زياد الزبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 8363 - 2025 / 6 / 4 - 10:58
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
*إعداد وتعريب د. زياد الزبيدي بتصرف *
فالنتين كاتاسونوف
أستاذ وعالم في الاقتصاد، دكتوراه في العلوم الاقتصادية. رئيس الجمعية الاقتصادية الروسية
مؤسسة الثقافة الاستراتيجية
7 مايو 2015
بلغ إجمالي الأضرار التي تكبّدها الإتحاد السوفياتي نتيجة الحرب العالمية الثانية ما يعادل نحو نصف خسائر جميع دول الحلفاء (الإتحاد السوفياتي، الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا).
في مؤتمر يالطا في فبراير 1945، إقترح ستالين تحديد إجمالي التعويضات التي ستدفعها ألمانيا بمبلغ 20 مليار دولار، على أن يُخصص نصف هذا المبلغ (10 مليارات دولار) للإتحاد السوفياتي، بإعتباره الدولة التي قدمت أكبر مساهمة في النصر وتكبدت أكبر الخسائر ضمن التحالف المناهض لهتلر. ومع بعض التحفظات، وافق روزفلت وتشرشل على إقتراح ستالين. وبحسب سعر الذهب في ذلك الحين (حيث كان الدولار الواحد يعادل 1/35 أونصة تروي من الذهب)، فقد كانت قيمة 10 مليارات دولار تعادل 10 آلاف طن من الذهب، أي أن إجمالي التعويضات كان يعادل 20 ألف طن من الذهب.
بناءً على ذلك، فقد وافق الإتحاد السوفياتي على تغطية أقل من 8% من أضراره المباشرة عن طريق التعويضات الألمانية، ونحو 2.8% فقط من إجمالي الأضرار. وهو ما أعتُبر لفتة كريمة من جانب ستالين.
وتتباين هذه الأرقام بشدة مع تلك المبالغ الضخمة من التعويضات التي فرضتها دول الوفاق (بإستثناء روسيا) على ألمانيا في مؤتمر باريس عام 1919. حيث نصت معاهدة فرساي على دفع ألمانيا 269 مليار مارك ذهبي، أي ما يعادل حوالي 100 ألف (!) طن من الذهب. ومع أن ألمانيا كانت في حالة دمار وتعرضت لأزمات إقتصادية خلال العشرينيات وأزمة الكساد الكبير لاحقًا، فإنها عجزت عن سداد هذه المبالغ الضخمة وإضطرت إلى الإستدانة من دول أخرى للوفاء بشروط المعاهدة.
لاحقًا، خفضت لجنة التعويضات في عام 1921 هذا المبلغ إلى 132 مليار دولار، أي إلى النصف تقريبًا، لكنه ظل يعادل حوالي 50 ألف طن من الذهب. وعندما وصل هتلر إلى السلطة عام 1933، أوقف دفع التعويضات كليًا. وبعد الحرب العالمية الثانية وإنشاء جمهورية ألمانيا الإتحادية عام 1949، ألزمها وزراء خارجية الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بالعودة إلى دفع الديون المرتبطة بمعاهدة فرساي.
وبموجب إتفاقية لندن لعام 1953، تم إعفاء ألمانيا من دفع الفوائد حتى يتم توحيد البلاد. وعندما توحدت ألمانيا في 3 أكتوبر 1990، إستؤنفت إلتزاماتها التعويضية بموجب معاهدة فرساي. وتم منحها 20 عامًا لسداد هذه الديون، حيث إقترضت البلاد 239.4 مليون مارك لأجل 20 عامًا. وانتهت ألمانيا من سداد هذه التعويضات لحلفائها في أواخر عام 2010.
وهذا يختلف بشكل صارخ عن سياسة الإتحاد السوفياتي، الذي تخلى بعد سنوات قليلة من نهاية الحرب العالمية الثانية عن المطالبة بتعويضات من رومانيا وبلغاريا والمجر، والتي أصبحت جزءًا من المنظومة الإشتراكية. حتى ألمانيا الشرقية (جمهورية ألمانيا الديمقراطية) توقفت كليًا عن دفع تعويضات للإتحاد السوفياتي بعد تأسيسها بوقت قصير.
