|
طوفان الأقصى 618 – إسرائيل تواصل لعب دور الضحية بينما تقتل الأطفال في إيران
زياد الزبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 8375 - 2025 / 6 / 16 - 01:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
*إعداد وتعريب د. زياد الزبيدي عن الانجليزية بتصرف*
أحمد إبسيس ** منصة Mondoweiss
13 يونيو 2025
في الساعات الأولى من يوم 13 يونيو، شنت طائرات مقاتلة إسرائيلية ضربات عميقة داخل الأراضي الإيرانية، مستهدفة منشآت عسكرية ومجمعات سكنية، وأسفرت عن مقتل مسؤولين إيرانيين رفيعي المستوى، بينهم قائد الحرس الثوري الإسلامي. جاءت الهجمات دون سابق إنذار. لم تكن ردًّا دفاعيًّا ولا هجومًا إستباقيًّا. ومع ذلك، سارعت الحكومة الإسرائيلية، كعادتها، إلى وصف الهجوم بأنه "ضربة إستباقية"، وكأن القانون ينحني ليتوافق مع هواجس دولة تمتلك أسلحة نووية.
لكن النص اللغوي لا يستطيع إخفاء الجريمة. إن سردية إسرائيل تتهاوى تحت وطأة القانون الدولي. المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة تسمح بإستخدام القوة فقط في حالات الدفاع عن النفس إذا وقع هجوم مسلح. وفي حالات إستثنائية، حاولت بعض الدول التذرع بالدفاع الإستباقي، مستشهدة بتهديد وشيك لا مفر منه. لكن حتى بموجب هذه العقيدة المثيرة للجدل، فإن المعيار صارم للغاية: يجب أن يكون التهديد "فوريًّا وساحقًا ولا يترك خيارًا ولا وقتًا للتأمل"، كما جاء في قضية "كارولين"، التي لا تزال المعيار السائد. وبإعتراف إسرائيل نفسها، لم يكن هذا الهجوم ردًّا على أي هجوم إيراني مباشر. لم يكن هناك قصف صاروخي، ولا توغل بري، ولا إعلان حرب. كان في أفضل الأحوال ضربة وقائية—عمل عدواني غير قانوني مُغلف بلغة الشرعية.
سيُدافع مؤيدو إسرائيل بالزعم أن البرنامج النووي الإيراني يشكل تهديدًا وجوديًّا، رغم أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية تواصل التأكيد أن إيران لا تُطور حاليًّا سلاحًا نوويًّا. بينما سيُشير آخرون إلى النفوذ الإيراني الإقليمي أو دعمها لقوات وكيلة. لكن لا شيء من هذا يبرر قصف دولة ذات سيادة دون تهديد وشيك. هناك فرق بين "القلق" والقانونية، ولا يمكن لإسرائيل أن تواصل الخلط بينهما كلما إختارت الضرب.
لم يكن هذا الهجوم منعزلاً. بل هو أحدث حلقة في نمط متكرر من العنف خارج الحدود. ففي السنوات الثلاث الماضية وحدها، قصفت إسرائيل غزة ولبنان وسوريا، والآن إيران—في كل مرة تحت ذريعة الدفاع، وفي كل مرة تدمر البنية التحتية المدنية، وتقتل الأطفال، ثم تلتف إلى العالم بيدين ممدودتين، مُصرّةً أنها الطرف المظلوم. إنها دولة تتحرك وكأنها دائمًا تحت الحصار، ودائمًا لها الحق في الضرب أولاً، ليس ردًّا على تهديد، بل ردًّا على إمكانية المساواة.
في الواقع، يبدو أن المسؤولين الإسرائيليين يدركون ما قد تُثيره أفعالهم. ففي الساعات التي أعقبت الهجوم على طهران، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي إسرائيل كاتس أن إسرائيل تستعد لـ"هجوم كبير من الشرق". الدولة التي تتصرف حقًّا دفاعًا عن النفس لا تتوقع ردًّا من ضحية عدوانها. ما يكشفه هذا ليس الخوف، بل الإستراتيجية. ضربت إسرائيل إيران وهي تعلم أنها قد تُثير ردًّا—تعلم أنها قد تستغل ذلك الرد لتبرير تصعيد إضافي، وتعرف أن الحلقة ستتعمق، وأن الولايات المتحدة ستُدعى مرة أخرى إلى "الوقوف إلى جانب حليفتها".
