نزار فجر بعريني
الحوار المتمدن-العدد: 8354 - 2025 / 5 / 26 - 11:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في سعيها لتحقيق هدفها المركزي، تتمسّك قيادة قسد بمجموعة شروط في مواجهة استحقاقات العملية السياسية الانتقالية ،وتبحث عن وسائل تعزيزها في تقاطعات مصالح وسياسات القوى الإقليمية والدولية حول أهداف تثبيت مرتكزات مشروع التقسيم أو استخدام بعض قواه كأوراق ضغط ضد دمشق!
إذ تسعى للحفاظ على مقوّمات "كيان سياسي" مستقل، تشترط على دمشق :
أ- الحفاظ على هوية وكيان (خصوصية) قسد من أجل استمرار دورها في حماية أمن واستقرار مناطق "إقليم شمال وشرق سوريا".
ب- الحفاظ على سلطة الإدارة الذاتية...
ت-الحصول على حصّة الأسد من الموارد الاقتصادية...
وقد عملت واجهتها السياسية "مسد" طيلة سنوات على تسويقها على الصعد السورية والكردية كحقوق ديمقراطية وقومية مشروعة تحت يافطات:
أ-إقامة نظام سياسي لامركزي ديمقراطي، يضمّن حقوق "جميع مكونات الشعب السوري".
ب- ضمان الحقوق السياسية و الثقافة القومية الكردية، والاعتراف بها دستوريا، وضرورة المشاركة في كتابة الدستور لضمان الاعتراف بتلك الحقوق.
ت- ..الحرص على وحدة البلاد، وحقوق المشاركة في الإدارة ..
من الجدير بالذكر أنّه قبل انعقاد "مؤتمر النصر" في ٢٩ يناير، تمّ مناقشة تلك الملّفات الرئيسية (الحفاظ على السلاح والإدارة الذاتية) في لقاءين بين أحمد الشرع ومظلوم عبدي، ولم يصلوا الى أيّة تفاهمات استراتيجية، كم تمّ تشكيل لجان متخصصة للبحث والنقاش... ولم يصلوا إلى نتيجة!!
في ١٠ آذار، حصل اتفاق متوازن، شامل وتاريخي، تضمّن اعترافا رسميا بحقوق الكرد القومية السياسية، مقابل تراجع قيادة قسد عن أهداف الحفاظ على السلطة والحكومة الذاتية، ودمج قسد في مؤسسات وزارة الدفاع الجديدة ، ولم تكن خطوة الاعتراف السياسي الغير مسبوقة بالنسبة لقسد سوى " مكسب " و وسيلة لشراء الوقت، وقد استغلّت عدم الاعتراف بشراكة قسد بشكل واضح في مبادىء الإعلان الدستوري لكي تتنصّل من تعهّداتها، وتعمل على تحشيد أوسع رأي عام سوري وكردي وإقليمي داعم لشروطها، وقد نجحت في الحصول على تفويض شامل في كونفرانس "الحوار الكردي-الكردي" ٢٦ نيسان .
الأسباب الحقيقية لفشل المفاوضات مع سلطة دمشق ترتبط برفض قيادة قسد التنازل عن جيشها، وسلطتها الذاتية، والحرص على توزيع الموارد وفقا لرؤيتها، وهي تتعارض مع أهداف وإجراءات العملية السياسية الانتقالية، وتعكس الرغبة والمصلحة في تفشيلها لصالح جهود وقوى مشروع التقسيم !!
في التفاصيل، و في مقابلات صحفية متتالية خلال ديسمبر و يناير، أكّد الجنرال مظلوم عبدي على رفض حل قسد، وانضمامها كأفراد، وفقا لآليات وزارة الدفاع الجديدة، و اعتبر أنّ هذا الحل "ليس مقبولا"، مؤكدًا أنّه "منفتح على ربط قسد بوزارة الدفاع على أن يكون ذلك كتكلة عسكرية" ضمن التشكيل، ومحذّرا من عواقب عدم التوافق:
"... نحن متفقون مع الإدارة الجديدة على ربط مؤسسات الإقليم مع مؤسسات الدولة السورية بشكل يحافظ على خصوصيتها"!
" ....نحن منفتحون لربط قوات سوريا الديمقراطية بوزارة الدفاع السورية ومطلبنا أن يتمّ ربطها ودمجها، كتكلة عسكرية موجودة...."
"للشعب الكردي وضع خاص. لدينا مؤسسات عسكرية وإدارية ، ولدينا تجربة موجودة، وبشكل من الأشكال، يجب أن نحافظ على " الاستقرار والأمان " في هذه المنطقة ."
"...مطلبنا الأساسي هو الحفاظ على قوانين الإدارة الذاتية. نحاور "حول هذه النقطة في اللجان الخاصة بالدستور والعملية السياسية (وسندافع عن وجهة نظرنا)".(١)
في الجوهر، مشروع قسد ليس سوريا ، ولا يرتبط بهدف تحقيق مصالح وحقوق الكرد السوريين، وتتناقض أدوات سلطته مع مقوّمات الدولة الموحّدة، وقد وارتبطت عوامل التأسيس والصيرورة ،و مصالح وأهداف قيادته، بمشاريع تقسيم سوريا ، وبما يضع مصالح و حقوق الكرد السياسية في مواجهة مصالح السوريين المشتركة .
