نزار فجر بعريني
الحوار المتمدن-العدد: 8365 - 2025 / 6 / 6 - 11:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الخَيار الأمني الميليشياوي:
القرار الإستراتيجي بمواجهة حراك شعبي سلمي بات محتملا في ضوء "انتصارات" الربيع المصري، ومنع صيرورته ثورة ديمقراطية وطنية بأدوات وأذرع ونهج "الخَيار الأمني الميليشياوي- التطييف والميلشة، بأذرع الإسلام السياسي الجهادي والكردستاني "، كان قد اتخذ قبل منتصف آذار ٢٠١١ ،وقبل انطلاق الاحتجاجات في دمشق ودرعا( كما اكّد "سماحة السيد"، في مقابلات حصرية مع "بن جدو")، بما يضع جميع إجراءات التأجيج والردع اللاحقة خلال ٢٠١١ في إطار المرحلة الأولى من "الخَيار الأمني العسكري الطائفي" ، بين ربيع ٢٠١١ ومنتصف ٢٠١٢، وشملت تصعيد الحراك الشعبي ، بوسائل الضخ الإعلامي الثوري ، والتجييش الطائفي ، ومواجهة النشاط السلمي الثوري بوسائل أمنية، وقد ركّزت سلطة الأسد جهودها على توريط الجيش السوري في الصراع السياسي والعسكري ، وتحويله إلى " ميليشا " وقد لعبت الجهود الأمنية الإيرانية والتحريض الإعلامي الطائفي، القطري والسعودي ...، والسياسي الأمريكي ،أدوارا متكاملة في تأجيج المشاعر المتطرّفة، ودفع جميع الأطراف الى التشدد، تكاملا مع جهودٍ شاملة ، قادتها واشنطن، وسعت لتفشيل مسارات تسوية سياسية كانت ممكنة خلال ربيع وصيف ٢٠١١.
المواجهات الأمنية وخطوات وجهود التطييف والميلشة والعسكرة، من جهة ، تكاملت مع جهود دبلوماسية وسياسية قادتها واشنطن بعد مطلع ٢٠١٢ عبر تشكيل تحالف " الدولة الداعمة " و "مجلس الأمن" لتفشيل قيام حل سياسي، من جهة ثانية ، وإجهاض جهود نخبوية لتأسيس قيادة/ جسم سياسي وطني ديمقراطي معارض،عبر التحكّم بقيادات الهياكل المعارضة الجديدة و تطويع شخصياتها التاريخية ، وتقسيمها وفقا لطبيعة المرجعية والتبعية، بين داخلية /
خارجية ، وسورية/كردية ، وتقسيم الصف الكردي نفسه بين المحاور الإقليمية، خاصّة الإيراني الأسدي الروسي، والتركي السعودي ،و قد نجحت في دق إسافين في وحدة الصف الوطني الديمقراطي، وتوزيع جهود المعارضات بين أجندات تحالف قوى " الخَيارالعسكري الطائفي" الدولية والإقليمية. !!
لقد شكّلت المرحلة الأخطر في تفشيل جهود الحل السياسي التي كان يمكن لها أن تؤدّي إلى قطع مسارات الخَيار العسكري، ودفع الصراع على خارطة طريق انتقال سياسي ، وقدّ برز قبل نهاية ٢٠١١ ومطلع ٢٠١٢ تفشيل جهود لجنة المراقبين العرب في إطار خطّة السلام العربية الأولى، كما تمّ إسقاط " خطّة السلام العربية الثانية في مجلس الأمن ٤ شباط ، بعد " نقل الملف " إلى يد الدول الداعمة ، مجلس الأمن " ، منعا لجهود تشكيل " قوّة تدخّل عربية ، وقد توجّت تلك الجهود عدم تمكين كوفي أنان بآليات تنفيذ نقاطه الستة ، وجريمة اغتيال ضباط خليّة الأزمة في ١٨ تموز ،مزيلة آخر عقبات إطلاق يد الأسد في قيادة الجيش ، وشكّلت أخطر مقدّمات دفع الصراع على مسار الخَيار الأمني الميليشاوي ، الذي استمّر بمراحله المتعاقبة حتى آذار ٢٠٢٠ .
