نزار فجر بعريني
الحوار المتمدن-العدد: 8350 - 2025 / 5 / 22 - 12:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في مواجهة التضليل، ودفاعا عن السلم الأهلي، ومقوّمات الأمن القومي السوري.
في لقاء وزير الخارجية الأمريكية رئيس و أعضاء لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، ثمّة رؤى جديدة و مواقف واضحة، من مصلحة السوريين المشتركة إدراك طبيعتها وما قد يترتّب عليها من أثار إيجابية راهنة على تقدّم مسارات العملية السياسية الانتقالية الوطنية!
في شهادة الوزير روبيو أمام لجنة وزارة الخارجية، يحاول الدفاع عن أهداف خطط وسياسات إدارة ترامب تجاه سوريا، ويجد تفهّما وتعاونا من رئيس اللجنة، السيناتور جيم ريتش.
الهدف الرئيسي لمداخلة السيد وزير الخارجية هو العمل على تسويق رؤية إدارته، وإقناع رئيس و أعضاء لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي بمزايا نجاح العملية السياسية الانتقالية، ومخاطر فشلها في مواجهة تحدّيات خطيرة ، تطلّبت من الإدارة الإسراع في اتخاذ قرار وقف العقوبات ، وتحتاج جهود الكونغرس من أجل رفعها بشكل كامل ونهائي، موضحا ضروراتها في تحقيق أهداف واشنطن التكتيكية والاستراتيجية، المرتبطة بمستقبل سوريا والإقليم، وهي استراتيجية أمريكية جديدة تجاه سوريا والإقليم ، تربط جدليا بين نجاح العملية السياسية الانتقالية في توفير شروط استقرار دائم مع شروط قيام سلام و استقرار إقليمي:
١افتتح رئيس اللجنة النقاش، مستوضحا مبررات قرار الرئيس رفع العقوبات، وقد شرح الوزير الأهداف التكتيكية، المرتبطة بمصالح شركاء واشنطن، و الاستراتيجية، المرتبطة برؤية واشنطن لمستقبل سوريا. ضمن هذا السياق، أوضح السيد الوزير أنّ السبب الأساسي لقرار رفع العقوبات "هو أن شركاءنا في المنطقة يريدون إدخال المساعدات ويريدون الشروع في مساعدة السوريين، لكنهم لا يستطيعون ذلك لأنهم يخشون من عقوباتنا، ولذا لم يقدموا على ذلك بعد"، وأنّ "أول أثر سيظهر لرفع العقوبات هو السماح لدول الجوار بالشروع في مساعدة السلطات الانتقالية على بناء منظومة حكم تمكّنهم من بناء الدولة وتوحيد القوات المسلحة تحت راية واحدة، وما إلى هنالك.
١ في التفاصيل، لسان حال السيد وزير الخارجية يقول:
لقد حصل التغيير في سوريا، (وتمّ إسقاط شبكة السيطرة التشاركية التي كانت قاعدة ومرتكزات الفوضى)، فأين مصلحة الولايات المتّحدة تجاه هذا الحدث النوعي؟
هل ننتظر نتائج قيام وكالة التحقيقات الفدرالية باختباراتها الأمنية لشخصيات الإدارة الجديدة، ونحن ندرك أنّه كان لديهم "ماضي صعب"؟
هل من مصلحتنا التوقّف هناك، وانتظار تبعات فشل السلطات الجديدة؟
هل ننخرط معهم ، ام لا ؟
"إنْ انخرطنا معهم، قد ينجح الأمر وقد يفشل. لكن إن رفضنا الانخراط"، فالفشل محتوم! لماذا؟
"وبصراحة فإن تقديرنا الحالي هو أنّ السلطات الانتقالية— ونظراً للتحديات التي تواجهها—قد تكون على بعد أسابيع— أو أشهر بسيطة— من احتمال الانهيار، ما سيؤدي لنشوب حرب أهلية واسعة النطاق وبحجم ضخم جداً، وبعبارة أخرى يعني تقسيم البلد."
٢لقد كان الوزير مباشرا في تحديد طلب الإدارة:
"...حتى أكون صريحاً فإن ذلك لن يكون كافياً. فمثلاً بالنسبة لقانون قيصر بوسع الإدارة أن تصدر إعفاءً منه [لستة أشهر]، لكن تاريخ انتهاء صلاحية هذه الإعفاءات [القصير] لن يقنع المستثمرين الأجانب بالاستثمار، ولذا فعلى الكونغرس في نهاية المطاف أن يقوم بذلك [إلغاء قيصر والقوانين الأخرى المشابهة] لنضمن أنه إذا ما التزمت [السلطات السورية] بتعهداتها فإن بوسعنا أن نخلق بيئة تسمح للقطاع الخاص بالنموّ وخلق فرص اقتصادية للشعب السوري".
