات العنف السياسي المتصاعد منذ مطلع شباط، بدءا بمعارك أرياف حمص وحماه، وصولا إلى هجوم كنيسة مار الياس في ٢٢ حزيران، مرورا بمعارك الساحل في نهاية العشرة الدموية من آذار، وأشرفية صحنايا و... ولا يغيّر من واقعية هذه القراءة أن يأخذ الصراع طابعا طائفيّا لأسباب معروفة!
إنّ الصراع الرئيسي على شكل السلطة ومصير الكيان الجيوسياسي هو بين سلطتي دمشق الشرعية وسلطة قامشلو الإنفصالية (اللتين تشكّلان معا "النظام السوري القائم)..، وأنا شخصيا، راهنتُ على مسارات عملية سياسية انتقالية وطنية، في مواجهة مشروع التقسيم... وأوضحتُ أنّ فشل أو تفشيل العملية السياسية الجزئي أو الكلي، يصبّ في خدمة قوى مشروع التقسيم التي تقودها على الصعيد السوري قسد التي راهنت على جهود تفشيل مسارات العملية السياسية لصالح مشروع " اللامركزية السياسية " وأقاليم انفصالية على مقاس " مكوّنات" دعايتها السياسية ..
كيف نفهم عوامل وشروط الدور القيادي لقسد؟
في سعيها لتحقيق هدفها المركزي في الحفاظ على وجود "كيان سياسي مستقل" (٢) بات عشيّة هجوم رد العدوان في نهاية نوفمبر ٢٠٢٤يملك جميع مقوّمات الاستقلال، وينافس سلطة دمشق الجديدة على الشرعية السورية،
تطرح قيادة قسد مجموعة شروط، تضعها في رأس أجندات مشروعها السياسي، وفي مواجهة خطوات وإجراءات العملية السياسية الانتقالية الساعية إلى إعادة توحيد الجغرافيا والسلطة وحصر امتلاك السلاح بيد مؤسسات الدولة قيد التأسيس ، وتبحث عن وسائل تحقيقها في خطوات وإجراءات ونتائج معارك متعددة المستويات ضد سلطة دمشق الشرعية، و تعمل جاهدة على تحشيد عوامل انتصارها في تقاطعات مصالح أصحاب مشاريع القوى الإقليمية والدولية المتوافقة مع تقسيم سوريا، واستخدام شبيحة ومرتزقة بقايا سلطة الأسد و"داعش"، كما وفي التجيير السياسي لعواقب تفشيل مسارات العملية السياسية على السلم الأهلي في مناطق الساحل السوري والسويداء.....:
أ--" إقامة نظام سياسي سوري لامركزي ديمقراطي "،تريده أن يشكّل المظلّة الدستورية الشرعية للحفاظ على هوية و خصوصية مؤسسات وأفراد وقادة، والمرجعية السياسية الكردستانية، لجيش "قسد" وأجهزته الأمنية التي تحكم بقوّة السلاح والبطش الإيدولوجي مناطق" إقليم شمال وشرق سوريا".
ب- الحفاظ على سلطة "الإدارة الذاتية الديمقراطية"،...والحصول على حصّة الأسد من الموارد الاقتصادية!
ت-" ضمان الحقوق الثقافية القومية الكردية، والاعتراف بها دستوريا ليس لانّها تمثّل مصالح وحقوق الأكراد السوريين، بل من أجل إعطاء كانتونها المشروعية القومية الكردية، والحصول على دعم وغطاء شعبي كردي، وتشترط المشاركة في كتابة الدستور لضمان الاعتراف بتلك الحقوق... في إطار وحدة شكلية ، تُتيح لأتباع قسد فرص المشاركة في الإدارة السورية العامة !!
ث- ضمان "الحقوق السياسية للمكوّنات"، بما يكفل لنخبهم المرتبطة بمشروع" اللامركزية السياسية" حريّات العمل ، ويوفّر الغطاء الشرعي والدعم الخارجي، لإقامة أقاليم سياسية على النموذج القسدي، وقيادة قسد ....