خلال المرحلة الثانية ، بين منتصف ٢٠١٢/ ٢٠١٤ – وأدّت المعارك الطائفية والميليشياوية المتصاعدة العنف والتحشيد إلى تفشيل مؤسسات الدولة وهزيمة صيرورة الحراك السلمي ثورة ديمقراطية، وسيطرة ميليشيات الثورة المضادة الجهادية والكردستانية، وانتهت عند تدخّل جيوش الولايات المتّحدة وتحالفها الدولي خلال صيف ٢٠١٤، وتنسيق تدخّل روسي لاحق ،وقد كان أبرز نتائجها، إضافة إلى سيطرة ميليشيات قوى الثورة المضادة الإسلامية على معظم مساحة سوريا، الحفاظ على سلطة الأسد الميليشياوية،"واستمرار شرعيتها الدولية، وحصول ميليشيات " حماية الشعب " التابعة لحزب PYD وقيادة قنديل الإيرانية وأجهزة الأسد، على ثلاثة مواقع ارتكاز رئيسية تحت يافطة "روج آفا"!!!
بدأت المرحلة الثالثة، مع إطلاق معارك التحالف ضد داعش في مدينة كوباني في نهاية ٢٠١٤، وتواصلت معاركها بين منتصف ٢٠١٥ - وربيع ٢٠٢٠، وسعت في تكامل أهدافها وجودها السياسية ( RAND- مسار آستنة )،والميدانيةإلى إعادة توزيع مناطق السيطرة الميليشياوية إلى حصص ومناطق نفوذ، وفقا لمقتضيات مشروع تقسيم سوريا.
* مسار آستنة، وفقا لمبادىء وخارطة طريق نظرية التسوية السياسية الأمريكية التي طرحها مركز RANDالتابع للبنتاغون نهاية ٢٠١٥، منذ مطلع ٢٠١٦، وكانت أبرز نتائجها إعادة فرز وتصنيف الميليشيات ميدانيا وسياسيا و فقا لأجندات واشنطن، و بلورت في صيرورتها نهاية ٢٠١٩ أربع سلطات أمر واقع، تشكّل النظام السوري الجديد - الأسد و قسد و حكومة الإنقاذ" في إدلب ، و"المؤقّتة" على مناطق السيطرة التركية المباشرة ، التي فرضها عسكريا الجيش التركي وأذرعه السورية من ميليشيات قوى الثورة المضادة، في مواجهة حروب روسيا والولايات المتّحدة وإيران !
المرحلة الرابعة ، والاخيرة- انطلقت صيرورتها بعد توقيع اتفاقيات ٥ آذار بين الرئيسين التركي والروسي، وهي مرحلة "التسوية السياسية الأمريكية الجزئية على قاعدة آليات تنفيذ خارطة طريق مركز RAND ، وفي تساوق مع مشروع التطبيع الإقليمي، وتمحورت إجراءاتها حول هدف الوصول الى إعتراف متبادل و تهدئة مستدامة بين سلطات الأمرالواقع، تشرعن واقع الحصص ، وتسمح بإعادة التأهيل على الصعيد السوري، والتطبيع ، إقليميّا وعالميا، بما يثبّت مرتكزات مشروع التقسيم التشاركي بين الولايات المتّحدة والنظام الايراني.
في صلب عوامل سياق تطوّر أحداث الصراع اللاحقة ، وصولا إلى عتبة هجوم رد العدوان، وإنجاز إسقاط سلطة الأسد، من الضروري توضيح طبيعة التناقضات التي واجهتها خارطة السيطرة الإقليمية والسورية، بعنوانها الأمريكي، وقاعدة سيطرتها التشاركية ، الإيرانية الأمريكية، وقد أظهرت إدارة بايدن عجزا متواصلا عن مواجه التحدّيات :
أ- تناقض مصالح تركيا الاستراتيجية مع نتائج المسارات السياسية الأمريكية التي سعت لتقاسم سوريا و تثبيت مرتكزات شبكة السيطرة التشاركية الإيرانية الأمريكية التي تجسّدت بسلطتي أسد وقسد.
ب- رفض إسرائيلي ،متزايد الإصرار ومتصعد العنف، لسياسات تثبيت قواعد شبكة السيطرة الإيرانية التي ترتكز عليها سلطة الأسد.
ت-التنافس الروسي الإيراني على مواقع السيطرة الأسدية .
وقد شكّلت حروب وصراعات تناقضات التسوية السياسية الأمريكية عوامل وحيثيات إسقاط سلطة الأسد في الثامن من ديسمبر.
