|
طوفان الأقصى 626 – ضربة مزدوجة
زياد الزبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 8383 - 2025 / 6 / 24 - 00:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
*إعداد وتعريب د. زياد الزبيدي بتصرف *
إيفان بوتشاروف مستشرق، مدير البرامج في المجلس الروسي للشؤون الدولية صحيفة إزفستيا الموسكوفية
23 يونيو 2025
هل تغير ضربات الولايات المتحدة وإسرائيل لإيران موازين القوى وتطلق سلسلة من ردود الفعل في الشرق الأوسط؟
تشير الضربات الأمريكية على المنشآت النووية الإيرانية إلى مراجعة في سياسة واشنطن تجاه الشرق الأوسط. في السنوات الأخيرة، سعت الولايات المتحدة إلى تجنب التورط المباشر في الصراعات العسكرية. مع الحفاظ على وجودها العسكري وعلاقاتها التحالفية مع معظم دول المنطقة، حاولت واشنطن تقليل التكاليف بإعادة توزيع الموارد على إتجاهات إستراتيجية أخرى. على سبيل المثال، أوقفت الولايات المتحدة دعم العمليات الهجومية في اليمن، وسحبت قواتها من أفغانستان، وإتخذت خطوات لتقليل وجودها العسكري في العراق وسوريا.
رافق هذه السياسة عمليات محدودة، مثل تصفية زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، وقتل قائد فيلق القدس التابع لحرس الثورة الإسلامية قاسم سليماني، بالإضافة إلى نشر قوات إضافية، بما في ذلك مجموعات حاملات الطائرات، في البحر الأبيض المتوسط والخليج العربي خلال فترات تصاعد التوتر.
لكن هذا النهج لم يعنِ تراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة. واصلت الولايات المتحدة إستخدام أدواتها السياسية والإقتصادية، بينما حفزت رغبة بعض اللاعبين الإقليميين في التوصل إلى إتفاقات معينة، مما قد يسمح لواشنطن على المدى الطويل بتقليل مشاركتها العسكرية. مثال واضح على ذلك هو "اتفاقيات أبراهام"، التي قامت بموجبها الإمارات والبحرين والمغرب بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل. كما يتناسب مع هذا النهج مشروع "الناتو العربي"، الذي إقترح إنشاء نظام أمني جماعي إقليمي بمشاركة إسرائيل، يستهدف إحتواء إيران. في هذا الإطار، سعت الولايات المتحدة إلى لعب دور الحَكَم والوسيط، مع نقل جزء من مسؤولية الأمن إلى حلفائها.
تشير الضربات الحالية على البنية التحتية النووية الإيرانية إلى تعديل هذا النهج. يصعب مقارنة حجمها وطبيعتها بأزمة يناير 2020، التي نتجت عن إغتيال الجنرال سليماني. لا يمكن إعتبار ضربات الولايات المتحدة مجرد إستعراض للقوة؛ بل هي تطبيق فعلي لها. بعد فترة من الضبط الذاتي الواضح، قد يُنظر إلى هذا التصعيد الحاد كرسالة لكل من طهران وحلفاء واشنطن: الولايات المتحدة مستعدة للجوء إلى الحل العسكري عند الضرورة.
جانب مهم من التصعيد المُدار الذي نشهده الآن هو خطر سلسلة ردود الفعل. فقد صرح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بأن الجمهورية الإسلامية لن تترك الهجوم الأمريكي دون رد. وفقًا للحرس الثوري الإيراني، تعرضت تل أبيب وحيفا وعسقلان وأشدود وعكا وصفد وغيرها من المدن الإسرائيلية لضربات صاروخية إيرانية في 23 يونيو. وقد لا يكون هذا كل شيء. إذا رأت واشنطن أن الرد الإيراني مبالغ فيه، فقد يؤدي ذلك إلى موجة جديدة من الضربات. وبالتالي، قد يسعى كل طرف إلى إلحاق ضرر كبير بالخصم دون تجاوز الخط الأحمر الذي قد يثير ردًا قويًا للغاية. المشكلة هي أن هذا الخط يختلف من طرف لآخر. علاوة على ذلك، قد يتحول التصعيد المُدار بسهولة إلى تصعيد خارج السيطرة بسبب سوء التقدير أو العوامل العشوائية.
لا يرتبط خطر تصاعد الصراع بالإرادة السياسية فحسب، بل أيضًا بالموارد العسكرية. وفقًا لبعض التقارير، كان لدى إيران حوالي ألفي صاروخ من نوع "أرض-أرض" عند بداية التصعيد. يعني ذلك أنه في حال إستمرار تبادل الضربات بكثافة عالية، قد تستنفد طهران سريعًا قدرتها على الرد. هذا الخلل قد يؤدي إلى تصعيد من جانب واحد، مما يجعل الصراع غير متناسق بشكل أكبر.