هكذا تصنع إسرائيل الضوء الأخضر لنفسها. تفرض منطق الإستثناء الدائم، حيث حدودها مرنة، وأعداؤها يتوسعون بإستمرار، وحقها في العنف مطلق. وربما يكون أخطر من الضربات نفسها هو الدور الراسخ لإسرائيل في الدبلوماسية العالمية كالدولة الوحيدة التي لا تواجه عواقب لعدوانها. وحدها من تستطيع الإدعاء بوجود خطر وجودي بينما تحتل وتُحاصر وتقصف كما تشاء. وحدها من تستطيع القتل عبر الحدود وتسميه حفظًا للسلم. وحدها من تستطيع ارتداء عباءة الضحية بينما تُضيء أنظمتها السلاحية سماء نصف المنطقة.
هذه ليست مجرد مشكلة عسكرية، بل هي مشكلة معقَّدة تحتاج إلى تحليل ومناقشة مستفيضة. فعلى مدى عقود، أتقنت إسرائيل فن التلاعب بالسردية، وتقديم نفسها كضحية دائمة، حتى وهي المعتدية. إنها تلعب دور الضحية بطريقة إنتقائية وبغطاء مسرحي. تُركّز على الخوف بينما تمحو السياق. عندما تُطلق حماس صواريخ، يُظهر العالم دولة تحت الحصار. وعندما تُسقط إسرائيل قنابل أمريكية الصنع على المستشفيات ومخيمات اللاجئين، يُقال للعالم إنها تدافع عن نفسها. وعندما تقاوم جيرانها، يُوصفون بالإرهابيين. وعندما تقتل علماءهم وأطفالهم، يُسمى ذلك ردعًا.
هذا التباين ليس عرضيًّا، بل هو حجر الزاوية في المشروع السياسي الإسرائيلي. فالصهيونية تعتمد على فكرة أن أي تحدٍ لسلطتها هو وجودي، وأن أي شعب لديه القدرة على المقاومة يجب أن يُترك بلا دفاع. وهكذا يصبح الوجود الفلسطيني تهديدًا، والتخصيب الإيراني تهديدًا، والسيادة اللبنانية تهديدًا. والرد دائمًا هو نفسه: استباقي، عقابي، بلا مساءلة.
لكن عواقب هذا العنف ليست على إسرائيل وحدها. فقد بدأت الولايات المتحدة بالفعل إخلاء موظفيها الدبلوماسيين عبر الشرق الأوسط، استعدادًا لرد فعل إيراني. كما بدأ الخبراء في واشنطن يناقشون علنًا ما إذا كان رد إيران سيجبر أمريكا على التدخل. هذه ليست حربًا إسرائيلية. إنها حملة زعزعة استقرار إقليمية مدعومة بالكامل بالمال والدبلوماسية والقوة العسكرية الأمريكية. وتُنفذ باسمنا.
المفارقة هي أنه حتى خبراء الأمن الإسرائيليين يعرفون أن هذه الضربات لن تحقق أهدافها المعلنة. فالبرنامج النووي الإيراني واسع النطاق، محصن، ومُوزع. منشآت مثل نطنز وفوردو مدفونة تحت طبقات من الجرانيت والخرسانة المسلحة. وخبراء مثل هاريسون مان، الضابط التنفيذي السابق في وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية، اعترفوا صراحةً أن هذه الضربات لا يمكنها تدمير قدرات إيران. في أفضل الأحوال، قد تؤخر التقدم لبضعة أشهر. وفي أسوأها، قد تُحفز النتيجة التي تدعي منعها: انهيار الدبلوماسية والاندفاع نحو التسلح.
ومع ذلك، لا يبدو أن أيًّا من هذا يهم نتنياهو. ما يهم هو القوة، والصور، والبقاء. لقد قصف إيران كما قصف غزة، كما دبّر اغتيال نصر الله العام الماضي، كل ذلك وهو يواجه عزلة متزايدة واضطرابات محلية وإدانة عالمية. إنه نفس الرجل الذي وقف أمام الأمم المتحدة بينما صوتت 149 دولة لمطالبة إسرائيل بالامتثال للقانون الدولي، ثم رد بإرسال طائراته لقصف طهران. الرسالة لا يمكن أن تكون أوضح: إسرائيل لا تستجيب للقانون. إنها ترد على التحدي بالعنف، وعلى الإدانة بالتصعيد.
يُقال لنا مرارًا وتكرارًا إن إسرائيل تدافع عن نفسها. لكن الحقيقة أصعب هضمًا. إسرائيل تدافع عن حقها في الإفلات من العقاب. إنها تدافع عن نظام إقليمي لا يُشكك أبدًا في تفوقها، وحيث حدودها حيثما تقرر هي. ليس الخوف هو ما يدفع هذه الأفعال، بل الشعور بالاستحقاق.
