نزار فجر بعريني
الحوار المتمدن-العدد: 8381 - 2025 / 6 / 22 - 02:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في عوامل السياق التاريخية لهذه المحطّة الأخطر من صراعات السيطرة الإقليمية التي فجّرها هجوم ١٣ حزيران الجاري، تبرز حيثيات شروط وصول سلطة الخميني إلى السلطة في مطلع شباط ١٩٧٩، حين أدّى إصرار وعمل الخميني، بدعم لوجستي واستخباراتي أمريكي وأوروبي(١)إلى إسقاط حكومة الثورة الديمقراطية الانتقالية، وإطلاق صيرورة تأسيس سلطة ملالي استبدادية وفقا لنظرية "ولي الفقيه" وبوسائل ميليشاوية دموية، وإطلاق مشروع "تصدير الثورة الإسلامية"، وكان إصراره على استمرار حرب الخليج الأولى بعد قرار مجلس الأمن ١٩٨٢بوقفها، ودور حرسه الثوري المدّمر في لبنان وافغانستان خلال الثمانينات، مقدمات لما حلّ من خراب إقليمي شامل منذ مطلع التسعينات، وصولا إلى محطّات غزو العراق ٢٠٠٣ "والربيع العربي" نهاية ٢٠١٠، حيث كان لسياسات سلطة المرشد الكارثية في سوريا الدور الرئيسي في دفع الصراع السياسي على السلطة خلال ٢٠١١على مسارات وصيرورة الخَيار الأمني الميليشياوي، ومشروع تفشيل سوريا، وتقسيمها، وحيث كان إصراره على بناء مقوّمات تصنيع سلاح نووي و ديمومة مرتكزات وآليات تقاسم سوريا التشاركي مع واشنطن بعد ٢٠٢٠ العامل الرئيسي في تفشيل مسارات تسوية سياسية شاملة، وتصاعد وتائر الهجمات الإسرائيلية، وصولا إلى عتبة ٢٧ نوفمبر ٢٠٢٤..(٢).
إلى جانب عوامل سياق مشروع السيطرة الإقليمية الإيرانية التاريخية، (خاصة نجاح أذرعه في خلق بؤر تهديد حول "عنق إسرائيل"، ونجاح قيادة سلطته في تطوير برامج التسلّح النووي والبالستي، وهي عوامل تهديد مباشر للأمن القومي الإسرائيلي وأمن دول شركاء الولايات المتّحدة الأوروبيين والإقليميين، رغم ادّعاء القادة الأمريكان بأولوية حماية مصالح الكيان في سياستهم الإقليمية)، وفي ضوء وقائع ذهاب الصراع الإسرائيلي الإيراني حول قضايا التسلّح والنفوذ الإقليمي إلى مراحل كسر العظم في تصاعد لوتائر الحرب منذ مطلع ٢٠٢٠ ، خاصّة في أعقاب هجوم طوفان الأقصى، وفي ضوء استنتاجات القراءة الموضوعية الدقيقة لما يحصل من تغيّرات في رؤية الإدارة الأمريكية الجمهورية منذ مطلع ٢٠٢٥(٢) سمح بإنهاء شبكة السيطرة الإيرانية في سوريا، فإنّ التساؤلات الرئيسية التي ينبغي طرحها:
١ هل موضوعيا وذاتيّا، وفي سياسات الولايات المتّحدة تجاه مسارات الحرب الراهنة في قلب منطقة الشرق الأوسط، ثمّة قرار استراتيجي أمريكي بتفكيك البرنامج النووي الإيراني( سلما أم حربا)، في توافق مباشر أو تقاطع مصالح مع دول الإقليم الرئيسية، السعودية وتركيا والباكستان، وحتى مع أوروبا وروسيا )، وهو الذي سمح لحكومة الحرب الإسرائيلية بشن هجوم ١٣ من الشهر الجاري، وحدد نوعية السلاح وطبيعة الأهداف، وسيتيح لإسرائيل استخدام وسائل حسم الحرب بالطرق الاقل خطورة، في حال فشلت وسائل الضغط العسكرية المتصاعدة درجات التدمير، واستمر رفض حكومة طهران قبول الشروط الأمريكية...؟
٢ هل ثمّة "سوء فهم" في العلاقات الإسرائيلية الأمريكية، يرتبط بعدم إدراك القيادة الإسرائلية لحقيقة أن قراءة واشنطن لهدف "تفكيك" البرنامج النووي الإيراني لاتتضمّن تفكيك مظلّة الحماية الأمريكية لسلطة طهران، كما يعتقد نتنياهو وطاقمه الأمني والسياسي ، وهو
الذي حرم تل أبيب من الحصول على الدعم الكافي لمواجهة الهجمات الإيرانية في العمق الإسرائيلي ومن مشاركة فاعلة في استهداف المنشآت النووية ، وأوصل الحرب الإسرائيلية العدوانية الراهنة إلى حالة المأزق!
