نزار فجر بعريني
الحوار المتمدن-العدد: 8377 - 2025 / 6 / 18 - 13:58
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هل تجاوزت أحداث الحرب الإسرائيلية الإيرانية عتبة الخطوط الحمراء؟ وما هي العواقب على طهران وتل أبيب؟
شخصيا، تبلورت ثقافة معارضتي لسلطة النظام الإيراني في سياق إدراك ظروف وصول سلطة الخميني إلى السلطة في مطلع شباط ١٩٧٩، حين أدّى إصرار وعمل الخميني، بدعم لوجستي واستخباراتي أمريكي وأوروبي، إلى إسقاط حكومة الثورة الديمقراطية الانتقالية، و تأسيس سلطة استبدادية بوسائل دموية، وإطلاق مشروع ولاية الفقيه وتصدير "الثورة الإسلامية"، وكان إصراره على استمرار حرب الخليج الأولى، ودور حرسه الثوري المدّمر في لبنان وافغانستان والعراق خلال الثمانينات، مقدمات لما حلّ من خراب إقليمي شامل، وكان لسياسات سلطة المرشد الكارثية في سوريا الدور الرئيسي في دفع الصراع السياسي على السلطة خلال ٢٠١١على مسارات وصيرورة الخَيار الأمني الميليشياوي، ومشروع تفشيل سوريا، وتقسيمها.
اليوم، رغم عدم تغيّرطابع السلطة الاستبدادي، ونهجها الإقليمي الإمبريالي الإرهابي، أعارضُ استمرار الحرب بين سلطة النظام الإيراني وحكومة الحرب الإسرائيلية العدوانية، لما تتيحه من فرص تحوّل مسارات وأهداف الحرب المُعلنة حول إزالة مخاطر السلاح النووي باتجاه إسقاط النظام الإيراني، في ظروف تصاعد مخاطر وأضرار استهداف المدنيين والبنى التحتية ومسعى نتنياهو لاستغلالها من أجل تغيير طبيعة أهداف الحرب.
إن إسقاط سلطة الملالي في هذا السياق الإسرائيلي سيشكّل كارثة إيرانية وإقليمية ودولية غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية، وستكون عواقبه أكثر تدميرا على الشعب الإيراني وشعوب المنطقة مما يحصل في الحرب العدوانية على أوكرانيا، أو مما حصل في حروب مواجهة استحقاقات ثورات الربيع العربي، وليس ذلك فقط لعواقب احتمال استخدام إسرائيل لأسلحة دمار شامل!!
إذا كانت درجة قوّة النظام الإيراني العسكرية و تماسك مرتكزات سلطته يحددها كعامل رئيسي طبيعة مظلة الحماية الأمريكية، (في حين تتعزز قوّة الهجوم الإسرائيلية ليس فقط في استمرار الدعم العسكري والدبلوماسي الأمريكي النوعي خلال الحرب، بل وبطبيعة الضغوط الأمريكية الرادعة المرتبطة بأجندات الحرب)، فمع استمرار الحرب، وما تخلّفه الهجمات الإيرانية في العمق الإسرائيلي من خسائر مؤلمة، وتلكّؤ قيادة الملالي في الموافقة على الانخراط المباشر في المفاوضات مع واشنطن للوصول إلى اتفاق نهائي، يضمن عدم امتلاك النظام الإيراني لسلاح نووي، وما يستخدمه اللوبي الصهيوني من ضغوط على إدارة ترامب، يضعف مظلّة الحماية الأمريكية، ويعزز جهود حكومة الحرب الإسرائيلية لدفع الصراع على مسارات إسقاط سلطة النظام، وتفكيك إيران، وبالتالي، كلما استمرّت الحرب، كلما ازدادت فرص نتنياهو في تحقيق أهدافه....