في عواقب الغزو الروسي لأوكرانيا، أكتوبر ٢٠٢٢، أظهرت القيادة الروسية تراجعا خطيرا في قدرات تأثيرها على مآلات العملية السياسية، والصراع على سوريا ، وكشفت سياسات إدارة بايدن فشلا متواصل في إيقاف الحروب الإسرائيلة المدمّرة ضد مواقع السيطرةالإيرانية، في أعقاب هجوم طوفان الأقصى في الثامن من أكتوبر٢٠٢٣، كما كشفت هجمات القيادة العسكري الإيرانية عجزا خطيرا عن ردع حكومة الحرب اليمينيّة خلال معارك المواجهات المباشرة في طهران وتل أبيب ، و أظهر الأسد عجزا عن التوافق مع تركيا و الانفصال عن شبكة السيطرة الإيرانية التي تعرّضت لتآكل مستمر منذ مطلع ٢٠٢٠، خاصة في أعقاب حروب حكومة اليمين الإسرائيلي بعد الثامن من أكتوبر ٢٠٢٣، وقد شكّلت تلك العوامل بتكامل تأثيراتها المتداخلة حيثيات إسقاط سلطة الأسد !
ماذا حصل بعد الثامن من ديسمبر ٢٠٢٤ ، وكيف تغيّرت طبيعة الصراع على السلطة والكيان الجيوسياسي، وما هي الآفاق؟ هي تساؤلات جوهرية ، من مصلحة السوريين المشتركة إدراك مقارباتها الموضوعية !
على أيّة حال، تستحق سوريا ، والسوريين، فرصة جديدة ، كما يعتقد ترامب ، وكما يأمل غالبية السوريين، الذين يتطلّعون بأمل لتجاوز المخاطر المحدقة التي صنعت شروطها وادواتها حقبة الأسدين، في سياق مشروع السيطرة الأمريكية الإيرانية، والخروج من عنق الزجاجة!!
التحدّيات عظيمة ، على جميع الصعد والمستويات، توجّب على السوريين في السلطة وعلى المستوى الشعبي العام ، توحيد الإرادة والجهود،عبر خطوات وإجراءات ترسيخ سلطة القانون ، والعدالة الانتقالية ...بآفاق التسامح وتعزيز شروط إعادة بناء الثقة بين السوريين، ومع مؤسسات السلطة الجديدة !!
هي مصالح ومسؤوليات مشتركة ، وهي فرصة تاريخية، فهل يرتقي السوريون إلى مستويات المسؤولية التاريخية !!
من نافل القول أنّه لايجب تقييم السلطة الجديدة ومآلات العملية السياسية الانتقالية من منظور أيدولوجي ساكن، وبناء على طبيعة ميليشات الإسلام السياسي الجهادي التي انضوت في أطر غرفة العمليات العسكرية، كما لايمكن تقييم طبيعة خصومها من منظور " اليسار الديمقراطي" الرائج !! هي قراءات غير حيادية ، منفصلة عن حقائق الواقع ، وتستخدم لغة التضليل ، عوضا عن منهج البحث العلمي ...
أعتقد أنّ القراءة الموضوعية لطبيعة السلطة الجديدة لايمكن أن تصحّ في منظور أيدولوجي، أحادي الاتجاه ، يتجاهل ما تتضمّنه السلطة الجديدة، راهنا وفي المآلات ، من اتجهات متناقضة، تتمظهر من جهة أولى، بوجود خط سياسي انتقالي وطني باتت تمثله حكومة تكنو قراط ، و قاعدة شعبية سورية داعمة وعوامل التأثير والفعل الخارجية الإيجابية، في مواجهة مصالح قوى ميليشياوية جهادية تتقاطع رؤيتها وسلوكها الإقصائي مع مصالح مشروع قوى التقسيم الميليشياوية، الطائفية والأسدية و القسدية ، وتشكّل موضوعيا وذاتيا أكبر التحديات أمام تقدّم مسارات العملية السياسية الانتقالية الوطنية !
القراءة السياسية الموضوعية تكشف وجود مشروعين داخل السلطة ، يرتبط مصيرهما في تقدّم العملية السياسية الانتقالية بعلاقات جداية متناقضة ، ويقع تحت تأثير مباشر لعوامل السياق الإقليمية والدولية والصراعات الداخلية على شكل السلطة ومصير الكيان الجيوسياسي. مما لاشكّ فيه أنّ سياسات الإدارة الأمريكية الجمهورية تجاه مستقبل سوريا، بالتكامل مع سياسات القيادات السعودية القطرية والتركية تجاه السلطة الجديدة، ستعزز أسباب نجاح الخط السياسي الوطني الذي تمثله اليوم حكومة التكنوقراط، بقيادة الرئيس الانتقالي، بينما سيؤّدي تفاقم الصراع السياسي والعسكري على الساحل والسويداء إلى تعزيز حضور ودور القوى الميليشياوية في السلطة وخصومها وأعدائها!