من نافل القول أنّ تحقيق أهداف مشروع قسد ،( ورعاتها في طهران وتل أبيب،وبعض العواصم العربية والأوروبية، ولوبيات خاصة في مؤسسات السلطة الأمريكية، وطابور واسع من النخب "الديمقراطية" السورية)، في هذه الشروط السورية التاريخية القائمة، لا يؤدّي فقط إلى التكريس السياسي والجغرافي والديمغرافي لانقسامات السوريين، بل يعيد الوضع السوري إلى مطلع ٢٠١٢، ويدخل جميع السوريين في حروب طائفية وقومية مدمّرة ، تهدد استراتيجيا مقوّمات الدولة السورية الموحّدة، وتعيد صراعات الوضع الإقليمي إلى نقطة البداية !!
من الجدير بالذكر أنّه قبل انعقاد مؤتمر النصر في ٣٠ يناير، تمّ مناقشة تلك الملّفات الرئيسية (مصير السلاح والإدارة الذاتية و اللامركزية السياسية) في لقاءين بين أحمد الشرع ومظلوم عبدي، ولم تصل المفاوضات الى أيّة تفاهمات، كما تمّ لاحقا تشكيل لجان متخصصة للبحث والنقاش... ولم يصلوا إلى نتيجة، ولم يتفق المجتمعون في آخر جولة مفاوضات بين الوفدين سوى على "توحيد الامتحانات"!!
في ١٠ آذار، وتحت تأثير عوامل ضغوط دولية، ومعارك السيطرة على الساحل وحول تخوم قسد في حلب ودير الزور، حصل اتفاق متوازن، شامل وتاريخي، تضمّن اعترافا رسميا بحقوق الكرد القومية، الثقافية و السياسية ، مقابل تراجع قيادة قسد عن أهداف الحفاظ على السلطة والحكومة الذاتية. وقد استغلّت قسد عدم تأكيد بنود الإعلان الدستوري المؤقّت في ١٣ الشهر بشكل واضح على ضمان حقوق السلطة والسيادة الغير واردة في الاتفاق على "إقليم شمال وشرق سوريا" لكي تتنصّل من تعهّداتها، وتعمل على تحشيد أوسع رأي عام سوري وكردي وإقليمي داعم لشروطها، وقد نجحت في الحصول على تفويض شامل في كونفرانس "الحوار الكردي-الكردي" ٢٦ نيسان!
الأسباب الحقيقة لفشل المفاوضات مع سلطة دمشق وما يرافقها من تصعيد ميداني وسياسي ترتبط برفض قيادة قسد التنازل عن جيشها، وسلطتها الذاتية، والحرص على توزيع الموارد وفقا لرؤيتها، وهي تتعارض مع أهداف وإجراءات العملية السياسية الانتقالية، وتعكس الرغبة والمصلحة في تفشيلها لصالح جهود وقوى مشروع التقسيم!!
١ في التفاصيل، و في مقابلات صحفية متتالية خلال شهري ديسمبر و يناير، أكّد جنرال قسد السيد مظلوم عبدي رفض حل قوات قسد، وانضمامها كأفراد، وفقا لآليات وزارة الدفاع الجديدة، واعتبر أنّ هذا الحل "ليس مقبولا"، مؤكدًا أنّه "منفتح على ربط قسد بوزارة الدفاع على أن يكون ذلك كتكلة عسكرية" ضمن التشكيل، ومحذّرا من عواقب عدم التوافق:
"..نحن متفقون مع الإدارة الجديدة على ربط مؤسسات الإقليم مع مؤسسات الدولة السورية بشكل يحافظ على خصوصيتها"!
" ....نحن منفتحون لربط قوات سوريا الديمقراطية بوزارة الدفاع السورية ومطلبنا أن يتمّ ربطها ودمجها، ككتلة عسكرية موجودة...."
"للشعب الكردي وضع خاص. لدينا مؤسسات عسكرية وإدارية، ولدينا تجربة موجودة، وبشكل من الأشكال، يجب أن نحافظ على الاستقرار والأمان في هذه المنطقة."