يضاف إلى ذلك خطر التصعيد الأفقي، الذي لا يزال محدودًا لكنه يحتمل الخطورة. فقد تكون ردود فعل إيران موجهة ليس فقط ضد إسرائيل، بل أيضًا ضد القواعد الأمريكية في الخليج العربي. هنا يتبادر إلى الذهن تشبيه بأحداث 2020، عندما أمر دونالد ترامب بقتل قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني في بغداد. ردت إيران بضربات صاروخية على أهداف أمريكية في العراق. قدم الطرفان آنذاك الوضع على أنه مغلق، وتجنبا مزيدًا من التصعيد.
اليوم، الوضع مختلف جذريًا من حيث الحجم والطبيعة. إستهدفت الضربات منشآت نووية حيوية، وهو ما يُنظر إليه في طهران ليس كإستعراض قوة، بل كتهديد مباشر للسيادة.
يحدث هذا التصعيد في ظل ضعف حلفاء إيران الرئيسيين في الشرق الأوسط، المنتمين إلى ما يُسمى بـ"محور المقاومة". بعد هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، بدأت عملية عسكرية في قطاع غزة، أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية التحتية العسكرية للحركة. ثم ردًا على قصف إسرائيل من قبل حزب الله اللبناني، تم شن ضربات على الأراضي اللبنانية، مما أضعف أحد أهم حلفاء إيران القريب من إسرائيل. في ديسمبر 2024، أُطيح بنظام بشار الأسد في سوريا، وأصبح الوجود الإيراني في البلاد شبه منعدم. في الوقت نفسه، شنت الولايات المتحدة وبريطانيا عمليات مشتركة في اليمن ضد حركة أنصار الله، التي هاجمت السفن في البحر الأحمر.
كل هذا يعني تعديلًا جذريًا في المواقف الإقليمية لطهران. إذا إستمرت المواجهة مع إسرائيل والولايات المتحدة، فقد يؤدي ذلك إلى مزيد من الضعف.
ومع ذلك، فإن القدرات المحدودة للقوات الموالية لإيران، بما في ذلك الجهات الفاعلة غير الحكومية وشبه الحكومية، في تنفيذ عمليات واسعة النطاق لا تستبعد مشاركتها في الصراع. على سبيل المثال، يمكن للميليشيات الشيعية في العراق، بما فيها كتائب حزب الله، تنفيذ هجمات على الأهداف الأمريكية في المنطقة. وفقًا لأحدث التقارير، قام حلفاء إيران بالفعل بهجوم على قاعدة أمريكية في الحسكة شمال شرق سوريا. كما أن تنشيط أنصار الله في البحر الأحمر ومضيق باب المندب يظل إحتمالًا قائمًا، مما يزيد التوتر في أحد أهم ممرات التجارة العالمية.
من اللافت أن حزب الله، الذي كان يُعتبر سابقًا أحد أهم أركان "محور المقاومة"، لا يزال يلتزم بوقف إطلاق النار مع إسرائيل ويتجنب الدخول في الصراع. يُعزى ذلك على الأرجح إلى الإضعاف الكبير لقدراته العسكرية بسبب أحداث العام الماضي. بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي دخول حزب الله الحرب إلى رد إسرائيلي واسع النطاق يشمل لبنان بأكمله، وهو سيناريو يبدو أن الحزب يرغب في تجنبه.
كما أنه لا يمكن إعتبار القدرات العسكرية الإيرانية مستنفدة تمامًا. لا تزال الجمهورية الإسلامية قادرة على ضرب القواعد العسكرية الأمريكية في دول الخليج العربي. إذا تحقق هذا السيناريو، فمن المحتمل أن تحاول طهران جعله إستعراضيًا، لتجنب استفزاز رد قاسٍ من واشنطن وإفساد العلاقات مع الدول العربية. لكن حتى الهجوم المحدود قد يغير التصور حول الوجود العسكري الأمريكي: فما كان يُعتبر لعقود ضمانًا للأمن قد يتحول إلى مصدر تهديد.
كما أن هناك احتمالًا أن تحاول إيران، إن لم تغلق مضيق هرمز، فعلى الأقل تعزيز السيطرة على مرور السفن عبر هذا الممر الحيوي. قد تؤدي هذه الخطوة إلى زيادة التقلبات في سوق الطاقة وإستفزاز رد فعل عنيف من الولايات المتحدة.
في الوقت نفسه، أصبح هناك إتجاه آخر ملحوظ، وهو تقليص فرص التسوية الدبلوماسية للملف النووي. إزداد تشكك طهران في إمكانية التوصل إلى إتفاقات مع واشنطن بعد إنسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة في 2018. الضربات الأخيرة زادت من عدم الثقة، مما يجعل تجميد المفاوضات أمرًا محتملًا، وبالتالي إنهاء الجهود الرامية إلى رفع العقوبات.