إلى أن تكشف الأحداث حقيقة المواقف والسياسات الأمريكية التي سيكون لها كلمة الفصل في تحديد مآلات ونتائج الحرب، تشكل العملية الإسرائيلية تصعيدا نوعيا يحمل في طياته تبعات بعيدة المدى. فرغم الضربة القاسية التي تلقّتها البنية العسكرية والنووية الإيرانية، فإن تأثيرها طويل الأمد لا يزال غير محسوم. احتمالات فشل أهداف الحرب الإسرائيلية من جهة، وفشل طهران في فرض معادلة "توازن التدمير النووي"، من جهة ثانية، وما ينتج عن استمرار الحرب من زعزعة للاستقرار في قلب منطقة السيطرة الأمريكية ويهدد مصالح الولايات المتّحدة الحيوية، من تعطيل لإمدادات الطاقة العالمية وتهديد أمن مصادرها، كلها تضع المنطقة أمام سيناريوهات محفوفة بالمخاطر، و واشنطن أمام تحدّيات كبيرة .
إذا كان ينحصر الدور الأمريكي في العمل على تجيير تحدّيات استمرار الحرب من أجل دفع الطرفين إلى تفاهمات صفقة نووية نهائية وفقا لشروط واشنطن،و في حال إصرار القيادة الإيرانية على رفض التوصّل إلى صفقة سياسية، والاستمرار في لعبة تصعيد الصراع العسكري، لفرض معادلة توازن "رعب نووي"، أعتقد أنّه ليس أمام حكومة الحرب الإسرائيلية سوى الذهاب منفردة على مسارات أحد طريقين، أو كليهما معا:
١توجيه ضربات تدميريّة على المواقع الأكثر أهميّة في منشآت المشروع النووي، قد تتطلّب نجاح جهود استخباراتية في ترتيب ظروف عدم انتشار إشعاع نووي .
٢تصعيد الهجمات التي تستهدف تدمير مرتكزات سلطة النظام الإيراني، خاصة الأمنية والعسكرية والاقتصادية، لوضع سلطة النظام الإيراني أمام مخاطر التغيير لصالح بديل أمريكي إسرائيلي ....
في أهداف هجوم١٣ يونيو 2025، أعلن نتنياهو عن السعي لتقويض البرنامج الصاروخي والنووي الإيراني (٣)، بينما تؤكّد طهران أنّها لن تعود إلى طاولة المفاوضات قبل ردع العدوان الإسرائيلي، وقد أكّد الرئيس الإيراني، أنّ بلاده لم ترفض العودة إلى طاولة المفاوضات، لكنه ربطها بشرط "كبح اعتداءات إسرائيل"، موضّحا أنّ بلاده سترد بالمثل على أي اعتداء إسرائيلي، بينما يبقى موقف ترامب " ملتبسا "!
في أجواء تصاعد وتائر المواجهات العسكرية، وتزايد خسائرها في صفوف المدنيين والبنى التحتية، عبّر ترامب عن ثقته في أنّ إيران ستوقّع في نهاية المطاف اتفاقا بشأن برنامجها النووي، محذّرا من أن الولايات المتحدة "ستفعل شيئا ما" بمجرد مغادرته قمة مجموعة السبع.
في نفس السياق، قال موقع أكسيوس أنّ إدارة ترامب أبلغت حلفاءها في المنطقة بأنّها لا تخطط للانخراط في الحرب، ونقلت رسالة تحذير لطهران من مخاطر تجاوز الخط الأحمر!
ما هو الخط الأحمر الامريكي، وهل تجاوزته طهران، وما هي العواقب المحتملة؟
قد يكون خطاب المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت أكثر إثارة للشكوك حول حقيقة الموقف الأمريكي ،عندما قالت الخميس، إن موقف ترامب من إيران "لا يجب أن يفاجئ أحدا، مؤكدة وجود فرصة "حيوية" للتفاوض. أمّا ما ذكر موقع "أكسيوس"، نقلا عن مسؤولين أميركيين، حول "شروط" للانضمام إلى حرب الإسرائيلية، فتقطع الشك باليقين ، كما يقولون :
كشف المسؤولون أن ترامب "يفكر جديا في الانضمام" إلى حرب إسرائيل ضد إيران، "لكنه يريد ضمان ثلاثة أمور":
• أن تكون الضربة العسكرية ضرورية حقا.