"...مطلبنا الأساسي هو الحفاظ على قوانين الإدارة الذاتية. نحاور "حول هذه النقطة في اللجان الخاصة بالدستور والعملية السياسية (وسندافع عن وجهة نظرنا)".
٢ في كلّ تصريحات ومواقف مظلوم عبدي والهام احمد وصالح مسّلم... ثمّة تأكيد على أنّ مطلبهم الرئيسي هو "اللامركزية السياسية"، ربطا بالدفاع عن " حقوق المكوّنات"، ومن أجل ضمانها سياسيا ودستوريا ، وهو ما يتضمّن ويتطلّب في الممارسة السياسية والثقافية تجيير "مظلومياتها" ، و الاستثمار في معاناة أبنائها والعمل بجميع الوسائل على تحويلها إلى قضية سياسية عامّة (٣)- ولا تخفي السيدة إلهام أحمد الهدف الاستراتيجي الحقيقي لمشروع " اللامركزية السياسية":
"الخطط الموجودة لدينا هي المحافظة على ما هو موجود وسنسعى لأن ننخرط في الداخل السوري أكثر، وسنكون مشاركين بأيّة عملية تحدث، وسنضغط في هذا الاتجاه، كي لايكون لدينا خيارات أخرى...."! ومن البديهي هنا أن تبقي طبيعة تلك "الخَيارات الأخرى" طي الكتمان ، ليبقى علينا اكتشاف طبيعة أثارها في تصاعد وتائر الصراع !
بعد مضي أسابيع قليلة من سقوط سلطة الأسد، بدأت تتكشّف بعض أشكال جهود قيادات قسد ومسد تجاه " المكوّنات " في الساحل السوري، بشكل عام ،و"العلويين" ، بشكل خاص ، وقد كان لتلك الجهود الدور الرئيسي في تحويل " مظلوميات " العلويين الجديدة الى قضية رأي علوي وخارجي، وتجييرها سياسيا في مطالب الحماية من قسد ، وإقامة" كانتون علوي" على نموذجها!
اليوم ، اعتقد أنّه لايخرج عن وسائل تصعيد خيَارات قسد " الأخرى " قرار " الإدارة الذاتية الديمقراطية " رقم ١٣٦ يوم ١٩/٦ بوضع اليد على إدارة مطار القامشلي الدولي، رغم ما يشكّله من انتهاك لسيادة الدولة السورية ! التصعيد السياسي الأخطر، عبّرت عنه تصريحات "عضوة القيادة العامة لوحدات حماية المرأة"، ورئيسة لجنة التفاوض " روهلات عفرين"، ويحمل رسائل تهديد سياسية واضحة:
"
1. النظام السوري يحمل خلفية جهادية، مستمدة من تنظيم القاعدة، ولا يهتم بدور المرأة سياسيًا أو عسكريًا.
2. مصير النظام السوري الجديد السقوط إذا لم يستجب لمطالبنا.
3. نرفض الاحتلال التركي لأراضينا لأنه يمس سيادتنا.
4. نرفض تجنيس الأجانب وضمهم للجيش السوري بشكل قاطع.
5. هناك تعاطف إسرائيلي مع قضيتنا، ولن نغلق الباب أمام أي دعم.
6. نسعى لتقاربات فكرية مع الدروز والعلويين.
7. كامرأة عسكرية، لا يمكنني الانضمام لجيش مليء بالجهاديين.
8. مخيمات وسجون داعش وعائلاتهم ستبقى تحت سيطرتنا المباشرة، ولم يتم اتخاذ قرار بتسليمها للحكومة السورية الموقتة رغم الحوارات."!!!