في أبرز عوامل الفعل الداخلي ،التي تؤثّر في رسم مآلات المستقبل ، أعتقد أنّه يتوجّب على تيارات وشخصيات وثقافة " اليسار الديمقراطي " ان تطوّر رؤيتها ، خاصة حول اهميّة إثبات مصداقيتها الوطنية عبر تحديد موقفا واضحا من قوى التقسيم ، رفض مشروعه، والوصول إلى رؤية واقعية، تبيّن حقيقة عدم واقعية مطالبة السلطة الجديدة ببناء "نظام ديمقراطي" على أسس حزبية ، طالما لايوجد مشروعية " ديمقراطية " ولا دستورية لجميع الهياكل التنظيمية السياسية أو النزعات الأيديولوجية القائمة اليوم!
المطلوب اليوم هو بناء مؤسسات دولة القانون العادل، والمواطنة المتساوية، في مسارات إعادة توحيد السلطة والجغرافيا، وبمشاركة الجميع على أسس غير حزبية ، وبما يضع أسس حياة سياسية حزبية مستقبلية ...
ضمن هذا الإطار ، ينبغي الاعتراف أنّ عوامل السياق الأمريكية و السعودية والتركية الداعمة لمسارات الانتقال السياسي الراهنة والمستقبلية هي البديل الافضل لعوامل السياق الخارجية الأسدية ، وتعطي نقاط قوّتها، سوريا ، والسوريين، فرص تاريخية لبناء اقتصاد حديث ...ومؤسسات الدولة الوطنية الموحّدة.. أعتقد أنّ القراءة الموضوعية لطبيعة السلطة الجديدة لايمكن أن تصحّ في منظور أيدولوجي، أحادي الاتجاه ، يتجاهل ما تتضمّنه السلطة الجديدة، راهنا وفي المآلات ، من اتجهات متناقضة، تتمظهر من جهة أولى، بوجود خط سياسي انتقالي وطني باتت تمثله حكومة تكنو قراط ، و قاعدة شعبية سورية داعمة وعوامل التأثير والفعل الخارجية الإيجابية، في مواجهة مصالح قوى ميليشياوية جهادية تتقاطع رؤيتها وسلوكها الإقصائي مع مصالح مشروع قوى التقسيم الميليشياوية، الطائفية والأسدية و القسدية ، وتشكّل موضوعيا وذاتيا أكبر التحديات أمام تقدّم مسارات العملية السياسية الانتقالية الوطنية !
القراءة السياسية الموضوعية تكشف وجود مشروعين داخل السلطة ، وليس مشروع واحد ، وتبيّن أنّ عوامل السياق الإقليمية والدولية التي تعبّر عنها سياسات الإدارة الأمريكية و القيادات السعودية القطرية والتركية تجاه السلطة الجديدة، ستعزز أسباب نجاح الخط السياسي الوطني الذي تمثله اليوم حكومة التكنوقراط، بقيادة الشرع.
في أبرز عوامل الفعل الداخلي ،التي تؤثّر في رسم مآلات المستقبل ، أعتقد أنّه يتوجّب على تيارات وشخصيات وثقافة " اليسار الديمقراطي " ان تطوّر رؤيتها ، خاصة حول اهميّة إثبات مصداقيتها الوطنية عبر تحديد موقفا واضحا من قوى التقسيم ، رفض مشروعه، والوصول إلى رؤية ديمقراطية واقعية، تبيّن حقيقة عدم واقعية مطالبة السلطة الجديدة ببناء "نظام ديمقراطي" على أسس حزبية ، طالما لايوجد مشروعية " ديمقراطية " ولا دستورية لجميع الهياكل التنظيمية السياسية أو النزعات الأيديولوجية القائمة اليوم!
المطلوب اليوم هو بناء مؤسسات دولة القانون العادل، والمواطنة المتساوية، في مسارات إعادة توحيد السلطة والجغرافيا، وبمشاركة الجميع على أسس غير حزبية ، وبما يضع أسس حياة سياسية حزبية مستقبلية ...
ضمن هذا الإطار ، ينبغي الاعتراف أنّ عوامل السياق الأمريكية و السعودية والتركية الداعمة لمسارات الانتقال الراهنة والمستقبلية هي البديل الافضل لعوامل السياق الخارجية الأسدية والقسدية ، وتعطي نقاط قوّتها، سوريا ، والسوريين، فرص تاريخية لبناء اقتصاد حديث ...ومؤسسات الدولة الوطنية الموحّدة..
---------------------------------------------
#نزار_فجر_بعريني (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