• أن العملية لن تجرّ الولايات المتحدة إلى حرب طويلة الأمد في الشرق الأوسط.
• الأهم من ذلك كله، أنها ستحقق هدف تدمير البرنامج النووي الإيراني.
التساؤل الذي يجب على القيادة الإسرائيلية مقاربته بموضوعية:
هل يستطيع نتنياهو وحربه المأزومة أن توفّر شروط ترامب؟
هل يستطيع نتنياهو أن يقبل بسقف الأهداف الحقيقية الأمريكية، بعد كلّ ما حصل من عواقب على بلاده، وما حققه من إنجازات، في سياقات تصاعد الحرب؟
قد تتمكّن آلة الحرب الإيرانية من إنزال خسائر كبيرة في صفوف الإسرائليين والبنى التحتية، لكنّها لن تستطيع تهديد المواقع النووية الإسرائيلية وبالتالي خلق توازن رعب نووي، وتغيير مآلات الصراع بما يمكّنها من احتواء أهداف الحرب الإسرائيلية الأمريكية!!
هل تستطيع إدارة ترامب تحمّل عواقب هذا الاستعصاء في مسارات ومآلات الحرب ؟ هل ثمّة مخارج واقعية لهذا الاستعصاء في علاقات السيطرة الإقليمية التشاركية للولايات المتّحدة، الدولة الأعظم، وصاحبة أقوى مشروع سيطرة إقليمية؟
-------------------------------------------
(١)- وفي ظل عوامل سياق استراتيجية سيطرة إقليميّة أمريكية مطوّرة، أطلقتها إدارة كارتر ونظريات "بريجنسكي" في النصف الثاني من سبعينات القرن الماضي من أجل مواجهة تحدّيات تمدد النفوذ السوفياتي وتعزز عوامل التغيير الديمقراطي في الداخل الإيراني، وعلى الصعيد الإقليمي، وتعتمد في أدواتها بشكل رئيسي على تموضع عسكري دائم و استخدام أذرع وسلطات الإسلام السياسي الجهادي والكردستاني.
(٢)- مع وصول ترامب إلى السلطة في ديسمبر ٢٠٢٤، بدأت تتبلور ملامح استراتيجية إقليمية أميركية جديدة، تعاكس في الاتجاه، وتتناقض في الأهداف، مع استراتيجية السيطرة الإقليمية التشاركية بين الولايات المتحدة والنظام الايراني التي أطلقت واشنطن صيرورتها منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي، وشكّلت مظلّة الحماية والدعم اللوجستي لتقدّم أذرع المشروع الإيراني الإقليمية حتى عندما تعارضت في فلسطين المحتلّة وسوريا ولبنان مع مصالح وسياسات الأمن القومي الإسرائيلي.
في هذه المرحلة الجديدة من خطط وسياسات مشروع السيطرة التشاركية الإقليمية الأمريكية، حيث تسعي واشنطن لتوفير شروط استقرار سوري وإقليمي دائم، عبر دعم مسارات توحيد الجغرافيا والسلطة والسيادة في سوريا، واستكمال خطوات وإجراءات التطبيع الإقليمي في إطار مشروع "آبراهم" المتضمّن إعادة دمج النظام الإيراني المنزوع من آليات التهديد الإقليمي، لم تكن تتضمّن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة إسقاط سلطة النظام الإيراني، بل فقط احتوائها في آليات مشروع التطبيع الإقليمي.
(٣)- إلى جانب استهداف البرنامج النووي الإيراني، تُلمّح إسرائيل إلى أهداف أوسع نطاقا. فاسم العملية، "الأسد الصاعد"، يشير بشكل غير مباشر إلى الرمز الإمبراطوري الذي ارتبط بإيران في عهد الشاه، ما يُفهم منه أن الهدف لا يقتصر على عرقلة البرنامج النووي، بل ربما يمتد إلى محاولة إضعاف النظام نفسه. كما أن طبيعة عمليات الاغتيال المُحددة بدقة توحي بأن المخطط الإسرائيلي أكثر طموحا من مجرد تحييد القدرات النووية."
#نزار_فجر_بعريني (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