٣في توضيح العلاقة بين السوري، الخاص، والإقليمي، الأشمل:
" ...عليّ أن أذكر أنّ مآل الأمور في سورية سيكون له أثر عميق على ما سيحدث في لبنان— ((السناتور ريش مقاطعاً "نحن متفقون معك في ذلك"))— فالنتيجة أنه إذا تخيلت معي سورية ولبنان بعد سنتين وكلّ منهما مستقرّ فإن ذلك سيفتح فرصاً هائلة للسلام والأمن وإنهاء الحروب في المنطقة. إنّها مهمة ضخمة ولا شكّ، لكن الفرصة تاريخية وعلينا أن نستكشفها، وأن نرى ما إذا كان بوسعنا إنجاحها.
٤ و تفهّم الولايات المتّحدة لطبيعة التحدّيات التي تواجه العملية السياسية، خاصة المرتبطة بمشروع التقسيم، وموقف الولايات المتّحدة الساعي لدعم جهود مواجهتها، وتحذير الوزير من مخاطر فشل العملية السياسية، خاصة، اندلاع حروب أهلية وتقسيم البلد، توضّح معالم رئيسية في الاستراتيجية الأمريكية الجديدة:
"لذا فهم يواجهون اليوم عدداً من التحديات. أوّلها هو الريبة العميقة داخلياً [بين المكونات] في ذاك البلد، لأن الأسد، وعن سبق إصرار وترصد، زرع العداوة والبغضاء بين هذه المجموعات، ونصّب نفسه حامياً للعلويين والمسيحيين، ووضعهم في مواجهة المجموعات الأخرى حسب هواه.
وثاني هذه التحديات هو النزوح واللجوء— إذ يعيش أكثر من ٨ مليون سوري في الخارج— هم ناجحون جداً بالمناسبة في البلدان التي لجؤوا إليها"، ثمّ يضيف " لكن علينا أن نتوصل لطريقة تمكن السلطات الانتقالية من خلق بيئة إيجابية تمكنهم من العودة لديارهم والمساعدة في إعادة بناء الاقتصاد السوري".
" الإيجابي في الموضوع هو أن هناك هوية سورية وطنية جامعة، فسورية هي أحد الأمكنة [القليلة] في المنطقة التي عاش فيها العلويين والدروز والمسيحيون والسنة والشيعة والكرد مع بعضهم البعض تحت لواء هوية وطنية جامعة، إلى أن نقض السفّاح الأسد عُراها وزرع الفتنة والعداوة بين هذه المكونات.
٥هل نجح الوزير في توصيل رسالة إدارته الى الكونغرس؟
مما قاله السناتور ريش:
"أشكرك على ذلك، وأعتقد أننا متفقون معك بالكامل….. فعلاً العقوبات معضلة بسبب الأشهر الستة، لكن كما ذكرت من الصعب التكهن بالمستقبل قبل أن يقع وهناك مشاكل حقيقية ومخاطر في المستقبل، لكن بوسعنا أن نسير في الأمر خطوة بخطوة."
علاوة على ذلك، تساءل ريتش عن سبب عدم إرسال دبلوماسيين لسورية حتى الآن (إعادة افتتاح السفارة الأميركية)، واقترح منح تأشيرة للرئيس الانتقالي لزيارة الولايات المتّحدة.
في سياق توضيح رؤية إدارته، أوضح روبيو
بأنّ المانع من "إعادة افتتاح السفارة الأمريكية" "هو مانع أمني بحت ( وليس سياسي )وبأن: "المخاطر غير نابعة من السلطات الانتقالية فنحن لا نعتقد أن الأذى سيصدر عنهم" لكن بسبب وجود بعض الجماعات المسلحة والعناصر الإرهابية التي ما زالت ناشطة في البلد".
تساءل ريتش عن إمكانية صدور تأشيرة دخول الولايات للرئيس السوري،
فأجاب روبيو: نعم، وقد تسنح الفرصة لفعل ذلك لدى انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا العام." فعقّب، ريتش: "نعم، قد تسنح الفرصة، وأعتقد أن ذلك شيء مهم".
لقد أكّد السيناتور أيضا أنّ سوريا اليوم "تمثل "فرصة" للولايات المتحدة، وأن على الولايات المتحدة أن "تستكشف هذه الفرصة".
ثانيا ،
في الاستنتاجات:
١توضيح طبيعة الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تجاه الصراع على سوريا، وهي في الجوهر متناقضة، ومعاكسة لاستراتيجية أوباما والديموقراطيين منذ ٢٠١١. في حين دخلت إدارة أوباما الصراع السياسي على السلطة في أعقاب حراك ربيع ٢٠١١ في إطار مشروع تفشيل الدولة السورية وتقسيمها، بالتكامل مع جهود السلطة الاسدية والنظام الإيراني، ( ١)،تأتي استراتيجية إدارة ترامب في سياق "توحيد سوريا، واستقرارها"(٢) وهو العامل الرئيسي الذي يحدد مآلات الصراع على شكل السلطة في مسارات العملية السياسية الانتقالية، ومستقبل الكيان الجيوسياسي السوري.
٢مسارات العمليات السياسية التي تقودها سلطة الرئيس الانتقالي هي خيَار أمريكي بالدرجة الأولى، وهو أبرز عوامل قوّتها وديمومتها! نجاح خطواتها لا يرتبط بمستقبل سوريا فحسب، بل ومستقبل مشروع إدارة ترامب الإقليمي الذي ياخذ مسارين مترابطين: السلام الإبراهيمي، وإعادة طهران إلى الحضن الإقليمي..
