|
بين ذاكرة تاريخية وصراع معاصر – تحليل العلاقات الإيرانية–الإسرائيلية من منظور حضاري لكاتب فرنسي يميني
زياد الزبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 8389 - 2025 / 6 / 30 - 14:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ترجمة وتحليل د. زياد الزبيدي 29 يونيو 2025
بينما تتعالى قرقعة السلاح وتتبادل طهران وتل أبيب التصريحات النارية، تظهر الحاجة إلى قراءة أكثر هدوءًا وعمقًا للتوتر المتصاعد بين إيران وإسرائيل. فالمواجهة الحالية ليست مجرد نزاع جيوسياسي، بل هي إنعكاس لصدام مركب بين ذاكرة تاريخية ممتدة وهوية دينية–سياسية متغيرة. ومن هنا، يقدّم الصحفي والمعلق السياسي اليميني الفرنسي بيير بوازيغيلبير Pierre Boisguilbert، عبر منصة Polémia اليمينية الوطنية، رؤية مختلفة، وليس من الضروري أن تكون صحيحة، تستند إلى التاريخ المشترك بين اليهود والفرس، بعيدًا عن التفسيرات الإختزالية للصراع وعن منطق الحرب والدعاية السياسية. وهي نظرة أقل ما يقال عنها أنها غير متماسكة وغير متناسقة مع الواقع، تعكس طريقة تفكير جزء كبير من النخب الأوروبية الموالية للصهيونية والقفز عن حقوق الشعب الفلسطيني.
أولاً: إيران كقوة حضارية لن تختفي
يرى الكاتب أن إيران، كروسيا، ليست كيانًا طارئًا على الجغرافيا السياسية، بل هي وريثة إمبراطورية فارسية "تحدت روما بالأمس، كما تتحدى واشنطن اليوم". ويشدد على أن الإيرانيين ليسوا عربًا — "الذين يحتقرونهم" — ولا أتراكًا — "الذين يخشونهم"، بل هم فرس، يحملون هوية حضارية متجذّرة.
لكن إيران اليوم ليست إمبراطورية كورش أو داريوس، بل "إيران الملالي"، دولة ذات مشروع "مسياني وغزووي" تسعى لأسلمة العالم، وترى في إسرائيل "عدوًا وجوديًا يجب القضاء عليه"، وهو ما يبرّر حتى دعمها لحركات سنيّة مثل "حماس"، في تحالف يبدو "ضدًّا للطبيعة والتاريخ والدين"، على حد وصف الكاتب.
ثانيًا: من الملوك الفرس إلى الحاخامات: الجذور المشتركة بين اليهود والفرس
يرى بوازيغيلبير أن خلف هذه الخصومة الحادة اليوم تكمن روابط تاريخية وثيقة، بعضها روحي وديني. فبعد سبي بابل عام 586 ق.م.، كان الملك الفارسي كورش الكبير هو من حرر اليهود، وأعادهم إلى القدس، بل و"موّل عودتهم، وعيّن حاكمًا يهوديًا (نحميا)، ودعم إعادة بناء الهيكل".
وفي خطوة نادرة، يُشار إلى أن "كورش" سُمّي بـ"المسيح" في سفر إشعيا (45:1)، أي أداة إلهية لإعادة بناء إسرائيل. ويضيف الكاتب "تحت السيطرة الفارسية تمت صياغة العهد القديم بشكله الذي نعرفه اليوم".
هذه العلاقة الخاصة إستمرت، حيث ألهمت لاحقًا دافيد بن غوريون لتأسيس "شراكة إستراتيجية مع الشاه الإيراني"، إمتدت حتى الإطاحة بنظام الشاه عام 1979. كما أن الجالية اليهودية الإيرانية اليوم، رغم كل شيء، ما تزال فاعلة وتحظى بحقوق نسبية، بما في ذلك وجود نائب برلماني، ومستشفيات، ومعابد، وأماكن مقدسة مثل ضريح "استير" في همدان.
ثالثًا: الصراع الراهن... وإستحضار "كورش" جديد؟
يرى الكاتب أن محاولات إسرائيل لمنع إيران من إمتلاك سلاح نووي، ورغبتها المعلنة في "تغيير النظام الإيراني"، يمكن تأويلها كنوع من إعادة تمثيل لدور كورش: تحرير الشعب الإيراني من الإستبداد.
لكن، يتساءل الكاتب: "هل يمكن تحرير شعب عبر الحرب؟" مشيرًا إلى الفشل المروع لمشاريع "تغيير الأنظمة" في العراق، وسوريا، وأفغانستان، وليبيا. ويُحذّر من "الخطاب الثنائي الذي يصف كل خصم بـ هتلر "، ومن الأكاذيب التي ترافق مثل هذه المغامرات الجيوسياسية.