لم يكن ستالين يرغب في تكرار ما حدث في ألمانيا وأوروبا بعد توقيع معاهدة فرساي، والتي وضعت ألمانيا في الزاوية ومهدت الطريق لنشوب الحرب العالمية الثانية. وأوضح أندريه فيشينسكي، نائب وزير خارجية الإتحاد السوفياتي حينها، في مؤتمر باريس للسلام أثناء مناقشة المعاهدة مع المجر، جوهر سياسة الإتحاد السوفياتي المتعلقة بالتعويضات بقوله:
"تنطلق الحكومة السوفياتية في سياستها المتعلقة بالتعويضات من مبدأ عدم خنق المجر، وعدم تقويض أسس تعافيها الإقتصادي، بل على العكس، تيسير نهوضها وتمكينها من الإنضمام إلى الأسرة الدولية والمشاركة في جهود إعادة بناء أوروبا إقتصاديًا."
وقد اتبع الإتحاد السوفياتي هذا النهج المتساهل أيضًا تجاه دول أخرى كانت تقاتل إلى جانب ألمانيا. فمثلًا، نصت المعاهدة مع إيطاليا على دفعها للإتحاد السوفياتي مبلغ 100 مليون دولار فقط، وهو ما لا يتجاوز 4-5% من الأضرار المباشرة التي لحقت بالإتحاد السوفياتي.
وكان المبدأ السوفياتي الأساسي في تحديد قيمة التعويضات هو السداد عن طريق الإنتاج الجاري، أي سلع ملموسة بدلًا من النقد. وقد إستُخلص هذا المبدأ من دروس الحرب العالمية الأولى. فقد فرضت تعويضات ما بعد الحرب الأولى على ألمانيا بصيغة نقدية بالكامل وبعملات أجنبية، ما أجبرها على تطوير صناعات تصديرية للحصول على العملات، بدلًا من تلبية السوق الداخلية، وأدى ذلك إلى دخولها في دوامة ديون خانقة.
لم يكن الاتحاد السوفيتي يريد تكرار هذا. ففي جلسة مجلس وزراء الخارجية بتاريخ 12 ديسمبر 1947، أوضح مولوتوف الموقف السوفيتي بقوله:
"لا تُجرى أي تسديدات جارية من مناطق الإحتلال الغربية، بينما تبلغ قدرة الصناعة في المنطقة الأنغلو-أمريكية الموحدة 35% فقط من مستوى عام 1938. أما في المنطقة السوفياتية، فتُجرى تسديدات جارية، وقد بلغت الصناعة هنا 52% من مستوى 1938. أي أن المؤشر الصناعي في المنطقة السوفياتية، رغم ظروفها الأكثر تعقيدًا، أعلى بمرة ونصف من مؤشر المنطقة الأنغلو-أمريكية."
وقد تم الاتفاق على مبدأ التعويضات غير النقدية في مؤتمر يالطا بين قادة الإتحاد السوفياتي، والولايات المتحدة، وبريطانيا. وأُعيد تأكيده في مؤتمر بوتسدام. لكن بدءًا من عام 1946، بدأ الحلفاء الغربيون بعرقلة هذا المبدأ عمليًا، كما بدأوا بعرقلة إلتزامات أخرى تتعلق بالتعويضات، حيث إتفق في بوتسدام على أن يتم السداد جزئيًا عبر تسليم المنتجات وتفكيك المعدات في مناطق الإحتلال الغربية، لكن الحلفاء وضعوا العراقيل أمام الجانب السوفياتي، الذي لم يحصل إلا على نسبة قليلة جدًا من المعدات المتفق عليها.
ومع بدء الحرب الباردة عام 1946، لم يتم إنشاء آلية موحدة لتحصيل التعويضات أو تتبعها. وبعد تأسيس جمهورية ألمانيا الإتحادية عام 1949، تلاشت فعليًا إمكانية حصول الإتحاد السوفياتي على أي تعويضات من الجزء الغربي من ألمانيا.
من اللافت أن الرقم الدقيق للتعويضات المفروضة على ألمانيا بعد مؤتمر يالطا لم يُذكر بعدها في أي وثيقة، ويظل هذا الملف غامضًا حتى اليوم، ولم يتم تدوين إلتزامات ألمانيا بشكل نهائي. ولأن آلية مركزية وفعالة لم تُنشأ، فقد قامت دول الحلفاء بتحصيل تعويضاتها من ألمانيا بشكل أحادي.