٣ ليس لمشروع التقسيم الذي تقوده قسد أي فرصة وجود في مستقبل سوريا، ليس فقط لتعارض أهدافه وآليات تحقيقها ونتائجه مع مسارات السياسات الأمريكية الجديدة، بل ولتعارضها مع مصالح السوريين المشتركة في حماية السلم الأهلي وتوفير شروط استقرار دائم ونهضة اقتصادية، ومع مصالح الدول الإقليمية، التي تتقاطع مع مصالح السوريين وسياسات الولايات المتّحدة.
٤ التساؤلات، برسم الرأي العام العلوي، والنخب السياسية والثقافية العلوية، وسلطات الدولة الجديدة:
• إذا كانت هذه هي حقائق الصراع والسيطرة على سوريا، فما هي مبررات استمرار الدعوات إلى إقامة كيان خاص في الساحل السوري؟
• على ماذا يعوّل أصحابها؟
* على إسرائيل، التي استخدمت البعض كأوراق ضغط من أجل إيصال الحكومة السورية إلى طاولة المفاوضات، على أمل الحول على "صفقة القرن"!
*على فرنسا، التي تهرول كعادتها في ظروف التحوّلات الكبرى للحصول على بعض فتات المائدة الأمريكية؟
* على روسيا، التي تحافظ على بعض مصالحها من خلال ما تقدّمه في مسارات تحقيق أهداف مشاريع واشنطن في سوريا، وحرصها على البقاء كشريك رئيسي على طاولة اللعب الأمريكية!!
*على قسد، التي تخوض آخر حروبها، وتحاول استخدام العلويين كبش فداء، علّها تستطيع إطالة عمر مشروعها؟
*على المتاجرة بدماء العلويين، والسعي لتوريطهم في حروب دموية طائفية، و تسويق الدم العلوي لمصلحة قسد، كما فعلوا طيلة سنوات لمصلحة "بيت الأسد"؟
أعتقد أنّ الوقوف في مواجهة قوى مشروع التقسيم القسدية وأذرعه في الساحل من بقايا شبيحة الأسد وسماسرة الدم العلوي هو واجب وطني وإنساني، ولا يوجد مبرر للصامتين، سواء في السلطة الجديدة، الذين لا يستخدمون إجراءات ردع قانونية ضد أدوات و أبواق التحريض والتجييش الطائفي، او في "النخب السياسية والثقافية" الذين يروّجون الأوهام . كل قطرة دم تسقط، هي مسؤولية الجميع!!
السلام لسوريا، دولة المواطنة المتساوية والقانون العادل الموحّدة.
----------------------------------
(١)-وقد أُنجزت الأهداف على ثلاث مراحل، هي مراحل " الخَيار الأمني العسكري الميليشياوي"، وصولا إلى ٢٧ نوفمبر ٢٠٢٤. حينئذ، وكّل أوباما النظام الإيراني، واتخذه شريكا لتحقيق أهداف مشروع التقسيم، بينما تتخذ إدارة ترامب تركيا، لتحقيق أهداف مشروع "التوحيد والاستقرار").
وقد اشار وزير الخارجية إلى الملامح العامة لمشروع إدارة أوباما، موضّحا "أخطاء" السياسات الأمريكية السابقة التي أدّت الى خلق فوضى في الشرق الأوسط عبر إسقاط سلطات الأنظمة المركزية، وسمحت بسيطرة الميليشيات الجهادية... وكانت صناعة الفوضى في سوريا أخطر حلقاتها. في معرض إجاباته ذكر روبيو "أنّ تاريخ المنطقة يثبتُ بأن استقرار سورية يؤثر في استقرار المنطقة برمًتها، وبأنّ المنطقة لا تستقرّ حين تكون سورية غير مستقرّة". وأردف "أنّ الربيع العربي والانتفاضة" في سورية على نظام الأسد قد أثبتا ذلك".
(٢)-
رسم بيان وزارة الخارجية الأمريكية ملامح استراتيجية واشنطن تجاه سوريا والإقليم، وحدد هويّة الشركاء:
20 أيار/مايو 2025
"اجتمع نائب وزير الخارجية كريستوفر لاندو بنظيره التركي نوح يلماز. وشدد نائب الوزير لاندو على العلاقات الثنائية القوية بين الولايات المتحدة وتركيا في خلال هذه الحقبة الجديدة من الشراكة، مما يعزز التعاون بين الدولتين عبر مجموعة واسعة من القضايا لتحقيق الأهداف المشتركة المتمثلة بالسلام والتجارة والتبادل التجاري. وناقش المجتمعان أهمية تنفيذ إعلان الرئيس ترامب بشأن رفع العقوبات عن سوريا، وأشارا إلى ضرورة الحفاظ على وحدة أراضي سوريا المستقرة والموحدة التي لا توفر ملاذا آمنا للإرهاب".
--------------------------------
#نزار_فجر_بعريني (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