صحيح أنّه مع وصول ترامب إلى السلطة في ديسمبر ٢٠٢٤، بدأت تتبلور ملامح استراتيجية إقليمية أميركية جديدة، تعاكس في الاتجاه، وتتناقض في الأهداف، مع استراتيجية السيطرة الإقليمية التشاركية بين الولايات المتحدة والنظام الايراني التي أطلقت واشنطن صيرورتها منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي، وشكّلت مظلّة الحماية والدعم اللوجستي لتقدّم أذرع المشروع الإيراني الإقليمية حتى عندما تعارضت في فلسطين المحتلّة وسوريا ولبنان مع مصالح وسياسات الأمن القومي الإسرائيلي، لكنّ الاستراتيجية الأمريكية الجديدة لم تكن تتضمّن إسقاط سلطة النظام الإيراني، بل فقط احتوائها في مشروع التطبيع الإقليمي.
في هذه المرحلة الجديد من خطط وسياسات مشروع السيطرة التشاركية الإقليمية الأمريكية، حيث تسعي واشنطن لتوفير شروط استقرار سوري وإقليمي دائم، عبر دعم مسارات توحيد الجغرافيا والسلطة والسيادة في سوريا، واستكمال خطوات وإجراءات التطبيع الإقليمي في إطار مشروع "آبراهم" المتضمّن إعادة دمج النظام الإيراني في آليات النظام الإقليمي الجديد، جنبا إلى جنب مع السعودية و "إسرائيل"، إضافة إلى عواقب إسقاط سلطة النظام الإيراني على وحدة إيران، ومخاطر تفشيل الدولة وتقسيمها على الأمن القومي الإقليمي الذي تعمل واشنطن على ترسيخ أسسه، تتضح طبيعة مظلّة الحماية الأمريكية لسلطة النظام الإيراني، وحدود سقف الحرب الإسرائيلية الدائرة رحاها اليوم
حول قضايا التسلّح والنفوذ الإقليمي.
نظريا، لم تكن في بداية الحرب لتخرج مظلة الدعم الأمريكي للهجمات الإسرائيلية عن سقف الأهداف المرتبط بتقويض المشروع النووي أو وضع ضغوط رادعة على سلطة النظام الإيراني لدفعها على توقيع اتفاق نووي جديد بالشروط الأمريكية، فهل ما تزال مظلة حماية سلطة النظام الإيراني في مواجهة مخاطر التغيير الداخلية أو الخارجية قائمة، وفعّالة، ولا تستثني الحكومة الإسرائيلية، بغض النظر عن طبيعة دوافعها وأسباب أمنها القومي!!؟
في أهداف هجوم ١٣ يونيو 2025، أعلن نتنياهو عن السعي لتقويض البرنامج الصاروخي والنووي الإيراني، بينما تؤكّد طهران أنّها لن تعود إلى طاولة المفاوضات قبل ردع العدوان الإسرائيلي !(١)
على صعيد سياسات واشنطن المُعلنة، أشارت تصريحات الرئيس ترامب المتتالية بوضوح إلى سعي واشنطن لاستغلال ضغوط الحرب الإسرائيلية من أجل فرض إبرام اتفاق نووي وفقا للشروط الأمريكية، وقد تجنّب الرئيس التعليق على ما إذا كانت الولايات المتحدة ستعرض دعما عسكريا لإسرائيل لتدمير البرنامج النووي الإيراني، لكنه قال في وقت سابق إن بلاده لم تشارك في الهجوم الإسرائيلي، مشيدا في الوقت نفسه بالضربات وتباهى باستخدام إسرائيل أسلحة أميركية!
يؤكّد ترامب في تصريحاته اللاحقة ما مضمونه أنّه ليس من مصلحة النظام الإيراني تصعيد الحرب، ولايمكن لإيران كسبها، وبالتالي هزيمة إسرائيل، وعليها توقيع الاتفاق قبل فوات الأوان!
فهل تشير تطوّرات الحرب اللاحقة على فشل خطة ترامب الرئيسية، وتحوّل أهداف الحرب باتجاه استهداف مرتكزات سلطة النظام، والعمل على إضعافه لصالح "خطة ب"، تستهدف تغيير سلطة النظام؟
في وقت سابق، عبّر ترامب عن ثقته في أنّ إيران ستوقّع في نهاية المطاف اتفاقا بشأن برنامجها النووي، محذّرا من أن الولايات المتحدة "ستفعل شيئا ما" بمجرد مغادرته قمة مجموعة السبع.