ختاما ، في سياقات التصعيد القادمة ، يبدو جليّا أنّه سيكون ل "خلايا داعش" و "فلول النظام" المصنّعة استخباراتيا دور كبير في أدوات و وسائل الصراع بين القوى التي تتناحر على شكل السلطة السورية ومصير الكيان الجيوسياسي، وسيكون من واجب المؤسسات الأمنية والسياسية والإعلامية كشف طبيعة تلك الخيوط التي تحرّك "دمى" الجرائم السياسية، وعدم التوقّف عند نظرية عمل " جهات خارجية على تغذية فلول النظام البائد ، وهم في أفعالهم يحاولون إيقاع البلاد في دائرة الفوضى.."، ودعوة " أهل الوعي على احتواء أي موقف بالعقل والحكمة ، وتجنّب الفتنة "، كما أتى في تصريحات معاون وزير الخارجية اللواء عبد القادر طحان يوم ٢٩ حزيران بعد انقضاء أسبوع على جريمة الهجوم الإرهابي الذي استهدف كنيسة مار الياس في الدويلعة الدمشقية !!
(١)-
https://m.ahewar.org/s.asp?aid=868941&r=0
(٢)-
أخذَ في مرحلة التأسيس ٢٠١٢ ٢٠١٤ اسم " روج آفا "و أصبح في مسارات صيرورة مشروع التقسيم الأمريكي الإيراني " إقليم شمال وشرق سوريا الديمقراطي "،وبات اليوم في إطار جهود قسد و مخرجات مؤتمر "التوافق الكردي- الكردي ٢٦ نيسان، إقليم "روجافاي كردستان"، وقد بُنيت مقوّماته السياسية والأمنية والحكومية خلال معارك حروب سيطرة متعددة المستويات، وفي تقدّم مسارات مشروع تقسيم سوريا منذ مطلع ٢٠١٢.
(٣)- في الربط بين " اللامركزية السياسية " و"حقوق المكوّنات السياسية" ، كما تراها السيدة إلهام أحمد، تكمن آليات تحقيق أهداف مشروع التقسيم، حيث تتوفر أفضل شروط بقاء وديمومة كيان قس وقدرة قيادته على التحكّم في أحداث الصراع على سوريا ومآلاته:
في منتدى السليمانية، المخصص لدعم مشروع قسد، أواسط نيسان، تقول إلهام أحمد:
"... الغالبية العظمى في سوريا، يطالبون بسوريا لا مركزية... حاليا، الدروز، رافضين للنظام المركزي، العلويين، رافضين للنظام المركزي... نسبة كبيرة من السنة العلمانيين في سوريا. الفئة العلمانية في سوريا..
نسبة كبيرة من السوريين هم علمانيون... المسيحيون... نفس كذلك الأمر... وبالتالي، الغالبية العظمى في سوريا، يطالبون بسوريا لا مركزية... والظروف السياسية الموجودة تفرض اللامركزية... نحن رأينا ما حدث في الساحل قبل فترة... مجازر أرتُكبت!
" نرى أن سوريا لايجب أن تعود إلى مرحلة ٢٠١١، ويجب أن تكون لا مركزية، وتعطي حقوق كافة المكونات في المجتمع السوري..."بمعنى، الواقع الموجود بشكل طبيعي يخلق حالة جديدة لرسم نظام سوريا الجديد.".
في توضيحها لجوهر سياسات "الخطة أ" ، تقول السيدة إلهام أحمد، في جوابها على سؤال:
"ما الخطة ب لديكم في حال رفض أحمد الشرع الفدرالية؟""... الخطط الموجودة لدينا هي المحافظة على ما هو موجود، وسنسعى لأنّ ننخرط في الداخل السوري أكثر... وسنكون مشاركين بأيّة عملية تحدث.. وسنضغط في هذا الاتجاه... كي لايكون لدينا خيَارات أخرى( خطة ب) ...."!!!
في عرضه لملامح "الخطة ب"، يعتقد الجنرال أنّ البديل ل"عدم اتفاق السوريين" هو "السيناريو الأسوأ...، ويحصل تدخّل مباشر للدول الإقليمية... عندها، سنرجع إلى المربع الاوّل، وسيكون هناك حرب أهلية... وتغيير ديمغرافي..وتهجير.."
#نزار_فجر_بعريني (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