رابعًا: بين الإسلاموية والهوية الفارسية
يؤكد بوازيغيلبير أن "الإسلاموية" هي العنصر الطارئ على العلاقة، وليست "فارس". فالشعوب الإيرانية والإسرائيلية تعرف بعضها جيدًا. ويرى أن تجاوز هذا الصدام يمرّ عبر تخطّي "الخمينية"، والعودة إلى "إيران الأبدية". لكنه يُنهي مقاله بسؤال مفتوح: "هل يمكن تحقيق ذلك عبر القنابل والإغتيالات؟ وماذا سيولد بعدها؟ أيُّ فارس ستخرج من تحت الركام؟" ويختم بجملة تحمل دلالة قوية: "ليس كل من يشاء يصبح كورش."
خاتمة: صراع الذاكرة والسياسة
تكشف هذه القراءة أن الصراع الإيراني–الإسرائيلي لا يمكن فهمه خارج إطاره التاريخي العميق، حيث تختلط الجذور الدينية المشتركة، بالتحولات السياسية الحديثة. إن النبرة التحريضية وقرقعة السلاح تخفي علاقات حضارية قديمة، وإحترامًا متبادلاً سابقًا، إنقلب إلى عداوة أيديولوجية بفعل التحولات العقائدية في طهران، لا بفعل طبيعة العلاقة بين الشعبين.
يبقى التساؤل مطروحًا: هل يمكن إستعادة خيط التواصل بين إسرائيل وإيران، بعد زوال نظام الملالي؟ أم أن الجراح صارت أعمق من أن تندمل؟
----- هوامش 1) الإمبراطورية الفارسية الأخمينيّة (Achaemenid) تشير إلى السلالة الفارسية الأولى التي أسّست الإمبراطورية الفارسية الكبرى في القرن السادس قبل الميلاد. 🔹 نسبة إلى: "أخمِنِش" (Achaemenes)، وهو الجد الأعلى للأسرة الحاكمة. 🔹 الفترة: من نحو 550 ق.م حتى 330 ق.م. 🔹 أبرز ملوكها: كورش الكبير، داريوس الكبير، خشايار (زركسيس). 🔹 الإنجازات: أسست أول إمبراطورية عالمية متعددة القوميات، امتدت من الهند إلى اليونان. 🔹 السقوط: انتهت بسقوطها على يد الإسكندر المقدوني عام 330 ق.م. أهميتها: الأخمينيون اشتهروا بالتسامح الديني، والتنظيم الإداري المتطور، والعمارة الملكية، مثل مدينة برسيبوليس. ويُعدّون مهدًا للحضارة الإيرانية الكلاسيكية.
2) كورش الكبير (Cyrus the Great) هو مؤسس الإمبراطورية الفارسية الأخمينية، وأحد أعظم القادة في التاريخ القديم. حكم من حوالي 559 ق.م إلى 530 ق.م، وامتدت إمبراطوريته من الهند شرقًا إلى البحر المتوسط غربًا. أهم ملامح شخصيته ودوره: -قائد فارسي إصلاحي اشتهر بالتسامح الديني والثقافي. -حرّر اليهود من سبي بابل سنة 538 ق.م، وسمح لهم بالعودة إلى القدس وبناء الهيكل، لذلك يُذكر بإجلال في التوراة، بل يُلقب في سفر إشعيا بـ"المسيح" (أي المختار من الله). -يُعتبر رمزًا للتسامح والعدل في الحكم، وتُنسب إليه أقدم وثيقة لحقوق الإنسان، وهي أسطوانة كورش (Cyrus Cylinder). -وضع أساس إمبراطورية تعددية ضمت شعوبًا متعددة وديانات متنوعة، وحكمها بمنهج إداري متقدم لعصره. في التراث اليهودي والإيراني: في التراث اليهودي: يُحتفى به كمنقذ ومحرّر، وأداة في يد الله. في الهوية الإيرانية: يُعد رمزًا وطنيًا للتاريخ المجيد قبل الإسلام.