أما ألمانيا نفسها، فبحسب التصريحات الرسمية، لا تعرف على وجه الدقة مقدار ما دفعته كتعويضات. وفضل الإتحاد السوفياتي أن يحصل على التعويضات بشكل عيني بدلًا من النقد. وبحسب المؤرخ الروسي ميخائيل سيميرياغا، فقد أصدرت الهيئات العليا في الإتحاد السوفياتي قرابة ألف قرار بين مارس 1945 ومارس 1946 بشأن تفكيك 4389 منشأة صناعية في ألمانيا والنمسا والمجر ودول أوروبية أخرى، بالإضافة إلى نحو ألف مصنع نُقل من منشوريا وحتى كوريا إلى الإتحاد السوفياتي.
لكن هذه الأرقام تصبح مفهومة أكثر عند مقارنتها بما دمره النازيون في الإتحاد السوفياتي، حيث دُمر أكثر من 32 ألف منشأة صناعية، أي أن المنشآت التي فككها الإتحاد السوفياتي لم تتجاوز 14% من هذه الخسائر. ووفقًا لنيكولاي فوزنسينسكي، رئيس لجنة التخطيط السوفياتية آنذاك، فإن المعدات التي أُحضرت من ألمانيا غطت فقط 0.6% من الأضرار المباشرة التي تكبدها الإتحاد السوفياتي.
وتتضمن الوثائق الألمانية بعض الأرقام، مثل ما أوردته وزارة المالية الألمانية ووزارة الشؤون الداخلية الألمانية، بأن إجمالي ما تم إقتطاعه من المنطقة السوفياتية وألمانيا الشرقية حتى عام 1953 بلغ 66.4 مليار مارك، أو ما يعادل 15.8 مليار دولار، وهو ما يعادل 400 مليار دولار بأسعار اليوم. وتم هذا الإقتطاع بشكل نقدي وعيني على حد سواء، وشملت البنود الأساسية ما يلي (بالمليار مارك):
-تسليم منتجات من المصانع الألمانية: 34.70
-مدفوعات نقدية بعملات مختلفة (بما في ذلك ماركات الاحتلال): 15.0
وخلال عامي 1945–1946، إنتشرت بشكل واسع عمليات تفكيك المصانع الألمانية وإرسالها إلى الإتحاد السوفياتي. وفي مارس 1945، تم إنشاء "اللجنة الخاصة" التابعة للجنة الدفاع الحكومية السوفياتية لتنسيق عمليات تفكيك المنشآت العسكرية الصناعية في المنطقة السوفياتية بألمانيا. وفي الفترة ما بين مارس 1945 ومارس 1946، تم اتخاذ قرارات بتفكيك أكثر من 4000 منشأة صناعية، منها:
2885 مصنعًا في ألمانيا
1137 مصنعًا ألمانيًا في بولندا
206 في النمسا
11 في المجر
تمّ تفكيك المعدات الرئيسية في 3474 موقعًا، حيث تمّت مصادرة 1,118,000 وحدة من المعدات: 339,000 مخرطة لتقطيع المعادن، و44,000 مكبس ومطرقة، و202,000 محرك كهربائي. ومن المصانع العسكرية البحتة الواقعة في المنطقة السوفياتية، تمّ تفكيك 67 مصنعًا، وتدمير 170 مصنعًا، وتحويل 8 مصانع لإنتاج السلع المدنية.
ومع ذلك، فإن تفكيك المعدات أدّى إلى توقف الإنتاج في الجزء الشرقي من ألمانيا وازدياد البطالة، ولذلك تمّ إيقاف هذا الشكل من التعويضات بحلول أوائل عام 1947. وبدلًا من ذلك، تمّ على أساس 119 منشأة صناعية كبيرة في القطاع الشرقي المحتلّ، إنشاء 31 شركة مساهمة بمشاركة سوفياتية. وفي عام 1950، شكّلت هذه الشركات 22% من الإنتاج الصناعي في جمهورية ألمانيا الديمقراطية. وفي عام 1954، تمّ نقل ملكية جميع الشركات المساهمة ذات المشاركة السوفياتية إلى جمهورية ألمانيا الديمقراطية مجانًا. وبذلك، تمّ وضع حدّ نهائي لقضية تعويضات الحرب العالمية الثانية.
------
يتبع ...
#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