وطالما أن المجتمع الدولي غير مستعد للتوقف عن مكافأة هذا الاستحقاق بالصمت والإفلات من العقاب والأسلحة، سيستمر العنف. المنطقة ستحترق. وإسرائيل، المتخفية بلغة الدفاع عن النفس، ستبقى كما أصبحت منذ زمن: دولة مارقة، تتظاهر بالضحية، في قلب كارثة تتكشف. ------ نبذة عن الكاتب والناشر **أحمد إبسيس فلسطيني-أمريكي من الجيل الأول، محامي، وشاعر، وكاتب يُصدر النشرة الإخبارية "حالة حصار". يتمحور عمله حول الهوية، والنزوح، والمقاومة، والتجربة الفلسطينية، حيث يدمج السرد الشخصي مع التحليل السياسي. **منصة Mondoweiss: منصة إعلامية مستقلة أمريكية تركز على تغطية القضايا المتعلقة بفلسطين والشرق الأوسط وحقوق الإنسان، وتقدم نقدًا للسياسة الخارجية الأمريكية والإسرائيلية
- تأسست في عام 2006 بواسطة فيليب وايس (Philip Weiss)، وهو صحفي سابق في نيويورك أوبزرفر. - هو مشروع إعلامي تقدمي مناهض للاستعمار ويؤيد القضية الفلسطينية. - ينشر مقالات وتقارير وآراء وأبحاثًا غالبًا ما تكون ناقدة لإسرائيل والولايات المتحدة والصهيونية والإمبريالية. - هدف المنصة هو تقديم وجهة نظر بديلة ونقدية غير موجودة في الإعلام السائد، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حرب إسرائيل الكبرى على إيران - صراع على ملامح النظام العالمي
...
-
طوفان الأقصى 617 - إيران – هل هي أزمة نظام؟
-
إسرائيل فتحت **صندوق باندورا النووي. ماذا تنتظر روسيا؟
-
طوفان الأقصى 616 – إسرائيل عرضت على إيران الإستسلام. كيف ستر
...
-
طوفان الأقصى 615 – الحرب تطرق الأبواب – واشنطن في حالة تأهب
...
-
سياسية روسية بارزة تدق ناقوس الخطر - بصراحة، الجبهة الداخلية
...
-
طوفان الأقصى 614 - من غزة إلى لوس أنجلوس - مقاومة العنف المن
...
-
قبل سنتين من الحرب الكبرى - هل تنجو روسيا من العاصفة القاتلة
...
-
طوفان الأقصى 613 - سكاي نيوز تشوّه سمعة غريتا تونبرغ وتتهمها
...
-
طوفان الأقصى 612 - بوتين يحرك قطع الشرق الأوسط ببراعة
-
تصدّع التحالف الأنغلو-أمريكي في منظور فيونا هيل - قراءة في م
...
-
طوفان الأقصى 611 – مصر تخشى من إندلاع الحرب في سيناء
-
طوفان الأقصى 610 – لماذا أنشأ ستالين المنطقة اليهودية ذاتية
...
-
روسيا - جذور سياسة بريطانيا العدوانية
-
طوفان الأقصى 609 – سيناريو جديد – ترامب يروج لصفقة مقايضة في
...
-
روسيا – الإمبراطور الأحمر – دروس ستالين والستاليتية
-
طوفان الأقصى 608 - كيف تحولت اليهودية من دين إلى عرق - دور ا
...
-
العيد 80 للنصر – الجزء الثلاثون - التاريخ كسلاح – صحفي إيطال
...
-
طوفان الأقصى 607 - من أين جاءت الكراهية لليهود في العالم: لم
...
-
العيد 80 للنصر - الجزء التاسع والعشرون – حول مسألة التعويضات
...
المزيد.....
-
بعد تهديدات ترامب.. أمريكا تعلن التوصل لاتفاقات تجارية مع كم
...
-
هل تلتزم حماس بنزع السلاح وتنهي حكمها في غزة تمهيدًا لوقف إط
...
-
عمرها 4000 عام ..بصمة يد تكشف أسرار -بيوت الأرواح- الفرعونية
...
-
تشيلي: إجلاء أكثر من مليون شخص تحسبا لوصول تسونامي
-
مشرّعون أميركيون يطلبون تحقيقا بشأن عمل مؤسسة غزة الإنسانية
...
-
ميلوني تخاطب نتنياهو بشأن مساعدات غزة وتقرير أممي يقلل من دو
...
-
عاجل | كتائب القسام: قصفنا تجمعا لجنود وآليات العدو بقذائف ه
...
-
مصر.. هكذا رد علاء مبارك على سؤال عن -سيدة- تدعي أنها ابنة ح
...
-
ترامب يستهدف الهند برسوم جمركية نسبتها 25 %
-
ترامب يفرض رسوما جمركية بنسبة 25% على الهند بسبب صفقاتها مع
...
المزيد.....
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
-
ذكريات تلاحقني
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|