3) داريوس الأول أو الكبير (Darius I the Great) هو ثالث ملوك الإمبراطورية الفارسية الأخمينية، وقد حكم من سنة 522 ق.م إلى 486 ق.م، ويُعد من أعظم الملوك في التاريخ الإيراني القديم. أبرز إنجازاته: 1. وسع الإمبراطورية الفارسية إلى أقصى حدودها، حتى أصبحت أكبر إمبراطورية عرفها العالم القديم، امتدت من الهند شرقًا إلى ليبيا واليونان غربًا. 2. نظّم الإدارة المركزية بشكل فعال، فقسّم الدولة إلى ولايات (ساترابات)، ووضع قوانين موحدة، ونظامًا للجباية والضرائب. 3. أنشأ شبكة طرق واسعة، من أشهرها "الطريق الملكي" الذي سهّل التنقل والتجارة في الإمبراطورية. 4. أمر ببناء مدينة برسيبوليس (تخت جمشيد)، التي أصبحت رمزًا للفخامة الأخمينية. 5. حاول غزو اليونان، لكنه هُزم في معركة ماراثون عام 490 ق.م. في التراث اليهودي: ذُكر داريوس في الكتاب المقدس كملك دعم اليهود في استكمال بناء الهيكل الثاني في القدس. في سفر عزرا، يظهر كملك أعاد تثبيت مرسوم كورش، وأمر بإعطاء المساعدات المالية لبناء الهيكل. في الثقافة الفارسية: يُعتبر داريوس أحد رموز المجد الفارسي قبل الإسلام. خُلد اسمه في نقش بيستون الشهير، الذي وثّق انتصاراته وخطبه بثلاث لغات: الفارسية القديمة، والعيلامية، والبابلية. 4) "مشروع مسياني وغزووي" messianic and conquest project يعني أن النظام الإيراني، كما وصفه الكاتب، يتبنى رؤية دينية–عقائدية خلاصية (مسيانية)، يعتبر فيها نفسه مكلفًا بنشر الإسلام الشيعي على نطاق عالمي، ويقترن ذلك – حسب الكاتب الفرنسي - بنزعة توسعية تهدف إلى تصدير الثورة والسيطرة الإقليمية وربما العالمية. -----
#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طوفان الأقصى – 632 -إسرائيل الكبرى- بين الطموح اللاهوتي والك
...
-
ألكسندر دوغين - في حرب الأيام ال12، وضع ترامب نفسه في صف الد
...
-
طوفان الأقصى 631 - كاتبة أسترالية - لا لن يمروا
-
ألكسندر دوغين - إنتهت الحرب العالمية الثالثة، لكنها لا تزال
...
-
طوفان الأقصى 630 - إيران وإسرائيل في أتون المواجهة - حرب تبد
...
-
ألكسندر دوغين – الحرب العالمية الثالثة قد بدأت
-
طوفان الأقصى 629 – الحرب الخاطفة بين إيران وإسرائيل - نهاية
...
-
-الدروس الإيرانية لروسيا: كيف أختُبرت الحرب الحديثة على أبوا
...
-
طوفان الأقصى 628 - إيران بين فخ الحرب ومصيدة التفكيك: قراءة
...
-
الكل إنتصر ولا أحد فاز - أوهام النصر في حرب إيران وإسرائيل
-
طوفان الأقصى 627 - فوردو تنجو وأمريكا تتخبّط
-
ألكسندر دوغين - الفرصة الأخيرة لتوحّد العالم الإسلامي
-
طوفان الأقصى 626 – ضربة مزدوجة
-
بوتين ومحاولة إنقاذ إيران – مناورة دبلوماسية روسية معقدة في
...
-
طوفان الأقصى 625 - «بين أن تكون أو لا تكون»: 22 يونيو... الي
...
-
الوكالة الدولية للطاقة الذرية في عين العاصفة: من رقيب نووي إ
...
-
طوفان الأقصى 624 - إسرائيل وإيران والوكالة الدولية للطاقة ال
...
-
بعد غزة، إيران تصرخ - يا وحدنا - ملف خاص
-
طوفان الأقصى 623 - إحدى الدول القليلة ذات السيادة الحقيقية.
...
-
ألكسندر دوغين - يتحدث حول العدوان الإسرائيلي على إيران - الا
...
المزيد.....
-
بعد فضيحة عناق شاهدها العالم بأسره.. -كولدبلاي- لرواد حفله ا
...
-
ما بين الفخامة والنسيان.. مصورة توثق كنوز مصر المعمارية المه
...
-
سوريا.. اتفاق على إخراج جميع المدنيين الراغبين في مغادرة الس
...
-
تراجع التمويل الأمريكي في الشرق الأوسط: ما هي البدائل؟
-
أوكرانيا: مقتل شخص في هجوم روسي ليلي بوابل من المسيرات والصو
...
-
شهداء بقصف نازحين والاحتلال ينسف مباني شرقي مدينة غزة
-
جهود قطر تنجح في دفع الكونغو وحركة إم 23 لاتفاق سلام
-
وضع الهاتف مقلوبًا قد يحل أكبر مشكلات آيفون
-
الإكوادور تسلم الولايات المتحدة زعيم أخطر عصابة لتهريب المخد
...
-
روسيا تطلق وابلا جديدا من المسيرات والصواريخ على أوكرانيا
المزيد.....
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
-
ذكريات تلاحقني
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|