لانّها كذلك، تعتمد ثقافتها السياسية التي عملت مسد على تسويقها على لغة دعائية تلفيقيّة، تزوّر الوقائع، وتلوي عنق الحقائق، بما يسوّغ مشروع التقسيم، كالقول بانّ قضية الكرد السوريين السياسية هي قضية حق تقرير المصير في سياقات التحرر القومي، وبناء دولة قومية، وعلى أرضها التاريخية، وأن السوريين مجموعة من الشعوب و "المكوّنات" (ومشاريع "كيانات" فيدرالية !!)... وتتجاهل أولويّة الهويّة السياسية السورية الموحّدة التي تشكّلت ما بعد الاستقلال والتي تجعل من جميع السوريين " شعب واحد ".
لايخرج عن عدم موضوعية هذه اللغة خلق " مظلومية سياسية كردية " واستثمارها دعائيّا ، في تغيّب لأبرز حقائق الصراع على سوريا التي تقول " بوحدة مظلومية السوريين " السياسية في مواجهة سلطة استبداد سورية ، و بالتالي بتكامل جهود إزالتها ، بما يضع معالجة أسباب مظلم الكرد وتحقيق الحقوق القومية في نفس سياق تحقيق أهداف المشروع الديمقراطي السوري، ولا تخرج عن أهداف وسياقات نضال الشعب السوري التاريخية والراهنة، وحقوقهم السياسية لا تنفصل عن حقوق جميع السوريين.
تدّعي قيادة قسد وواجهاتها السياسية والثقافية ، القومية الكردية والديمقراطية السورية ،أنّ مشروعها جزء من المشروع الديمقراطي السوري ويعزز عوامل وحدة سوريا واستقلالها!! فهل السعي لبناء شراكة وطنية حقيقية يقوم على لغة التلفيق والمناورات السياسية، والاستقواء بأجندات خارجية، والتناقض بين المُعلن، والممارسات الواقعية.. ؟
فكيف لِمَن يدّعي حرصه على وحدة سوريا وسيادتها أن يعمل على تفشيل مسارات العملية السياسية من هلال اشترط الحفاظ على مرتكزات وأدوات الانفصال التي تشكّلها " قسد و الإدارة الذاتية"، التي تأسست في سياقات ومسارات حروب تفشيل سوريا و تقسيمها منذ مطلع ٢٠١٢، متذرّعا بسلوك السلطة الإقصائي ، ويدعم مشاريع انفصالية في الساحل والجبل تحت شعارات حماية حقوق المكوّنات، ويافطات الفدرالية واللامركزية والإدارة الذاتية؟ )١).
بعد انضمام أحزاب" المجلس الوطني الكردي" إلى " تحالف قسد الديمقراطي " في ما عُرف " كونفراس التوافق الكردي- الكردي " ٢٦ نيسان الماضي، اتسمت رؤية الوعي السياسي والثقافي النخبوي الكردي التي كانت أقلامها تعارض سياسات ونهج " حزب الاتحاد الديمقراطي منذ ٢٠١٢، بعدم الوضوح، والمناورة، وتكتيك الخطوة إلى الأمام، وعشرة إلى الخلف، وأنظار نخبها تحاول رصد مآلات الصراع حول مستقبل قسد، وآليات السيطرة المستقبلية على مناطق الإقليم!!
يقول الأستاذ أكرم حسين في آخر رؤية حول مستقبل العملية السياسية الانتقالية من منظور رؤية" توافقات التحالف" مع قسد :
" فسوريا لن تنهض دون صياغة دستور جديد يلبّي تطلعات السوريين، ويقرّ بحقوق جميع مكوّناتها في إطار دولة مدنية تقوم على المواطنة المتساوية، واحترام حقوق الإنسان، واعتماد اللامركزية كصيغة لإدارة الدولة السورية الجديدة، ضمن إطار وحدة الأراضي السورية وسيادتها."