من جانبه، الرئيس الإيراني، لم يرفض عودة بلاده إلى طاولة المفاوضات، لكنه ربطها بشرط "كبح اعتداءات إسرائيل"، وأنّ بلاده سترد بالمثل على أي اعتداء إسرائيلي.
في نفس السياق، قال موقع أكسيوس أنّ إدارة ترامب أبلغت حلفاءها في المنطقة بأنٍّها لا تخطط للإنخراط في الحرب، ونقلت رسالة تحذير لطهران من مخاطر تجاوز الخط الأحمر!
ما هو الخط الأحمر الامريكي، وهل تجاوزته طهران، وما هي العواقب المحتملة؟ في كلّ لحظة، تتكشّف طبيعة مخاطر استمرار الحرب:
في منشور على منصة "تروث سوشيال"،
أوضح ترامب أنّه "كان يجب على إيران توقيع الاتفاق عندما طلبتُ منها التوقيع. لا يمكن لإيران امتلاك سلاح نووي.. كررت ذلك مرارا! وعلى الجميع إخلاء طهران فورا!"
في آخر تصريحاته لوكالة الانباء الفرنسية ، صباح يوم الثلاثاء، ١٦ ٦، حثّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجميع على إخلاء العاصمة طهران فورا، وجدد القول إنه كان ينبغي على إيران توقيع اتفاق نووي مع الولايات المتحدة.
ولم يقدم ترامب أي تفاصيل حول سبب دعوته لإخلاء العاصمة الإيرانية التي يعيش فيها حوالي 10 ملايين شخص.
في نفس الإطار، كان قد أعلن نتنياهو عن سيطرة سلاح الجو الإسرائيلي على سماء طهران ودعا إلى إخلاء المدينة!
أصدرت القوات الإسرائيلية في وقت سابق من يوم الاثنين تحذيرا بالإخلاء شمل ما يصل إلى ٣٣٠ ألف شخص في جزء من منطقة وسط طهران، ويشمل هذا الجزء مقر التلفزيون الحكومي ومقر الشرطة بالإضافة إلى 3 مستشفيات كبرى، أحدها تابع للحرس الثوري.
ذكرت وسائل إعلام إيرانية مساء يوم الاثنين، أنّ هجوما إسرائيليا استهدف مبنى هيئة الإذاعة والتلفزيون في طهران، وقد أفاد الإعلام الإيراني بمقتل وإصابة عدد من موظفي الإذاعة والتلفزيون.
وأوضحت وكالة "فارس" أن الهجوم الإسرائيلي على مبنى الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون الإيرانية لم يكن واسع النطاق وهدفه هو بث الخوف والذعر.
في خلاصة القول،
في بداية الحرب، كانت الوقائع تشير إلى الاستنتاج بأنّه ليس من مصلحة واشنطن، ولا في أهداف أجنداتها الإقليمية، إسقاط سلطة النظام الإيراني، لأسباب ترتبط بعواقبها على وحدة إيران، ومخاطر تفشيل الدولة وتقسيمها على الأمن القومي الإقليمي الذي تعمل واشنطن على ترسيخ أسسه، بما يدلل على أنّ هدف الحرب الإسرائيلية الراهنة لن يتجاوز سقف إجهاض مشروع التسليح الإيراني، البالستي والنووي، ولن يسعى لإسقاط النظام الذي سيصبح لاحقا أحد مرتكزات مشروع التطبيع الإقليمي،
فهل سقطت مظلّة الحماية الاستراتيجية لسلطة النظام الإيراني في طهران، مع تجاوز السلطة للخطوط الحمراء الأمريكية؟
------------------------------------------
(١)- " إلى جانب استهداف البرنامج النووي الإيراني، تُلمّح إسرائيل إلى أهداف أوسع نطاقا. فاسم العملية، "الأسد الصاعد"، يشير بشكل غير مباشر إلى الرمز الإمبراطوري الذي ارتبط بإيران في عهد الشاه، ما يُفهم منه أن الهدف لا يقتصر على عرقلة البرنامج النووي، بل ربما يمتد إلى محاولة إضعاف النظام نفسه. كما أن طبيعة عمليات الاغتيال المُحددة بدقة توحي بأن المخطط الإسرائيلي أكثر طموحا من مجرد تحييد القدرات النووية."
#نزار_فجر_بعريني (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