ومع ذلك، لا يؤدي هذا بالضرورة إلى إضطرابات داخلية في إيران. بل على العكس، قد يصبح التهديد الخارجي عاملًا لتوحيد المجتمع وحتى تعزيز النظام السياسي الحالي. كانت هناك سوابق مماثلة في تاريخ الجمهورية. ففي عام 1980، مع بداية الحرب العراقية الإيرانية، كان صدام حسين يأمل على ما يبدو في زعزعة الإستقرار الداخلي لإيران. لكن المجتمع توحد "حول العلم" وعزز موقف السلطة الجديدة.
أخيرًا، قد تؤدي الضربات على المنشآت النووية، وكذلك إغتيال العلماء الذي نفذته القوات الإسرائيلية، إلى إبطاء تنفيذ البرنامج النووي الإيراني. لكن في ضوء ما يحدث، قد تصل طهران — التي لا تزال تصر على الطبيعة السلمية لبرنامجها — إلى إستنتاج مفاده أن إمتلاك السلاح النووي هو الضمان الوحيد للأمن. قد تعتمد إستراتيجية على مزيد من اللامركزية والتكتم على هذه البنية التحتية، مما يقلص فرص الرقابة الدولية على طابعها السلمي.
وبالتالي، قد تؤدي الضربات على إيران وسلسلة ردود الفعل التي تلت ذلك إلى دخول الشرق الأوسط مرحلة جديدة من الاضطرابات.
#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بوتين ومحاولة إنقاذ إيران – مناورة دبلوماسية روسية معقدة في
...
-
طوفان الأقصى 625 - «بين أن تكون أو لا تكون»: 22 يونيو... الي
...
-
الوكالة الدولية للطاقة الذرية في عين العاصفة: من رقيب نووي إ
...
-
طوفان الأقصى 624 - إسرائيل وإيران والوكالة الدولية للطاقة ال
...
-
بعد غزة، إيران تصرخ - يا وحدنا - ملف خاص
-
طوفان الأقصى 623 - إحدى الدول القليلة ذات السيادة الحقيقية.
...
-
ألكسندر دوغين - يتحدث حول العدوان الإسرائيلي على إيران - الا
...
-
طوفان الأقصى 622 - من المؤتمر الصحفي للرئيس بوتين
-
دور واشنطن المحتمل في العدوان الإسرائيلي ضد إيران: متى تتدخل
...
-
طوفان الأقصى 621 – الولايات المتحدة تزود إسرائيل بقنابل خاصة
...
-
الحرب الإيرانية-الإسرائيلية: الحصيلة المرحلية للأيام الأربعة
...
-
طوفان الأقصى 620 - عدوان إسرائيل يقرب إيران من إمتلاك السلاح
...
-
ثلاثة سيناريوهات مرعبة لحل -المعضلة النووية الإيرانية- - قرا
...
-
طوفان الأقصى 619 - حرب إسرائيل الخاطفة فشلت، فهل تبدأ حرب با
...
-
تصعيد الصراع الإيراني – الإسرائيلي _ سيناريوهات المستقبل في
...
-
طوفان الأقصى 618 – إسرائيل تواصل لعب دور الضحية بينما تقتل ا
...
-
حرب إسرائيل الكبرى على إيران - صراع على ملامح النظام العالمي
...
-
طوفان الأقصى 617 - إيران – هل هي أزمة نظام؟
-
إسرائيل فتحت **صندوق باندورا النووي. ماذا تنتظر روسيا؟
-
طوفان الأقصى 616 – إسرائيل عرضت على إيران الإستسلام. كيف ستر
...
المزيد.....
-
إدانات دولية وتحذيرات بعد الهجوم الإيراني على قاعدة العديد ا
...
-
إيران: ضرباتنا ضد إسرائيل -استمرت حتى اللحظة الأخيرة-
-
هجوم صاروخي إيراني جديد على إسرائيل
-
البيت الأبيض: ترامب منفتح على الحوار لكن الإيرانيين قد يسقطو
...
-
ترامب يعلن نهاية الحرب بين إسرائيل وإيران
-
كشف كواليس التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران
...
-
مسؤول إيراني يؤكد موافقة طهران على وقف الحرب مع إسرائيل
-
ترامب يتوقع استمرار وقف القتال بين إسرائيل وإيران -للأبد-
-
فيديو: انفجارات قوية تهز العاصمة الإيرانية طهران
-
وزير خارجية إيران: لا اتفاق على وقف إطلاق النار -حتى الآن-
...
المزيد.....
-
كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف
/ اكرم طربوش
-
كذبة الناسخ والمنسوخ
/ اكرم طربوش
-
الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر
...
/ عبدو اللهبي
-
في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك
/ عبد الرحمان النوضة
-
الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول
/ رسلان جادالله عامر
-
أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب
...
/ بشير الحامدي
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|