تساؤلات تطرح نفسها، تعكس حالة المأزق البنيوي في ثقافة قسد التلفيقيّة التي باتت رأي عام سياسي وثقافي نخبوي :
أ-كيف يمكن لبنود الدستور أن توفّق بين حقوق" المكوّنات "و "المواطنة المتساوية؟
عندما تقوم الدولة على قاعدة دستورية، تضمن الحقوق المتساوية للسوريين، بواقع كونهم مواطنين سوريين، فما هي مبررات طرح المساواة على قاعدة" المكوّنات"؟ هل لطرح مفهوم " حقوق المكوّنات" خارج سياق مشروع " اللامركزية السياسية-"الفدرالية " اي مبرر ؟ أليست " اللامركزية - السياسية" في الشروط التاريخية السورية الراهنة التي اعقبت وقائع مشروع التقسيم ( أربع حكومات منفصلة)،هي غطاء لشرعنة وقائع التقسيم القائمة ، وديمومة كياناتها السياسية؟
هل يجهل أصحاب هذه الأقلام دوافع ربط ثقافة قسد السياسية بين " اللامركزية السياسية " و"حقوق المكوّنات" في إطار السعي للحفاظ على مؤسسات السلطة في الإقليم، وبالتالي احد أبرز مرتكزات مشروع تقسيم سوريا ؟
علينا أن نحدد مفهومنا للهوية السياسية السورية، أليس كذلك ؟ فهل تقوم على أساس المواطنة المتساوية أم المكوّنات المتناقضة ؟ التناقض واضح، ولا يمكن إغفاله.
الإصرار على حقوق المكوّنات يعني أن يعترف الدستور بانّ "هوية السوريين السياسية" ليست واحدة ، بل و تتألف من هويّات سياسية متعددة، ترتبط بعدد المكوّنات (العرب والاكراد والاشوريين والسريان و.. و العلويين والدروز والمسيحين والعلمانيين والمتدينين...والنور... )، وبالتالي حق تلك المكوّنات في " تقرير المصير ، وفقا للشرائع الدولية "؟!!
أيّة مواطنة سورية نتحدّث، وعن أيّة هويّة سياسية سورية؟ لماذا هذا اللعب في المفاهيم السياسية، عندما نكون في حالة تغييرات مصيرية ؟
قسد تطرح مفهوم "اللامركزية"، وتتجاهل ضرورة التمييز بين "السياسيّة" و "الإدارية"، وهو فارق نوعي!!
وهي تحاول الايحاء بأنّ مشروعها إداري، ويحافظ على وحدة سوريا، بينما تسعى عمليا بجميع الوسائل إلى الحفاظ على جيشها وسلطتها وإدارتها الذاتية وعلاقاتها الخارجية، وهي مقوّمات استقلال كامل، وليس فقط " لامركزية سياسية " !
الصديق يتحدّث عن " اعتماد اللامركزية كصيغة لإدارة الدولة السورية الجديدة، ضمن إطار وحدة الأراضي السورية وسيادتها."، وهو يدلل على تبنّي مفهوما ورؤية "اللامركزية الإدارية" بينما يؤيّد عمليا رؤية ومشروع قسد الذي يعمل على تثبيت مرتكزات "اللامركزية السياسية" وصولا إلى الانفصال، كما تجسّد في مخرجات ورؤية مؤتمر "وحدة الموقف والصف الكردي" التي لم تأت فقط تحت سقف مشروع قسد، ورؤية قيادتها الساعية لحماية مكتسبات "إقليم شمال وشرق سوريا" بل وحددت طبيعة هويته السياسية الكردستانية، باسم "روجافاي كردستان"!!!
------------------------------------------
(١)-
ليس هذا فحسب، بل يدّعون الولاء لأفكار و رؤية السيد عبد الله أوجلان الزعيم التاريخي لحزب العمال الكردستاني التركي، بينما يتنكّرون عمليا لما جاء في نداء ٢٥ فبراير حول قرارات حل الأحزاب والتخلّي عن السلاح، في إطار سياسات الاندماج مع الدولة والمجتمع:
"....يجب على جميع المجموعات التخلي عن السلاح، وعلى حزب العمال الكردستاني أن يحل نفسه. لا يمكن إنكار الحاجة إلى مجتمع ديمقراطي..." .
بخلاف مقاصد أوجلان الواضحة، تصر قيادة قسد على التمسّك بجيشها وإدارتها الذاتية وعقدها الاجتماعي (الدستور) ولغتها السياسية وأيدولوجيتها الأوجلانية، ولا يجد القائمون على الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا حرجا في الإدّعاء ، تعقيبا على نداء ٢٥ فبراير، وقرار حل الحزب، في مؤتمره الاستثنائي الثاني عشر، انّ" إقليم شمال وشرق سوريا " هو "التجسيد لمشروع السيد عبد الله أوجلان" رغم تأكيده أنّ " الحلول القائمة على النزعات القومية المتطرفة، مثل إنشاء دولة قومية منفصلة، أو الفيدرالية، أو الحكم الذاتي، أو الحلول الثقافوية، فهي لا تلبي متطلبات الحقوق الاجتماعية التاريخية للمجتمع."
وقد جاء في بيان مسد ، تعقيبا على نداء ٢٥ فبراير ما يؤكّد لغة التلفيق:
"....ويُعد هذا المشروع حجر الأساس في تحقيق تأثير مهم وملموس على الواقع السوري عموماً، وشمال وشرق سوريا بشكل خاص.... كما أثبتت التجربة في مناطقنا أن هذا المشروع يُسهم في بناء نموذج ديمقراطي يعكس تطلعات الشعوب ويمنحها دوراً فعالاً في إدارة شؤونها بإرادتها الحرة." !!
#نزار_فجر_بعريني (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